(97) الرسول لم يؤت آية ، والرسل قد يعصون ويكفرون ..
والآيات في القرآن تعني بالمفهوم السائد المعجزات والخوارق.
وقريش ككل الأمم السابقة كانت تصر على رسولها أن يظهر لهم بعض الآيات والخوارق كدليل على أنه رسول من الله، والقرآن ينفي نفياً قاطعاً أن يكون الرسول محمد قد أوتي آية حسية واحدة سواء لتلبية طلب قريش المستمر أو فيما بعد.
قريش استمرت تطلب من الرسول أن يريهم آية لكي يتأكد لديهم أنه رسول من الله، لكن الرسول لم يعط آية. ولعل السبب أن رسول الله محمداً أرسل لكل الناس في كل العصور، ولم يرسل لقريش. لذا حتى لو لم تسلم قريش فالدعوة باقية إلى نهاية الجنس البشري.
وقد يعطى آية لو كان الرسول كمن سبقه من الرسل، أرسل لقومه فقط.
وآيات سورة القمر تؤكد أن قريشاً لن تؤمن لو رأوا الآيات التي طلبوا من الرسول. وتقول سورة بني إسرائيل: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً{59}.
وتؤكد سورة يونس أن الرسول لم ولن يعطى آية برغم مواصلة قريش طلبها: وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{20}. وهنا تأكيد قاطع أن الرسول محمداً لم يؤت أي آية: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً{59} بني إسرائيل.
"ما منعنا" نفي قاطع أن الله لن يظهر أي معجزة على يد رسوله محمد، والله لا يبدل رأيه أبداً سبحانه. وبالتالي فكل من يظن أن الرسول قد أعطي آية فهم "يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ" ويتهمونه سبحانه بتغيير رأيه (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).
والآيات تقول إن قريشاً تطلب من الرسول معجزات، ولو تحققت لهم مطالبهم فلن يؤمنوا وسيبحثون عن تبريرات أخرى. وتخبرهم أن محمداً لا يستطيع أن يقدم لهم المعجزات لأنها من الله القادر عليها أما محمد فكونه رسولاً لا يعني أنه أصبح أعلى قدرة من البشر.
لو كان أهل الأرض ملائكة لأرسل لهم ملائكة مثلهم، لكن الملائكة لا ترسل للبشر. فالرسول لابد أن يكون من نفس القوم المرسل لهم ويتحدث بلسانهم ويمارس نفس عاداتهم وأعرافهم:
والآية تظهر أن الرسول كان يتمنى لو يستطيع تأخير تلاوة الآيات التي تقول لن يعطى آية، لعله ينزل عليهم آية ويؤمنون كما كانوا يقولون. وتذكر الآية الرسول أنه مجرد رسول عليه تبليغ الوحي حال تلقيه.
وهذه الآية استدل بها بعض من يروج للقول إن القرآن يحوي معجزات علمية لم تكتشف إلا في العصر الحديث، وهذا القول مجرد خيال وظن وإنهم إلا يخرصون.
فالقرآن يحدث قريشاً بما تعرف ولم يتوجه بالحديث لنا في هذا العصر. لأن كل رسالات الرسل تبدأ بخطاب دعوي وبعد أن يؤمن الناس يتحول الخطاب إلى تشريعي. وبعد نزول التشريعات يختفي الخطاب الدعوي، فمن أراد أن يؤمن فليتدبر تشريعات الدين، ولن يكون هناك خطاب دعوي لمن يأتي بعد نزول التشريعات. فليس في القرآن خطاب دعوي موجه لمن سيأتون بعد عصر الرسول في أي عصر من العصور.
والآية ككثير من الآيات تعطي صوراً حسية لزيادة التأثير، وتشبيه الكافر بمن يصعد في السماء، يعني باتجاه السماء يعني إلى الأعلى يعني بالصعود إلى الأعلى سواء بدرج أو مرتفع، حيث سيشعر بضيق تنفس " صَدْرَهُ ضَيِّقاً". ولا علاقة لها بطبقات الجو العليا ونقص أو اختفاء الأوكسجين كما يروجون.
وتستمر قريش تطالب بالآيات وتكرر السور التأكيد على أن الرسول لن يعطى آية واحدة: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ{27} الرعد.
الرسل قد يعصون ويكفرون
تقول سورة غافر مخاطبة محمداً عليه الصلاة والسلام: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{66}.
فالرسول أمر كغيره من البشر بالطاعة والإيمان، لأنه كغيره من البشر قد يخطئ ويعصي ويكفر.
والآيات تتحدث عما قد يجول في خاطر الرسول من تساؤلات بشرية، وتوجهه لطردها. والتحذير من التكذيب بآيات الله يعني إمكانية حدوث ذلك، من أي بشر بما فيهم الرسول. وتعود سورة يونس لتوجيه الرسول: وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{105} وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106}.
وتحذره من الشرك، ولو كان من المستحيل شرك أو عصيان الرسل لما افترض القرآن ذلك.
الآيات تخاطب الرسول، وتظهر أنه مطالب بكل تعاليم الدين، ولو قصر فسيعاقب. وليس له معاملة خاصة من الله كونه رسولاً. لأن تكليفه بالرسالة جاء من خالق إلى عبده وعليه التنفيذ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة