هل العمل الفني معصوم عن الخطأ؟! وهل تكون محاكمة العمل الفني اخلاقيا بمثابة تعدي على حرية التعبير؟!
الاجابة على السؤال الأول لا .. مضامين ورسالات الاعمال الفنية غير معصومة عن الخطأ, وهي خاضعة تماما لسلطة النقد من ناحية .. ولسلطة الأخلاق من ناحية أخرى.. وبالتالي تكون محاكمتها نقديا وأخلاقيا جزء لا يتجزأ من مجمل العملية الابداعية التي لا تبدأ من المبدع ولا تنتهي عنده بالضرورة .. هناك صيرورة في ذلك دونما شك .. والمبدع بمثابة اداة خلاقة تاخذ من المجتمع تلك المادة الخام للابداع, ومن ثم تعيدها لذات المجتمع بصورة مختلفة الا أنها تحمل ذات ملامح المادة الخام من قبح ومن جمال .. من خير وشر .. من سمو وانحطاط .. وهكذا
وللاجابة على السؤال الثاني أقول لا كذلك .. محاكمة العمل الفني أخلاقيا لا تتعدى على مفهوم حرية التعبير وانما - وللمفارقة - تمثل جوهرا اساسيا لحرية التعبير .. فان لم نكن نملك حق الرفض .. رفض مضمون العمل الفني .. فما حرية التعبير اذن؟!
تطبيق اعلاه واسقاطو على مسألة عركي/شكسبير
تمت محاكمة ناقصة الاركان ومجحفة في حق الفنان ابوعركي على خلفية احياءه لحفل يخص الاتحاد الاوروبي في الخرطوم .. وكان ابوعركي قد اعلن قبلا عن عدم مقدرته على الغناء في ظل الظروف السيئة التي تمر بها البلاد في مناجاة غنائية اخرجها لجمهوره تشرح معاناة الفنان الحقيقي مع ارتكاب فعل الغناء والابداع في ظل المآسي الانسانية والاقتصادية التي يمر بها الوطن...
الآن انا ما عندي احساس بالغنا رغم الغنا الجواي كتير وساكن الروح والزفير .. حالة البلد بي وضعها الراهن ومعانات شعبها بيحتم علي ادس غناي جوه حشاي وما امرق علي الناس الرهاف وحنان واعكس ليهم الجواي
كانت لحظة صدق عميق في اعتقادي .. ولقد تلقاها الناس بالكثير من الاحترام والتفهم .. وبصورة شخصية كانت المسألة واضحة جدا بالنسبة لي .. ليست تلك هي نهاية رحلة ابوعركي الغنائية ... وانما هي -بالاحرى- لحظة عابرة في مسيرة الفنان الكبير .. وأجزم أن غالبية الناس قد استوعبوا لحظة الصدق والمناجاة الغنائية تلك بذات الطريقة ..
اذن عاد عركي للغناء... وعدت تلك (الآن) الشعورية الدافقة والمشحونة بالكثير من المعاني السامية.. عاد للغنا الكتير جواهو .. وكان الخبر ليكون محل ترحاب واحترام كبير من الجمهور السوداني من معجبي الفنان ومن غيره ... تماما كما هلل الناس وفرحوا للاطلاله ابوعركي من خلال التلفزيون بعد مقاطعة دامت سنوات طوال ..
اذكر الآن تحلقنا كأسرة حول التلفزيون لمشاهدة ذلك الحفل وتلك العودة .. وكم كنت فخورا وانا احدث ابنائي وابناء أختي والذين عجبوا من الاهتمام بترتيبات ذلك الجمع لمجرد مشاهدة حفل في التلفزيون .. كنت فخورا وأنا أحكي لهم عن مدى الالتزام الغنائي والوطني عند هذا الفنان/الرمز.
هكذا كان ليكون الامر ولكن .. جاءت من اقصى المدينة الطفابيع تسعى .. اقاموا مشنقة أخلاقية لابوعركي .. لم يعوا مقدار تلك (الآن) .. ولم يفهموها على الاطلاق .. وكيف يفهموها ولا صلة لتلك اللحظة بالفجاجة والانحطاط وفقه السمسرة (امسك لي واقطع ليك) ما يفهمون.
هذه هي المادة المجتمعية التي حفزت "شكسبير" .. ربما لكونه ينتمي اليها بأكثر مما ينتمى لمدارات الفن الراقي والسمو الاخلاقي والمعاني الجميلة في الحياة .. وربما لغير ذلك .. لا اعلم ولكن شكسبير التقط ذلك القفاز القذر .. نعم لم يلتقطه من العدم .. التقطه من المجتمع مافي ذلك شك .. وعالجه بصورة كوميدية فجة وضعيفة وبذيئة كذلك .. ومن ثم اخرجه للناس بمضمون واحد أحد لا يقول الا (احييي انا ما قلت نوبه وشبكتنا هم وطني وبطيخ .. هسع لمن شفت الدولار راحت ليك تلك ال (آن أنا) ..
هل كان حرا في ذلك .. نعم .. لشكسبير كامل الحرية في التقاط اي قفاز مجتمعي قذر .. طريقة تفكير ملتوية .. انحطاط .. بذاءة الخ .. ولكن ذلك لا يصادر حريتنا في التعبير عن رفض هذا الانحطاط .. هذه البذاءة
نرفضها وندينها بمعيارنا الاخلاقي الذي يرفض مثل هذه الابتذالات المنحطة لمسيرة فنان ملتزم وصاحب تجربة فنية وابداعية كبيرة تمثل في مجملها مصدر اشعاع والهام وطني وابداعي وأخلاقي كبير... وهي وبكلياتها ودقائقها ضد الابتذال ... لو ان هناك لافتة واحدة لرحلة ابوعركي الفنية لكانت لافتة كتب فيها عبارة (ضد الابتذال) ..
هذا هو رأيي الشخصي في تجربة ابوعركي .. بيد اني أكاد أجزم بأن ذلك هو رأي الغالبية من الناس ... وهذا ما لاحظوه وأدركوه عند ابوعركي... ده حقو على الناس .. ذات الحق الذي حرك كل مشاعر الغضب والرفض الكبير للعمل (الفني) المنحط للممثل السوداني عوض شكسبير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة