|
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين (Re: بدوي محمد بدوي)
|
الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين تغيير النظام الحاكم وأزمة القيادة)
-4-
ضرورة الأحزاب والحركات السياسية وقادتها ضمن اختلافاتها الفكرية والسياسية: لا شك في أنه سيتصدى من يقول بأن الأحزاب والحركات السياسية هي أرقى وأفضل صيغة توصلت لها البشرية لممارسة الحكم والسياسة، وكذلك سيأتي أيضا من يدافع عن الدور التاريخي للقادة السياسيين في تطوير وقيادة مجتمعاتهم نحو الأفضل ابتداء من الأنبياء مروراً بالزعماء والمفكرين والقادة التاريخيين الآخرين الذين أسهموا في تغيير تاريخ البشرية وكاتب هذه المقالة وكما هو مشار إلى هذا الطرح في مقاربة هذه الإشكالية يمكن تصنيفه ضمن هؤلاء الذين يقولون بذلك ولا يرى أي تناقضاً بين طرحه المتعلق بحقيقة الأحزاب والحركات السياسية السودانية وقياداتها المهترئة والدور الذي لعبته أو تلعبه القوى والأحزاب السياسية في بعض البلدان الأخرى وقياداتها الوطنية والتي ساهمت في تطوير بلدانها خصوصا إذا ما تمت الإجابة على السؤال عن أي أحزاب نتحدث وعن أي قادة نتحدث نحن هنا؟ لأننا ببساطة لا نتحدث عن أحزاب سياسية وفكرية رصينة أسهمت في تطوير دولها وشعوبها وناضلت من أجلها كالتي توجد في بعض دول جنوب شرق آسيا على سبيل المثال، ولا نتحدث عن قادة تاريخيين ومفكرين عظماء قلما تجد لهم نظير في تاريخ البشرية من أمثال الفاروق عمر بن الخطاب أو عبد الرحمن الداخل أو صلاح الدين الأيوبي أو صدام حسين المجيد ولا عن قادة ومفكرين ثوريين من أمثال محمد أحمد المهدي أو فلاديمير لينين أو ماو تيسي تونغ أو مهاتما غاندي أو ميشيل عفلق أو تشي جيفارا أو نيلسون مانديلا أو عزت الدوري ولا حتى عن قادة سياسيين وطنيين من أمثال جواهر لآل نهرو أو جمال عبدالناصر أو مهاتير محمد أو لي كوان يو أو فيدل كاسترو أو هوغو شافيز وإنما نتحدث عن مجموعة قادة غالبيتها من شذاذ الآفاق كما يقال، ومن الانتهازيين الذين يتسلقون على رقاب المغلوبين من أبناء شعبهم حيث لا تربطهم أي صلة حقيقية بشعوبهم أو أن هذه الصلة تلاشت تدريجيا مع مرور الأيام بالنسبة للذين ارتبطوا بقضايا شعوبهم في الفترات الأولى من بدايات ممارستهم للنضال السياسي وفي نفس الوقت نتحدث عن أحزاب وحركات جعلها هؤلاء القادة تفتقر لأبسط مقومات الحزب أو الحركة السياسية، أحزاب وحركات سياسية تراجعت في كل شيء على مستوى الطروحات الفكرية أو البرامج السياسية حتى وعلى مستوى الجماهير والكادر والعضوية كما تشظت هي نفسها في النهاية وتقسمت إلى شراذم ومجموعات صغيرة معزولة أصبح شغلها الشاغل التصارع والتسقيط وتشويه بعضها البعض وليس من أجل أي شيء سوى إرضاء غرورهم و إشباع رغباتهم الذاتية الخاصة، وكنتاج طبيعي لتلك الممارسات غير المسئولة دبت الصراعات الشخصية والعنصرية والقبلية، وهو حصاد متوقع لقيادات عقيمة وعاجزة وغير قادرة على ممارسة دورها، ومن ثم فإنها فقدت المبررات الموضوعية لوجودها فكانت المحصلة كارثية على بلادنا بتمزيق وحدته وإهدار ثرواته وإذلال إنسانه وتراجعه متسارعاً إلى الوراء, فساد التخلف وتفشى الجهل وعم الفقر والتشريد. ولا شك أيضاً إن هناك من يتصدى لمحاولة التبرير لأحزابهم أو قياداتهم ودفع تلك الاتهامات وتقديم حججهم بعدم موضوعية هذا الطرح واعتباره من قبيل التعميم المخل، بسبب أنه يتناول تلك التنظيمات السياسية كأنها مجموعة واحدة متجانسة الأطروحات، زاعمين بعدم إمكانية مقارنة حزب الطبقة العاملة بحزب شبه الإقطاع أو حزب اشتراكي وحدوي بحزب رأسمالي قطري، أو حزب ديني متخلف بحزب علماني تقدمي أو حزب ليبرالي بحزب غير ديمقراطي، أو حركة تحررية بحركة انفصالية عنصرية أو حزب على رأس السلطة ارتكب من الجرائم ما يندى لها جبين الإنسانية بحزب معارض لاحول له ولا قوة، كما سيزعمون أيضاً بأنه تعميم مخل ومتجاوز للموضوعية بعدم التمييز أيضاً بين قائد مناضل ارتبط بالجماهير وآخر ورث المنصب من والده أو جده، أو المقارنة بين قائد ضحى ودفع سنوات من عمره في السجون أو المنافي وآخر تربع على سدة الحكم ومارس كل السلطات، أو أن نقارن بين قائد تدرج في العمل السياسي من عتباته الأولى وقائد أسس حزبه وقاده بعد وصوله للسلطة، لنؤكد في هذا السياق أيضا إننا لا نؤمن بأسلوب وطريقة التعميم ونفهم جليا الفرق الواضح بين خلفيات القيادات السياسية السودانية وكذلك التباين الواضح بين أفكار وبرامج هذه الأحزاب من الناحية النظرية، ولكن ما نتحدث عنه هنا لا يخرج من إطار الممارسة السياسية المتشابهة لقادة الأحزاب والحركات السياسية السودانية في النمط والسلوك وبالمستوى الذي يجعل ممارسة من هو خارج السلطة الآن، لا تختلف عن من هو داخلها عندما تتاح له فرصة الوصول إليها وهي الممارسة نفسها التي أدت في النهاية إلى ذوبان جميع الفوارق بين غالبية هذه الأحزاب والحركات السياسية وجعلتها في النهاية جميعها كيانات كرتونية لا يمكن بأي حال تصنيفها كأحزاب أو حركات سياسية، وإنما مجموعات صغيرة ومعزولة عن الواقع. وها قد وجدت هذه الأحزاب والحركات السياسية خارج السلطة أخيرا في تطور وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لإقناع نفسها بأنها ليست متواجدة على الساحة السياسية فقط وإنما تناضل، حيث كونت شلل من هذه الكيانات مجموعات في وسائط التواصل الاجتماعي وأصبحت تكتب وتتشارك الآراء الساذجة، فهي تدري أو لا تدري أن ما تتناوله لا يطلع عليه إلا أعضاء هذه المجموعة أو تلك، والتي في معظم الأحوال تكون مخترقة بعناصر أمنية وجدت لنفسها مكاناً بينها في ظل حالة الترهل وعدم الانضباط التنظيمي الفادح الذي تعيشه تلك الكيانات. أما أحزاب السلطة فقد وجدت في الإعلام الممول من أموال الشعب وسيلة للحديث عن إنجازاتها الوهمية، لا تدرى إن طفلا صغير لن يصدق أي من خزعبلاتها. إن المشكلة الأساسية للأحزاب والحركات السياسية السودانية لا تكمن في أفكارها ورؤاها وبرامجها كما هو معروف، فغالبية هذه الأحزاب والحركات تتبنى أفكار وأطروحات جيدة وبرامج سياسية، لو أمكن تطبيق الجزء اليسير منها لاستقرت البلاد وازدهرت. فعلى سبيل المثال ماذا يتبنى تنظيم الإخوان المسلمين من أفكار؟ فتنظيم الإخوان المسلمين في السودان بمسمياته المختلفة وبغض النظر عن عدم وجود برنامج سياسي مرتبط بمشروع وطني واضح، أنظر ماذا يتبنى من أفكار بصورة عامة؟ ألا يتبنى الإسلام بمنظومة قيمه الأخلاقية السمحة على هدي الإيمان وقيم الخير والعدل والمساوة؟ ولكن أنظر ماذا يفعل أعضاؤه في الواقع وعلى الأرض من أفعال لا تستطيع الشياطين نفسها القيام بها. وكذلك بغض النظر عن نقد الأخرين للفكر الماركسي ومدى ملائمته للواقع الوطني ماذا يتبنى الشيوعيون السودانيون؟ أليس منظومة من القيم الماركسية التي تنادي بحقوق العمال والفقراء واحترام قيمة العمل وكذلك منظومة من القيم الأخلاقية الشيوعية التي تحترم المرأة وتدعو للخلق والإبداع في مجالات الأدب والفن وغيرها ولكن في الوقت نفسه، أنظر إلى ممارسة الحزب الشيوعي السوداني حيث لن ترى سوى عقلية التآمر واغتيال الشخصية والقمع وما يتبعها من إفلاس وإسفاف.. حيث مصطلحات عصابه الأربعة والثمانية والديناصورات وهلمجرا. وكذلك بغض النظر عن تصورات البعض للمسألة القومية والجدل حول عروبة البلاد، ألا يتبنى حزب البعث العربي الاشتراكي المفهوم الثقافي للعروبة وقيم الانقلاب الذاتي للتخلص من أمراض المجتمع، ويؤمن بحقوق الأقليات وكذلك يقر بالتمايز الثقافي في السودان، كما يؤمن بالوحدة العربية والاشتراكية والتحرر الوطني، ويتبنى حرب التحرير الشعبية لتحرير فلسطين، ومع هذا أنظر كيف إن هذا الفكر القومي الوحدوي الاشتراكي التقدمي الذي يستوعب علاقة العروبة بالإسلام بصورة لا مثيل لها ويعبر بأصدق الصور عن آمال الجماهير العربية العريضة من المحيط إلى الخليج ، كيف حولته على سبيل المثال القيادة التي سطت عليه في سوريا من حزب بهذه الأوصاف إلى مجموعة شراذم من القتلة الطائفيين، وكذلك كيف حولته القيادات الحزبية المترهلة في معظم الأقطار العربية الأخرى بما فيها السودان إلى مجموعات صغيرة معزولة عن الجماهير، باستثناء العراق بالطبع حيث توفرت لهذا الحزب العظيم قيادة عظيمة حركت شعارات النضال والتضحية ومقارعة الإمبريالية العالمية والصهيونية من مخازنها وأخرجتها للهواء الطلق ومن ثم جسدتها في الواقع غير مبالية بأي نتيجة كانت ولم تساوم يوما على مبادئ وأفكار الحزب التي آمنت بها، حتى نالت احترام القاصي والداني وقبل ذلك نالت احترام نفسها وشعبها وفوق هذا وذاك نالت رضى خالقها الذي لا تخشى سواه. وكذلك بغض النظر عن اعتبارها قوى تقليدية من قبل البعض، أنظر أيضا إلى أفكار حزب الأمة والأحزاب الاتحادية كذلك لتجدها كلها أفكار ليبرالية وديمقراطية ليثبت واقع الحال إن قياداتها حولتها إلى ممتلكات خاصة لأسرتي المهدي والميرغني. على أية حال إن أفكار وبرامج الأحزاب والحركات السياسية في السودان وباستثناء الحركات الانفصالية والعنصرية جميعها أفكار يمكن أن تساهم في تطور المجتمع السوداني اذا ما طبقت ومع ذلك فهي تحتاج ضمن ما تحتاج للتطوير والمراجعة شأنها شأن الأحزاب والحركات نفسها ولذلك يمكن القول إن مشكلة هذه الأحزاب لا تكمن في أفكارها وبرامجها السياسية بالدرجة الرئيسية ، وإنما في قياداتها التي ساهمت في قتل واضمحلال تلك الأفكار والبرامج لذلك فالتصور الصحيح لتطوير هذه الأفكار لا يكمن في مناقشه كيفية تطويرها الآن وإنما في تغيير القيادات الحزبية الحالية كمدخل لتطوير تلك الأفكار. لأنه بدون تغيير تلك القيادات لن يتوفر أدني مناخ صحي تستطيع من خلاله كوادر هذه الأحزاب مراجعة أو تطوير أفكار أحزابها بالإضافة إلى ترتيب أولياتها التنظيمية والسياسية. على كل حال فأن أي باب نطرقه في هذا المقال سيوصلنا إلى نفس النتيجة والتي مفاداها إن الأزمة السياسية في بلادنا هي أزمة أحزابنا وحركاتنا السياسية، وأن أزمة أحزابنا وحركاتنا السياسية تكمن وبشكل أساسي في الأشخاص الذين قادوا ويقودون تلك الأحزاب والحركات بالدرجة الأولى.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الأحزاب والحركات السياسية السودانية بين تغيير النظام الحاكم وأزمة القيادة | بدوي محمد بدوي | 12-30-17, 05:08 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 12-31-17, 05:54 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-01-18, 06:08 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | Asim Fageary | 01-01-18, 06:33 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-01-18, 07:07 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | Asim Fageary | 01-02-18, 04:01 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-02-18, 07:18 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-03-18, 05:50 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-03-18, 07:57 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-04-18, 04:13 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-05-18, 07:35 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-06-18, 06:55 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-07-18, 05:31 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-08-18, 07:06 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-09-18, 09:03 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-15-18, 07:27 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-20-18, 09:16 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | محمد على طه الملك | 01-20-18, 02:14 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-21-18, 06:59 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-22-18, 06:08 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-23-18, 05:16 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-25-18, 07:36 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-26-18, 08:05 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-28-18, 08:34 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 01-31-18, 01:24 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-02-18, 06:47 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-02-18, 08:15 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-03-18, 09:52 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-04-18, 12:34 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-05-18, 12:17 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-07-18, 01:52 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | Asim Fageary | 02-08-18, 11:43 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | Asim Fageary | 02-08-18, 12:07 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-11-18, 07:07 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | Asim Fageary | 02-11-18, 07:29 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-11-18, 07:53 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-11-18, 04:44 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-12-18, 12:45 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-14-18, 12:35 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-18-18, 03:13 PM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-19-18, 09:43 AM |
Re: الأحزاب والحركات السياسية السودانية (بين | بدوي محمد بدوي | 02-23-18, 02:13 PM |
|
|
|