- حملة محمومة من المتأسلمين انتظمت الوسائل كلها ترفع شعارات الأخلاق و"قيم الشعب السوداني"، بعد طرد العقيد بكري ورفيقيه - الملاحقين دوليا، للمفارقة، بتهم تتعلق بجرائم حرب -، يأملون من خلالها أن يتربعوا على عرش هذه الأخلاق المفترى عليها ! - طيلة ٤٠ عاما، أفسد المتأسلمون الحياة العامة السودانية، ودمروا النسيج المجتمعي، ولوثوا الأعراف: تلك الأعراف التي سار عليها المحجوب وزروق - مثلا - الخصمان اللدودان في البرلمان، الصديقان الحميمان، بعد الفراغ من جلساته! تلك الأعراف التي سمحت للشهيد عبدالخالق محجوب - وهو الخصم الفكري والسياسي لحزب الأمة - بالذهاب للإمام عبدالرحمن المهدي، حين استدعاه يسأله دعوة وفد الحزب الشيوعي الروسي إلى السراي، ولم يستنكف عبدالخالق من الذهاب إلى "الكبير"، كما لم يستنكف من اصطحاب وفد "التقدمية" إلى زعيم كانوا يرونه رمزا للرجعية! تلك الأعراف التي جعلت الأمير نقدالله "الأب" يجوب الخرطوم كلها بحثا عن عبدالخالق - الملاحق - ليخبئه بعيدا عن أعين بصاصي جعفر نميري! تلك الأعراف التي جعلت الإمام الصادق المهدي يقبّل رأسي محمد إبراهيم نقد وفاطمة أحمد إبراهيم! تلك التقاليد التي جعلته ينصح الشهيد محمود محمد طه بأن نميري ينتوي اغتياله! - الأخلاق التي يتباكى عليها القوم، هم أول من شوّهها، و"دق مسمارا فوق رأسها"، و"اغتصبها" في بيوت الأشباح، وأحرق قراها في دارفور، وأسقط القنابل على جبالها في جنوب كردفان، وسقى الشباب السم الزعاف في العيلفون وكجبار وبورتسودان! - أين كانت و"الصحف المتوضئة" تسخر من السيد أحمد الميرغني، وتصوره في شكل بجعة،ًو تنهال بالشتم على رئيس الوزراء المنتخب، السيد الصادق المهدي، و"تشيطن" محمد إبراهيم نقد؟ - أين كانت حين أُبيدت قرى بأكملها في جنوب السودان؟ - أين كانت ومئات الآلاف من السودانيين يحالون للصالح العام، وعشرات الطلاب يقتلون داخل حرم الجامعات بدم بارد؟ أين كانت والأيادي المتوضئة تغتال محمد عبدالسلام وسوميت وسليم والطيب صالح؟ - أين كانت حين أُجبر رئيس الوزراء الشرعي على الجلوس تحت الشمس، ١٢ ساعة يوميا، على كرسي بثلاثة أرجل؟ - أين كانت حين اعتبر الروائي الكبير، الطيب صالح سفيها، وشتم الأراذل محجوب شريف والدوش ومصطفى سيدأحمد ومحمد وردي؟ - من أين استقوا "تقاليد الشعب السوداني" و"مرشدهم" في شمال الوادي يقول: طظ في مصر، وأدبياتهم تخلو من الوطنية، فالوطن هو وطن الخلافة من طنجة إلى جاكرتا، ومعينهم الفكري هو سيد قطب، صاحب جاهلية المجتمع وكفره؟ - متى كُنْتُمْ مع الشعب السوداني فيما يحب ويكره؟ لم نشاهدكم تتمايلون طربا، لا مع خليل إسماعيل، ولا صديق أحمد، ولا منصور بشير تنقا ولا نصر الدين عباس جكسا ولا حامد بريمة ولا جمال أبوعنجة ولا برعي ولا عصمت الامتداد؟ متى كُنْتُمْ؟ حين كنا نجتمع لنأكل صحن "البوش" في الجامعات، ما كُنْتُمْ تعرفونه، فموائدكم كانت تفيض بالمسروق من دماء الشعب، وحين كنا نتسامر أمام دكاكين الحي، كُنْتُمْ تتدربون على سحلنا. أليس هذا ما سمّاه سيد قطب.. "العزلة الشعورية"؟ - متى بكيتم معنا على رحيل علي المك أو عبدالعزيز محمد داود أو عبدالعزيز العميري؟ متى ضحكتم معنا أثناء عرض سينمائي أو مسرحي لفرقة الأصدقاء أو الفاضل سعيد؟ - متى أحسستم بانتمائكم فعلا لهذا الوطن بعيدا عن أوطان "أبوالأعلى المودوي" و"أبو الحسن الندوي" و"سيد قطب" المتخيلة التي سجنتم أنفسكم فيها في شكل "كانتونات" لا تمت للسودان بأي صلة؟ - ألم يكن بن لادن والظواهري وعبد الحكيم بلحاج وعباسي مدني والغنوشي أقرب إليكم من نيالا وجوبا وكسلا ودنقلا؟! ألم تشارككم عناصرهم تعذيبنا في المعتقلات؟! - عن أي تقاليد تتحدثون؟ ولماذا لا يُطرد غيركم؟ لماذا التقت أعلام الحزب الشيوعي والاتحاديين وحزب الأمة القومي هناك؟ لماذا جاء البعثيون وقادة المؤتمر السوداني والصوفية ولم يتعرض لهم أحد؟! هذه هي الأعراف، أنتم الاستثناء.. أنتم الاستثناء الوحيد، وبدلا من التدبر والتفكر، تمارسون الهروب إلى الأمام.. عودوا إلى سودانيتكم، وتعرفوا، وتعلموا الأعراف السودانية والثقافة السودانية قبل الجعجعة! - مشكلتكم ليست معنا، مشكلتكم مع أنفسكم، مع عزلتكم الشعورية، مع الكنتونات التي عشتم فيها نحو ٤٠ عاما لدرجة أن صارت لكم "رطانة" خاصة، وثقافة خاصة لا تشبهنا، وأخلاق لم نألفها في العمل العام، صارت لكم "أوهام" مرضية بأنكم "سوبر" في محيط من شعب جئتم تعلمونه قيمكم ونمط تدينكم قسرا، بالقوة المسلحة ! - أفيقوا قليلا، وقفوا أمام المرآة لتدركوا كم أنتم في غاية البعد عن هذا الوطن، فنونه وثقافته وأفراحه وأتراحه وهلاله ومريخه ونيله ونخيله وتبلديه وأناناسه و..."ناسه"!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
النعيم موسى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست