الزئبق والسيانيد المستخدمان في تعدين الذهب قنابل كيمائية موقوتة – المخاطر والحلول
حاولتُ أن أجدُ عنواناً مناسباً لمقالي هذا، يناسب الخطر الذي بات يهدد جميع من بالسودان، من جراء استخدام مادتي الزئبق والسيانيد في التعدين الأهلي في السودان، فلم أجد أنسب من الاستعارة من كتابات فطالحة علماء البيئة في عصرنا الحديث، فالشق الأول من عنواني هذا مأخوذ من عنوان لبحث عظيم للدكتورة البرازيلية لويز دو لاسيردا والبروفيسور الألماني ويم سالمونز اسم ترجمته للعربية " الزئبق المستخدم في التعدين عن الذهب والفضة: قُنبلةٌ كيمائيةٌ موقوتةٌ"، والشطر الثاني مأخوذ من عنوان كتاب لأستاذي الجليل عصام محمد عبد الماجد بعنوان "التلوث المخاطر والحلول". الهدفُ من كتابةِ هذا المقال المختصر (وبلغة مُبسطة لتكون مفهومة للجميع، وخاصةً العمال الأهالي الذين يعملون في التعدين عن الذهب في السودان) هو لتوعية السودانيين من أكبر خطر يهددهم، وهو عن مخاطر استخدام الفصل الكيمائي لحبيبات الذهب، المتمثل في استخدام مادة الزئبق عند الأهالي لاستخراج الذهب، ومادة السيانيد التي تستخدمها الشركات الكبرى في التعدين، بمساعدة صديقي الباشمهندس منتصر الزين (الذي زار مناطق التعدين الأهلي في السودان وجمع المعلومات والبيانات اللازمة عن طريقة التعدين المستخدمة في السودان)، والحث أو بالأحرى المطالبة باستخدام البديل وهو الفصل الفيزيائي باستخدام المناضد الهزازة الآمنة، والتي لا تضر بالإنسان أو الحيوان أو البيئة، ومن المفارقات عند مقارنة التكلفة المادية بين استخدام الطريقتين، وجدنا أن استخدام المناضد الهزازة أرخص بكثير من استخدام الطرق الكيميائية المتبعة الآن في السودان، والمؤسف في الأمر، لا أحد يرفض استخدام المناضد الهزازة في عملية فصل حبيبات الذهب، ولكن الجهل بها وعدم التوعية هو ما دعيا الشركات والأهالي باستخدام مواد كيمائية خطرة تهدد حياة وصحة المواطنين مثل الزئبق والسيانيد، لا لشيء سوى أنها في متناول اليد، ولا أحد حاول أن يبحث عن البديل الآمن.
حسب الإحصائيات الحكومية فإن تعداد عدد العاملين في التنقيب الأهلي في السودان أو كما يُسمون بـ"الدهابة" يُقدر بعشرة مليون نسمة، أي ما يُقارب ثلث تعداد السودان، وهؤلاء يتأثرون تأثير مباشر بالزئبق في مناطق التعدين، وعلى حسب منظمة الصحة العالمية بأن نسبة الزئبق في دم وبول الإنسان لا يجب أن تتجاوز الـ 0.05 غرم/ التر، ولقد ذكرت الدكتورة لويز حتى الصياغ يسهمون في نقل الذهب المخلوط بالزئبق إلى المُدن ويلوثونها أيضاً، وذكرت أيضاً عندما تهطل الأمطار وتجرف الوديان بمخلفات الزئبق إلى الأنهار، بجانب التلوث المباشر للأنهار بالزئبق، فإن الأسماك تخزن الزئبق بداخلها، ثم يتناولها الإنسان، ولقد ذكرت بأنه في قرية ميناماتا اليابانية بين عامي 1956 و 1960 مات أكثر من 150 شخص وأكثر من 1000 شخص أُصيبوا بعاهات مدى الحياة من جراء تناول الأسماك الملوثة بالزئبق، وبظل الظروف اللاهوائية السائدة في الرواسب المائية في الأنهار، ومع مرور الزمن تحول الزئبق إلى ميثيل الزئبق العالي السمية، وبحلول عام 1987 تأثر أكثر من 17,000 شخص بالتسمم بمركب ميثيل الزئبق وتوفى ما يُقارب الألف شخص.
مما تقدم بالفعل كما أسمته الدكتورة لويز بأن الزئبق قنبلة كيمائية موقوتة تهدد الحاضر والمستقبل، وسيزداد سوءاً على المدى الطويل كما حدث في القرية اليابانية المنكوبة أعلاه، وندعو كل العاملين بالتنقيب الأهلي باستخدام المناضد الهزازة كبديل للمركبات الكيمائية، وآمنة، ورخيصة، وهي متوفرة في أمريكا بأسعار زهيدة وتتراوح قيمتها ما بين 160 دولار إلى 3,800 دولار بناءً على سعتها أو حجمها، في حين متوسط تكلفة الزئبق الشهرية المستخدمة في الطاحونة الرطبة الواحدة، تقارب الـ 5,000 دولار شهرياً ويهدد حياة الجميع.
هوامش: 1) Mercury from gold and silver mining: a chemical time bomb/ Luiz Drude de Lacerda, Wim Salomons, 1998 2) "سلسلة تقارير متفرقة عن التعدين الأهلي في السودان"، منتصر الزين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
النذير حجازي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست