نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
|
Re: رحلة لغوية ممتعة (عن اللغة الأم) (Re: Dahab Telbo)
|
(2)
غالبًا ما يجري الحديث عن اللغة الأم شجونًا وذكريات غائرة في أعماق النفس، لأن اللغة الأم هي كاميراتنا الأولى التي صورنا بها عالمنا الذي ما فتئنا نكتشف تفاصيله يومًا بعد يوم منذ وصولنا الأول؛ أعني : عندما يولد الإنسان يظل العالم أمامه طلسم غامض لا تفك تعقيداته إلا اللغة التي يجاهد في أن يقتحم عالهما الخاص. لا أدري ؛ ولكن هناك شيء ما يخص اللغة التي تعرفنا بها على العالم لأول مرة، شيء يظل مفقودًا في أي لغةٍ أخرى نتعلمها ؛ حتى ولو وصلنا لدرجة الموسوعية في تلك اللغة الثانية، ذلك الشيء الغامض يربض تحت وعينا الحسي في كل مرة نشير فيها للأشياء، قد تكون دهشتنا الأولى باكتشافها، أو حميمية اللقاء الأول بها، أو إسقاط الاسم على الشكل -عند معرفتنا الأولى أيضًا ؛ مهما كان يظل شيئًا مميزًا يزعم علماء اللغة النفسية(Psycholinguistics) أن اللغة هي المفتاح لمعرفة عقل الإنسان وهي الاختلاف الجوهري – بحسب رأيهم- الذي يميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية الأخرى (2) ، وهو قول يبين فضيلة المَلَكة الكلامية الناتجة عن معرفة الإنسان للغة ، كما أن اللغة هي وسيلة الإنسان للتواصل، فهي أيضا مصدر إلهامه للرؤى، والأفكار ؛ بل تتجاوز اللغة الإنسان في تكوينه الفردي لتمثل الحضارة البشرية فلا أحد يستطيع تخيل حال الكرة الأرضية وهي بلا ذاكرة!.
حسناً؛ لندع مطاردة الأخيلة جانبًا ونعود إلى مسار الحديث؛ لنؤكد أن علاقة البشر بلغاتهم الأم هي علاقة شاعرية، وخاصة ، تكاد تكون من الأشياء القليلة التي لا يستطيعون التعبير عن شعورهم إزاءها، فهي مميزة للدرجة التي تجعلها عصيةً على الكلمات؛ وكم من طبيب عجز عن تطبيب نفسه!، ولو أننا سألنا أحدهم عن بداية علاقته بلغته الأم، لألقى علينا نظرةً مفادها، وهل يسأل أحدهم عن تاريخ معرفته بأمه ! ، وذلك بالضبط هو جوابي فيما يخص علاقتي باللغة العربية؛ فعندما عرفت الحياة لم أعرف اللغة العربية؛ ولكني عرفت لغة الحياة. والتي بدورها صارت فيما بعد “اللغة العربية” إذًا هي علاقة، قدرية/أزلية، وذلك بالضبط ما يجعلها مميزة على الدوام كما أسلفت.
تلبو
__________ (2) النظريات اللغوية والنفسية العصيلي ص73
|
|
|
|
|
|
|
|
|