اليسار الاسلامي والليبرالي هل هما البديل؟ خبز وحشيش وقمر بالسودان خالد موسي دفع الله
الاحد: حملة اعادة السودان لبيت الطاعة تصاعدت اسهم البيع والشراء في بورصة السياسة السودانية مع قرب حلول موعد المراجعة لرفع العقوبات عن السودان. اذ اكتملت خطوط الرسم وخيوط الفعل لحملة دولية لإجهاض مشروع رفع العقوبات بالتشويش علي المؤسسات الامريكية التي ستقدم رأيها الفني عن مدي التزام السودان بإنفاذ تعهداته في المسارات الخمسة. اذ لم يمر أسبوعان علي جلسة الاستماع التي عقدها الكونقرس تحت مظلة. ( مفوضية توم لانتوس) لحقوق الانسان التي وجدت فيها منظمة ( كفاية) مرتعا خصبا للمزاعم والادعاءات لتطويل امد المراجعة ستة اشهر إضافية لرفع العقوبات بإدخال مسار سادس عن حقوق الانسان والغوث الانساني. وجاءت تصريحات ياسر عرمان لموقع ( حريات) لقيام حملة دولية للضغط لتأجيل رفع العقوبات لستة اشهر إضافية متزامنة مع الخطاب الذي ارسله النائب السابق فرانك ولف والنائب والسفير السابق توني هول للرئيس ترامب يحثانه علي تعيين مبعوث خاص للسودان وجنوب السودان. وقصد بهذه الخطوة نزع ملف السودان من المؤسسات الرسمية البيروقراطية في وزارة الخارجية والبنتاغون و المخابرات المركزية ( سي اي ايه) الي شخصية سياسية تنحني للضغوط وتتعاطي مع المنظمات المدنية المعادية للسودان، هذا فضلا عن تأجيل التطبيع الدبلوماسي والنظر في تبادل السفراء بين البلدين. وتتضح ملامح الحملة عند النظر لقائمة الترشيحات التي قدمها ولف للرئيس ترامب لاختيار المبعوث الخاص التي يتصدرها السيناتور السابق بل فرست زعيم الأغلبية والجراح السابق الذي كان يجري عمليات في جنوب السودان اثناء الحرب. وهو ينتمي الي اليمين المسيحي الراديكالي المعادي لتوجهات السودان. وتضم القائمة مين اسحق نائب رئيس منظمة (سماريتان بيرس) التي أسسها القس فرانكلين غراهام صاحبة اكبر مشروع تنصيري بالسودان خاصة في مناطق همشكوريب ودارفور اثناء الحرب. كما تضم ايضا السيناتورات السابقين سام نُون وفينغولد وجيم ويب. وهم جميعا من قواعد اليمين الديني المتشددة داخل الكونقرس سابقا . دعما لهذه الحملة نشر الناشط المعادي اريك ريفز امس مقالا مطولا في ( هفتنجتون بوست) جدد فيه الاتهامات الكاذبة بإستخدام الأسلحة الكيميائية في دارفور ودعا الي عدم رفع العقوبات عن السودان. ستزداد هذه الحملة شراسة مع قرب توقيت مراجعة العقوبات علي السودان، لان فشلها يعني احالة المئات من الناشطين الي بند البطالة السياسية لأن وظيفتهم طيلة العقدين السابقين هي تقديم الاستشارات عن الازمة في السودان التي ما زادوها الا خَبَالا وما زادوا المتلقين لنصائحهم الا جهلا. الاثنين: خبز وحشيش وقمر بالسودان استمتعت بحوار تاريخي أجراه الراحل البروفيسور علي المك مع الشاعر الراحل نزار قباني في احدي زياراته للسودان في عقد السبعينات. قدم علي المك درسا بليغا لمقدمي البرامج اذ جعل نزار قباني يتدفق شعرا ونثرا وحكايات ملهمة، وكان يكتفي فقط بإلقاء الأسئلة الذكية التي تختزن اجتراحات البوح والقضية والحنين. من اجمل ما قاله نزار قباني ومارس فيه نقدا ذاتيا انه دواوينه الأولي مثل (طفولة نهد) وغيرها كانت تعبر عن الاحلام والفوران وتمرد الشباب قبل النضج وانه استخدم المرأة كأداة نضاليةً ضد الثقافة التقليدية والرجعية. وعن قصيدته. ( خبز وحشيش وقمر) قال انه كان يجلس مع صديقته في حديقة الهايد بارك بلندن وفجأة أطل القمر بين فجاج السحب والاشجار فتجمد في مكانه واعترته حالة من الحنين، وقالت صديقته ان القمر ظاهرة طبيعية لا تستحق كل هذه الرومانسية، فأنتبه للفروق الثقافية بين الشرق والغرب. وكتب قصيدته المشهورة وعندما نشرت ناقشها مجلس النواب السوري وطالب بعض النواب بإرجاع نزار قباني من سفارة سوريا بلندن لانه ليس جديرا بتمثيل سوريا دبلوماسيا فتصدي احد أصدقائه وألقي القصيدة بصورة درامية مؤثرة فتراجعت البرلمان عن دعوة ارجاعه من لندن . قدم نزار قباني بعد ذلك استقالته من السلك الدبلوماسي السوري في درجة الوزير المفوض وتفرغ للشعر والثقافة. ما اثار انتباهي ان نزار قباني كان يستخدم مفردات الرجعية والتقدمية بكثافة في حديثه مع علي المك مما جعلني ارجح انه رغم دعوي الليبرالية والتحرر في قاموسه الشعري الا انه كان منفعلا بشعارات القومية والاشتراكية لذا كتب مرثيته في عبدالناصر ( قتلوك يا اخر الأنبياء). اما قصائده في هوامش علي دفتر النكسة والمهرولون فهي قائمة علي تعزيز فكرة الصمود ومقاومة التطبيع. ازمة الخطاب الشعري عند نزار قباني في تلك الفترة ليست في الغزل الحسي وترميزات المرأة كاداة تحرر ونضال ضد التقليد لكن في ازدراء مفردات المقدس الديني لهزيمة الرجعية. الثلاثاء: اليسار الاسلامي والليبرالي هل يلتقيا؟ يري الدكتور الواثق كمير ان مصطلحات ( اليمين واليسار) لم تعد تقدم وصفا كافيا لظاهرة التفاعلات السياسية والفكرية داخل المشهد السوداني. ويقول انه يجد نفسه اقرب فكريا الي المحبوب عبد السلام وخالد التيجاني وهما في يسار الحركة الاسلامية من رموز اليسار الماركسي مثل الخطيب والسر بابو . في المقابل يعلن المحبوب عبد السلام عن فشل الاسلام السياسي وكما قال في ورقة المقدمات وفِي الحوار الذي أجراه معه الهضيبي يس و نشرته ( الصيحة) الاسبوع الماضي انه يدعو الي فصل السياسي عن الدعوي أسوة بما فعلته حركة النهضة التونسية. وبهذا يُجد المحبوب نفسه اقرب فكريا للواثق كمير من الشيخ ابراهيم السنوسي. تعتري المشهد السياسي والفكري حالة من الفوضي و اعادة الاصطفاف. اذ نشهد تقاربا فكريا عميقا بين اليسار الليبرالي واليسار الاسلامي في قضايا الدولة المدنية الديمقراطية و جدل الهوية وفشل الاسلام السياسي. فاليسار الاسلامي او من يقفون في يسار الحركة الاسلامية يعارضون في البدء التيار الراديكالي الاصولي الذي يسعي الي تكريس مرجعية وحاكمية الحركة الاسلامية بمناهجها وقيمها وتجربتها السياسية، ويسعي اليسار الليبرالي الي معارضة برنامج اليسار الراديكالي الماركسي واجندة الحرس القديم. ويبقي السؤال : هل يمكن لهذين التيارين في اليسار الاسلامي واليسار الليبرالي تأسيس مراجعات جديدة تدين فيها الكسب التاريخي لليسار عموما وللحرس الماركسي القديم علي وجه الخصوص وكذلك الشيوخ التاريخيين للحركة الاسلامية وتعيد تأسيس مرجعيات جديدة تقوم علي المواطنة والدولة المدنية؟. مما يجعل الدين عاملا محايدا بعد ان كان عاملا فاعلا مستقلا. و نصراء هذين التيارين من القلة المبدعة التي تصنع الاحتجاج ومقاربات الأفكار والمراجعات لكنها تفتقد القاعدة الشعبية الضرورية للتغيير.. الأربعاء: مركز السلام للقلب اعجبتني مقولة جراح القلب الايطالي الشهير سترادا مؤسس مركز السلام للقلب بضاحية سوبا الذي اجريت معه مقابلة تلفزيونية لقناة ( الشروق) امس وهو يقول ان سبب تحقيق النجاح خاصة في خفض معدلات الوفاة داخل المستشفي التي تتفوق علي المعدلات العالمية هو مبدأ واحد اسماه ( الالتزام تجاه خدمة المريض) وليس التكنلوجيا والاجهزة المتقدمة الباهظة الثمن، هذا اضافة الي الحفاظ علي بيئة صحية نظيفة. وهذا المبدأ هو ما تفتقده مصحاتنا الوطنية، وأحزنني ان الدكتور استرادا يطالب بفتح مدرسة تدريب للدراسات العليا في افضل مستشفيات القلب بافريقيا لكن بيروقراطية وزارة الصحة تعطل المشروع. تساهم الدولة بما يعادل خمسة مليون دولار بما يمثل ٥٠٪ من الكلفة التشغيلية دون ان تشترط حصر العلاج علي المرضي السودانيين، وينحدر المرضي من ٢٨ دولة جاءوا من ثلاث قارات في العالم. الخميس: حكاية ديك السرة رواية جديدة دشن السفير عبد الله عمر صاحب الخواطر العميقة في القرآن الكريم باكورة إنتاجه الروائي ( حكاية ديك السرة) وهي رواية ذات إغواء في السرد الدارجي المفصح. توسل لها بلغة مغرقة في عامية اهل الوسط بترميزاتها المختلفة، وقد غمس فرشاة السرد في الواقعية السحرية وهو يقدم ديكا أسطوريا كلما كثر فيه الغموس عاد مؤتلقا كامل الصياح منتفش العرف حتي عمت شهرته البلاد. ديك السرة تم اخذه لتهجين الدجاج لكن تسلط عليه المثقفون فتحول الي ظاهرة علمية ثم تجارية في الأزياء والمقاصف وانتشر في المطاعم والمتاحف ، لكن لم يستطيع الديك ان ينافس في عالم العولمة والتجارة الدولية فأسقطت شركاته الشكاوي القانونية. كان الديك قنوعا بوظيفته في تهجين الدجاج البلدي لكن استغله الافندية من اجل اللحاق بمتطلبات العصر فسقط الجميع علي قارعة الطريق. تشبه هذه الرواية اُسلوب الدكتور الراحل عبد الله الطيب في ( الأحاجي السودانية)، لان أسلوبه قائم علي الحكي والسرد الدارجي وهو ينهل من موضوعات رواية عقد الخمسين مثل قنديل ام هاشم في الصراع بين الحداثة والتقليد. فجحود المثقفين ومحاولة استغلال الديك بإخراجه من وظيفته الاساسية عند حاجة السرة وهو تهجين الدجاج واستخدامه في الربح التجاري لعدم تفتت لحمه وعظامه وتحويله الي ظاهرة علمية وتجارية وفنية أسرع بسقوط الجميع . الرموز والشواهد في الرواية تعود الي عقد السبعين والثمانين منها سيارات البرنسة وبصات ابورجيلة، وهي سنوات دراسته بالجامعة. لكنه يتفق في خلاصة روايته في ان التقاليد والاصول هي الارسخ والابقي اما تهويمات المثقفين للحاق بروح بروح العصر ما هي الا مزاعم خاسرة. من الشكل الفني للرواية يبدو ان كاتبها قد رسمها علي الورق عفو الخاطر دون تخطيط فني مسبق علي نهج التداعي في مراحل زمنية متصلة، وكأنها أحاجي وحكايات لكنها تختزن موروث الحكمة الشعبية ، وهي جديرة ان تتحول الي عمل درامي ناجح لانها فيها كل عناصر الدراما الحبكة وبناء الشخصيات وعقدة الصراع والمفارقات. وهي خالية من الحزن والتراجيديا. ان يكتب الكاتب رواية بعد التقاعد والمعاش ويصدرها بقوله " حينما تتجاوز بِنَا رحلة العمر الستين، نضحي أقلاما للحياة تكتب بِنَا بعضا من صور فصولها". تستحق القراءة والتأمل، وننتظر منه المزيد من الإبداع الروائي والكتابي. الجمعة: الحوارات القلمية اجد نفسي ممتنا لكل الرسائل و الحوارات القلمية التي افترعها معي الاستاذة جمال عنقرة في صحيفة ( المستقلة) و الاستاذ يوسف عبد المنان في صحيفة ( المجهر) والأستاذ عبدالعظيم صالح رئيس تحرير ( اخر لحظة)، واشكرهم علي كلمات الاشادة التي اعتز بها وعلي المراجعات والنقد والحوار البناء ايضا، لان الحقيقة هي بنت الجدل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير عثمان حمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست