|
Re: ورشة النقد السوداني: قضايا اولية (Re: Kabar)
|
الكتابة في ظل الموت والحزن الخانق:
ياترى ماذا تعني الكتابة عن النقد في ظل ظروف خاصة تتميز بالحزن ، وظروف عامة تتميز بالحزن ، أيضا؟..هل تعني مقاومة واعلان عن البقاء والصراع من اجل البقاء؟..ام هي مجرد هروب من وقائع قاهرة وجبارة يواجهها الإنسان؟ المظاهرات تخرج في بعض المدن السودانية احتجاجا على اوضاع سياسية واقتصادية طاحنة ، السودان يستدعي سفيره لدي القاهرة في وجهة تصعيد ومواجهة مع مصر ، والي كسلا يعلن غلق الحدود مع ارتريا.. الحكومة تعلن تمديد وقف اطلاق النار لتؤكد ان الحرب موجودة رغم التطمينات بانقضاءها واعلان نهايتها اكثر من مرة دون جدوى ..مصر تكرر تصميمها على فرض واقعة ان حلايب وشلاتين اراضي سودانية..قائمة المحاميين التى ندعمها من على البعد في انتخابات نقابة المحاميين تفشل في كسب الجولة..بعض المنظمات الدولية تواصل تصميمها في خلق عزلة السودان بان تحدثنا عن عدم احترام السودان للحريات الدينية..لا يبشر الأفق بتوافق سياسي سوداني يبشر بغد مستقر يساعد في بناء مستقبل السودان..تصعيد وتصعيد وتصعيد..فما معنى الكتابة عن النقد في ظل هذا الظرف؟ اليوم ، كنت بصدد كتابة خاطرة صغيرة عن رحيل امي وشكر واجب لصديقات واصدقاء واقارب كثر كتبوا واتصلوا بغرض العزاء والمواساة في هذا الفقد الكبير، وقسمت الخاطرة الى اجزاء ، ادير فيها منولوجا ذاتيا استرجاعيا ،و حينما دخلت المنبر ، وبينما انا اكتب الجزء الأول واحاول ضبط تحريره بغية نشره ، اذ رن جرس الهاتف من النرويج..توجست من جهة الإتصال وتوقيت الإتصال ، فهي الجهة الأولى التي اتصلت بي لتخبرني برحيل امي قبل ايام قليلة مضت ، رفعت التلفون وانا احاول جاهدا ان اطرد الهواجس والخوف ،ان اطرد التشاؤم..! لقد صدق حدسي وتخوفي ، اذ نعي لي الناعي رحيل عمي وصديقي ابراهيم احمد معلا ، وهو رجل له افضال كثيرة على مسيرة حياتي ، هو الذي قرأ لي اول محاولة في كتابة الرواية (اول واخر قريبي لي يقرأ محاولاتي الروائية) ، واعجبته لدرجة انه كان يأخذها كأجزاء ويطبعها بماكينة الطباعة في مكان عملها في تسعينات القرن الماضي ، وهو الرجل الذي كان يشاركني قراءة مجلة الدستور في اواخر عهد نظام جعفر نميري..ومنشورات وكراسات وكتيبات صغيرة..كان يوجهني لكيفية التعامل مع الحياة والأشياء ، واشاركه مطاردات اهل الأمن له والمغامرات العجيبة المدهشة ..فلقد كان عمي ابراهيم ايقونة اثرت بصورة ايجابية في رؤيتي للحياة والإطلاع والتثاقف..! اول رد فعلي ، ان الغيت فكرة نشر الخاطرة عن رحيل امي..وانتابني احساس يائس ومظلم ، فما معنى الكتابة في ظل هذا الظرف؟ فياترى ماذا تعني الكتابة في ظل مثل هذه الظروف العامة والخاصة؟.. صحيح الجوع والقهر السياسي والإبادة العرقية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وقهر النساء وسيطرة الحزب الواحد على مفاصل دولة بحالها ، صحيح هي كلها مشاغل اساسية..ولكن..! لا يذكر العالم ديكتاتوريات السودان (عبود ، نميري ، البشير) ولكنه يذكر فكرة بناء الإهرامات في السودان ، يذكر انسان السودان النبيل ، يذكر روائي اسمه الطيب صالح..!..فياترى لماذا يتذكر العالم مظاهر عظمة انسان السودان ولا يتذكر الديكتاتوريات وقمعها لإنسان السودان؟.. وهل الإنقياد للمزاج العام الذي يمتلئ بالضيق والحنق يعني اننا سنكون امة ووطن؟.. قد تعني الكتابة ، في مثل هذه الظروف نوع من المقاومة ، قد تعني اننا ليس بالضرورة ان نكون كلنا سياسي او عاطفي ، وانما الضرورة تقتضي ان نؤمن بمبدأ تقسيم العمل الذي قال به السيوسيولوجي الفرنسي اميل دوركايم..! فالموت حق ، ولكن القهر ليس حق وانما عارض يحتاج المقاومة..ومن هنا تجئ فكرتنا للمواصلة في مشروعنا الصغير (ورشة النقد السوداني)..فصورة الطفلة الصغيرة في فيديو يتم تداوله في الواتساب وغيره من الوسائط ، الطفلة التي تساءل عمر البشير (رئيس السودان) عن اسباب زيادة سعر الرغيفة وانقاص وزنها ، لتنتهي بان ليس لنا غير الصبر..فهذا نقد..وواجبنا ان نقول لتلك الطفلة وغيرها من طفلات واطفال ان الصبر لا يغير حال الإنسان ، وانما النقد البناء والبحث عن خطوات المعالجة العملية..واول الخطوة محاولة خلق ذهنية ناقدة تفهم الظواهر بعمق وتقدم الإجابة بنفس القدر الذي تساءل فيه الظواهر وتقييمها وتوضيحها..فالنقد الثقافي يمثل انسب اداة للمقاومة..ليس مقاومة السياسي فقط ، وانما مقاومة الخنوع والإستسلام والعاطفية..! من هنا يجئ هذا الملف الأول من ملفات ورشة النقد السوداني ، نأمل من الأصدقاء المشاركات والمساهمات المتنوعة والمتعددة بغرض خلق ثقافة ناقدة.
ودمتم..
كبر
|
|
|
|
|
|
|
|
|