من ديوجين وخطاب الهاوية في لغة الجوارات التي تدنو من حافة العدم الى الخيام الذي يرفع الراح ويشكك بالعُلى ويحارب بالكُؤوس المترعة طغيان المعتزلة والأشعرية وجميع أشكال الكبت الديني،ينساب الزمن وترفع دول وتؤسس ديانات عالمية فينبثق اللامعنى، والفراغ،والعدم ، ويظهر المنظر الرهيب بإطلالة إنسانوية تراجيدية.أما الاعتراف على باب هيكل الموت ، على حافة البئر السحيق بين أنياب اليأس القاتل والكآبة المضنية والسقم الكريه والكربة الشديدة، فهوعمل بطولي إبداعي خلاق .في هذه الهاوية ، تبدأ لحظة ولادة إنسان فائق مهمّش من رحم الليل البهيم وغياهب العدم(نيتشه)، يولد ابن الحرام بين أولاد الحلال ويحول العدم إلى عدمية نهيلستية خلاقة وفعل دخول إلى عالم الإبداع والعظمة.ابن الحرام هذا هو شاعر منحرف قاتل خداع، ساخر "لواطي"، لكنه مبدع وصادق وهذا شيئ لايصدق! فهو يفرغ الشعر من محتواه القاتل، من محتواه السلفي الصادق! إنه شاعر ما بعد الحداثة المختلف الذي يطرح القيم جانباً ويمزق برقع التقاليد ويرفع الغطاء عن الواقع الحقيقي، حيث هدفه تفتيت تكلسات الحضارة السائدة والطقوس النصوصية المتينة المسيطرة. الحقيقة في الرؤية الشعرية في الجوارات المتلألئة تبدو منزلقة نحو هوة العدم. لم يعد العقل مرتعاً للحقيقة، ولا الحقيقة قيمة أو فيماً لاهوتانية أو إنسانوية في زمن الليبرالية. لم يعد وجود الإنسان قيمة أو حقيقة مطلقة، بل أصبح قيمة تبادلية (هيدغر). أي أصبح جوهره يتعلق بالتبادلية الثنائية بين الأفراد. وصار العدم هو القيمة الكبيرة. لقد ولى زمن الملاء التقليدية زمن الوجود المطلق، زمن القيم الدينية والأخلاقية والفنية،انهارت حضارة الإملاء، والهوة الصحيحة فغرت فاها لقطيعة تنبه الإنسان إلى قدره ومستقبله.حضارة الملاء والإملاء والامتلاء تمثل الغطرسة والكبرياء والرياء والتسلط وعبودية النص والتقاليد.أصبح المثقفون يبحثون عن حضارة الفراغ بين أوراق الشعراء والأدباء والفلاسفة، بين ثنايا أفكار العدميين والصعاليك والمتشردين،يبحثون عن البوهيمية العدمية الخلاعية لخلع رداء القيم الرثة وارتداء ثوب الحقيقة البريئة. إن لفظ حضارة موروثة خير من ابتلاع حضارة جديدة تتراكم على الموروث وتسبب الصداع الثقافي والوجع الحضاري والألم الإنسانوي.أن نختصر المسافات بدل المراوحة مكاننا في مستنقع آسن في حضارة أفلت وغابت شمسها .فقد تعبت النفوس والعقول والأجساد من حضارة سالفة تتقهقر أمام الحضارة الغربية الظافرة وأمام جحافل الأنوار الآتية من صوب مغيب الشمس. تعبت من القيم المزيفة ومن أخلاق الفرسان المهترئة. لم يعد العصر ناقة أو فرساً أو بستاناً أو نبوة أو أطلالاً أو أمجاداً أو فتوحات.أو بثينة وليلي.العصر إرادة وقوة،,واختراع وإبداع وصنغة.أصابنا الملل من زهير والمتنبي والبحتري وشوقي وأبو ريشة شعراء الملاء والإملاء والامتلاء.نتعقب شعراء العدم والفراغ والتحرر والخلاعة والصعلكة والتشرد.هم أصدق خطاباً وأنبل فكراً وإحساساً.فهم يحاربون الوهم والغطرسة والتبجح والتملق والقيم المليئة بالصديد، هم حفارو القبور ومدمرو الأوثان والأنصاب والبهتان ورافعو لواء الشيطان الأعظم جائلاً في الكون مهدداً مدمراً خرافة الدجالين المحترفين خلال آلاف السنين، الذين يسرحون ويمرحون ويعقلون ويعُلقون ويغتالون الانفعالات ويكبتون العواطف الإنسانية باسم أنطولوجيا متعالية.لقد سئم الإنسان من رافعي ومحدثي حضارة بائدة، ومن شعراء صادقين في دجلهم وفي كذبهم وفي نظمهم، وقوالين باطنيين، ومن قراءة مهترئة
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة