|
Re: ورشة النقد السوداني: قضايا اولية (Re: osama elkhawad)
|
ازمة القراءة تخلق (القطيع المتحير)
كتر خيرك يا صديقي ، جيد انك تطرقت لفكرة القراءة في مجتمعاتنا ، ولا اعتقد حتى القليل الموجود هو قراءة بمعناها المتعارف عليه ، وانما هو نوع من الإطلاع من اجل المتعة الذاتية العابرة ، فالقراءة كعملية (نقدية) تثير اسئلتها وتصوراتها ما بعد القاء الأسئلة هي عملية غائبة..! المخيال الإجتماعي غير القارئ The social imagination that none reader تظهر ابشع تجلياته في شعارات مثل (الشعب يريد اسقاط النظام) ، واليوم اصدقاءنا التوانسة اختصروا الشعار (الشعب يريد اسقاط الميزانية).. فعدم القراءة كعملية فاعلة يخلق عقلية سلبية تدميرية (يريد اسقاط) ولا تخلق عملية ايجابية حتى في صياغة شعار مرحلي ، فياترى ماذا سيكون نفس الشعار في مجتمعات اخرى؟ مجتمعات قارئة مثلا؟!!..اظنه سيكون (الشعب يريد بناء النظام) او (الشعب يريد تغيير النظام)..وحتى مفهوم مصطلح النظام فهو ملتبس..في مخيال الشعوب القارئة يكون المعني هو السيستم ..بكل كلياته: ادارة ، سياسة عامة ، اخلاق ، قيم وطنية ، اقتصاد..جمال..الخ..بينما عندنا في مجتمعاتنا يكون النظام هو الحاكم فقط..لذلك حتى لو تغير الحاكم ، تجد أن الوضع لا يتغير كثيرا..!
ولكن كيف نعيد زمن القراءة لواقعنا؟..دعنا نختصر الجهد في مجتمعنا السوداني..! غياب المكتبة العامة له اثر كبير ، واظنك تذكر يا صديقي ، حينما كنا طلاب بالمرحلة الثانوية نجد ما يسمى بالمكتبة المدرسية..كل مدرسة ، او معظم المدارس بها مكتبات تحوى مقتنيات متنوعة وتسمح للتلميذ بخيارات ، صحيح قليلة ، ولكنها موجودة..قبلها في بعض المدارس الإبتدائية كانت هناك حصة اسبوعية اسمها (قراءة/مكتبة) توزع الكتب على التلاميذ لتقرأ ، وفي مراحل اخرى كانت القراءة لا تعني مجرد الإطلاع ، وانما يستتبع ذلك تلخيص للكتاب واهم الأفكار التي يحتويها..وهي عملية تدريبية وتربوية ذات اهمية كبيرة..! بالرغم من شظف المعيشة وقلة النقود ، الشباب كان يتبدع طريقة ذكية للقراءة: تكون مجموعة وكل منها يحاول اقتناء كتاب..فان كانوا سبعة مثلا (من الجنسين) ستجد انك بثمن كتاب تيسر لك قراءة سبع كتب..وهكذا..!
روح الإستهلاك ، وسيطرة وسائل الإتصال وادواتها (مثل التلفونات الذكية) ، لها اثرها في غياب القراءة ، لأنها سريعة وتعود الإنسان الملل..وروح الإستهلاك تظهر في ان المستهلك يدخل في موازنة قاسية: هل يصرف الرصيد في تنزيل كتب ام يصرفه في المواقع الخفيفة مثل الواتساب وغيرها؟.. حال القراءة عندنا تذكرني بمفهوم تشومسكي الذكي (القطيع المتحير)..وذلك في كتابه* السيطرة على الميديا..وصناعة البروبوقاندا التي تصل في اعلا تجلياتها في خلق الإجماع الوطني المزعوم ، وبالتالي افراغ الديموقراطية من اسمى معانيها (المشاركة في صناعة القرار العام ، الحق في المعلومات..الخ)..بيد ان الحال عندنا لا يذهب الى حد ذلك الذكاء المقنن والمؤسس ، وانما الحكومات تعمل بنظام (امسك لي واقطع ليك) :لا نريد شعوب قارئة ، لا نريد شعوب فاهمة ، نريد شعوب داجنة..فلذلك القراءة فضيلة غائبة ومغيبة في كثير من الأحيان..!
ياترى ماذا يضيرنا ان كانت لكل جامعة من الجامعات التي نفخر بتكاثرها دار للنشر ، النشر الحر الذي لا يساءل ويقمع نوع الكتابة وانما يتحداها بكتابة تناقش المرفوض وتضحده بالحجة؟..ماذا يضيرنا ان كانت لكل جامعة مجلة فصلية محكمة فيها بحوث ودراسات تهتم بتشريح الواقع وصياغة المستقبل؟.. كنت اتصور ، حينما انتباتنا حمى التسجيل في منابر النقاش السودانية العديدة في بداية هذه الألفية ، ان يكون هناك ركن يسمى ركن القراءة: زاوية ثابتة ، بالشهر ، بالفصل ، كل من قرأ كتاب ياتي بتلخيص له او تقديم اهم المعلومات فيه ، حتى يتاح للأخرين قراءته متى ما تيسر لهم..ولكن..! سادت روح المرحلة واللحظة الراهنة..وكانت الأولويات تحدد بطريقة عشوائية..واليوم بعد عشرات السنين :لم ننجز الأولويات المزعومة ولم ننجز القراءة كخطة بديلة من شأنها ان تخلق وعي خاص ومتميز..!
كبر ـــــــــــــــــــــــ
* Media Control The Spectacular Achievements of Propaganda Noam Chomsky Copyright © 1991, 1997 by Noam Chomsky A Seven Stories Press First Edition, published in association with Open Media
|
|
|
|
|
|
|
|
|