|
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
حبيبنا الزول الجميل محمد عبدالله .. يا سلام يا محمد لقد قرأت لك عبارة هي :
(( فكيف جمدنا بكل قسوة تفاصيل حياتها و ذكرياتها و مشاعرها في الثلاجة... هل هي انانيتنا؟ ))
هذه القصة عشتها مع جدتي وأكتشتف أن الحبوبة تحمل ذكريات ومشاعر .. لذا وقفت طويلاً عند عبارتك أعلاه ..
وسوف أنقل لك الصورة بالكامل عن جدتي رحمها الله عندما حاولت أن آخذها من بيتها إلى منزلنا
آسف للاطالة ولكننا أصبحنا في حالة توارد خواطر في الموضوع هذا الموقف قبل أكثر 40 عاماً .. رحمها الله ..
===================================
جدتي فافا
اذكر جدتي (يو فافا) وهذا الأسم أسم الدلع لإسم فاطمة بالنوبية، فقد كانت جدتي يوفافا نحلية الجسم قاسية القسمات رزينة الكلمات لا تبتسم كثيراً تتحدث بمقدار معين .. الجميع يحترمونها او بالاحرى يتهيبون منها ولا فرق عندها بين الذكور والاناث من ابنائها وزوجاتهم وكانت مميّزة حتى في مظهرها الخارجي وزيها الخاص الذي هو اشبه بالجلابية الرجالية منه الى فستان النساء .. كان فستاناً فضفاضاً مركب من قطعتين جزء علوي وسفلي متساوي العرض .. لأنها كانت مستوية الجسد بدون تضاريس خالي تماماً من الدهون والشحوم فقط عظم مكسو بجلد فقد فعل فيها الدهر الافاعيل رغم انني سمعت انها كانت من اجمل النساء في شبابها ولكن هو حكم الزمن الذي يبلي كل شيء فلا علاج لمفاعيله .. لم تكن تلتف بالثوب كما هي العادة ، بل كانت تستخدمه مثل (الطرحة) او تكومه فوق رأسها وكأنها تحمل لفافة ملابس .. وكان الاكثر غرابة تلك الجيوب الكبيرة الواسعة في طرفي الفستان والتي كانت تسع مفتاح غرفتها (الكوشر) وفي الجيب الاخر كيس التمباك (تمباك القعب الاخضر مع الجردقة) وبالدنقلاوية (تمباك دسييه) وكانت تستخدم التمباك أحياناً كوسيلة استفزاز تلجأ اليه عندما تغضب او تستاء من امر ما .. تخرج كيس التمباك وتملأ فمها ثم تقذف معها بحبة الجردقة وعندها كنت اسمع فرقعة تكسير حبات (الجردقة) كتعبير استفزازي او عدم اكثراث بالمتحدث .. أما عماتي ووالدتي فقد كانت تصيبهم الرهبة في حضورها فهي لم تكن تكف عن الانتقاد المتواصل واجزم انني لم اسمع منها كلمة شكر أو اطراء لاحداهن مهما بلغن من الاتقان والالتزام خاصة وان سطوتها على الاناث كانت اكبر أقوى .. وما كان يثير دهشتي احياناً عندما اراها تنفرد مع ذاتها وتخلع فستانها الفضفاض إلا من تلك القطعة الملتفة حول خصرها والمتدلية حتى الركبة من (توب الزراق) وهذه الربطة بالدنقلاوية تسمى (سجَا) وهي جالسة في وسط السرير بشعرها الابيض المنكوش وصدرها الضامر المغطى بشكبة من العروق والشرايين البارزة تقلب في اشياء تأخذها من صندوق (السحارة) التي احضرها جدنا من مصر ومحفور عليها اسمه بخط جميل .. وعندما تقترب من هذا الصندوق كانت تعلو وجهها النحيل تعابير غريبة خليط من الحزن والابتسامة وخروج تام من سياق شخصيتها المعهودة .. وكأنها تستحضر ذلك الماضي الجميل من حياتها وايام شبابها .. عندها أدركت لماذا لم تكن تتنازل يوماً عن مفتاح (السحارة) لأحد حتى لو كان أقرب الناس اليها .. كنت اشاهدها تفتح ادراج (السحارة) وتخرج بعض خصل الحرير وانواع من خرز السوميت ومقتنايات اخرى مثل الريال المصرى القديم (المشاهرة) تلهب بها ذاكرتها وتقلبها بين يديها المعروقتين .. من معايشة ذلك الحدث عرفت ان جدتي رغم شخصيتها القوية وسطوتها إلا انها تتمتع بعاطفة جياشة وحب مكنون وقلب ينبض بالرقة ..
مرت الايام وتغير الزمان وانتقل الناس شرقاً وغرباً وبقيت هي لوحدها في بيت جدي ومعها ذكرياتها وتتناوب على خدمتها بناتها وحفيداتها وفي يوم حر قائظ جلست الى جانبها وهي كعادتها بدون اي ملابس إلا من تلك الـ (سجا) التي تستر عورتها فطلبت منها ان تذهب معنا للاقامة في منزلنا لأنها تحتاج الى رعاية اكثر خاصة وان حفيداتها اصبحن في المدارس ولم يعد احد يتفرغ لها .. ولكنها رفضت واصرت ان تبقى هناك حتى تفارق هذه الدنيا ورغم كل الاغراءات والالحاح رفضت (يو فافا) كل توسلاتي .. وامعاناُ في الرفض تحركت نحو (السحارة) لتفتحها وتقلب مقتنياتها ، عندها تأكدت أنها لا تريد فراق مرتع الصبا وبؤرة الذكريات وكأنها تتذكر في تلك اللحظة يوم زفافها ويوم وضوعها الاول وايام عودة جدنا من مهاجره في (مصر) واستسلمت لهذا الواقع قاطعاً الوعد على ان اوفر لها كل معينات الحياة من دون اخراجها من هذا الحلم الجميل فتركتها في عالمها لتجتر ذكرياتها .. ولكني ايقنت ان المرأة من انبل المخلوقات لأن وفاءها من غير حدود او حواجز وقد تجسد ذلك في تجربة جدتي وفاءاً واخلاصاً .. ومن الخطأ ان يظن احداً منا ان هؤلاء بدون احساس او عواطف او ذكريات حتى نقذف بهن في ركن من اركان المنزل وكأنهن في انتظار اليوم الموعود .. الى رحمة الله .. ووو .. يو فافا ..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة فريدة يقوم بها حفيد بار | محمد عبد الله الحسين | 10-23-17, 05:51 AM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | محمد عبد الله الحسين | 10-23-17, 05:53 AM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | محمد عبد الله الحسين | 10-23-17, 05:57 AM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | محمد عبد الله الحسين | 10-23-17, 06:04 AM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | محمد عبد الله الحسين | 10-23-17, 06:08 AM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | محمد عبد الله الحسين | 10-23-17, 06:12 AM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | الأمين عبد الرحمن عيسى | 10-23-17, 06:34 PM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | محمد عبد الله الحسين | 10-24-17, 06:36 PM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | علي عبدالوهاب عثمان | 10-24-17, 07:00 PM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | محمد عبد الله الحسين | 10-24-17, 07:45 PM |
Re: عندما تستعيد الجدة طفولتها من جديد: تجربة | علي عبدالوهاب عثمان | 10-25-17, 07:04 AM |
|
|
|