في القرآن الكريم ورد ذكر مفهوم (الأنف) مرة واحدة وذلك في سورة المائدة الأية (45) في معرض الحديث عن طرق القصاص. والآية كما هو معروف كانت تهتم بمسألة القصاص وجزاء العقاب من نفس جنس الفعل. اما كلمة الخرطوم ، فهي قد وردت مرة واحدة في القرآن الكريم وذلك في سورة القلم الأية (16) ، وهنا ذكر الخرطوم بانه سيكون مكان جزاء لفرد وصفته السورة الكريمة وعددت فعائله المشينة التي تستحق العقاب ، والعقاب هو جعل (وسم) أي علامة في الخرطوم..وقد شرح المفسرون معنى الأية الكريمة.
في تفسير الآية رقم 16 من سورة القلم يقول الطبري: (سنخطمه بالسيف ، فنجعل ذلك علامة باقية ، وسمة ثابتة فيه ما عاش) وقد اتفق معه بقية الشراح بان الأمر جعل علامة واضحة في موضع معين وهو الخرطوم. الضمير في (سنسمه) يعود الى فرد وهذا الفرد توضح الآيات السابقة (10،11 ، 12 ، 13) صفاته (حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد اثيم ، عتل بعد ذلك زنيم) وماذا فعل هذا الفرد؟ كذب بالقرآن وقال هو اساطير الأولين..لذلك جزائه ان تجعل له وسمة (تشويها) على الخرطوم أي خرطومه. في معنى الخرطوم ، تقول القواميس (معجم المعاني الجامع ، المعجم الوسيط ، الخ) بان الخرطوم تعني الأنف أو مقدمة الأنف ، وان معنى الآية 16 من سورة القلم هو الإذلال.
ولكنهم اتفقوا بان الخرطوم تعني الأنف (جهاز التنفس والشم في الإنسان).ولقد شرحنا مقتضبا (سابقا) فكرة التنفس ودورها في حياة الإنسان.واكثر من ذلك شرحنا عملية التنفس وعلاقتها الوطيدة بالتأمل (الذي تكون الصلاة جزء اصيل منه).. من الويكبيديا :اجزاء الأنف (جوف الأنف أو الحفرة الأنفية: الجزء العميق من الأنف والممتد من المنخرين في الأمام وحتى المنعرين في الخلف ، أي البلعوم في الحلق. يقسم جوف الأنف الى قسمين:ايمن وايسر بواسطة بنية عظمية غضروفية تدعى حاجز الأنف او الوتيرة ، والمنعرين:المنعر أو الكوه هو الفتحة التي تصل البلعوم الأنفي بجوف الأنف).. الأنف في جسم الإنسان لها نهاية ظاهرية مادية يمكن ان تراها في وجه الإنسان بالعين المجردة ، ولها نهاية داخلية ، يمكن التعرف عليها عن طريق تشريح جسم الإنسان (بيولوجيا/طب/تشريح ..الخ)..في التشريح الداخلي لأنف الإنسان يلاحظ ان في نهايتها تقبع غدة صماء تعرف بالغدة النخامية..وبالإنجليزية: Pituitary Gland ومن الويكيبيديا (هي غدة بحجم حبة البازلاء ، تقع في قاعدة الدماغ وراء جسر الأنف).. والأستاذ محمود محمد طه يقول (الخرطوم ، موطن الإنسان في الإنسان)..وموطن مقام/حياة/وجود ، والإنسان الأولى من بعض معانيها المنشأ/البداية ، والإنسان الثانية تعني الإنسان بمعناه المعروف. وهذه العبارة ، توضح معنى قيمة الغدة النخامية واهميتها في وجود الإنسان. فهذه الغدة يقول عنها اهل العلم (بيولوجيا/طب/سيكولوجيا/تشريح) بانه تسمي سيدة الغدد Grand Master Gland وهي التي تشرف على توزيع عمل جميع الغدد في الإنسان ، وبالتالي السيطرة على كل جسم الإنسان (نمو/تطور/ اضمحلال/فناء)..وعن وظائفها يقول اهل العلم والمختصين بان الغدة النخامية (تقوم بالعديد من الوظائف منها: انتاج هرمونات النمو ، تنظيم نظام الغدد الصماء ، انتاج الهرمونات التي تؤثر على وظيفة العضلات والكلي ، تخزين الهرومونات التي تنتجها منطقة ما تحت المهاد ، الخ) ، ووظائف عديدة يمكن للمهتم متابعتها بدراسة المقالات عن هذه الغدة الصماء المهمة.
في كتاب (البيولوجيا ومصير الإنسان) لدكتور محمد سعيد الحفار ، وهو من كتب سلسلة (عالم المعرفة/العدد 38سنة 1984) يتتبع دكتور الحفار اثر التغيرات البيئية على البشر ، ويذهب الى ان هذه التغيرات تحدث اثارا على الإنسان تكون الإستجابة لها افراز الهرمونات (تفاعلات كيميائية في داخل جسد الإنسان). ولقد تناول الحفار نوع معين من الأمراض التي تصيب الإنسان مثل (التوتر والإجهاد/ ص49) وحاول تقديم تفسيرات بيولوجية لمسائل مثل (القلق العصبي) و(التوتر العصبي). فيذهب الى ان (التوتر العصبي) يفسر بيولوجيا بتدفق هرمون الإدرنالنين في اجسامهم باستمرار فتبرد ايديهم ويزداد اختلاج عضلاتهم (ص 51). وتحدث مثل هذه التفاعلات المركبة نتيجة لإستجابة لتغيرات (ضغوط) خارج الجسم وفق مبدأ يسميه الحفار بمبدأ ( الإستجابة التوجيهية).ويشرح الحفار بصورة دقيقة العمليات البيولوجيا المتبادلة ، ونوع الطاقة التي تستخدم في هذه التفاعلات (هجوم/دفاع). ويخلص الى ان عملية التوتر العصبي هي نتاج عمل مبدأ (الإستجابة التوجيهيه). بيد ان دكتور محمد سعيد الحفار ، يشير الى نقطة مهمة ، وهي دور الغدة النخامية في التوتر الذي يحدث للإنسان (لظروف التغيرات البيئية ) ، ويشرح هذا الأمر بدقة ، فيقول (دلت الدراسات البيولوجية المعاصرة ، على توضيح لعمل الغدة النخامية في الأمر فالنخامة تفرزعددا من المواد ، منها ACTH تذهب الى غدتي غدتي الكظر (فوق الكليتين) دافعة هاتين الغدتين بدورهما الى انتاج مواد كميائية معينة: تسمى كورتيكو سترويدات ، ويزيد انطلاق من عمليات التمثيل داخل البدن ، فهي ترفع ضغط الدم ، وترسل من خلال الدم بمواد مضاءة للإلتهابات لتقاوم التلوث في مناطق الجروح ان وجدت ، ثم تبدأ هذه الكيمياويات ايضا في تحويل الدهن والبروتين من طاقة كامنة الى قوة عاملة مستهلكة بذلك جزءا من مخزون الطاقة الإحتياطي للجسم . ومن ثم فٍان رد الفعل التكيفي يطلق ويمتص قدرا أكبر وأفعل من الطاقة ، من ذلك تحرره او تمتصه الإستجابة التوجيهية ) (ص 53) ثم يمضى دكتور الحفار ويشرح علاقة هذه العمليات (اثر الغدة النخامية) بمسألة الإرهاق.
ويقرر الحفار ، في معية شرحه وتفسيره ، بان (حياة الإنسان الحالية يخيم عليها التوتر والإجهاد)..وفي هذه النقطة يتفق بعض الشئ مع خلاصات الأستاذ محمود محمد طه عن الإنسان في المدنية الحديثة ومعاناته التي تصل الى حد المأسأة.
واحدة من مهام الغدة النخامية الصماء انها تساعد في افراز هرمون يساعد في عملية التبويض في النساء (عملية اعادة انتاج الإنسان بيولوجيا)، أي بمعنى هي المؤثرة في حياة الفرد الجنسية..فكيف يكون الكبت؟..
الكبت هو المنع ، والمنع الذي يقصده الأستاذ محمود هو القدرة على لجم شهوات النفس (تقرأ الجسم الإنساني) حتى يحقق السمو الروحاني والعرفاني بحثا عن مرحلة الإنسان الكامل..وحينما اختار ان يكون موطن الكبت في الخرطوم فهي اشارة لمعني الخرطوم الداخلي (التشريحي) اشارة الى الغدة النخامية..!!
والإشارة المهمة هنا أن الخرطوم (الغدة النخامية) تتطلب من الفرد السلوك الراشد (ليس فقط في الجنس) في ترشيد الشهوات الإنسانية كلها (الجنس/الغضب/التوتر/الإرهاق العصبي /الإجهاد) وهي التي يؤدي الإفراط فيها الى خلل عمل هذه الغدة وغيرها.. وهذه هي اشارة الكبت التي يرى الأستاذ محمود محمد طه ان موقعها في (الخرطوم).. فهل كان محق في ذلك في ضوء التفسيرات البيولوجية لعمل جسم الإنسان؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة