|
|
|
 Re: قُــرآمــات طــيــر ... (Re: معاوية المدير)
|
في موسم الشتاء قبل ان تهب رياح أُم شير، حاج العوض يبحث عن السميد في كل مكان حتى يجده،
فيخاطبه قائلاً : الليلة يا السميد حوبتك جات. عليك الله تعال اطلع ضكر التمر الفي سام ناس النوير
أقطع لي خُوسات قرآع.
سنابل القمح في الحقول تتمايل مع نسمات الشتاء الباردة وقد إنتهت مرحلة القراع لتعقبها مرحلة
السُفآف. عندما يبدأ التمر في الإستوا، اوّل نوع تمر يستوي يسمونه (سبق الجوع)، وسبق الجوع
يغير معاني مفردات قوقاي القمرية. يقول لنا أهلنا: إنها مستبشرة بنضوج سبق الجوع، ومبشرة
الجميع بموسم نضوج التمر بغنائها الذي تقول فيه:
سبق الجوع مرق
سبق الجوع مرق...
التمرة في بلآدي مِعطاءة تجود بجناها علي الغاشي والماشي، وحتي الطير في موسم التمر تسمع له
أهازيج فوق الصبايط جعلت قريحة غناينا تجود بوصف المنظر:
قالب دابو ود لقاي
وفوقو الطير يسوي الوآي...
| |
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: قُــرآمــات طــيــر ... (Re: معاوية المدير)
|
الصباح في البلد... صباحات الله بخيرهن، قطرات الندى منثورة فوق العُشب كما حُبيبات لؤلؤ
نُثرت علي بساط أخضر. الحقول في الصباح تضج بالحركة حيث تختلط اصوات البشر بأصوات
الحيوانات والطيور، كما للنيل موج يصطفق فيزيد جوغة الموسيقى ويضفي عليها رومانسية ساحرة.
عبث الطير بصبايط التمر يجعل بعضه يتساقط علي الأرض بعد ان يكون الطير قد أخذ حصته
منه. كنا نستلذ بطعم هذا الذي اكل منه الطير ونسميه (قُرآم الطير)...
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: قُــرآمــات طــيــر ... (Re: معاوية المدير)
|
للغربة طعم مُر مُؤلم، وذكريات البلد في محيطها تبعث الشجى في النفوس، فنطفق نذكر الأشياء
بملآمحها حتي نشتمّ رائحتها ونتذوق طعمها.
إنجرفت نفسي مع قُرآم الطير وتخيلت عِبِي قد إمتلأ منه . رحت اتلذذ بطعمه حتي أخذ الخيال
بيدي وقادني إلي مراتع الصباء ومسارح اللهو والشباب. قادني إلي حيث اللوبيا يعانق قصبات
عيش الريف الحاضنة في صفحتها قناديل القنقر، فإلتقطت اقداح التمساح من فوق رمال الجروف
وسلمت نفسي لأمواج النيل التي بدأت تداعب رِجلاي بحِنيّة مزروعة هناك في كل شئ. ها هي
الطيور في أُفق السماء اسرآب اسرآب رآجعة إلي اوكانها وأعشاشها بعد ان خلعت الشمس
اشعتها وبدأت تغوص تدريجياً في مياه النيل مستمتعة بِدِفئها بعد يوم طويل من التسكع في متاهات
السماء. رميت نواة قُرآمة الطير في مياه النيل فأحدثت دوائر مصبوغة بلون إحمرار الشفق،
تمددت مع المياه في كُلّ الإتجاهات، وكلما تمددت غاصت إلي الأعماق حتي تلاشت لتعود المياه
ساكنة هادئه مرةً أُخرى.
هاهم أهلنا قد وصلت مراكبهم إلي الضفة الشرقية، وبدأت الجزيرة في الضفة الغربية هادئة قد ارخى
الليل استاره عليها وصبغ لون خدارها بسواده المطرّز بخيوط إحمرار الشفق الذي تركته الشمس
خلفها. ما زالت بُرم اللبن فوق ظهور الحمير وهي لم تغادر المراكب بعد. كليقات القش وضعت علي
النجيلة وكذلك قُفاف الخضار، هاهم اراهم ومسحة الطيّبة بادية علي مُحياهم يتبادلون القفشات
والإبتسامات تتفجر من دواخلهم الطيّبة...
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: قُــرآمــات طــيــر ... (Re: معاوية المدير)
|
قذفت نواة قُرآمة الطير علي الرمال وادخلت يدي في عِبِي لآخذ واحدة أُخرى، تنقلت يدي في داخل
عِبِي فلم تطل شئ. عندها علمت انّ قُرآم الطير لم يتبقى منه شئ، ادرت وجهي نحو غابات النخيل
فإذا بها غابات من الأسمنت تحمل في حناياها دواعي الألم والحسرة والشجن الجريح الذي ادمن السكن
في داخل نفوسنا. ها هي التهويمة تصل إلي نهايتها وينتهي مفعول تخديرها لِأجد نفسي في محيط
الغربة تتقاذفني امواجه وتُنكرني سواحله. ليس بيني وبينه مودة، كتلك التي بيني وبين النيل حيث كانت
تضاحكني أشجاره وتغازلني أطياره وتسعد بوجودي رماله.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: قُــرآمــات طــيــر ... (Re: معاوية المدير)
|
إنها طبيعة الخروج التي اورثنا إياها أبونا آدم حين أخرج من الجنّة بسبب المعصية، وها نحن نخرج من
الوطن لأسباب متعددة:
تتعدد الأسباب والخروج وآحد...
تتعدد الأسباب، والمعاناة وآحدة...
تتعدد الأسباب، والحنين للوطن وآحد...
الحنين والشوق للوطن يُولد في اوّل يوم تطأ فيه الأقدام ديار الغربة. يُولد الشوق كبيراً من اوّل وهلة
ويظل يكبر في دواخلنا فنغني من خلف دموعنا للوطن ونظل نحلم بالرجوع، وعندما نرجع يتحول
الشوق والإلتياع إلي حب مأصّل في النفوس...
ود المدير...
| |
|
|
|
|
|
|
| |
معاوية المدير
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست