تجسير الماضى مع الحاضر/ ميلاد ثانى لرؤية السودان الجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 05:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-22-2017, 09:31 PM

إحسان عبد العزيز
<aإحسان عبد العزيز
تاريخ التسجيل: 05-30-2012
مجموع المشاركات: 3094

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تجسير الماضى مع الحاضر/ ميلاد ثانى لرؤية ا (Re: إحسان عبد العزيز)

    نحو ميلاد ثاني لرؤية السودان الجديد
    قضايا التحرر في عالم اليوم
    ياسر عرمان- الجزء الثاني
    20 سبتمبر 2017م
    الكفـاح المـسلح ورؤيـة الســودان الجـديد
    لعب الكفاح المسلح الدور الرئيسى فى ترسيخ ونشر رؤية السودان الجديد، وقدم الآلاف من خيرة أبناء وبنات شعبنا ارواحهم تحت رايات الحركة الشعبية. ولم يكن الكفاح المسلح خياراً مثل قائمة الطعام يختار الإنسان منها ما يناسبه، ولكنه كان نتاج صيرورة تأريخية إجتماعية وإقتصادية سياسية ثقافية معقدة. وكان الوسيلة التى إقتضتها الضرورة التأريخية فى جنوب السودان وإمتدت الى مناطق أخرى شاركت الجنوب نفس ظروفه. عزّز من مشروعية هذه الوسيلة طبيعة أنظمة القمع فى الخرطوم لاسيما أكثر تياراتها رجعية وفاشية "الحركة الإسلامية" التى إستولت على الحكم فى يونيو 1989.
    بعد مضى أكثر من ثلاثة عقود من الكفاح المسلح فى ريف السودان حان الوقت لمراجعة التجربة على نحو نقدى صارم دون تهييج العواطف أو تصدير الإتهام والإتهام المضاد. لأن من مصلحة المهمشين الوصول الى تقييم رصين لتجربة الكفاح المسلح فهى تجربة باهظة الثمن والكلفة الإنسانية. لن يقلل التقييم من حقيقة أن تجربة الكفاح المسلح لعبت دورا تأريخيا هاماً ولا تزال تمثل أهمية فائقة فى التصدى لأنظمة القمع خصوصاً النظام الحالي. وحينما نتحدث عن تقييم التجربة لا نطالب أحداً بأن يقذف بسلاحه الى المجهول؛ بقدر ما نريد ان نقييم كل الأسلحة النضالية المتوفرة لدينا الآن وأيهما أكثر مضاءة فى تحقيق التغيير! ربما تكون هنالك أكثر من وسيلة لذلك، فكيف لنا أن نقيّم هذه الوسائل فى تكاملها او أهمية كل منها والإنتقال من وسيلة الى أخرى فى الوقت المناسب او الجمع بين أكثر من واحدة فى نفس الوقت؟
    من الواضح أنه بعد عقود من حروب الريف تغيرت تركيبة الريف والمدن معاً لاكثر من سبب. فمدن اليوم ليست هى مدن عقد الستينات التى كان قلبها ينبض بالطبقة الوسطى، فقد تريفت المدن وهى ظاهرة إفريقية وعالمية لا سيما فى بلدان الجنوب العالمي وانتقل الملايين من سكان الريف للمدن، خصوصاً الشباب.
    تمكنت الحركة الشعبية القادمة من الريف من توصيل رؤيتها الى سكان المدن ولامس خطابها كثير من أشواقهم. وبرهنت إتفاقية السلام وتجربتىّ الساحة الخضراء وانتخابات ٢٠١٠ على ذلك.
    وفى الوقت الذى أدى فيه القوميون من المناطق الريفية الذين يبصرون فى حدود الحاضنات الإثنية للكفاح المسلح دوراً مميزاً ولكن لم يتمكنوا من إلتقاط تلك اللحظة التاريخية فى الدمج بين نضالى الريف والمدن لتغيير السودان. ولم يعطوا التغيير فى تركيبة المدن الإهتمام الذى يستحقه.
    أيضاً لم تتم دراسة نقاط القوة والضعف فى تجربة الكفاح المسلح الذى جذب قطاعات جماهيرية عريضة من الريف، لكن هذه الجماهير عانت من هشاشة التركيبة الداخلية وضعف الوعي السياسي مما أدى الى نجاح الكثيرمن الألاعيب التى يحيكها مركز السلطة فى الخرطوم ضدها، وقد إستطاع النظام فى الخرطوم صنع كثير من الحروب الداخلية فى الهامش والتى ارتكبت خلالها إنتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من نفس الذين يرفعون شعارات التحرير، وهى مفارقة ستنتقل لاحقاً عند اى محاولة لبناء مجتمع جديد وعند الوصول الى الحكم، فالاساليب القديمة لا تبني مجتمعا جديدا، وقد لاحظ الكثيرون قدرة العمل المسلح على هدم المجتمعات القديمة مع تناقص فعالية قواه فى بناء المجتمعات الجديدة.
    فى تجربة الحركة تميز هيكلها السياسى التنظيمى بالعسكرة والتراتيبية العسكرية مما قلص مساحة الديمقراطية الداخلية ومرّكز بشدة إتخاذ القرار واحتكاره وفقا لها، وساهم فى خلق مناخ موات لإنتشار الفساد الذى بدأ فى التلاعب فى الإمدادات وعدم توزيعها بعدالة وانتقل الى أجهزة الإدارة والسلطة قبل وبعد الوصول الى الحكم. وقد غابت المحاسبة والديمقراطية التى إقتصرت فى كثير من الأوقات الى مفهوم سائد من مفاهيم حركات التحرر الوطني "أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" وأن يتم التركيز على الأعداء الخارجيين، وقد ترك ذلك مساحة للوحوش الداخلية لتنموا، مضافا اليه عدم ثقة قوى الريف فى مناضلى المدن الذين ينضمون الى نفس الحركات وعدم مساواة العضوية التى تناضل بوسائل غير الكفاح المسلح فى الحقوق والواجبات. أدت كل تلك الظواهر وغيرها الى تكلس وتجمد الكفاح المسلح فى الريف وانحصاره فى إستخدام الوسائل الخشنة فى غياب تام لوسائل العمل الناعم مما أدى الى نتائج سالبة للكفاح المسلح نفسه، وساهم فى محاولات المركز لاحتواء نتائجه وبذر بذور الشك والريبة وسط جمهور المدن تجاه الكفاح المسلح لاسيما أن التناقضات الإثنية والدينية أستخدمت بكفاءة من قبل المركز لإظهار الكفاح المسلح كعلامة تجارية تخص إثنيات بعينها، ولاتعنى الآخرين. بل حاول المركز إثارة الرعب والإنقسام الإثنى فى صفوف غير المنتمين الى الكفاح المسلح. وتجربة أمثالنا الذين خاضوا الكفاح المسلح والعمل السلمى - وفى حالتى لمدة "39" عاماً " -توصولوا الى صعوبة كسب معركة الكفاح المسلح فى بناء مجتمع جديد دون تنظيم جماهير المدن.
    إن المصاعب والإشكاليات والأخطاء التى إرتكبتها معظم حركات التحرر الوطنى التى إعتمدت على الكفاح المسلح فى بناء مجتمعات جديدة وديمقراطية لإحداث التنمية المستدامة، قد زرعت الشك عند المثقفين الثوريين بجدوى الكفاح المسلح نفسه. يضاف الى ذلك إن المتغيرات الإقليمية والدولية أثّرت سلبياً على الكفاح المسلح فى السودان وفى العالم.
    فى غياب الديمقراطية الداخلية والمحاسبة الصارمة على الأخطاء التى أرتكبت فى حق الجماهير وحق التنظيم فى تجربة الحركة ولد آثاراً سلبيةً تحتاج الى إجتراح طرق جديدة فى معالجتها. إن كل ما ذكرناه آنفاً لا ينف أهمية الدور الحاسم الذى لعبه الكفاح المسلح لاسيما فى مواجهة نظام فاشى مثل النظام الحاكم فى الخرطوم الذى يقوم على العنف وإحتكاره. إن الحركة تحتاج أن تدرس بعمق الأثر السلبى للقبلية كأيدلوجيا والفساد وتأثيرهما على التجربة. سأتناول هذ القضية الهامة بشكل تفصيلى فى وقت آخر.
    ولمجمل الأسباب التى أشرنا اليها آنفاً فمن الواضح إننا فى مرحلة مختلفة تستدعى مراجعة تجربة الكفاح المسلح ورد الإعتبار الى العمل السلمي الجماهيرى دون ان يعنى ذلك بالضرورة التخلى عن الكفاح المسلح. وعلينا الوصول لإستنتاجات سليمة لتصحيح الفهم الخاطئ بإن رؤية السودان الجديد لا يمكن تحقيقها إلا عبر الكفاح المسلح. إن الإنسداد الحالي فى أفق العمل المسلح فى تحقيق أهدافه الإستراتيجيه بتغيير مركز السلطة لا يمكن تجاوزه إلا بأن تتوصل قوى الكفاح المسلح الى إستنتاجات سليمة حول أهمية العمل السلمي الديمقراطي فى داخل المدن وتسعى بصورة حثيثة لإستنهاض جماهيرها داخل المدن.
    التقليل من أهمية العمل السلمى الجماهيرى وتغليب العمل العسكرى لم يساعدا الحركة الشعبية فى الإستفادة من الرصيد الكبير للوسائل الناعمة والعمل السلمى الجماهيرى، وكان بالإمكان دمج وتكامل وسائل العمل المسلح والعمل السلمى كجناحي طائر كما حدث فى تجربة المؤتمر الوطني الأفريقي وتجربة "شين ڤين" فى آيرلندا، وقيام حركة حقوق مدنية ديمقراطية فى المدن مثل ما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية فى الستينيات من القرن الماضى. هذا الأمر جعل من سكان المدن قوة مهملة لا دور لها إلا فى الإحتفال بإنتصارات المعارك العسكرية للجيش الشعبى وأفقد الحركة وسيلة مهمة للتحليق فى فضاء السياسة السودانية بصورة أكثر فاعلية بالنظر للرصيد الضخم الذى تتمتع به وسط سكان المدن.
    أننا اليوم نحتاج فى الحد الأدني الى أدوات ووسائل متنوعة وأن نرد الإعتبار على أوسع نطاق للعمل السلمى الجماهيرى وللنضال الخالي من العنف ودوره فى تحقيق السودان الجديد. ومن اللافت للنظر ونحن نتحدث عن هذه القضية الإستراتيجية إن الإستقالة الثالثة لنائب رئيس الحركة الشعبية السابق قد ذهبت عكس هذه الوجهة وصبت مزيد من الإستخفاف على العمل السلمي الجماهيري والقوى الناعمة واللاعنف فى مقارعة الأنظمة، وحصرت نفسها بشكل كامل فى قضية الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة. وحتى الكفاح المسلح نفسه يطرحه نائب الرئيس السابق بصورة غاية فى التقليدية، فالكفاح المسلح يحتاج الى تحديث عملياتى ونوعى ليصبح أكثر تأثيراً على مركز السلطة.
    يجب الإعتراف الذى يتبعه العمل أن وسائل الكفاح السلمى ذات أثر ايجابى فى مدى ديمقراطية مشروع السودان الجديد أكثر من العمل العسكرى، مع تأميننا التام إن العنف الذى أستخدمه مركز السلطة هو الذى ولد العنف المضاد فى الريف، وإن الكفاح المسلح كان رداً طبيعياً على عنف حكومات الخرطوم الذى لا يمكن مقارنته نوعاً وكمّاً بعنف حكومات المركز المعتدية، وإنه وسيلة من وسائل الدفاع عن وجود وثقافات الهامش ورغبات أهله فى التحرر، وإن جماهير الريف دفعت ثمنا باهظا فى تصديها الباسل لعنف المركز.
    رهـق المسافات الطـويلة والكـفاح المسلح ـ كلفة حروب الريف
    آخذين الوضع الجغرافوسياسى (جيوبولتك) للسودان وبُعد المركز الجغرافي عن الهامش وسياسة فرق تسد لأنظمة الخرطوم ومحدودية أفق القوميين فى حركات الهامش، فإن حركات الريف التى تقطع صلتها بنضالات المدن ولاتبنى حصونا قوية وسط العمل المدني والسلمي السياسي فيها، ترهقها حروب الريف الطويلة والتضحيات الممتدة لعقود لذلك تلجأ للإتفاق مع نفس حكومات المركزالتى قاتلتها لعقود، أو للإنفصال مثل حالة الجنوب، أو بإتفاقيات سلام تحافظ على الأمر الواقع وعلى النظام القديم ولا تؤدى الى التغيير مثل ما حدث مراراً. لقد تمرّس النظام الحالى فى إرهاق حركات الهامش وإستيعابها فى التركيبة القديمة، وإستخدام المهمشيين ضد بعضهم البعض إثنياً، وقد وقّع النظام الحالى أكثر من (٤٣) إتفاقاً عبر صيغة تقاسم الثروة والسلطة، وبالضرورة تقاسم النظام القديم. ولكيلا ترث الحركة النظام القديم أدخلت التحول الديمقراطي فى إتفاقية نيفاشا ٢٠٠٥ للإنتقال الى نظام جديد وهى أكثر البنود التى عمل النظام على تفاديها الى درجة تقسيمه للسودان ثمناً لبقائه فى الحكم. ومن خلال الإتفاقيات التى وقعت فيما عدا نيفاشا عمل النظام على الإبقاء على حركات الهامش كقوى هامشية فى داخل النظام.
    فى "15" جولة من المفاوضات خلال الستة أعوام الماضية ربطت الحركة فى السودان بين إنهاء الحرب والوصول لإتفاق سلام شامل حتى تصل الى إنتقال ديمقراطى مع قوى سياسية أوسع وأن لا تنته على هامش النظام الحالى وهذا هو جوهر الصراع الذى دار بين نظام الخرطوم والحركة التى تمسكت بالربط بين قضايا المنطقتين وإجراء تغيير فى مركز السلطة وحل شامل يؤدى لإنتقال ديمقراطي، مع تمسك النظام فى حصرها فى المنطقتين بل كل منطقة على حدة، مع ضغوط هائلة من المجتمع الدولى ضد موقفها. ولا غرو إن الإنقلاب على قيادة الحركة أصبح مصدر سعادة الخرطوم وبهجتها لأنه سيؤدى فى خاتمة المطاف الى تقزيمها.
    إن إستخدام القوى الناعمة وبناء حركة جماهيرية ديمقراطية سلمية فى المدن تربط عضوياً بين نضالات الريف والمدن وبين قضايا الخبز والتحرر والسلام العادل هى وحدها التى يمكن أن تحقق أهداف المهمشين فى سودان جديد وتنهى محاولات إلحاق حركات الهامش بالنظام القديم. هذه الحركة الديمقراطية هى التى بإمكانها وحدها توحيد الوجدان السياسى لجماهير المدن والريف لاسيما وإن الريف نفسه قد أصبح متواجدا بكثافة داخل المدن، وقد أضحى الربط العضوى لنضال الريف والمدينة شرط رئيسى لأنتصار الثورة السودانية والعبور الى ضفة السودان الجديد.
    الكـفاح المسلـح وسلـبيات العـلاقة مـع الخـارج
    تبذل حركات الكفاح المسلح مجهودا كبيراً فى الوصول لمعادلة قويمة للحفاظ على إستقلاليتها فى التعامل مع العالم الخارجي وايجاد موطئ قدم إقليمي وعالمي لابد منه لمواصلة الكفاح المسلح فى ظل تناقضات إقليمية ودولية إزدادت إتساعاً على الدوام لاسيما بعد ظهور قطب عالمي وحيد ورحيل المعسكر الإشتراكي. وبعد أن أضحى الكفاح المسلح وحمل السلاح يختلط مع الإرهاب ضد المدنيين وإنتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب. مع ملاحظة إن حركات الكفاح المسلح فى إفريقيا تحمل هشاشة التكوينات الإجتماعية فى القارة، والتأثير المستمر للحكومات فى محاولات اضعاف العلاقات الخارجية لحركات الكفاح المسلح. ولعل أحد أهم الأشكاليات التي واجهها الدكتور جون قرنق كانت بسبب إصراره على الحفاظ على موقفه المستقل.
    تأثير العامل الخارجي على الكفاح المسلح يحتاج لمراجعة وتأمل للإستفادة من تجارب الأمس وتعزيز مواقعنا اليوم و المضى الى المستقبل.
    الكفاح المسلح وبناء الكتلة التأريخيـة والتحالفـات
    من واقع تجربتها الطويلة فى الكفاح المسلح وبدرجة أقل السلمي؛ راكمت الحركة الآن خبرات طويلة وإستوعبت كثير من التناقضات الكبيرة التى يحفل بها المجتمع السودانى وتأريخه والمخاوف العميقة المتبادلة بين حركات الهامش والقوى السياسية فى المركز، التقليدية والتقدمية منها. إستخدام المركز هذه التناقضات وتوظيفها بغرض وقف التغيير ومنع الوصول الى كتلة تاريخية بين قوى السودان الجديد. بالإضافة لذلك إرتكبت كافة هذ القوى المعنية بتشكيل التحالفات و الكلتة التاريخية أخطاء بما فى ذلك الحركة باعدت بينها وبين إنجاز تلك المهام. وأدى الإختلاف فى الوسائل التى تستخدمها مكونات التحالفات السياسية، بجانب تأثير العمل المسلح ومفارقات الجغرافيا والتأريخ الى إرتباك التحالفات وصعوبة تشكيل الكتلة التاريخية.
    آخذين كل ذلك فى الإعتبار، علينا أن ندرس تحالفاتنا بين واقعية المصالح والأيدولوجيا والحاجة لعلاقات إستراتيجية وكيفية الربط بين ما هو تكتيكي وأستراتيجي والإستمرار فى تطوير هذه التحالفات وتفعيلها. يشمل ذلك التحالفات الواسعة اللازمة لإسقاط النظام، وإدراك علاقتها الجدلية بالكلتة التاريخية التى تضم القوى المؤمنة بتحقيق السودان الجديد.
    هذه القضية كانت واحدة من قضايا الخلاف الذى عصف بالحركة مؤخراً وقد كان موقفنا فى هذا الجانب من الحركة إننا نحتاج للإنفتاح فى ثلاث جبهات. الجبهة الأولى أن نكون على إستعداد للإندماج والعمل فى تنظيم موحد مع كافة الراغبين فى بناء حركة تحرّر وطنية ديمقراطية جديدة، والجبهة الثانية أن نكون على إستعداد لبناء كتلة تاريخية مع كافة قوى السودان الجديد مع إحتفاظ كل طرف بتنظيمه المستقل، أما الجبهة الثالثة فهى التحالف الواسع الذى يضم القوى التقليدية ويشمل ذلك حتى الإسلاميين الراغبين فى التغيير. وهذا تحالف هدفه الأساسى إسقاط النظام واحداث التغيير بالضربة القاضية او بالنقاط.
    حادينا فى ذلك الإبتعاد عن المحاولات غير الممكنة لإقصاء القوى التقليدية لإدراكنا التام أن لهذه القوى مصلحة فى التغيير ووقف الحروب والسلام والتحول الديمقراطي وتحسين شروط الحياة لجماهيرها التى لاتزال تعانى من وطأة ونير النظام. وهذا كافٍ لقيام تحالف بيننا وبينها. فى كل ذلك علينا أن نتمتع بالوضوح السياسي الكامل حول طبيعة كل تحالف وقضاياه، وان نفرق بين المهام التى نطرحها فى كل جبهة من الجبهات الثلاث ونحسن الربط بين ما هو تكتيكي وإستراتيجي دون تفريط ودون مزايدة فى قضايانا الإستراتيجية. كانت هذه القضايا نقاط خلاف جوهرية مع نائب الرئيس السابق الذى يخلط بين المهام المختلفة لهذه التحالفات ويعتقد أن بإمكانه عزل القوى التقليدية من عملية التغيير والتحالفات. إن هدفنا النهائي هو التحول الى كتلة تاريخية قابلة للإنتخاب والمنافسة ديمقراطياً، وأن لا نفكر مطلقاً للوصول الى السلطة بوسائل غير ديمقراطية.
    التحالفات الإستراتيجية وبناء حـركة جديدة
    حديثنا عن التحالفات الإستراتيجية ينطلق من محاولة تجديد الحياة السياسية السودانية فى عمومها والمساهمة فى تجديد حركة التقدم والإستنارة فى بلادنا على وجه الخصوص. ولهذا فإن التحالف الإستراتيجى لبناء حركة واحدة مع قوى السودان الجديد او بناء كتلة تاريخية بإعتماد صيغة تنظيمية تراعى الوجود التنظيمي المستقل لكل طرف فى تحالف ذي مهام طويلة المدى هما الخياران الذان نطرحهما فى عملية التجديد.
    إن بناء الكتلة التاريخية مهمة أكثر تعقيداً من حاصل جمع التنظيمات الموجودة حسابياً وسنتطرق لذلك.
    نحن الآن نجرى حوارات مع قوى يمكن أن تربطنا معها شراكة إستراتيجية؛ ومن الممكن ان نشكل معها تنظيماً واحداً او تحالفاً إستراتيجياً يحتفظ فيه كل طرف بهويته التنظيمية كما هو الحال فى جنوب إفريقيا. هذه القضية تحتاج الى نقاش واف مع القوى التى ترغب الحركة التوصل معها لتنظيم واحد او تحالف أستراتيجي بقيادة موحدة لحكم السودان ببرنامج جديد.
    التحالف الإستراتيجي الذى ندعوا له هو الذى سينهى إنسداد الأفق السياسى لحركات الهامش ويساهم فى نقل رؤية السودان الجديد الى مرحلة أخرى وبناء منظمة عضوية او مظلة فى عملية تمتد فى الريف والمدن.
    الإنتقـال السلـس من الكـفاح المسلـح الى السلمى
    يبقى الكفاح المسلح مهما طال وقته مرحلة مؤقتة وآلية ذات هدف ووقت معلوم تابعة للمنظمة السياسية المعنية، فحتى الحركات التى وصلت الى السلطة عن طريقه تحولت أجنحتها العسكرية الى جيوش نظامية، وإن احتفظت بطبيعتها الثورية.لا يعنى هذا الإستسلام والخنوع بل الوضوح حول مهام وطبيعة الكفاح المسلح، فالكفاح المسلح ليس آلهة لتعبد، بل وسيلة لتحقيق أهداف سياسية بعينها.
    إن الكفاح المسلح فى مناطق الهامش يجب أن لا يعن بشكل من الأشكال تبديل الضحايا بضحايا جدد على أساس أثنى، وألا يسعى لإنهاء شكل من أشكال الأستغلال وإستبداله باشكال اخرى. إن هدف الكفاح المسلح هو الوصول لمساومة تاريخية لبناء مشروع وطنى مغاير يجد الإجماع الكافى.
    لذلك متى ما توفرت وسائل أقل كلفة لتحقيق نفس الأهداف يجب أن نضعها فى الإعتبار. علينا أن نتذكر أن الكفاح المسلح فرضه عنف الدولة وتمت مواجهته بعنف مضاد حتى إن لم يكن مساوياً له. حاليا تشهد بلادنا و العالم تحولات كبيرة، على قوى الكفاح المسلح أن تضعها فى الإعتبار، ولعل تجربة حركة "الفارك" فى دولة كولومبيا وإبرامها لإتفاق سلام فى "هافانا"مؤخرا والذى انهى حرباً إستمرت لأكثر من خمسين عاما جديرة بالتأمل من زاوية المتغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية.
    قاد الكفاح المسلح المجموعات المسلحة لنتائج مختلفة وصل بعضها عن طريقه للسلطة كما هو الحال فى إثيوبيا وارتريا، ووصل بعضها لإتفاقيات سلام كما هو حال المؤتمر الوطني الإفريقي والحركة الشعبية فى ٢٠٠٥، ومنها ما إنتهى الى فشل تام مثل حالة "نمور التأميل" فى سيرلانكا.
    من المعلوم أن العمل المسلح الحالي فى بلادنا يستمد أهمية خاصة من طبيعة نظام الإنقاذ الفاشى الذى يحتكر أدوات العنف. ومع إدراكنا لأهمية الكفاح المسلح والدور الذى لعبه ومازال يلعبه والظروف الموضوعية التى قادت اليه لاسيما دوره الرئيسى فى وضع قضيتنا فى الأجندة السياسية الوطنية والإقليمية والدولية، لكن علينا أن ندرك أن القوة الحقيقية للحركة تكمن فى العمل السياسي ومخزون النضال الجماهيرى السلمي. وبما أن توازن القوى الحالي لا يمكّننا من تغيير المركز بالكفاح المسلح وحسم المعركة عسكرياً مثل ما حدث فى إثيوبيا وارتريا فإن ذلك يستدعى تفعيل النضال الجماهيري السلمي للوصول للتغيير الذى ننشده.
    إن أحد أهداف الكفاح المسلح هى نقلنا الى رصيدنا الأكبر وهو النضال الجماهيري السلمي بترتيبات أمنية تضمن تحقيق هذا الهدف. ولذلك تظل قضية إنتقال حركتنا من الكفاح المسلح الى النضال السلمي الثوري الذى يرمى للتغيير الجذري فى المركز؛ وكيف نزاوج بين الوسيلتين فى فترات ما قبل الإنتقال وبعده قائمة. لمخاطبة هذه القضية يتوجب علينا طرح أسئلة على شاكلة: هل بإمكان الحركة تكوين حزب سياسى سلمي فى المدن والريف قبل إنهاء الكفاح المسلح؛ مثل ما حدث فى آيرلندا الشمالية وجنوب إفريقيا وتجربة الأكراد فى تركيا؟ هذه قضية فى غاية الاهمية تحتاج الى حوار عقلانى يأخذ كل الأبعاد فى الإعتبار لكى نصل الى قرار صائب حولها.
    لا شك إننا نحتاج لتفجير وتوظيف الطاقات الكامنة فى النضال السلمي الجماهيري ووسائل اللاعنف وجذب ملايين المهمشين والفقراء وعلى رأسهم النساء والشباب للنضال من أجل تحسين شروط الحياة والمعيشة ومن أجل الحقوق الطبيعية والمدنية وبناء دولة المواطنة بلا تمييز، حتى لا نعود الى المربع الأول مثل ما حدث فى إكتوبر ١٩٦٤ وابريل ١٩٨٥ فمجرد قيام إنتفاضة - رغم أهميته- اليوم غير كاف لإحداث التغيير الجذرى.
    ما نسعى له هو إستخدام رصيدنا من الوسائل الأخرى حتى لا ينتهى الكفاح المسلح نفسه الى شكل من أشكال الإستسلام و المساومة والإندماج فى النظام القديم بدلاً من إحداث التغيير. نخطط لذلك آخذين المتغيرات الواسعة فى المدن والريف السوداني اليوم، فهنالك تحول ديموغرافى وطبقى إجتماعى وثقافى كما نعلم أيضاً أن الإنتقال الى العمل السلمي عملية مستمرة لا تنتظر وقف الحرب وتحتاج الى إبتداع اشكال جديدة من النضال. نعلم أيضاً إن المتغيرات الإقليمية والعالمية ذات أثر بالغ على الكفاح المسلح ويمكن القول بإطمئنان إن الكفاح المسلح على مستوى العالم يمر بمرحلة جديدة تستدعى إعمال الفكر. كما أن الإستناد الى قوة الجماهير بضاعة لا تنفد ودائمة الصلاحية.
    حـق تقـرير المصـير ورؤية السـودان الجــديـد
    إرتبط حق تقرير المصير بالنضال ضد الإستعمار بكافة أشكاله. ولحق تقرير المصير أشكال ومضامين متعددة بما فى ذلك الحكم الذاتي كأحد أشكال حق أشكال حق تقرير المصير الداخلي. تكمن قيمة الحركة الحقيقية فى أنها لم تمض فى طريق حركة الأنانيا الأولي (١٩٥٥ -١٩٧٢) فى جنوب السودان التى كانت أول من رفع شعار حق تقرير المصير فى الستينات من القرن الماضى.
    منذ بدايتها إتخذت الحركة الشعبية مساراً مغايراً غير مطروق وأعلنت عن عزمها لتوحيد السودان على أسس جديدة مما جعل طرحها متميزاً وجاذباً. لم تتوقف عند مظالم الماضي بل طرحت أجندة مشتركة لمستقبل المضطهدين فى كل السودان، ومن كافة القوميات، وهذا هو ما أعطاها مكانتها المتفردة. اتسق ذلك مع طبيعة الحركة كحركة تقف مع وحدة إفريقيا التى قسمها الإستعمار. ولكن مفارقات التاريخ والجغرافيا والسياسة ومركز السلطة فى الخرطوم تعارضا مع هذه الأجندة الجديدة؛ وترافق ذلك لاحقاً مع المتغيرات الإقليمية والدولية فى تسعينات القرن الماضى. كل ذلك ، مع اسباب أخرى جعل "مجموعة الناصر" بقيادة الدكتور "رياك مشار" ترفع شعار حق تقرير المصير لجنوب السودان فى أغسطس ١٩٩١ منهيةً تسع سنوات من العمل المثابر للحركة فى الدعوة لوحدة السودان دون خلطها مع هدف آخر مثل حق تقرير المصير.
    اثبتت التجربة إن شوفينيّ المركز وقوميّى الهامش رغم تقاطع اجندتهم ظاهرياً -سرعان ما يلتقون؛ وبالفعل توصل نظام الخرطوم لإتفاق، وللمفارقة ليس مع دعاة وحدة السودان بل مثل مفارقات سياسية كثيرة فى تاريخ السودان وأنظمة حكمه مع مجموعة الناصر التى تطالب بالإنفصال ولكنها لا تحارب من أجله. فالذى جمع "مجموعة الناصر" والخرطوم هو العداء لفكرة السودان الجديد الموحد الديمقراطي العلمانى.
    إحتل القوميون الجنوبيون دائما مكانة بارزة فى صفوف الحركة الشعبية ولذا فإن طرح مجموعة الناصر يدغدغ أحلامهم واشواقهم الدفينة فهم لم يقتنعوا فى يوم من الايام بجدوى النضال من أجل وحدة السودان حتى وإن كانت على أسس جديدة. هنا أصبح قرنق فى مفترق الطرق بين رؤيته وحلمه بالسودان الجديد الموحد وبين الضرورة العملية التى تقتضى الحفاظ على القوميين الجنوبيين الذين يشكلون عظم الظهر بالنسبة للحركة ، لاسيما إن الشمال لم يتجاوب مع رؤيته فى الزمان والمكان المناسبين. ولمعالجة ذلك التناقض إستخدم قرنق مقدراته وسحره وذكائه المعهود وحاول المستحيل للجمع بين رؤية السودان الجديد والحفاظ على القوميين الجنوبيين بتضمين حق تقرير المصير والمصالحة بين جوهر رؤيته القائمة على الوحدة وبين حق تقرير المصير حتى لا تهتز الارض تحت أقدامه فى أى من الإتجاهات. لقد كانت تلك مهمة صعبة ومرهقة. أيضاً كان قرنق يأمل فى التحاق قوى إجتماعية جديدة من الشمال بالحركة لترجيح كفته، وقد كاد أن يصل الى ذلك بعد عدوان النظام على دارفور وإنطلاق الكفاح المسلح فيها ووصول جيشه وحلفائه الى شواطى البحر الأحمر فى شرق السودان، ورسوخ أقدامه فى جبال النوبة والنيل الأزرق. وحينما حط برحاله فى الساحة الخضراء تأكد له أنه كان يرى بعيني زرقاء اليمامة، ولكن بعض الأشراركانوا له بالمرصاد.
    حاول قرنق أن يمنع إنضمام القوميين الجنوبيين لمجموعة الناصر، و أن يوظف حق تقرير المصير لدعم رؤيته، ودارت فى تلك الفترة مناقشات ثرّة وطويلة كان من حسن حظى المشاركة فيها.
    وبينما كان الكثير من القوى الداخلية والخارجية يسبح فى الإتجاه المعاكس لوحدة السودان عمل قرنق على الدفع بأجندة جديدة على الرغم من التعقيدات واستطاع المصالحة بين المتناقضات دون أن يفقد وجهته الرئيسية صوب السودان الجديد. و كان يدرك إن دعوته لوحدة السودان تمثل أهم مساهماته سودانياً وافريقياً، وأن تحقيق الوحدة فى التنوع هى أصعب المعضلات التى تواجه السودان وإفريقيا، وبإمتلاكه للإجابة على سؤال الوحدة فى التنوع برز كواحد من أهم المفكرين والمثقفين الأفارقة.
    عاشت الحركة بعد أحداث اغسطس ١٩٩١ إزدواجية الشعار والأهداف. فقضية الوحدة أمر جوهرى فى فكر السودان الجديد والسعى لفصل جنوب السودان يهدم الرؤية نفسها، مع العلم أن حكومة الخرطوم كانت تغذى وتدفع تجاه الإنفصال للحفاظ على السلطة فى المركز و تدعم كل ما من شأنه أن يعزز رغبة القوميين الجنوبيين فى ترك رؤية السودان الجديد والتركيز على فصل الجنوب. إن الإلتفاف على رؤية السودان الجديد يمثل أكبر نجاح حققه نظام الخرطوم منذ الإستقلال، وهو درس لحركات الهامش حول المهارات الانتهازية للمركز وتشبثه بمصالحه، وقد حرم السودانيين من الحفاظ على وحدة بلادهم على أسس جديدة. لكن المعركة لم تنته بعد وإنتصار المركز قصير الأجل.
    بعد إغتيال قرنق عمل نظام الخرطوم فى إتجاهين، اولهما تمزيق الحركة الشعبية إن أمكن، وثانيهما القبول بفصل الجنوب حفاظاً على سلطته. وبعد أن فشل فى تمزيق الحركة دفع فى إتجاه فصل الجنوب. واليوم، فإن الحركة فى السودان مع الفارق التأريخى والعملى بين الجنوب والمنطقتين وإختلاف المناخ الإقليمي والعالمي تواجه معضلة كيفية التعامل مع القوميين فى المنطقتين.
    فالسؤال الذى تواجهه الحركة الآن هو هل تتمسك برؤية السودان الجديد، أم تطالب بحق تقرير المصير لإرضاء القوميين فى المنطقتين؟ ومن اللافت للنظر تجربة الأب فيلب عباس غبوش الجريئة فى المنافسة و الفوز بدائرة إنتخابية فى قلب الخرطوم، وتجربة الحركة الكبيرة بعده فلماذا التراجع الآن، مع علمنا أن التكوين الإثنى والجغرافي والتأريخى للمنطقتين وإمتداد سكانهما الى المناطق الأخرى لاسيما الوجود الواسع للنوبة فى كافة أنحاء السودان فالنوبة مثل الآيرلنديين، الذين يتواجدوا خارج ايرلندا أكثر من الذين يعيشون داخل أراضيها، فامتداد النوبة عميق فى أنحاء السودان، وقد شاركوا تأريخياً فى الدفاع عن وحدة السودان ضد الغزاة والمستعمرين. كما أن سكان النيل الأزرق كانوا مركزا هاماً من مراكز السلطة فى السودان وحكموا لأكثر من ثلاثة قرون (١٥٠٥-١٨٢١). فسكان المنطقتين ساهموا بفاعلية فى تشكيل الكثير من الحقب التأريخية و وجودهم قديم قدم النيل العظيم نفسه.
    يضاف الى ذلك عدم وجود حدود جغرافية مشتركة بين المنطقتين كما إن السكان الأصليين فى النيل الأزرق ما عادوا يشكلون أغلبية فى اى إستفتاء من أجل حق تقرير المصير. كذلك إن أى إستفتاء على حق تقرير المصير يؤدى الى إستقطاب إثنى غير مسبوق بين مكونات المنطقتين بشكل لم يكن موجوداً فى جنوب السودان، فهنالك قبائل عربية فى المنطقتين خلافاً لحالة الجنوب . ولكل هذه الأسباب فإن المطالبة بحق تقرير المصير تضر بسكان المنطقتين فى المقام الأول. نقطة أخرى هامة يجب الإشارة لها وهى إن تكوين الحركة الحالى وعضويتها لا تنحصر فى المنطقتين.
    إن المطالبة بحق تقرير المصير للمنطقتين يغير طبيعة الحرب، مع العلم أن اهم قضايا الحرب الأستراتيجية هى تحديد الهدف منها بأقصى درجات الوضوح وأن يكون ممكن التحقيق مع التمسك به على نحو إستراتيجى. لذلك فعدم التحديد للأهداف بواقعية سيؤدى الى إطالة أمد الحرب وإرهاق سكان المنطقتين، ومع مناخ إقليمى ودولى غير موات سيؤدى الى إنسداد أفق الحرب وصعوبة الوصول الى حلول مناسبة فى وقت مناسب ويقود فى خاتمة المطاف الى تقسيم المحاربين أنفسهم فى وجه نظام فاشى مثل نظام الخرطوم. كل ذلك يعزل قضيتهم من المحيط السياسي الوطني والإقليمي ويؤدى لإنفراد النظام بهم كقوة مناطقية إثنية معزولة من السند الوطني.
    إن طرح قضية تقرير المصير وهى قضية إستراتيجية بعد ست سنوات من الحرب أربك الخط السياسي الإستراتيجي للحركة وأدخل من طرحوه فى مازق تفاوضي، ولأننا نعلم بخطورة مثل هذه القضية فقد أقترحنا مرات عديدة جمع القيادة السياسية والعسكرية والمدنية لحسمها واتخاذ قرار ديمقراطى يحافظ على وحدة الحركة. إن قضية تقرير المصير بطبيعتها قضية إستراتيجية ولايمكن ان تكون تكتيكية سواء أن تم ذلك فى مؤتمر أو حدده شخص بطريقة مزاجية.
    مايجرى الآن فى النيل الأزرق هو نتاج اولي ومباشر لدعوة تقرير المصير التى قسمت الحركة وستقسم جميع سكان المنطقتين لاحقاً وتعطى نصرا مجانيا لنظام الخرطوم، ولذا فإن التمسك بطرح رؤية السودان الجديد كخيار وحيد هو أحد شروط بقاء الحركة الشعبية موحدة.
    أن حق تقرير المصير لا يمثل أعلى نقاط مشروع السودان الجديد إن كان اصلا له صلة برؤية السودان الجديد، بل هو برنامج متراجع عنه، فتلك الرؤية لن تتحقق إلا بتغيير المركز. ولكن من واقع التجارب يمكن القول إن المصاعب التى واجهت حركات الهامش فى هزيمة المركز وغياب الكتلة التاريخية التى يمكن أن تتحالف معها، وتعالى وعجرفة النخب الحاكمة فى المركز، تسببت فى لجوء حركات الهامش الى طرح حق تقرير المصير كمخرج من قضية التهميش.
    علينا الحذر عند التعامل مع قضية حق تقرير المصير حتى لا تكون آلية لإنتاج المجتمعات القديمة فالعبرة بالوصول لمجتمع جديد يتسق مع قيم ومفاهيم وأساسيات رؤية السودان الجديد وعلينا ان لا نركز على الشكل بل على المحتوى فى هذه القضية.
    الإضطهاد القـومى والإسـتغلال الطبـقى:الإبصار بعيـنيـن
    بعد مضى أكثر من ثلاثة عقود على طرح رؤية السودان الجديد وتجربتها فى الكفاح المسلح إتضح جلياً أن التركيز على قضايا الإثنية والثقافة وإشكالات الهوية وقضايا الإضطهاد القومي أمر فى غاية الأهمية لبناء حركة جماهيرية لكنه غير كاف للوصول الى مجتمع جديد.
    إن الاستغلال الإقتصادي، الإجتماعي و السياسي وإلغاء كافة اشكاله تمثل الوجه الآخر والهام لعملية التحرر الوطني، وأنه من المستحيل إنهاء الإضطهاد القومي دون حل قضية العدالة الإجتماعية. وهذا هو الطريق الذى يصنع المواطنة المتساوية الحقيقية، وأن تغيير وجوه الحاكمين الإثنية غير كافية لإحداث تغيير فعلى وجذرى. فتركيبة القوى الحاكمة سواء ان أطلقنا عليها "الجلابة" او أخترنا لها إسماً آخر معقدة إجتماعيا وطبقيا وإثنياً، ويظل الهدف النهائى لمشروع السودان الجديد هو إلغاء كافة اشكال الإستغلال بما فى ذلك النوع وتحرير النساء. إن الربط بين قضية العدالة الإجتماعية والإضطهاد القومى يشكل حجر الزاوية فى بناء مجتمع ديمقراطي جديد، وهذه القضية على نحو التحديد لم تجد الإهتمام الكافى فى تجربة الحركة على الرغم من أن مفكر ومؤسس الحركة ينتمى للمدرسة التى تأخذ قضايا الإضطهاد القومي والثقافي والإقتصادي والسياسي والاجتماعي وجذوره التاريخية كحزمة واحدة فى إرساء أركان مشروعه، ولكن ظلت قواعد الحركة أسيرة لقضايا الإضطهاد القومي وجانبه الثقافي وإشكاليات الهوية كمحرك رئيسى يشكل وعيها بعمق.
    لم يجد الوجه الآخر للإضطهاد والإستغلال وجوانبه الإقتصادية الإجتماعية كمكون رئيسى للإضطهاد القومى وللتهميش الثقافى حظه من الإهتمام والدراسة فى أطروحات الحركة بما فى ذلك قضايا هامة كقضية الأرض. على سبيل المثال، إن الجوانب الإقتصادية الأجتماعية الطبقية، لاتزال هي لب الإضطهاد القومي فى جنوب إفريقيا رغم زوال النظام العنصري وتشكل مجرى الصراع الرئيسى هناك.
    مركز السلطة لا لون له، ولكن الأفراد والمجموعات الحاكمة فى المركز لهم لون وهم لا يتورعون من أستخدام العنف ضد اى محاولة للتغيير سواء أن قام بها شباب إنتفاضة سبتمبر ٢٠١٣، فى شوارع مدن المركز أو قوى الكفاح المسلح فى الريف. فمحاولة تغيير المركز لا تقابل بالورود فى اى منطقة من مناطق السودان، بل إن المركز يجيش المهمشين أنفسهم للدفاع عن سلطته وضد بعضهم البعض.
    التهمـيش كحـزمة مـتكاملـة
    فى السنوات الأخيرة أفتعلت معركة فى غير معترك حول مفهوم المركز والهامش والتحليل الطبقى والتحليل الثقافى. من المعلوم إن نظرية المركز والهامش نفسها هى من انتاج مثقفين من قلب مدارس اليسار الجذرى، وهؤلاء لا يغفلون التحليل الطبقى فى نظرتهم للمركز والهامش العالمى؛على رأسهم "اندريه غندرفرانك وسمير أمين" وهم رواد مفهوم المركز والهامش فى علم الإقتصاد السياسى. كما إن كل من "بول سويزى" و "وبول باران" و " مورس دوب" تناولوا جوانب مهمة فى دراستهم للإحتكارات وأزمة الرأسمالية ، و جميعهم قدموا إسهامات جليلة فى هذا المجال. أخذ المفهوم عنهم آخرون وطبقوه على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية، بعض هؤلاء لم يشر مطلقاً بأنهم أخذوا من مفكرين آخرين! أما الذين تناولوا هذه المفاهيم فى السودان فقد إستندوا فى بعض الجوانب فى التاريخ والإقتصاد على إنتاج كثير من المثقفين من قلب حركة اليسارالسودانى أيضاً. ولذلك فإثارة هذه القضية بالشكل الذى طرحت به هى إفتعال لصراع لا أساس له فى قضية فكرية مصادرها معلومة وروادها من المفكرين معلومين. ويمكن للمدارس الفكرية المختلفة ان تأخذ من بعضها البعض وتغتنى وتثرى بعضها الآخر، هذا من ناحية نظرية. أما عملياً وحينما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الحركة الشعبية وحركة الطلاب المستقلين والمؤتمر السوداني، فنقول بشكل قاطع أن هذه القوى جميعها من قوى السودان الجديد، وينتميان لنفس الكتلة التاريخية المناط بها التغيير، والعلاقات بينهما إستراتيجية والتباين إن وجد؛ فبالضرورة لن يؤثر على ما هو إستراتيجى.
    ونذكر إن مؤسس الحركة دكتور قرنق ينتمى الى مدرسة تتعامل مع التهميش الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والسياسي ومنظوره التاريخي كحزمة واحدة متكاملة الاسباب وتؤمن بأن تهميش النساء هو الأعمق. الحركة الشعبية هى رائدة قضايا الهوية والمواطنة المتساوية ومن المفيد لفكرها ولمستقبلها السياسي ولمستقبل بناء الكتلة التاريخية ان تتلاقح وتعطى وتأخذ من كل تيارات السودان الجديد. علينا إدارة نقاش عقلانى وموضوعى بعيداً عن محاولات تقسيم قوى السودان الجديد بدعوى إمتلاك الحقيقة المطلقة من أىٍ طرف.
    هـل الهامش والمـركز كـتلة صماء؟
    من القضايا التى أضرت بنضال الهامش ضد قهر المركز هى نظرة عدد كبير من المناضلين الى المركز والهامش ككتلة صماء. وهم بذلك يتوقفون عند سطح الظواهر ولا يلامسون عمقها. فالمركز يمور بقوى إجتماعية وإقتصادية وثقافية متعددة المشارب على مستوى الحاكمين والمحكومين. فالمحكومين ينتمون الى قوى إجتماعية وإقتصادية تعانى بمستويات متفاوتة من قهر المركز. فالمركز الجغرافى يضم قوى مهمشة عريضة غاضبة من سياساته وتقاومها، على مستوى الوعى السياسي يتباين إدراكها ومقاومتها لسياساته، ومن الخطأ المساواة بين المستغِلين والمستغَلين. إذ لابد من التمييز بين حكام المركز وفقرائه، وبين شهداء إنتفاضة سبتمبر من بنات وأبناء المركز الجغرافي، وبين جلاوزة "الأحجار الكريمة" من الأمن الذين ينتمون الى نفس الرقعة الجغرافية. عدم التمييز بين القوى الإجتماعية والسياسية فى المركز يؤدى الى أخطاء إستراتيجية وتكتيكية فى معرفة من هم أعداء الهامش ومن هم أصدقائه. كذلك الهامش ليس كتلة صماء، فكم من المنتمين للهامش خدموا المركز السياسي والحقوا الضرر بالهامش، وكم من المتنفذين فى المركز السياسي ينتمون الى الهامش الجغرافي. والهامش نفسه يضم قوى إجتماعية وبروقراطية إدارية وسياسية مصالحها مع المركز، ويضم قوى مهمشة تقاتل لمصلحة المركز ضد الهامش نفسه، ولدى بعضها مفاهيم ثقافية وعنصرية ضد بعضها الآخر.
    إن مستقبل نضال الهامش يحتاج للتدقيق النظري والعملي حول المصالح الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لمكونات كل من المركز والهامش حتى لا نأخذهما ككتل صماء مما يخدم المركز. ومن المهم الإنتباه إن مدن اليوم فى غالبها من المهمشين. إن التهميش يأخذ اشكالاً عديدة منها ما هو إثنى وطبقى وثقافى بجانب تهميش النساء. لذلك فإن إدراك وفهم وتبيّن كافة أشكال التهميش مهم فى معركة التحرير.
    خصـوصيات مناطـق الهامـش وعـلاقتها بالمـركز
    لمناطق الهامش قضايا خاصة بها، أهمها الأرض والمواطنة المتساوية ، والعلاقة مع مركز السلطة، والحاجة لإعادة هيكلة المركز لمصلحة اقاليم السودان المختلفة، وان تحكم الأقاليم نفسها بنفسها، وضرورة إيجاد ترتيبات أمنية جديدة مستدامة لمصلحة الجميع، إضافة لقضايا التنمية المتوازنة والتوزيع العادل للثروة. كل هذه القضايا لن تحل إلا فى إطار قيام مركز جديد بعد إعادة هيكلته، ملك لكل المساهمين فى الشراكة الوطنية.
    سعت الإتجاهات القومية الضيقة لتغليب الخصوصيات دون النظرة الى دور المركز وأهمية إعادة هيكلته لأنصاف المناطق المهمشة. يجب أن لا ننسى أن كل القوانيين التى تحكم الهامش تتم صياغتها فى المركز بما فى ذلك القوانيين المتعلقة بالأرض والمواطنة والتنمية. لا ندعوا للسير فى إتجاه معاكس لقومييّ المناطق المهمشة لأننا ندرك أهمية الخصوصيات التى تميز الهامش بما فى ذلك التأريخية منها، ولكن لا نرى أى حلول حقيقية لها دون تغيير سياسات وإعادة هيكلة مركز السلطة. وفي هذا الصدد من الضروري ان نقول ان قضية الأودك في النيل الأزرق وهي مهمة للحركة يمكن ان تحل في اطار ترتيبات خاصة في داخل اقليم النيل الأزرق نفسه وفي داخل السودان، وإن الحزام الذي يربط بين الجنوب والشمال من ام دافوق وحتي النيل الأزرق يصلح لإقامة شراكة إستراتيجة إيجابية بين دولتي السودان، ولاسيما المنطقتين اللتان قاتل سكانهما من السودان مع اهل جنوب السودان.
    تجـارة الـرق، العنصرية، البناء الـوطنى و كتابة التأريـخ
    منذ إنطلاقها إستندت رؤية السودان الجديد على المنظور التاريخي فى الدعوة لوحدة السودان، لأن السودان جزء من حضارات وادي النيل القديمة. ان الشخصية السودانية هى نتاج لمسيرة تاريخية طويلة مرتبطة بالمدنيات وأنظمة الحكم ونشأة العلوم والحضارة الإنسانية على ضفاف وادي النيل التى بناها الإنسان الإفريقي الاسود منذ آلاف السنين قبل الميلاد. تلاقحت أيضا حضارات وادى النيل القديمة مع الديانة المسيحية التى دخلت السودان الحالى بعد ثمان وثلاثين عاما من ظهورها، حيث قامت ممالك مسيحية على ضفاف النيل وازدهرت لأكثر من الف عام، وكانت العذراء تزين جدران كنائسها كإمرأة سوداء.
    تبع ذلك إنتشار الإسلام على مدى أكثر من تسعة قرون من التبشير منذ اتفاقية البقط فى ٦٤١ م . فى مطلع القرن السادس عشر (١٥٠٥ م) قامت اول سلطنة بملامح إسلام سوداني بعد تحالف عمارة دنقس وعبد الله جماع. وسميت تلك السلطنة بالسلطنة الزرقاء على لون سكانها.
    هذه المسيرة التأريخية الطويلة منذ "كرمة ونبتة" مروراً بالسلطنة الزرقاء وممالك وسلطنات دارفور وكردفان والبجا وأنظمة الحكم المختلفة فى جنوب السودان وغيرها من أشكال نظم الحكم المحلية التى شملت كل السودان وجواره الحالى شكّلت التنوع التاريخي لبلادنا وإنسانها.
    فى دراسته لتأريخ السودان تأثر مؤسس الحركة بنتائج البحوث التى أجراها الكثير من العلماء حول حضارات وادى النيل، وعلى رأسهم المفكر والمؤرخ السنغالى الكبير الشيخ " أنتا ديوب" الذى إعتبر البعض رسالته للدكتوراة حول حضارات وادى النيل السوداء بمثابة إنجيل التاريخ الأفريقيى. فتح الإطلاع على نتائج تلك الدراسات والبحوث نقاشا طويلا داخل صفوف الحركة حول رؤية السودان الجديد من منظور تاريخى. فالتأريخ هو أحد أهم مكونات الدعوة لوحدة السودان كما أن الإلمام بالتاريخ مهم من أجل المصالحة الداخلية بين الشعوب السودانية، والمصالحة عالميا مع الحضارات الإنسانية الأخرى.
    لقد كان الإنسان الأسود فاعلاً وحاضراً فى مسيرة التاريخ العالمى، وهذا مهم لمواجهة النظرة الدونية للسود فى العالم. هذا ماذكره أيضا الشيخ "أنتا ديوب" فى كتاباته. ولذلك فالدفاع عن التنوع التاريخى للسودان هو الذى يسند وحدته، وكما أشرت فى كتابات سابقة: "فإن الأنتقاص من تاريخ السودان هو الذى إنتقص من وحدته". فالذين يريدون ان يوحدوا السودان عليهم أن يتصالحوا مع تنوعه التاريخى حتى يتصالحوا مع تنوعه المعاصر.
    لن تكتمل اى عملية مصالحة وطنية حقيقة إلا بقراءة موضوعية لتأريخ السودان لاسيما فترة تجارة الرق والأثار والجراحات العميقة التى خلفتها فى قضايا البناء الوطنى ووحدة السودانيين ونظرتهم لبعضهم البعض. دراسة تلك الفترة والكشف عن ما جرى فيها والإنتقاد الواضح والشفاف للمارسات التى حفلت بها ومخلفاتها اللاحقة ومكافحة العنصرية الحالية التى تمخضت عنها، وأصبحت تشكل أحد المكونات الثقافية والمرارات التى تعوق البناء الوطنى أمرا هاما لمستقبل التعايش بين السودانيين.
    لن يتم كل ذلك إلا ببناء دولة مواطنة متساوية وأن تتخذ الدولة سياسات واضحة لمكافحتها من خلال التربية والمناهج التعليمية وإرثاء ثقافة مجتمعية متكاملة واصدار التشريعات الصارمة لمكافحتها . يجب أن لا نعتقد أن بإمكاننا تجاوز مرارات تلك الفترة بمحاولة إغفالها و السماح لها بضرب النضال المشترك للسودانيين من أجل مستقبل أفضل. كما يجب أن لاتتسب فترة تجارة الرق والعنصرية التى خلفتها فى تقسيم قوى التغيير وتعطل عملية توحيدها فى معركتها لبناء مجتمع جديد معافى.
    إن أجندة المستقبل يجب ان تبنى على الحقائق دون تزويغ او تزويد. لقد عبّر الشهيد "جوزيف قرنق أوكيل" من قبل فى إطار حديثه عن فترة تجارة الرق وعن "هوبكنز" ودور الإستعمار والكولونياليه فيه التى وفرت الاسواق لترويجها، وضرورة الإستفادة من دروس تلك الفترة لمواجهة قضايا اليوم دون أن نظن أن الخصوم الداخليين أشد وطأة من الخارجيين، وتأكيده على ضرورة إنهاء الإستغلال الداخلى ومواجهة الإستغلال الخارجى، مشبهاً الذى يهرب من إستغلال الجلابة لإستغلال الرأسمالية العالمية كمن يهرب من بيت المرفعين الى بيت الاسد!
    لذلك علينا أن نواجه ماضينا بجرأة لنصنع ما هو أفضل بمستقبلنا، فتأريخ السودان يحتاج الى إعادة قراءة وكتابة مبنيّة على الحقائق، وبأيدينا دون وجل؛ وفى تكامل وشمول وفى إعتراف تام بمساهمات كافة أقوام السودان.
    هنالك مساهمات عديدة فى هذا الخصوص من السودانيين، ومن بعض الأجانب المهتمين كانت الحقيقة مقصدها فى تتبع دروب التاريخ الشائكة والمؤلمة فى كثير من الأوقات. لذلك نحن نحتاج فى توجهنا نحو المستقبل ان نربط أنفسنا بمراسي تأريخنا، فالسفن التى لا تربط فى المراسى بحبال متينة يجرفها التيار بعيداً. فالنربط أنفسنا بحبال تاريخنا. فليس بإمكاننا تبيّن دروب المستقبل قبل أن نجاوب على أسئلة من شاكلة : من نحن ومن أين جئنا، والى أين نود الذهاب؟ فحاضرنا ومستقبلنا سيأخذ من ملامح ماضينا.
    الصـوفية التسامـح والتعـايش- المسيحية والديانات الإفـريقـية
    شكّلت الصوفية ملامح الإسلام السوداني بطابعها المتسامح والقادر علي التعايش مع الديانات الاخري، ونشرته بالموعظة الحسنة والحكمة والرايات المطرزة بالنذور على مدى تسعة قرون، وتفاعلت مع الثقافات الإفريقية وأخذت منها أيقاعاتها وتبنت بعض وظائفها الاجتماعية والتى تفاعل معها شيوخ الطرق الصوفية. ورغم ما علق بالتصوف وبعض المتصوفة من شوائب إرتباطهم بالحكومات الشمولية، لكنها تظل ترياق ضد الإسلام السياسى والسلفية الحربية. فالطرق الصوفية راسخة الجذور فى مجتمعنا، وفى حملات بناء الحركة بعد إتفاقية السلام نشأ ود ومحبة بين شيوخها وبين الحركة، وانضم بعضهم الى الحركة. لقد قامت الصوفية على التسامح فى تفاعلها مع التنوع السودانى ولذلك علينا ان نستمر فى التفاعل الإيجابى معها لترسيخ قيم الفضيلة والتسامح واحترام التنوع فى بلادنا.
    لاتزال هنالك مجموعة مقدرة من سكان السودان تعتنق الديانة المسيحية، والديانات الافريقية، حتى بعد إنفصال الجنوب، مما يستدعى الإهتمام بقضية التنوع الدينى فى بلادنا. قضية التنوع الدينى لن تحل بشكل جذري إلا بالوصول الى سودان جديد ديمقراطي علماني يفصل بين الدين والدولة، ويؤسس دولة المواطنة المتساوية ويقف على مسافة واحدة من جميع الأديان ومن المؤلم أن هذا النظام إستهدف المسيحيين السودانيين بشكل عام، كما شرد آلاف الأقباط السودانيين فى فجاج الأرض. ولذا فإن قضايا المسيحيين السودانيين والمؤمنيين بالديانات الافريقية شديدة الصلة والإرتباط بإقامة نظام ديمقراطي ومواطنة متساوية.
    الديمـقراطـية وحـقـوق الإنسـان
    قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان واحدة من القضايا التى تستحق المراجعة الدقيقة فى تجربة الحركة. والحركة مثلها مثل كثير من حركات الكفاح المسلح إعتبرت الأخطاء والجرائم التى أرتكبت أنها أخطاء وجرائم عابرة لابد من المرور بها أثناء إنجاز مهام التحرير، وأن الأهداف السامية للتحرير تعلو على مثل هذه الأخطاء المؤقته. لقد كان هنالك الكثير من الضحايا لتلك الممارسات لاسيما فى حروب الهامش الداخلية الطويلة التى كانت فى غالبيتها بدفع من حكومات الخرطوم. والحركة والجيش الشعبي خاصة فى البدايات لم يأخذا قضايا حقوق الإنسان كمكون رئيسى فى ممارستهما، وقد الحق ذلك تشوهات بالتجربة.
    إتضح من تجارب العديد من حركات التحرر الوطني إن إغفال قضايا حقوق الإنسان اثناء عملية التحرير لايمكن تداركه بعد التحرير.
    وبعد اتفاقية السلام ٢٠٠٥ لم تعط الحركة الإهتمام المطلوب لقضايا التحول الديمقراطي وركزت جل إهتمامها على تنفيذ الجوانب التى ستؤدي الى الإستفتاء على حق تقرير المصير على الرغم من أن التحول الديمقراطي كان ركناً رئيساً من أركان الإتفاقية. كما لم تتمتع الحركة بالحساسية المطلوبة تجاه كثير من الممارسات المخالفة لحقوق الإنسان التى ارتكبتها أجهزة المؤتمر الوطني أثناء الفترة الإنتقالية. و كان مركز السلطة وحزب المؤتمر الوطني يساومان لإغفال قضايا التحول الديمقراطى فى مركز السلطة مقابل تنفيذ جوانب الإتفاقية المؤديه لحق تقرير المصير. وقد تطلب تحقيق الإستفتاء على تقرير المصير معارك شاقة، زاد من مشقتها غياب التحول الديمقراطى الذى دفع ثمنه الجنوبيون والشماليون معا بعد الإنفصال، فبقاء النظام القديم معادٍ لكلا شعبى السودان.
    ولأن قاعدة الحركة الصلبة فى جنوب السودان كانت تريد أن تنجو بجلدها من دولة الفاشية الإسلامية لذلك لم تهتم كثيرا بقضايا التحول الديمقراطي.
    إن حركات الهامش جمعيها إهتمت أكثر بقسمة السلطة والثروة والتى أصبحت قسمة فوقية بين الصفوة ولم تؤد لتحول ديمقراطى فى بنية السلطة وإعادة توزيع الثروة لمصلحة الفقراء والمهمشين وبدون ذلك لا يمكن إنهاء التهميش.
    إن قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان تمثل أحد أهم الآليات لإنهاء التهميش وقد آن الآوان لوضعها فى صلب برنامج حركات الهامش ونضالها، فبدون ديمقراطية لايمكننا بناء مجتمع جديد يؤدى الى إنهاء التهميش، وهذه القضية يجب أن تشكل أحد أعمدة فكر السودان الجديد.
    الديمـقراطـية الداخـلية وانتخـاب الـقـيادة
    أشرنا من قبل بضرورة أن تشكل الديمقراطية أحد أعمدة فكر السودان الجديد دون ضبابية، والديمقراطية ليست بالأمر السهل واذا أردنا ان نحققها فى المجتمع علينا أن نطبقها داخل تنظيمنا ففاقد الشئ لا يعطيه. لقد عانت الحركة من مصاعب حقيقية فى الديمقراطية الداخلية و كان للعمل العسكري والتراتبية العسكرية تأثير سلبى واضح فى ذلك، بل إن الجناح السياسي للحركة لم يأخذ ملامحه و يتشكل إلا فى وقت متأخر وكانت البداية الفعلية هى المؤتمر الأول للحركة فى "شقدوم" عام ١٩٩٤. والآن بعد مضى وقت طويل منذ التأسيس الأول للحركة فى ١٩٨٣ لابد أن ننتبه لقضية الديمقراطية الداخلية، وان تأخذ موقعها المستحق حتى تزدهر الحياة الداخلية للحركة وتنطلق بمساهماتها نحو المجتمع.
    إن أحد المقومات الرئيسية للتنظيمات الحديثة هو إنتخاب القيادة فى ظل نظام داخلي يتيح الديمقراطية والتبادل السلمي للمواقع القيادية وهو ما يجب أن يشكل ملمح رئيسي لما نود أن نقوم به من تجديد تنظيمى.
    حـركة إصـلاحية أم ثــورية !
    يجب أن تكون الحركة التى نحن بصددها حركة ثورية تحررية واضحة الأستراتيجية وتتبنى تكتيكات ملائمة لتحقيق تلك الأستراتيجيات. من الطبيعى أن تمر الثورة عبر محطات الإصلاح ولكن قطارها لا يتوقف عندها كمحطات نهائية فمشروعنا أبعد من الإصلاح وهو مشروع ثورى تحرري يرمى لبناء سودان جديد لمصلحة كل السودانيين.
    حــركة حـقـوق مـدنـية ديـمـقراطـية فى المـدن
    إعتمدت الحركة فى غالب تأريخها على الكفاح المسلح والآن بعد التغيير الكبير فى التركيبة الديموغرافية والطبقية فى المدن و وخصوصاً مناطق الإنتاج الحديث أضحت الوسائل الناعمة أكثر ضرورة من أى وقت مضى.
    لم يجد توظيف الوسائل الناعمة معالجة كافية من الحركة رغم أن محاولات عديدة بذلت فى هذا الإتجاه. الآن لامناص من بناء حركة حقوق مدنية تحررية فى مدن السودان مرتبطة عضوياً بالريف ومنفتحة على القوى الديمقراطية والتقدمية والمستنيرة لانتصار مشروعنا. إن الحركة التى ندعوا لها يجب أن تكون ذات أجندة واضحة فى قضايا المواطنة المتساوية وضد العنصرية وتناضل من أجل الخبز و السلام والتحرر وتحسين شروط الحياة المعيشية لكافة السكان، وتربط بين قضايا العدالة الإجتماعية والمواطنة وتحقق ديمقراطية الثقافة والسلطة. مثل هذ الحركة هى التى يمكن أن يعول عليها فى بناء الكتلة التاريخية من جميع القوميات ولمصلحتها جميعاً، معتمدة على استخدام وسائل اللاعنف والعمل السلمى المدنى الديمقراطي وهى أحدى وسائلنا نحو المستقبل. الذي يجدر ذكره ان هناك قضايا ذات خصوصيات بعضها مؤقت، أصبحت تشكل اجندة جديدة من ضمنها قضايا الاراضي، السدود، الإبادة الثقافية، البيئة، تجمعات المزارعين، الرعاة، المفصولين تعسفيا والنازحين واللاجئين وغيرها تحتاج الي إنتباهة خاصة.
    إتفـاقيات السـلام والإندمـاج فى النظـام القــديم
    لاشك أن إتفاقية السلام الشامل هى كبرى الإتفاقيات التى تمت، وكانت ذات أثرٍ كبير داخلياً وخارجياً. أحد أركان الإتفاقية هوالتحول الديمقراطي ، وقد كان هو الضمانة العضوية لتغيير السودان عبر إنتخاب سلطة جديدة فى بداية النصف الثانى من عمر الإتفاقية. كما أن الإنتخابات والأستفتاء على حق تقرير المصير كانا أهم آليات تغيير الأوضاع القديمة. ولكن عند التطبيق تم عن عمد تجاهل التحول الديمقراطى الذى هو الأساس لعلمية التغيير، ولو تم التحول الديمقراطي؛ لأحدث أثراً إيجابياً كبيراً لمصلحة الوحدة، وتحقيق السلام بين البلدين فى حالة الإنفصال. كذلك لم تأخذ القوى السياسية المعارضة الحقوق الواردة فى نصوص الإتفاقية حول التحول الديمقراطى مآخذ الجد، ولم يسع معظمها لإستخدام وثيقة الحقوق الدستورية لفرض الأمر الواقع على الحكومة، بل إعتبرت ذلك من مهام الحركة، وهو جزء من الأسباب التى أدت الى الحفاظ على النظام بشكله القديم. رغم ذلك فان تغييرا بشكل من الأشكال قد تم رغم محدوديته وقتها ولم يعد الحال مثل ما كان قبل الإتفاقية.
    تم توقيع إتفاقيات عديد بعد نيفاشا خارج وداخل السودان، لكنها لم تؤد الى التغيير المطلوب مما يطرح سؤالاً مركزيا حول كيفية تحقيق السلام والتغيير معاً، إذ لا يوجد سلام فى ظل الحفاظ على النظام القديم. هذا هو أحد الاسئلة التى تحتاج لإجابة، ونحن نعمل لتجديد الحركة والإنفتاح على الآخرين. فهل من الممكن ان نصل الى اتفاقية سلام خارج الدائرة التقليدية لتقسيم السلطة والثروة؟
    حــركات التحــرر: تــراجـع الأحــلام الكـبيـرة
    فى ظل الليبرالية الجديدة والرأسمالية المتوحشة – كما أشرنا من قبل - تواجه حركات التحرر الوطنى فى بلدان الجنوب اوضاعاً عالمية غير مواتية لوجودها لتحقيق التنمية وبناء المجتمعات الجديدة. وكما تابعنا فى السنوات الأخيرة فقد تم القضاء على دول بكاملها نتيجة للتدخلات الخارجية كما حدث فى العراق وليبيا. فى ظل هذه الأوضاع فإن حركات التحرر الوطني الحاكمة او التى فى المعارضة تجابه اوضاع شائكة. إن تجارب حركات التحرر الوطني فى الحكم انتهى معظمها الى فشل فى تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لشعوبها، ونحا كثير من قادتها ورموزها للدكتاتورية بدلا عن الحرية والتحرر فى ظل مناخ عالمى سلبي انتشرت فيه الحركات القومية الضيقة والشعوبية والتوجهات الإثنية والتيارات الدينية المحافظة فى أكثر البلدان تقدما إقتصاديا.
    يضاف الى ذلك تشابكات العولمة والتطور فى أجيال البرمجيات، وتأثيرها الكبير ايجابا وسلبا على عقولنا فإن إنسدادا بيّنا فى الآفاق وتناقص فى الأحلام الكبيرة والرؤى الطامحة لتحقيق عالم أكثر انسانية أصبحت على المحك. وفى هذا الوقت ورغم ما يدور من حولنا إقليميا ودوليا فإننا ملتزمين بمحاولتنا بالتمسك بالأحلام الكبيرة وبرؤية السودان الجديد.
    إن المناخ الإقليمي والعالمي يشهد أنحداراً بلغ فى بعض الأحيان درجة طرح الأفكار العقيمة البالية من أعلى منصات المسرح العالمي. ان هذه الأوضاع تؤثر بشكل او بآخر فى واقعنا الداخلي وتشجع الأنزواء السياسي والفكري وتدعم تصاعد قضايا الإثنية الضيقة والتطرف الديني.
    على الجانب الآخر فإن الإرهاب الذى يستهدف المدنيين يجد أساسه بصورة او أخرى فى أزمة النظام العالمي وعدوانه الذى لم يترك آفاقاً للتطور والعدالة لملايين الفقراء على مستوى العالم ولا سيما بلدان الجنوب.
    فى هذا المناخ المضطرب تصبح محاولتنا للتمسك برؤية تقدمية مثل رؤية السودان الجديد، وبناء منظمة وطنية ديمقراطية أمرا ضروريا وحيوياً لشعبنا وللبلدان المجاورة لنا، وهى المنظمة التى يمكن ان تساهم بفاعلية فى الحفاظ على وحدة السودان والسلام فى جوارنا.
    إنفـصال جـنوب السـودان والإتحاد بيـن بلــدين مستقـلين
    نحن الذين حاربنا مع أبناء شعبنا فى جنوب السودان وأحببنا الجنوبيين والجنوب مثل حبنا للشماليين والشمال لا نفرق بينهما فقد تعلمنا محبتهما معاً.
    إن حقيقة إنفصال الجنوب والإبادة الجماعية فى السودان هما حدثان من الضخامة بمكان ليدفعا كل وطنى لاعادة النظر فى المشروع الوطني القديم واستبداله بآخر على نسق مغاير.
    لكننا نعلم أن النظام الفاشي الحاكم وبحكم طبيعته لن يعيد النظر فى نظامه القديم إلا مجبراً. ولذا فإننا نتوجه الى قوى التغيير خاصة قوى السودان الجديد وقوى التقدم والاستنارة التى نسعى معها لبناء منظمة ثورية، ومثلها نتوجه الى قوى التغيير العريضة للعمل على إزالة النظام، والإتفاق على أسس جديدة للمشروع الوطنى عبر مؤتمر دستورى ينقلنا لترتيبات دستورية ديمقراطية تعيد هيكلة الدولة السودانية. هذه مهام تواجه جميع الشعوب السودانية. إن رؤية السودان الجديد رؤية سودانية خالصة انتجتها أرض بلادنا و تشكل نقطة تلاحم والتقاء بين الشعبين فى دولتى السودان. يضاف لذلك أن مجموعات كبيرة من المواطنيين السودانيين شاركوا فى حرب التحرير فى جنوب السودان، وهى نقطة تلاحم أخرى من النضال الذى قادته الحركة ضد التهميش حمل كثيراً من المواطنين الجنوبين الى نضال فى مناطق متفرقة فى شمال السودان.
    لقد ساهمت الحركة فى إنتاج وعى مغاير وعلاقات مشتركة بين دولتى السودان لا تزال صالحة لمد يد الأخوة الشريفة بينهما.
    بإنفصال الجنوب إنتهى شكل من أشكال الوحدة، والفرصة الآن لإعتماد شكل آخر جديد للوحدة بين بلدين مستقلين على أساس الإحترام المتبادل لإستقلال وسيادة كل منهما وخلق علاقة إستراتيجية تسندها المصالح والجغرافيا والتاريخ والدماء واقامة (اتحاد سودانى) بين الشعبين والدولتين.
    هذه هى الدعوة التى يجب أن تتبناها الحركة والكتلة التاريخية التى تنتمى اليها فى السودان. على هذه الكلتة أن تأخذ على عاتقها مهمة الوصول لذلك الاتحاد السوداني لمواجهة تعقيدات بلدان الجنوب والإسهام الإيجابي إقليمياً وعالمياً لاسيما وحدة إفريقيا والتعاون الإستراتيجي بين الأفارقة والعرب خصوصاً أن أغلبية العرب تتواجد فى إفريقيا.
    لاشك ان كلا البلدين محتاجين لإقامة الوحدة على أساس التنوع، والى مشروع وطني ديمقراطى داخل كل منهما، ويحتاجان للتعاون والشراكة الإيجابية مع الإقليم والمجتمع الدولى وفق المصالح الوطنية لكليهما. وإن كانت مصالح بلدان الجنوب فى بناء علاقات دولية متكافئة لمصلحة جميع الشعوب تقتضى توحدها، فمن باب أولى أن نبداء بجنوب السودان الذى نشاركه التاريخ والثقافة وأطول حدود دولية ومصالح فعلية لمواجهة إشكاليات وتحديات عالمية كبيرة. ويجب أن يكون هذا الاتحاد مقدمة لإتحاد أكبر مع جميع بلدان الجوار.
    إن تجارب عديدة إستطاعت أن تقيم أشكال مستحدثة من الوحدة ففى اوروبا يمكنك الذهاب من إسبانيا حتى الحدود التركية بترتيبات اوروبية مشتركة ونحن أحوج لمثل هذه الترتيبات من غيرنا، وهذا يشمل جميع بلدان الجوار، ولكن علاقتنا مع الجنوب لها وضعها الخاص والمتميز ولها مكانة فى قلوبنا وافئدتنا، وحينما غاب الجنوبيون فقدت بلدنا ملحها وفقدت بعض طعمها ومذاقها.
    الإطــار التـنـظيـمى الجـديـد
    ولأن "الدجى يشرب من ضوء النجيمات البعيدة" كما انشد شاعرنا الكبيرالراحل الاستاذ تاج السر الحسن، فإن بلادنا تحتاج الى مشروع وطني مغاير قادر مع الآخرين على بناء كتلة تاريخية، وتوحيد الضمير الوطني والسياسي لسكان المدن والريف.
    إن تجديد الرؤية الذى يأخذ المتغيرات والممارسة العملية يعنى بالضرورة تجديد الإطار التنظيمي بما فى ذلك الوسائل والآليات والديمقراطية الداخلية وانتخاب القيادة والتبادل السلمي والديمقراطي للسلطة داخل التنظيم ومن ثم فى المجتمع العريض.
    إن تجديد الرؤية والآليات التنظيمية هما مفتاح رئيسى للإنتقال بالحركة الى وضع جديد، وهى قضايا مترابطة إذ لا يمكن تجديد إحداهما دون تجديد الأخرى. لقد جاء الوقت لضخ هواء نقى جديد فى رئة الحركة يبعدها عن التكلس والجمود، ويمدها بروح نضالية جديدة جاذبة للمهمشين وللسودانيين من كافة دروب الحياة.
    إن الهدف هو خلق حركة على نمط جديد واختبار أراضي وآليات جديدة وذلك هو المدخل الصحيح لإعادة بناء الحركة والمساهمة فى بناء الكتلة التاريخية. عند القيام بذلك علينا ان نحدد مصادر القوة وان نضع إستراتيجية واضحة لبناء هذه المصادر وهذه هى أولى مهام البناء التنظيمى.





















                  

العنوان الكاتب Date
تجسير الماضى مع الحاضر/ ميلاد ثانى لرؤية السودان الجديد إحسان عبد العزيز10-22-17, 09:07 PM
  Re: تجسير الماضى مع الحاضر/ ميلاد ثانى لرؤية ا إحسان عبد العزيز10-22-17, 09:10 PM
    Re: تجسير الماضى مع الحاضر/ ميلاد ثانى لرؤية ا إحسان عبد العزيز10-22-17, 09:31 PM
      Re: تجسير الماضى مع الحاضر/ ميلاد ثانى لرؤية ا إحسان عبد العزيز10-22-17, 11:19 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de