|
Re: ركضٌ سَلِسْ (Re: Dahab Telbo)
|
مناورة
التدوين هو محاولة بائسة للاحتفاظ ببريق اللحظة، وسور قصير لحجز الازمنة في فضاء الذاكرة؛ كنا ثلاثتنا مهوسين بالكتابة ؛ فبحسب فهمنا لها هي السبيل الوحيد لمعرفة تذبدبات النفس واضطراباتها؛ وإيضاً تجعل العقل منفتح على مطالعة كتابات الاخرين بلهفة المستكشف؛ الزاوية الصغيرة التي خصصناها للكتابة الجماعية على قارعة الطريق يؤمها عدد لا بأس به من قراء السبيل وكنا سعداء بذلك؛ فمن النادر ان يهتم سالكو طرق حي كرري بمنشور معلق على حائط؛ كنا نكتب كل ما يجول بالخاطر من حكاوي؛ نرسم الشارع والسوق رغم فقر الموهبة؛ في ذلك المساء قرر الضلع الاعوج من المثلث خوض حماقته الخاصة؛ والحق أننا لم نتوقع منه مؤخراً غيرها، فلسنوات عديدة كنا نسخ متطابقة، حيث كل منا يمكنك ان تختصر وصفه في جملة من كلمتين: بذيئاً و فاحشاً. الى أن قرر هذا الأخير أن يضيف لوصفه كلمة أخرى فكان تقياً الى مجونه، ورغم تقبل نصف المجموعة لتطوره المتناقض إلا اني بوصفي النصف الاخر لم اطمئن لذلك برهةً، فقد ظل دوماً مصدر قلق لنفسي، بل أني شعرت بالذعر لمرات، فمنذ أن أصبح يلبي نداءات المسجد الخمسة، ويصلي التراويح، جنباً الى جنب مع مهام الشيطان العظيم كما كنا نسميها، أحسست أن هناك حلقة ما سُحبت من سلسة الرفقة الطويلة، لذلك سألته ذات مرة، "كيف يستطيع رجل مشوش مثلك أن يحافظ على خشوعه لسبعة عشر ركعة!"، كان ذلك ما يدهشني حقاً، لفرط ما فشلت في تماسك خشوعي، حتى في ركعتي الصبح، ولكنه أجاب بأنه يستمتع بالصلاة وكأنها جلسة عصرية على مقهى، لم يبدو لي التشبيه موفق، فقلت: - لماذا لا يكون الأمر بتفاهة تحرشاتك البايخة بالبنات. - أسمها تلطيف اجواء مش تحرشات. -أياً كان، لكن حكاية تأجيل لف البنقو لبعد التراويح دي أنا ما راكبة لي، ورانا سحور وبلاوي متلتلة. رغم أنني نجحت في أبعاده من النشوى كعقاب لتبجحه، الا انه وبعد ان انتهى مارسون الركوع، أصبح للبنقو ميقات معلوم؛ ليس قبل الفراغ من صلاة العشاء من كل ليلة، ثم نكتب، فعادة ما نكتب خيالات البنقو وهلوسة عرق البلح اللذيذ في ليالي الصيف المعتدلة، وذلك تيمناً بنصائح مولانا تشارلز بوكوفسكي. يبدو أن التجاذب العنيد داخل هذا الماجن الخشوع وصل مرحلة ذروته، فبعد ان أعلن عن إنجاز ما أسماه بـ"الحلقة الاولى" تحت ضوء مصباح هاتفه الربيكا، علقت عليه مندهشا: - يا زول عليك دينك بطل الحركات وخلينا في خيالات البنقو ياخ؟ - خليك انت في بنقوك هسي في زول سألك. أحسست بألم الصفعة مثلما خبرتها من سنين عديدة في مشاجرة عابرة، لقد كانت مصوبة بدقة نحو خدي الايسر، لذلك عدلت من إستقامة "سفتي" على الشفة العليا قبل أن أعود للحوار: - وديني أنت بقيت ############، قلت لي عايز تخربها خلاص. - ############نة شنو يا مان، بعدين هي عمرت متين عشان تخرب ، لا بد من الجراءة ، مش نحن كتّاب. تخيلت مصير الصحيفة الحائطية، قبل أن أمسح ببصري أرجاء الميدان المظلم، شبح مدرسة الحي يلبس قداسة جبل عند اتحاده مع ظلام شجرتي اللالوب، ثمة جلبة عالية تصدرها أصوات نسائية تنتمي لبائعات الخضروات عند عودتهن الصاخب ، وفي ألجانب الأخر من لميدان حمار جسور أعلن عن نفسه بنهيق داكن؛ بصقت كرة السعوط محاولاً التفكير في أي شيء، غير هذه المناورة التافهة.
تلبو
|
|
|
|
|
|
|
|
|