الوطنية و الأونطجية

لا شك أننا جميعا نحب وطننا السودان و إن كان بدرجات متفاوتة و بمقدار يتغير بتغير مراحل العمر و مدى بعدنا أو قربنا من الوطن في المكان

كما و تتفاوت أيضا طرق التعبير عن هذا الحب و لا شك أن أرقى درجات التعبير عن هذا الحب هو خدمة البلد بالفعل لا بالقول حتى و إن لم تقل في حياتك و لو مرة واحدة أنني أحب بلدي و هؤلاء في نظري هم الوطنيون الحقيقيون الذين ندر وجودهم في هذا الزمان أولئك الذين يعملون في صمت و بإخلاص و دون إنتظار مقابل و دون عمل تظاهرات كلامية في حب الوطن
و هناك نوع أخر من المواطنين إذا تكلموا عن السودان إغرورقت أعينهم بالدموع و ظهرت تعبيرات غريبة على وجوههم و دخلوا في حالة من الهيستيريا الكلامية عن السودان و عن حبهم له و عن إستعدادهم للتضحية في سبيله بكل شئ فإذا فتشت عنهم وجدت أنهم معاول هدم في أساس البلد و سببا مباشرا في ضياع أبنائها و أنهم كونوا ثرواتهم على حساب خراب البلد و تشريد أبنائه

و هذه الفئة الأخيرة هم غالبا من الشخصيات العامة سواء سياسيين أو فنانين أو رياضيين أو حتى مثقفين من صحفيين و رجال أحزاب و لهم مواسم كمواسم التزاوج عند الطيور .. يظهرون فيها على شاشات التلفزيون ليعيدوا على أسماعنا ما يقولوه كل عام من قصائد حب ثم يختفون بعدها و هؤلاء أعرفهم عندما يتشنجون و يعلو صوتهم ثم يبدأون بالصراخ كلما سمعوا أن كلمة قيلت في حق السودان لا نأخذ منهم إلا الكلام و الإنفعال و الشعارات المزيفة و هكذا شعارات في شعارات و بعدها يولي كل واحد إلى معوله ليمارس هواية الهدم في أساس البلد و الدموع تذرف من عينيه لتتساقط على معول الهدم في يديه و هو يقول كله في حبك يا سودان

و إذا كان النوع الأول من المواطنين هم ما يطلق عليهم الوطنيون فإن النوع الآخر من المواطنين هم " الوطنجية " تمييزا لهم عن الوطنيين الحقيقيين و لأن تعبير وطنجية يتناغم و يتجانس مع كلمة " أونطجية " كما أن كلمة وطنجية توحى بأنهم إتخذوا من الوطنية مهنة يحققون منها أرباحا و لو كان ذلك على حساب خسارة الوطن كله و للأسف فنحن شعب عاطفي ننخدع بكلمة فما بلك بدمعة و لأننا عاطفيون فإننا نصدق هؤلاء " الأونطجية " و ننساق وراء إدعاءاتهم فنصدقهم و في نفس الوقت نكذب الوطنيين الحقيقيين لأنهم لا يجيدون فن الكلام

أعتقد أنه قد حان الوقت لنحاسب كل من يدعي حب البلد حسابا عسيرا فنقول له ما الذي قدمته للبلد غير الكلام حتى تدعي حبه ؟ و لنترك العاطفة جانبا هذه المرة