|
Re: إغتصابٌ مُتكَرِرٌ (Re: طه جعفر)
|
(3)
خلفية سردية ضرورية
كانت الأم عليمة بما يحدث، كانت تعرف عن إعتداء زوجها علي ابنتهما، كانت تعرف. أخرستها ربما المخاوف المتنوعة عن الكلام. يعرف الأب مواقيت هجماته بعقل شرطي فاسد. يعرف متي يضرب ضربته و يتحين الفرص. الضحية في حصار شديد و لقد تلخبطت الحسابات في رأسها منذ مراهقة مبكرة.فهذا هو الأب الحامي يخترق خصوصيتها بإنتصابه المتهجم فكيف لها أن تفهمها. كان يخنقها و يهرس بثقل جسده عظامها و روحها، يدمي أحياناً لباسها الداخلي و يدمي روحها باستمرار.كان المقبوض عليه ملتاثاً فيما يبدو. بالمدينة باران يقدمان الشراب لم يكن يرتادهما، كان يفضّل أن يشرب في الأنادي ليس لأن المريسة و العرقي رخيصان لكنه كان يبحث عن مخبأ يلفه و يدسه عن انظار الناس الذين يعرفونه و يعرفهم، ربما كان يحس بإفتضاح أمره. كان يعرف أن زوجته تعرف و كان يستغرب فيما يخيفها منه فهو أعرَف الناس بنفسه التي ليس فيها غير العجز، الخور و الإلتياث. لم يكن يستطع مقاومة إغراء جسد ابنته و لا يشبع منه و لا يزجره شيء عن جسدها غير عينا زوجته و مراقبتها الخائفة و هو أكثر خوفاً منها لكنها لا تعرف. كبُرت الصغيرات و ترعرع إخوتها في البيت في جو محتشد بنوعٍ من الغضب و اليأس غير معروف المصدر، كانت أكبرهم. يمضي اليوم عادياً بالأسرة عدا لحظات الصمت التي تجيء مع والدهم عندما يرجع من دوامه المعتاد بمركز الشرطة. تجَهَّز أمهم الزلابية عندما تكون لوالدهم وردية عملٍ ليلية بروحٍ إجتفالية فرِحَة. في تلك الليالي تبتهج الأم التي اخرستها المخاوف ليس بغياب زوجها و سلامة بنتها و لا بأريخ الزلابية و طعم الشاي، كانت تبتهج بأفكارها و أحلامها في الهرب و الفكاك من هذا الحجيم المطبق الخانق، و ليس من مهرب. كان تعرف أنه لن يصدقها أحد و سيطلقها زوجها و ربما ستعاديها أسرة أبويها و بالضرورة أنسبائها و ينعتونها بالكاذبة أو المجنونة، سيتبهدل اولادها و لن تتزوج بنتها للأبد . هذه المخاوف ماكثة بالرغم من ذلك كانت تبتهج بأحلام اليقظة التي فيها تهرب من هذه المتاهة و الهزيمة فتري نفسها بين اولادها و بناتها في نوعٍ من الفراديس التي ينعدم فيها الأب و يختفي مزرواً كغبار نتج عن خراء جاف هرسته أقدام البهائم. وجدت لنفسها عزاء في جلسات الزار، خففت عنها كثيراً.توقف عن ارتياد بيت الزار عندما وجدت بنتها نازفة منتهكة في إحدي الليالي و هي عائدة من بيت الزار، كانت بنتها ترتعش مقرورة ببرد روحها التي انتهكها العذاب بالرغم من الحر. غسلت اللباس المدمي و غطت بنتها و مسحت بيد الخوف دمع عينيها و جلبت من بين النجوم صمتاً ليلف بنتها و ينزل علي البيت كهدوء يسبق العاصفة، علّه يسكن هوائج نفسها المهزومة و المستباحة. جاء المقبوض عليه بخبرٍ مرعب مفاده أن إبنه المتهور و المتنمر قد قتلَ فلان و أن سيكون في الحبس و إن جميع الشهود تطابقت أقوالهم. تبرجلت الأم و ضاع صوتها في بحور الصمت الماكثة. ضاع صوتها فعلاً فلم تتكلم بعد ذلك، نعم صمتت الأم صمتاً كاملاً و نهائياً. ملأ صمتها ملامحها بنوع من الجنون المرعب و إختارته كخباء لخيباتها و فشلها في ردع زوجها عن انتهاك طفولة ثم انوثة و انسانية بنتهما. ازدجر هذا الجنون المرعب المقبوضَ عليه لزمان طويل فارتاحت بنتهما من هجماته الغادرة و المرعبة و المغتصبة. في هذه السنوات أكملت دراستها و تدربت ثم تخرجت كمعلمة مرحلة متوسطة قررت نسيان تاريخها الشخصي. سجن أخيها المتهور المتنمر و صمت أمها و ازدجرا أبيها عن العدوان عليها. جعلتها هذه الهدنة تتنفس الصعداء لكنها لم تمسح ذاكرة إعتداء واحد و لم ترفع عبء تلك اللحظات المدمرة عن روحها. في تلك الليلة، كان الشتاء ماكراً، هي في الغرفة المجاورة لغرفة أبويها و أخوتها و أخواتها موزعون في أسرة بغرفة مجاورة و في الصالة التي تلف الغرف جميعاً عدا الصالون. الغرف صغيرة و مبنية من الحجر. الغرفة التي بها هي الأقرب لمركز الشرطة. بدأت تنام، نامت فعلاً فصحت فزِعةً بإحتشاد الهواء حول انفها برائحة الفجل، البصل الأخضر و المريسة النائمة. دفعته بقوة فوقع علي الأرض أربكه السقوط و صوت الإرتطام فخرج ليتطلع علي النائمين و تأكد من نوم الجميع ثم عاد غاضباً، منتصباً، رافعاً جلبابه و متأهب. وقفت قائلة: يا أبوي حرام عليك... يا أبوي حرام عليك يا ابوي حرام عليك ثمّ صرخت روحها تلك الصرخة المكتومة التي سمعها الصول فاقتحم عليهم البيت و أمسك بقوة علي المقبوض عليه و رماه في حراسة الشرطة ثم حراسة الجيش إلي أن مات فيها و اندفنت معه اسرار كثيرة، خيبات تنوء الجبال بحملها.و يقال أن العشب لم ينبت علي قبره أو بجواره أبداً. هكذا مات المقبوض عليه موتاً يابساً.
طه جعفر الخليفة تورنتو- اونتاريو- كندا 11 ديسمبر 2016م
|
|
|
|
|
|
|
|
|