يااااااه يا تاج .. يا صاحب الذهن الملتاع الملتهب عاطفة ووفاء .. يا له من عود.. لقد أثرت في النفس شجون نكأت إلى الحاضر ذكرى .. وأي ذكرى في مقام يكون فيه الأستاذ الأديب الفنان الكابلي في معية جلسائه .. عطر الله مقام هذا المبدع القامة أين ما كان وبارك له في أيامه .. فهو مكتبة حية متحركة من الأدب والفن وتاريخ العلاقات الاجتماعية في سودان اواسط القرن الماضي.. سانحتان في حياتي حظيت فيهما برؤية الكابلي فيس توفيس .. أحداهما وأنا في مرحلة الطلب في بيت جاره وصديقه المرحوم مصطفى الملك .. والثانية في عرس بنت خالي المرحوم حمد الزبير الملك .. ولكن ما لم أكن أعرفه وعرفته بعد التحاقي بالقضاء .. هو ذلك الإرث المسؤول من الانضباط الإداري والأداء الوظيفي الماهر.. والسيرة العطرة التى تركها الأستاذ في إدارة المحاكم .. لو كان الأستاذ من جيلنا أو الجيل اللاحق الذي يستسهل القيّم الوظيفية.. لما انحاز لمبادئه الأخلاقيه واستثقل الجمع بين فنه ووظيفته الإدارية .. فهو من ذلك الجيل الذي اعتمر التخصص كمدخل للمهارة والتجويد .. برفقة سوامق في القضاة ومن سبقوهم من الإداريين القضاة قبل أن يتم الفصل بين الإدارة والقضاء .. ليته وجد متسعا من الوقت ليوثق لهذا الجيل تاريخ تلك المرحلة ورموزها .. وعلى ذكر نشيد التعاون هذا النشيد التنويري الرائع .. وبرنامج التعاون المعرفي الذي كان يقدمه للإذاعة صديقه وجاره القيادي التعاوني المرحوم مصطفى الملك .. أدنى إلى خاطري جانب من سيرة ذلك التعاوني الفذ .. صاحب فكرة وتأسيس المؤسسة العمالية التعاونية التي لازالت شاخصة إلى اليوم.. وكانت سقوفات طموحاته أن يبلغ بها نجاحات تلك المؤسسة التعاونية الألمانية الرائجة .. التي استقى الفكرة منها مستعينا بخبرائها في التأسيس .. وهي لازلت قائمة تنشر فروعها في الدول الأوربية .. وتقدم خدماتها التجارية بأسعار تناسب الدخول الدنيا تحت اسمها التجاري ( ألدي).. لقو سلسلة متاجر ALDIالشهيرة .. كان مشروعا طموحا أراد المرحوم برؤيته المتقدمة سودنته وتوطينه ليعم القرى والمدائن.. قبل أن تئده مؤامرات رموز هذا العهد الغيهب .. الذين ما تركوا مؤسسة أو مشروع إلا وغرسوا أصافرهم المسمومة في خاصرتها .. مؤلم أن يكون مثل ذاك الخبير الخلوق عرضة لمؤامرات خبثاء عصر التمكين .. لا لشيء إلا لنجاح مؤسسته وجشعهم في قيادتها وابتلاعها.. حاكوا له تهمة مزورة بليل أوقفوه على إثرها .. ثم زجوا به في السجن وقدموه لمحاكم الطوارئ سيئة الذكر .. غير أن لطف الله كان ملازما يده البيضاء النظيفة .. استمرت جلسات المحاكم لاربعة سنوات لتنتهي في نهايتها بسطر واحد نطقت به المحكمة .. أتظنونها كانت البراءة !! لا .. بل قضت المحكمة بشطب البلاغ من أساسه في مواجهة المرحوم لعدم وجود بينات !!! أي والله !! قرار في غاية الوضوح والجلاء يعدم أي أساس لشبهة تهمة .. كان من اليسير لوكيل نيابة مبتدئ إصداره قبل سنوات أربعة .. قضاها المرحوم وسيف الاتهام معلق على رقبته .. تطوله عيون متدربيه في التعاون وزملائه بعين الاشفاق حينا والريبة حينا آخر .. ولكن هل كانت العدالة هي مقصود أولئك الجبناء ؟ أبدا .. بل المقصود أبعاد الرجل بسيف إجراءات باطلة .. كشفت عن أسوأ صورة لاستغلال السلطة .. لا لشيء إلا لتخلوا وظيفته .. فيسيطروا على المؤسسة ويرعبوا منسوبيها تمهيدا لنهبها وتدميرها .. نعم كان القرار القضائي بعد سنوات أربعة شطب البلاغ لعدم وجود بينات .. سمع ذلك المتهم و الحضور وعيونهم تكاد تقفز من محاجرها من هول المفاجأة المستغربة .. أفواههم تسمرت وعلى أطرافها السؤال المهيب ( طيب ليه من الأول) !!؟؟ سؤال مهيب لم يجرؤ على الخروج إلى العلن حتى لا تهتز القاعة وتموت الثقة في العدالة .. سؤال واستغراب لازم المرحوم بقية أيامه .. تلته محنة كان الحزن سيدها والناس تغدو ولا تروح خيمة العزاء المنتصبة أمام داره .. مات الرجل الخلوق ولكن بحمد الله بعد أن سمع قرار المحكمة .. مات ليس بسبب فرحة غامرة غشته .. بل بسبب حزن اسيف ممض اعتصر قلبه على ما آل إليه اخلاق أهل التمكين .. كانت مشيئة الله أسبق لتنج روحه السمحة من الحياة لزمن قادم .. هو الأسوأ والأفسد والأقبح في تاريخ السودان المعاصر.. ما قصدت غمكم بحكاية من حكايات مظاليم هذا النظام الآسن وهم كثر .. لو لم تدفعها إلى الخاطر ملامح صداقة وجوار وتعاون بين المرحوم والفنان الكابلي .. هو شاهد عين فيها كانت ثمرتها ذلك البرنامج الأذاعي فيما أعتقد.. وربما لا أكون مخطئا إن داخلني اعتقاد بأن مؤلف هذا النشيد هو الأستاذ الكابلي نفسه .. مد الله في أيامه ورحم صديقه .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة