السفير/عبدالمحمود عبدالحليم يكتب .. السفير عطا الله : الكويت بوخارست روما الرياض ملواد “بالعودة”

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 08:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-14-2017, 12:05 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السفير/عبدالمحمود عبدالحليم يكتب .. السفير عطا الله : الكويت بوخارست روما الرياض ملواد “بالعودة”

    11:05 AM September, 14 2017

    سودانيز اون لاين
    زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
    مكتبتى
    رابط مختصر

    الكتابة عند فرانز كافكا هي “انفتاح جرح ما” ..

    … ما بالك إن كانت تلك هي جروح التذكار وتجارب سنوات العمر لرسل الدبلوماسية السودانية في تطوافهم بين ارصفة المدن البعيدة على إمتداد خطوط الطول والعرض .. نحن نحزن على الذكريات المحبطة لانها تعيسة، وعلى الذكريات الجميلة لأنها ترحل دون عودة .. ولتجارب الماضي وارتجاعاتها الوجدانية مغزاها وحكمتها في مهنة من السهل فيها نقل الانسان من وطنه لكن من الصعب نقل وطنه عنه .. وبين هذا وذاك فإن من يهضم الماضي بطريقة خاطئة يتقيأه المستقبل .. ومن يرى شجراً يسير لا يحتاج إلى إعادة استجواب زرقاء اليمامة ..

    (2)

    … بالدعاء بأن يدخله الله مدخل صدق وأن يخرجه مخرج صدق بدأ السفير عطا الله التمهيد لاصدارته “ذكريات وتجارب دبلوماسية” التي جاءت في 327 صفحة بأبواب ثلاثة اساسية شمل بابها الأول السيرة الذاتية والتنشئة، والثاني أحداث وتجارب عمله الدبلوماسي بديوان الوزارة وبعثاتها بالخارج .. وكان باب الاصدارة الاخير هو تجربته في قيادة الايقاد، بما في ذلك دور المنظمة في قضايا الحرب والسلام في السودان ..

    … وتحسباً لما قد تثيره بعض النيران الصديقة التي اطلقها في معرض تناوله لكواليس وخبايا وتفسير بعض الاحداث من ارتدادات يقول عطا الله ” … وقد تناولت الاحداث وملابساتها محاولاً تفسير بعض الظواهر وظروفها كاجتهاد شخصي لا أدعي في ذلك المسعى فصل المقال لأن الحكم بايجابية أو سلبية أي عمل أو اداء أو تفاعل مع أي حدث ينبغي تحليله وفق معطيات ومنظور ظروفها الزمانية، لا سيما وان آفة الولوج في دهاليز الدبلوماسية والتاريخ المعاصرين هو أن بعض صانعيها لا زالوا على قيد الحياة ولا شك ان هذا يشكل محكاً قد يتطاير منه رشاش ربما يتحسس منه البعض ويسئ الظن ويعتبرها مساساً بهم ويعرضني الى مآخذ البعض .. ولكني، تداركاً لأي مساس لمثل هذه الحالات – والتي أتمنى ألا تحدث – استدرك مقدماً واعتذر طالباً غفرانهم ولهم العتبى” .. هذا الاستدراك يحمد للكاتب على أي حال ..

    … كانت أكثر سطور الكتاب إلتياعاً الأسطر القليلة التي كتبها عطا الله وهو يتحدث عن فقدانه لفلذة كبده .. ابنته الصغيرة … التي غرقت في حوض السباحة بمنزل السفير بالسعودية، والتي بسببها التمس النقل من محطة الرياض وقتها، وهو حدث انفطرت له قلوب أهل الخارجية حزناً ..

    … يعود عطا الله في فصل لاحق ليوضح ان سفير الكويت وقتها، خالد الصباح، جاره في السكن والذي اصبح وزيراً للخارجية، أتاه مواسياً، ووضع معه لاحقاً خطة في إطار جهود تطبيع العلاقات السودانية – الكويتية..

    .. بالغ الظن أن الكتاب قد تأخر كثيراً منذ إعداده وحتى الدفع به للمطبعة عام 2017 .. إذ مرت العديد من التطورات المهمة والتي كان أمر ورودها في الكتاب حتمياً دون أن يظهر ذلك في الطبعة التي نحن بصددها الآن .. وكان تدوين بعض الفصول سابقاً بالطبع لأخريات، فعلى سبيل المثال يقول عطا الله صفحة 104 تحت عنوان “مفهوم الدبلوماسية عند منصور” عند استعراضه لخطبة القاها الدكتور منصور خالد في المؤتمر الثاني لسفراء السودان في يناير 1974 مبيناً ملائمتها لاوضاع اليوم “.. وما أشبه اليوم بالبارحة .. يبدو أن التاريخ قد أعاد نفسه على الرغم من أن حال السودان اليوم في 2014 لم يعد ذاك الحال في 1974” .. فهو إذاً قد كتب تلك الفقرات في وقت ما من عام 2014 أي قبل سنوات ثلاث .. وفي الاجزاء المتصلة بحديثه عن تجربته كسفير لدى المملكة العربية السعودية يقول على صفحة 156 في الفصل الموسوم “سفير لمهمة مستحيلة” عن سعود الفيصل “.. تولى الأمير سعود الفيصل حقيبة الخارجية السعودية منذ وفاة سلفه عمر السقاف عام 1975، ويعتبر اليوم عميد وزراء خارجية العالم” .. نعم كان كذلك قبل وفاة الفيصل في 9/7/2015 .. ويبدو أن الفقرات الخاصة بهذا الأمر في الكتاب قد أعدت قبل عام 2015 كذلك، وكان حرياً بالمؤلف ابراز ذلك في تقديمه اللاحق للكتاب ..
    … لا بأس .. ولا تثريب على اتساع المساحة بين إكمال فصول الكتاب، وصدوره هذا العام فلكل ظروفه .. يقول باولو كويلو … “الكتابة مثل الحب .. يأتيان في أوانهما “.

    (3)

    … جاء باب “النشأة والتكوين” كأحد أقوى فصول الكتاب ..

    … بلغة السهل الممتنع احتضن هذا الباب تفاصيل اخاذة عن مرتع صباه بقرية “ملواد” … لم يذكر الكاتب ان كان والداه قد اعطياه اسم “عطا الله” حمداً واستلهاماً لعطايا وخيرات “تساب” أو فيضان ذلك العام 1946 الذي ولد فيه، كما لم يذكر الكاتب المعنى الذي ترمز إليه كلمة “ملواد” .. إلا أنه كان حفياً بها وبشخوصها وطبيعتها وسبل كسب عيش أهلها، واتساع صحراواتها، وموقع النيل في حياة القرية .. يسجل الكتاب صورة نابضة بالحياة لسكانها وبيئتها الزراعية وايقاع الحياة فيها وطقوس سفر وعودة ابنائها من مهاجرهم البعيدة، كما يدلف للحديث حول أهم رموز القرية وحكمائها .. وشمل هذا الفصل ايضا حياة الكاتب الدراسية تلميذا وطالباً وخريجاً بما في ذلك بقرية “الخندق” التي تعلم فيها اللغة العربية، وجامعة الخرطوم التي حاز على درجة الشرف في علومها السياسية، ثم جامعة سيراكيوز بالولايات المتحدة حيث نال درجة الماجستير في جامعتها العتيقة عام 1979، ولم يحضر بالتالي انعقاد القمة الافريقية بالخرطوم عام 1978 التي أشار إلى تميزها في مكان آخر ..

    … معلوم أن قمة الخرطوم تلك كانت من أهم القمم التي عقدتها منظمة الوحدة الأفريقية .. لكن، وللأسف، لانجد تسجيلاً مصوراً لها بأرشيفاتنا على النحو المتوافر لقمة اللاءات الثلاث العربية بالخرطوم عام 1967 …
    حيث ضرب حضور الرؤساء الأفارقة لتلك القمة رقماً قياسياً، كما كانت مهمة كذلك بمخرجاتها الحاسمة في دعم حركة التحرر الافريقي، وأهمها قرار الاعتراف بالجبهة الوطنية في زمبابوي (موقابي/ نكومو)، وهزيمة مشروع التسوية الداخلية هناك لأبيل مزريوا، ودعم حركة سوابو في ناميبيا، والتعاضد مع دول المواجهة الأفريقية، وتشكيل لجنة رئاسية قادها الرئيس نميري بشأن مسألة الصحراء الغربية، فقرار تحويل اليونيدو لوكالة متخصصة في تلك القمة التي استطاع السودان بعيد اختتامها حل تفجر مشكلة طرد رعايا بنين من القابون من خلال وساطة نميري عبر مبعوثه السفير فيليب اوبانق ..

    … يقف القارئ مبهوراً امام التفاصيل التي حواها هذا الفصل والذي يحتشد فيه التاريخ والاجتماع والسياسة والاقتصاد والفن والثقافة .. وبهذا فان هذا النوع من الكتابة يسهم بقدر مؤثر في كتابة تاريخ بلادنا الاجتماعي والثقافي تقفى فيه الكاتب آثار الدكتور أحمد ابراهيم ابوشوك الذي قدم في أحد أهم الاصدارات السودانية مؤخراً ومن خلال كتابه “العمدة أحمد عمر كمبال : ملامح من تاريخ كورتي وشذرات من سيرة الرجل” بحثاً بالغ الجمال في وصف الأرض والناس، والعادات والتقاليد، والنشاط التجاري والمهني والعمراني والحرفي، والتاريخي والاجتماعي والسياسي لمنطقة كورتي وما حولها .. لاتتبدى أهمية هذا الفصل في أنه تدوين لإرث المنطقة بل نوصي بأن تشكل مادته عملاً تلفزيونياً مبدعاً يوثق للأرض والانسان في شمالنا الحبيب ويؤسس لاقامة متاحف لانماط الحياة السودانية .. ونأمل ان تستفيد فضائية الشمالية وغيرها من أمثال هذه المادة فتحفظ لاجيالنا القادمة كنوزاً مترعة بالصدق والاصالة ..
    (4)

    كان عطا الله شاهد عصر على أحداث مزلزلة إبان تنقله في العديد من المحطات ..

    … اذا كانت الكويت هي محطة عمله الاولى التي عجمت عوده وقال إنها كانت الأهم فى حياته الدبلوماسية فقد جاء سرده في الكتاب عن تاريخها وحياتها السياسية والثقافية والاجتماعية كأجمل ما كتبه الدبلوماسيون عن الكويت .. لن تغادر ذلك الفصل قبل ان تقتنع بخصوصية الكويت في محيطها الاقليمي بما في ذلك الادوار السياسية والاقتصادية والانسانية التي تلعبها، ولاتزال، خليجياً وعالمياً ..

    … يذكر عطا الله وقتها مرافقته لوفد كان من ضمن أهدافه تهنئة البحرين وقطر والامارات وعمان على استقلالها من الوصاية البريطانية وتقديم اعتراف السودان الرسمي لها .. ثم توالت حركة البناء والإعمار فيها بسواعد سودانية .. يا له من تاريخ ناصع ..

    … شهد سفيرنا كذلك بواكير الدعاش الذي افضى لربيع براغ .. إذا كان انتصار حركة التضامن في بولندا قد أدى لثورات سلمية في المجر والمانيا الشرقية وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا فان التطورات كانت أكثر دموية في رومانيا التي كان عطا الله شاهد عصر على “الكتابات على الجدران” التي أدت لاحقاً لانتفاضة تيمشوارا، وإعدام الشرطة العسكرية للرئيس شاوسيسكو وزوجته ايلينا في ساحة متسخة بقاعدة عسكرية خارج بوخارست وأمام عدسات المصورين في يوم الاحتفال بعيد الكريسماس في 25/12/1989 … كانت الفرصة مواتية للسفير عطا الله في الابواب الخاصة بتجاربه في دول شرق اوروبا أن يقدم للقارئ تحليلاً حول كيف حدث كل ذلك التحول من وجهة نظر عالم السياسة الذي تتداخل عنده الاسباب السياسية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية بدلاً عن القول عموماً ان مرد ذلك غياب الديمقراطية .. كان يمكن ان يكون ذلك التحليل متكاملاً اذا تم ربطه بظاهرة الـEurocommunism التي اجتاحت بدورها العديد من دول اوروبا الغربية ذاتها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهي التي تتخذ من الديمقراطية منهاجاً للحكم ..

    … تجاوبت رئاسة الوزارة مع السفير عطا الله وهو “يؤذن” في مالطا التي نقل اليها، منادياً باغلاق السفارة وعدم جدواها .. وقد كان .. ومنها الى روما التي كان ختامها مسك بزواجه من رفيقة دربه نفيسة .. نتمنى أن نرى قريباً، وباقلامهن، كتاباً عن حياة زوجة السفير أو الدبلوماسي .. فهن الشق المكمل لنشاطنا، واللائي يتحملن في صبر عناء ومفارقات هذه المهنة العجيبة ..

    … كان عطا الله حاضراً في قاعة افريقيا باديس ابابا وتوماس سانكارا يخاطب قمتها الافريقية عام 1986 مخفوراً بحارسه الشخصي وقتها بليز كامباوري الذي جلس في ذات مقعد سانكارا في القمة التي تلتها عقب أحداث عاصفة بفولتا العليا التي سميت لاحقاً ببوركينا فاسو، وتعني “ذوي القامات العالية” ..
    … كان شاهداً ايضاً على سقوط حائط برلين، وقد حضر “العشاء الاخير” والوداع الجماعي للسفراء المعتمدين بالمانيا الشرقية قبل ان تحرر شهادة وفاتها رسمياً في 3 أكتوبر 1990 .. وكان سفيرنا آخر المودعين لرئيس جمهوريتها بحسب انه كان آخر من قدم أوراق اعتماده لرئيسها القوي وقتها هوينكر ..

    … لا أدري لماذا تذكرت ذلك الوداع البرليني وفي ذهني وداع عطا الله لمودعيه في “مشرع” قرية “ملواد” وهو يدلف بحمار والده لداخل المركب عبوراً للضفة الاخرى وصولاً للمدرسة بالخندق .. انها حقاً مهنة التنقل واشجان التسفار التي “تبقى ملامح في ذريتك” .. كما يقول الشاعر ..

    (5)

    … جاء الفصل المسمى “صورة لراهن الدبلوماسية السودانية بالمنظمات الدولية والاقليمية” مليئاً بالتشاؤم، إذ يذرف عطا الله الدموع على ما أسماه بسودان الزمن الجميل .. يقول في صفحة 223 : “حتى السودان لا يشبه السودان .. لأن انسان السودان لم يعد نفس الانسان .. الحسرة على السودان تدب في النفس كالاكلان .. لأن السودان يحتضر ويتآكل ويهان ..” .. احسب ان ذلك امعان مفرط في التشاؤم، فالتاريخ لا يتوقف عند محطة معينة .. كما ان السفير عطا الله نفسه تقدم “بالوصايا العشر لاصلاح الدبلوماسية السودانية” في صفحة 214 تطلعاً وأملاً في إصلاح .. حتى في ذلك الزمن الجميل الذي تحدث عنه عطا الله كان هناك من يوصم السودان بأنه رجل افريقيا المريض .. فتأمل ..
    … كما اسلفنا في مكان سابق فان العديد من التطورات الايجابية قد شهدتها ساحة علاقات السودان بالمنظمات الدولية والاقليمية عام صدور الكتاب لتدل على أن القادم ربما يكون أحلى .. يقول السفير عطا الله في ص 222 عند الحديث عن الجامعة العربية : “لم يتبوأ أي سوداني أية وظيفة قيادية طوال العقدين الاخيرين ..” ألا أن حقيقة الأمر تشير الى حصول السودان على موقع مساعد الأمين العام للجامعة العربية في نفس عام صدور الكتاب في 2017 .. وفي صفحة 224 يقول عن الاتحاد الافريقي إن السودان : “ظل محروماً من وظائف الاتحاد .. إذ لا يوجد إلا موظف واحد فقط في اسفل السلم الوظيفي بالاضافة الى نفر من السودانيين في بعض الوظائف المؤقتة والفنية” .. وبالطبع فان السودان استطاع مؤخراً الفوز بوظيفة قيادية هي مفوض الشؤون الاجتماعية (مساعد الامين العام في التوصيف السابق) وذلك بعد أن كانت تلك الوظائف القيادية عصية على مرشحيه .. ويتمتع السودان حالياً بوظائف قيادية في منظمة التعاون الاسلامي (مساعد الامين العام) وهو ما يعكس امكانية التعزيز المستمر، وعلى أعلى المستويات، لوجود السودان في وظائف المنظمات الدولية والاقليمية .. فات على الكاتب ايضا ابراز نيل السودان، ولأول مرة في تاريخ الدبلوماسية السودانية، رئاسة مجموعة الـ77 والصين بنيويورك لمدة عام خلال 2008/ 2009، وهو العام الذي قاد فيه علماء وخبراء السودان التفاوض إنابة عن الدول النامية في العديد من الملفات وأهمها مفاوضات قضية تغير المناخ وصولاً لمؤتمر كوبنهاجن وما أعقبه من مؤتمرات .. علاوة على قضايا الازمة الاقتصادية العالمية وأزمات الغذاء وخلافها .. ومؤخراً ايضا وقبل أشهر قلائل نال السودان موقع المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، ومقرها الخرطوم، وهي المنظمة التي يؤمل في عهدها الجديد انتقال الاستثمارات الزراعية الى السودان وانجاح مبادرة الأمن الغذائي .. إن الانجازات التي تحققت مؤخراً في مجال المنظمات الدولية والاقليمية تؤكد ان بامكان الدبلوماسية السودانية العودة بقوة لتبوء ارفع المواقع في تلك المنظمات ..

    .. جاءت ” الوصايا العشر لاصلاح الدبلوماسية السودانية” مهمة كذلك، فقد ورد فيها ضرورة الايمان والالتزام بمبادئ السياسة الخارجية، ووضع استراتيجية الموجهات والمنهج الدبلوماسي، ووجوب تصنيف مهام السفارات واولوياتها، والاهتمام بالمنظمات الدولية، ووضع خطة عمل سنوية للتحرك الدبلوماسي، واستخدام نظام للمتابعة والتنسيق، وتوحيد وضبط الخطاب السياسي وتحجيم تدخلات الاجهزة الاخرى، واختيار كوادر الدبلوماسيين الاكفاء .. واذا كان الكاتب قد تمنى ان تسهم هذه الوصايا في عصف ذهني أوسع فإننا يمكن ان نضيف ضرورة الاهتمام بتراتيبية عقد مؤتمرات السفراء الشاملة والمناطقية، والاهتمام بالقضايا الاقتصادية ومسائل التنمية وجذب الاستثمارات الخارجية، واحكام تأمين وصيانة الجبهة الداخلية وتماسكها بما يعزز وحدة البلاد ارضاً وشعباً، واستكمال مطلوبات السلام، والاهتمام بقضايا الحوار والوفاق الوطني، واستكمال الحوارات مع الأطراف الدولية ذات الصلة، وإعادة ترتيب دورنا افريقياً وعربياً، والانخراط الايجابي مع القضايا التي تهم المجتمع الدولي.

    نواصل
    الحلقة الثانية والاخيرة





    السفير/ عبدالمحمود عبدالحليم يكتب .. السفير عطا الله : الكويت بوخارست روما الرياض ملواد “بالعودة” (2_2)


    (6)

    … يظل الباب الثالث والأخير بفصليه حول نشأة الايقاد وتجربة الكاتب في قيادتها لدورتين، وتجربة المنظمة في قضايا الحرب والسلام بالسودان أكثر الاجزاء أهمية واثارة للجدل ..
    … يروي السفير عطا الله خلفيات قيام الايقاد وإطارها الفكري وآلياتها، ثم لا يقف كثيراً عند حقيقة أن السودان كان “القابلة” التي اخرجت ايقاد للوجود من رحم العدم بنيويورك في منتصف ثمانينات القرن الماضي مما يعكس أحد مظاهر دور وانجازات السودان في الإطار الاقليمي.. ويقول الكاتب ان الاطار الفكري للايقاد وهدفها الاسمى دستوراً هو “خلق منطقة متكاملة تنعم بسلام واستقرار سياسي وتنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة تفضي في النهاية الى غايتها في تكامل دول القرن الافريقي” … إزاء ذلك يبدي السفير عطا الله نظرة متشائمة إذ يقول في صفحة 244 : “إن مستقبل الايقاد يبدو قاتماً” .. ويقول ان الايقاد “اخفقت في تحقيق رسالتها” وأن الاقليم “.. ازداد تمزقاً سياسياً وبؤساً اقتصادياً بل اصبح اكثر بؤر العالم نزاعاً وحروباً وفقراً” ..

    … ان المنظمات الدولية أو الاقليمية هي مرآة عاكسة لظروف البلدان المشكلة منها، والعيب اذاً ليس بالضرورة في الايقاد ذاتها بل في ظروف تلك الدول، وانه بتحسن ظروف الدول الاعضاء يتحسن اداء الايقاد وتتحقق فرضيات قيامها .. من استمع الى النظرة التفاؤلية التي تحدث بها رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي ماريام ديسالين في محاضرته قبل ايام بقاعة الصداقة حول آفاق وفرص تكامل دول القرن الافريقي يدرك وجود نصف آخر ملئ من الكوب عوضاً عن النصف الفارغ الذي عبر عنه السفيرعطا الله، وامكانات ان تنهض دول الاقليم وايقادها خدمة للاهداف المبتغاة رغم اوضاع الحاضر الحرجة بها .. كما ان النجاحات التي حققها السفير عطا الله خلال تقلده لموقع القيادة في المنظمة تشير ايضا الى انه كلما اتسعت مساحات التفكير خارج الصندوق فان هنالك امكانات لاحراز تقدم لتغيير الصورة النمطية عن الايقاد .. يقول السفير عطا الله على صفحة 236 إنه كان لابد له من “نفخ الروح في المنظمة باستنهاض همة رؤساء الدول الاعضاء لتوفير الارادة السياسية وإعادة ثقتهم في المنظمة” .. وهذا يعني ما اشرت اليه سابقاً حول أن صلاح المنظمات الاقليمية يبدأ بصلاح دولها ..

    … لقد توقعت في هذا الفصل الخاص بمنظمة الايقاد ان يقدم السفير عطا الله تحليلاً مقارناً بين الايقاد والتجمعات الاقليمية الاخرى مثل “السادك” و”الايكواس” و”الايكاس”، واستعراض النمو والتطور المؤسسي والموضوعي للتشكيلات الاقليمية وكسبها Evolution .. فاذا كانت هنالك منظمات تشارك الايقاد في ادائها الضعيف مثل “اتحاد المغرب العربي” في شمال افريقيا بسبب المشاكل السياسية المعلومة في هذا الاقليم فان بعض هذه المنظمات احدثت تطوراً ايجابياً في اقاليمها مثل دور الايكواس في التعامل مع قضايا ليبيريا وسيراليون وجهود التنمية والتكامل وحرية التنقل بين فضاءات دول غرب افريقيا، علاوة على منظمة “السادك” بالجنوب الافريقي التي كان اداؤها طيباً ايضا، بل تمكنت من لعب دور في العملية السلمية والعسكرية في منطقة البحيرات العظمى المتاخمة وتحديداً ازمة شرق الكونغو، وأحسب ان تحليلاً متعدد الابعاد كالذي اشرت اليه ومن تجربة سفير كعطا الله يمكن ان يكون مفيداً للسياسيين وطلاب العلاقات الدولية ودارسي التكتلات الاقليمية ..

    … ليس عيباً ما تدمغ به الايقاد عادة على نحو ما اشار اليها الكاتب بأنها للجفاف والتصحر .. ان نمو المنظمات الاقليمية في افريقيا يبرز اشكالاً مشابهة، فمنظمة “السادك” نشأت كتجمع لدول المواجهة الافريقية لصد عدوان النظام العنصري في جنوب افريقيا عليها frontline states، كما ان الاتحاد الاوروبي بدأ اصلاً كتجمع للحديد .. ومهما كانت صفة الايقاد الاستهلالية كجسم معني بالجفاف والتصحر إلا ان الملف كانت معنية به الدول الاعضاء التي ظلت ذات الدول مع اتساع تفويض وتطور الايقاد الذي شمل صراحة تفويضها لمعالجة النزاعات في الاقليم وغيرها من النشاطات..

    … ينعى السفير عطا الله على السودان تسليم مصائر وقضايا السلام فيه للايقاد .. لكنه يعود في صفحة 227 ليقول إننا “في عصر تسعى فيه كل دولة الى الانتماء والاحتماء بمظلة تكتل اقليمي وتجمع عالمي لمواجهة تحديات وتداعيات النظام العالمي الجديد” .. هذا عين ما فعله السودان .. فعلى الرغم من انه ما حك جلد امة مثل ظفر أبنائها وان الحلول الداخلية تظل الامثل كتجربة سلام الجنوب الاولى عام 1972 إلا ان ظروف تسلم الايقاد للملف وقتها استصحبت توجساً من ان عواقب التدخلات ربما كانت وخيمة في غياب جسم وساطة اقليمي أو غيره، خاصة وقد اسفر النظام الدولي الذي كان يتشكل وقتها عن ميول تدخلية سافرة، وكانت القراءة وقتها ان تساند اثيوبيا وارتريا موقف حكومة السودان بكل قوة، كرد لجميل السودان نحوهما، بحيث لم يكن هنالك تفكير حتى في ادخال جيبوتي المتعاطفة اصلا مع اوضاع ومواقف السودان لدول المبادرة لخلق تفوق عددي … ربما كان خيار منظمة الوحدة الافريقية هو الاصوب حسب تحليل السفير عطا الله لولا ضبابية مواقف بعض دولها المفتاحية وإرث المنظمة السابق الذي نأى عن التدخل في مشكلة الجنوب طوال سنوات اندلاعها.. وسواء في إطار الايقاد أو غيرها فان البلاد فشلت في استخدام واستغلال والترويج لمبدأ اساسي وعاصم هو الأهم في ميثاق منظمة الوحدة الافريقية والمنظور الافريقي عموماً، وهو عدم جواز تعديل الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو مبدأ راسخ ومقدس في الأدبيات الافريقية فشلنا في الضرب على وتره والمناداة به وإلا لما تسلل مبدأ تقرير المصير .. لقد كان مبدأ القبول بالحدود الموروثة بارزاً بصورة اساسية في المبادرة النيجيرية وجهود الرئيس السابق ابراهيم بابنجيدا .. ولعل ذاكرة نيجيريا تختزن دعم السودان الفاعل لنيجيريا ووحدتها إبان حرب بيافرا تأسيساً على إيمان السودان بوحدة دول القارة وعدم جواز تعديل حدودها .. يقول السفير عطا الله في صفحة 271 إن الحكومة في مبادرة الايقاد “دخلت كأقوى طرف” … إلا ان رمال السياسة المتحركة باعدت بين ما كان يرتجى من الايقاد وما افرزته المبادرة في نهاية الأمر ..

    … في سيريلانكا التي عملت بها سفيراً كان الحاضرون يطلبون مني أن أقلب الصفحة كلما حاضرتهم عن حق تقرير المصير في اتفاقية السلام الشامل.. نجحت سيريلانكا أخيراً في صون وحدتها رغم هزائمها المتلاحقة والكبيرة من حركة نمور التأميل الأسطورية، وتطاول وعدم ثقة حكومتها في الوساطة النرويجية، وتعاطف الكيانات التاميلية بولاية تاميل نادو الهندية المجاورة مع الحركة .. وكانت الحكومة في حالتنا هي الطرف الأقوى ..

    … لابد أن المؤرخين وطلاب العلوم السياسية سيجدون فرصة للمقارنة بين تلك الحالات وغيرها، واستخلاص الدروس والعبر ..

    … تابعت ما ذكره السفير عطا الله بأن المفاوضين السودانيين لم يسعوا للاستفادة من موقعه وهو يقود دفة المنظمة .. ربما سعى بطريقته للمجاهرة برفضه لذلك التغييب سواء للقيادة السودانية أو المفاوضين ،إلا أن الكتاب لم يتعرض أو يوضح ذلك رغم أهمية تلك الشهادة للتاريخ ..

    … في هذا الفصل ايضا يقدم السفير عطا الله رصداً لمبادرات ومساعي السلام في السودان منذ اعلان كوكادام، فمبادرة الميرغني وقرنق، واتفاق القصر 1983، واجتماعات اديس ابابا، فمؤتمرات ابوجا، ومبادرة الايقاد، ومقررات اسمرا وما سمى بالقضايا المصرية عام 1995 ووساطات كارتر، وأباسانجو، واتفاق مشاكوس، وناكورو، واتفاقية السلام الشامل .. ربما لا تكون تلك هي القائمة النهائية للوسطاء لأن عطا الله لا يذكر وساطة ماليزيا بالتنسيق مع جنوب افريقيا، وايضا تدخل منظمة سانت ايجيديو الايطالية التي كانت قد سعت للتوسط بين طرفي النزاع في السودان بعد نجاحها في توقيع اتفاقية السلام الموزمبيقية بروما عام 1992 بين فريليمو ومنظمة رينامو، بعد تدخلات ايجابية لها في البلقان وقواتيمالا وساحل العاج وليبريا، واذكر في هذا الشأن لقاء الرئيس البشير والرئيس الموزمبيقي السابق جواكيم شيسانو والذي كان من ضمن اجندته الوقوف على تجربة سانت ايجيديو في تحقيق السلام بموزمبيق ..

    … سيظل أمر السلام في السودان وانفصال الجنوب، من خلال ماورد في كتاب السفير عطا الله أو غيره من كتب الباحثين، مادة لاجيالنا القادمة للحكم واستخلاص العظات والعبر وان اختلفت المنطلقات والتحليلات والكتابات للحدث الابرز في تاريخنا المعاصر ألا وهو انقسام السودان وإنكماش المليون ميل مربع وعدم حضورنا في الموعد للعزيز منقو زمبيري ..
    (7)

    … مثل ظبي ناعس تجلس قرية “ملواد” بين النهر والصحراء .. الذين لايعرفونها أو يسمعوا بها ربما رأوا اسمها على البصات السفرية التي تأتي من هناك وصولاً لأم درمان عن طريق شارع “العودة” .. قدر السفير عطا الله أنه لم يسلك ذات الطريق فحسب لكنه أتاها ايضا من فجاج ارض بعيدة ومحطات عديدة عمل بها دبلوماسياً وسفيراً دون ان يغير ذلك من طبيعته القروية الودودة ..

    .. هذا موسم تفتح الازاهير ..

    … في فرح طفولي لا معنى له يردد البعض ان القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ .. فرح طفولي ليس لأن الكثير من العواصم العربية امتهنت حالياً الأنين والبكاء.. بل لأن الخرطوم ما عادت تقرأ فقط بل تكتب ايضاً .. السفراء يكتبون ويغزون اسواق الكتابة، ولعلهم أكثر الفئات المهنية كتابة في الآونة الاخيرة .. كتب السفراء جمال محمد أحمد وخليفة عباس العبيد وابوبكر عثمان محمد صالح وابراهيم محمد علي وعمر بريدو وحسن عابدين ومصطفى مدني والأمين عبداللطيف وعزالدين حامد ومصطفى عثمان اسماعيل وأحمد دياب وعلي حمد ابراهيم وكتب جمال محمد ابراهيم
    وأحمد عبدالوهاب وحسن بشير ومحجوب الباشا وابراهيم ميرغني وابراهيم الكباشي ومحمد أحمد عبدالغفار وخضر هارون والطريفي كرمنو وكرم الله كركساوي وعبدالله الأزرق وسليمان عبدالتواب مثلما كتب سيد أحمد الحردلو وصلاح أحمد ابراهيم ومحمد المكي ابراهيم وعمر عبدالماجد وعبدالهادي الصديق من قبل فناً وشعراً وأدباً، ويكتب الآن خالد فتح الرحمن وخالد موسى وخالد فرح .. والعتبى لمن سقط من ثقوب الذاكرة .. والقائمة تطول ..

    … نأمل أن لا ينتظر السفير أو الدبلوماسي أوان تقاعده ليكتب عن ذكرياته، بل ان يكتب حول قضايا الدبلوماسية المعاصرة وموضوعات العلاقات الدولية وعلوم السياسة التي اصبحت أكثر تشعباً وغزارة وتعقيداً .. كما نأمل ان تختزن وزارة الخارجية لخدمة اجيالها القادمة هذه الكنوز الغنية بالتجارب والمواقف.

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de