في بيتنا حرامي كنا في المرحلة المتوسطة وعلى أعتاب المراهقة. زارنا أقارب ليقضوا معنا الاجازة الصيفية. كعادة السودانيين في ذاك الزمن الجميل، حيث كنا نتبادل الزيارات وقضاء الاجازات بين المدن مما أتاح لنا العيش ولو لفترات قصيرة في كثير من مدن السودان الجميلة والمنتشرة على ربوع الوطن. المهم الضيوف كان لهم أبناء في سننا (من دورنا بالعامية) بل يصغرونني قليلا. ونحن نيام في حوش بيتنا الخلفي. إذ كان به ثلاثة حيشان. حوش أمام الصالون في مواجهة الشارع الشرقي وحوش في مواجهة الشارع الشمالي. وحوش ثالث في مواجهة جارنا من ناحية الجنوب. حيث كنت انام والشباب من الضيوف. في ليلة قمرية والسماء ملبدة بالسحب تلعب معها القمر لعبة ( الاستغماية ) يظهر الضوء ينير الفضاء ثم يختفي بالتدريج ليظهر تارة اخرى . الجو صحو مع قليل من الهواء المنعش الصافي دون غبار. كنت في عز النوم ساعة النسمة ترتاح على هزق الدغش وتنوم ، فجأة صحيت على شخص يهزني من كتفي. (درديري درديري قوم الحرامي) فتحت بفزع ونظرت حيث يؤشر الضيف الذي أيقظني. فعلا في الباب الفاصل بين حوش الصالون وحوشنا الذي ننام فيه كان هناك شخص يمد رأسه ينظر الينا فترة قصيرة ثم يسحبه. أول خطوة رغم ضربات قلبي التي بدأت تتسارع رفعت نصفي الأعلى بعنف وانا لازلت على السرير (نظام أنا قمت خلاص يلا أجري) لكنه ثقيل ظل في نفس الحركة يمد رأسه فترة قصيرة ثم يسحبه. إذا لا بد من حركة أخرى أكثر فاعلية وإيجابية لا أنكر أني كنت خائفا لكن عندما يستغيث بك الآخرون عليك أن تطوي خوفك مثل برش الصلاة وترميه على سقف قلبك وتنساه. كان عندنا شجرة ليمون أحد فروعها المتدلية مسنود بقطعة ماسورة من النوع القوي الملبس ( قلفنايز ) كانت تستخدم في تمديدات المياه سابقا قبل ظهور المواسير البلاستيكية . انتزعت الماسورة كذلك بعنف عسى هذه الحركة أن ترعبه فيجرى، حقنا للدماء وكفى المؤمنين شر القتال وبعدها نحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب. وبدأت اتحرك نحوه رافعا الماسورة لأعلى. كل هذه الخطوات لم تهزه لازال في تحديه السافر بغيظ يمد رأسه ويسحبه. استيقظ كل الأخوة الضيوف وتجمعوا خلفي يمسكون قميصي من الخلف وانا أتقدم. لا سبيل للتراجع بعد الآن كان ممكن أقول (يا اخونا سيبوه دا حرامي مسكين أصلا ما راح يقدر يدخل أكثر من كدا) لكن هم من خلفي قفلوا خط الرجعة إذا لابد من التقدم. فصرت، منتصب الهامة أمشي مرتفع القامة أمشي في كفي قطفة زيتون وعلى كتفي نعشي وانا أمشي وأنا امشي، على قول النشيد الفلسطيني الخالد. صحيح أنا خائف لكن لو وصلت عنده لأحولن رأسه الى (كوستلتيه) أكيد لن أعطيه فرصة يدافع ويرد الضربة بالضربة. فجأة خطر في بالي هاجسا مرعبا جعلني اتوقف قلت طالما هو لم يهتز بكل هذه التحركات هذا يعني أنه يمتلك سلاح أخطر ربما مسدس مثلا (لا حول ولا قوة الا بالله) طيب لو كان عنده مسدس ماذا ينتظر كان الأولى يتحرك هو نحونا. الفكرة الأخيرة جعلتني اطمئن واواصل التقدم. بعد عدة خطوات اختفى وطال اختفائه. مما شجعني على التقدم أسرع والجري خلفه. قلت هذا يعني هرب ولا بد من اللحاق به واعطائه ضربة (لبعة) على ظهره قبل أن يقفز خارجا تكون لنا عيد وتسير بها الركبان. لكنه عاد يطل (يتاوق) مرة أخرى توقفت (فرملت) حتى خبط الضيوف في ظهري. عندما اقتربنا أكثر بدأت تبين ملامحه تماما. (عرفته)😨😨😵 نزلت الماسورة وبخطوات واثقة وتحت دهشة الضيوف تحركت نحوه ومسكته ونفضته لأبين لهم أنه ما هو الا قطعة (البشكير) التي اعتاد أهل البيت يمسحوا بها البلاط وينشروها على حلق الباب الفاصل لتجف. كانت تحركها الرياح.😜😜😜😂😂
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة