|
Re: أسئلة زي الرصاص و إجابات كذلك: آخر حوار مع (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
عرب خالد بيومي [نُشر في 2018/01/12، العدد: 10867، ص(12)] كاتب عشق التمرد
القاهرة- كان صلاح عيسى كاتبا عنيدا يعشق التمرد، ويهوى كسر الخطوط الحمراء. اصطدم بعبد الناصر فقال عنه “هذا الولد لن يخرج من السجن وأنا على قيد الحياة”. في عهد السادات حل ضيفا على المعتقل مرتين. تخصص في كتابة التاريخ الاجتماعي السياسي المصري بأسلوب أدبي شيق.
تحفل مكتبته بالعديد من المؤلفات التي تربت عليها أجيال مثل: مثقفون وعسكر، دستور في صندوق القمامة، بيان مشترك ضد الزمن، شاعر تكدير الأمن العام، الثورة العرابية، الكارثة التي تهددنا، تباريح جريح، صك المؤامرة، حكايات دفتر الوطن، محاكمة فؤاد سراج الدين، السلطان وقضاة الشرع.
دخلت السجن أكثر من مرة، وسرقت القضبان الحديدية أجمل أيام عمرك.. ما الذي تبقى في ذاكرتك من هذه التجربة؟
– سنوات السجن من أفضل أيام حياتي ولا أرى أنها سنوات ضائعة، وأعتقد أنني كسبت من ورائها أكثر مما خسرت على المستوى النفسي؛ فالسجن ولّد بداخلي فكرة قبول المخاطر وتحمّل التقلّب في الأحوال. أنت اليوم حر، تكسب، ولديك مال ولا تستطيع أن تأكل ما تريد، عاطل بلا عمل وهناك من يحاول إفقادك احترامك لنفسك.. كل هذه الأوضاع يحتاج الإنسان إلى أن يتعلم كيفية تحملها، كما أن السجن فرصة للتأمل. وهنا أتذكر مقولة الروائي الأردني الراحل غالب هلسا “كلما كان الإنسان صاحب ثراء داخلي، استطاع أن يقاوم أي ظرف خارجي”.
السجن مناسبة لاجترار الأفكار، حيث استطعت أن أقيم حوارا مع نفسي، وأتأمل نفسي في ظروف لا تتيحها لي حياة الحرية، كما استطعت قراءة كتب عديدة. وكان السجن فرصة للتعرف على شخصيات رائدة لرموز كانوا زملاء وراء القضبان مثل عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وجمال الغيطاني وغالب هلسا وإبراهيم منصور ومحمد حسنين هيكل وعبد الفتاح باشا حسن.
ما هي أسوأ مراحل السجن؟
– “الحبسة الأولى” أول مرة دخلت السجن كنت فيها أشبه بالمذهول. رأيت أناسا متوحشين يعذبون البشر وأنا محتجز طوال 23 ساعة يوميا داخل زنزانة ضيقة، وكان ذلك عام 1966، والسبب المباشر لاعتقالي سلسلة مقالات كتبتها في مجلة “الجديد” اللبنانية تحت عنوان “الثورة بين المسير والمصير” بمناسبة العيد الرابع عشر لثورة 23 يوليو 1952. هذه المقالات استفزت الرئيس عبد الناصر، وطلب مذكرة بشأنها قدمها علي صبري، أمين عام الاتحاد الاشتراكي، حيث اعتبرها مقالات متعالية خارجة عن السياق العام، وكان عبد الناصر يُستفز من النقد اليساري تحديدا لأنه كان يعتبر أنه هو شخصيا أكبر يساري في العالم العربي.
استمرت فترة سجني الأولى ثمانية أشهر ولم أخرج إلا بعد توسط المفكر الفرنسي الشهير جان بول سارتر أثناء زيارته للقاهرة
كنت أحب عبد الناصر لأنه كان زعيما وطنيا معاديا للاستعمار والصهيونية ولديه أفكار اجتماعية متقدمة. لكن مشكلتنا معه كانت تتمثل في افتقاد نظامه للقدر الكافي من الحريات والديمقراطية. المهم أنه قام بالتوقيع على المذكرة بعبارة “يُعتقل ويُفصل من عمله”. وكان من الصعب أن تجد عملا في أي مجال خارج نطاق الحكومة. استمرت فترة سجني الأولى ثمانية أشهر، ولم أخرج إلا بعد توسط المفكر الفرنسي الشهير جان بول سارتر أثناء زيارته للقاهرة، حيث قدم أهالينا مذكرة له، وتوسط لنا عند عبد الناصر الذي أفرج عنا وعاد كل زملائي إلى أعمالهم إلا أنا.
دخلت السجن للمرة الثانية بسبب مشاركتي في تظاهرات الطلاب عام 1968 احتجاجا على نكسة يونيو 1967، واحتجاجا على الأحكام التي صدرت بحق قادة سلاح الطيران الذين تسببوا في الهزيمة، وبقيت هذه المرة ثلاث سنوات ونصف السنة في السجن، وجرت محاولات للإفراج عني بوساطة خالد محي الدين ونايف حواتمة، لكن الرئيس عبد الناصر قال لهما “سيظل هذا الولد في السجن طالما أنا على قيد الحياة”. وخرجت من السجن بعد وفاة عبد الناصر. في عهد السادات تم التحقيق معي عام 1972 بتهمة المشاركة في الذهاب إلى الجامعة وتحريض الطلاب على التظاهر والإضراب. وفي عام 1975 تم اعتقالي بتهمة التحريض على التظاهر. وفي عام 1977 اعتقلت بتهمة المشاركة في انتفاضة 18 و19 يناير. وفي عام 1979 قُدمت للمدعي الاشتراكي مع عدد من كبار الكتاب منهم أحمد حمروش وأحمد فؤاد نجم ومحمد حسنين هيكل ومحمد سيد أحمد والناقدة فريدة النقّاش بتهمة نشر مقالات في الصحف العربية تنتقد النظام.
الآن، كيف تقيم التجربة الناصرية؟
– عبد الناصر كان كما وصفه الشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري “عظيم المجد عظيم الأخطاء”. وعندما رحل حدثت مشادة بيني وبين قائد المعتقل في السجن لأني أردت إرسال برقية عزاء فيه، ولكن القائد رفض. تابع
|
|
|
|
|
|
|
|
|