|
|
|
 Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
كنا ،أنا وعمار في انتظار البص نقف صامتين، فقد استهلكت ليلة الأمس كل رصيدنا من الكلام.. وهناك على مقربة ،رأيت قطيعا من الضأن يتجه إلى المرعى، كانت الحملان اليافعة تتقافز بشقاوة على أجنابه، ومرت من أمامنا، فتيات يافعات أيضا، يحملن على رؤوسهن المواعين المليئة بالمياه، كانت وجوههن تبدو مثل هشيم الفول السوداني المدمس، ودغدغت أنفي رائحة البن وهو يحمص في أحد البيوت القريبة.. إنها قريتي التي أعرفها، لكن في هذا الصباح، بدت هذه الطقوس حزينةٌ جدا، كحزن قصة عمار القصيرة، والتي تروى في منتديات القرية بأكثر من وجه، لكنني كنت من القلائل ،الذين الذين يعرفون الوجه الحقيقي لها، وكنت كذلك من القلة في أولئك القلائل، الذين جاست في خواطرهم، ضرورة أن تكون قصة عمار ،هي القصة الأخيرة من نوعها ،في تلك السلسلة الطويلة من القصص ،التي يتسلى بها أهل القرية في منتدياتهم.
| |
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
تخرجت أنا من كلية الاقتصاد قبل ثلاثة أعوام، وكعادة خريجي زماننا، هذا بحثت كثيرا عن فرصة للتوظيف لكن دون جدوى، وبعد تفكير ومشاورات قررت في النهاية أن أعود إلى القرية، وأعمل مدرسا لمادة التاريخ في المدرسة الإبتدائية للأولاد ،لكن حتى هذا التواضع لم يكن ليقبل مني لولا شفاعة العمدة كورينا، الذي اهتم بأمري جدا، بعد أن فشل في إيجاد وظيفة لي في فترة بحثي تلك، وتكلل اهتمامه هذا بالنجاح ،بعد زيارات متكررة منه للمركز الذي تتبع له قريتنا، فتحصلت على قرار التعيين قبل شهور قليلة، ولم يكن هذا الدعم الذي وجدته من العمدة كورينا ،وهو بالطبع ليس عمدة حقيقي، فالعمودية كماهو معلوم ،قد هجرت هذه الأنحاء منذ زمن بعيد ،لكنه منح هذا اللقب لأنه سليل العمد العظام، الذين توارثوا هذا اللقب المحتكر لدى عائلتهم الكريمة أبا عن جد في الأزمان الغابرة... لم يكن هذا الدعم إذن حالة فردية أُتحفت بها وحدي، فقد كانت على الدوام، صفوف الطلبات المقدمة للعمدة لاتنتهي ،طلبات متنوعة واحتياجات كثيرة ،منها التافهة التي لايخطر على العقل أن يعجز شخصٌ عن تنفيذها، حتى لو كان ذلك الشخص هو سليم الزبّال ،مضرب مثل قريتنا في البله والفاقة،وقد لايخطر على العقل كذلك ،أن بعض تلك الطلبات، سيستطيع أحد أن ينفذها دون الاستعانة بكرامة حقيقية، لاتتوفر إلا لدى الشيخ شهنوب ،وهو مضرب مثل قريتنا، في الذراع اللاحقة والكرامات السفورة المستمرة حتى بعد وفاته ..لكن كل تلك الطلبات بتنوعها ذاك العريض ،دائما ما كانت تجد لها صدرا واسعا وأذنا واعية في قصر العمدة كورينا، والكثير منها كان يتحقق ،وبعضها قد يتم التعويض عن تحقيقه بملاطفات أخرى ذات أهمية مناسبة..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
السلام عليكم اخي عليش ..
لقد سارقت الوقت في الفترة الفائتة لاتابع رائعتك (ود قلبا)..
وللأسف لم أجد الفرصة للاشادة والتعارف والتقارب ،
لمست في نفس تلك القصة جانب محبب لي من الحياة المصرفية
أحسب أنه سبق لي معايشته وتذوق حلاوتة وعبق مكانه (الدمازين)،
و في نفس فترتك على ما أعتقد ولكن من مصرف آخر.
عشت الكثير من تفاصيل القصة وتمنيت أني التقيتك حينها (في حياتنا السابقة)
ولكن عزائي أني سأتابع معك واقعا آخر في هذا المكان ..
وتفضل بقبول الود مني والاحترام .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عمر التاج)
|
سلامات يا عليش ، طابت أوقاتك .
تسجيل ، في المتابعه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرحب أخونا أيموني ..
ونحن نتشرف بتسجيل المتابعة..
مشكور جدا
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
السلام عليكم اخي عليش ..
لقد سارقت الوقت في الفترة الفائتة لاتابع رائعتك (ود قلبا)..
وللأسف لم أجد الفرصة للاشادة والتعارف والتقارب ،
لمست في نفس تلك القصة جانب محبب لي من الحياة المصرفية
أحسب أنه سبق لي معايشته وتذوق حلاوتة وعبق مكانه (الدمازين)،
و في نفس فترتك على ما أعتقد ولكن من مصرف آخر.
عشت الكثير من تفاصيل القصة وتمنيت أني التقيتك حينها (في حياتنا السابقة)
ولكن عزائي أني سأتابع معك واقعا آخر في هذا المكان ..
وتفضل بقبول الود مني والاحترام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مرحب بالأخ عمر التاج..وشكرا على مشاعرك الطيبة وكلامك الجميل..
أنا فعلا اشتغلت في الدمازين من قبل،لكن ليس في بنوكها،
وإنما من ضمن قوات اللواء 44 مدفعية ههههه..
تحياتي وأكرر شكري..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
العمدة كورينا واسع الأطان، كثير الأملاك حتى في المركز، ذو علاقات فعالة ومتشعبة.. وأذكر أنه في ذات يوم، أرسل يطلبني، فلما حضرته، مد إلي جواله، وأخبرني أن به عطل وطلب مني إصلاحه، وكان أهل القرية يعرفون أن لدي اهتمامات بهذه الإمور، وفي أثناء محاولتي إصلاحه، دفعني الفضول لتصفح الأسماء المحفوظة فيه، ومنذ ذلك اليوم أيقنت بصحة الإشاعات المتداولة، عن علاقة كورينا بالناس محط التخويل الإلهي ،في قدرة التأثير الصغير والجليل على شئون العباد والبلاد، كما أيقنت في السابق أثناء إقامتي بالمدينة، بصحة الإشاعات التي تقول ،أن قريتنا قد عرفت في الخارج عن طريق معرفة كورينا ،لذلك كنت أجد العذر للمتعصبين للرجل ،عندما يصرون على قناعتهم علنا، بأن كورينا هو القرية والقرية هي كورينا.
وكورينا هو الممول الأساسي والمشرف كذلك، على على جميع المراكز الخدمية في القرية، فالمدرستين والمركز الصحي ومحطة المياه والمسجد ،تقع جميعها تحت إدارته المباشرة،وهو كذلك من بنى نادي القرية الحديث،لكنه ترك تسييره لبعض الشباب الموالين له ..
ودائما ما يكون هو في أفضل حالاته وتجلياته، عندما يأتي إلى القرية زائر حكومي يرافقه وفد رفيع المستوى، أو عندما يحين موسم الانتخابات، إن هذه النسمات المتعاقبة، عندما تهبهب على قريتنا، تذكرني بعبارة مجازية ،تطلق على الشخص الموهوب في مجال ما، فيقال :إن فلان خلق ليمثل أو ليغني مثلا،أو ليصبح طبيبا..فإن كورينا خلق ليعطي تلك النسمات نكهتها وألقها الأخاذ، وقد يكون هذا خلق غير مهم في نظر المتنطعين في العالم الخارجي، لكن في تقدير قريتنا ،أن الزخم الذي تحدثه الانتخابات والزيارات الحكومية وحتى المولد الشريف، هو بمثابة التقويم الأساسي الذي تميز به الأحداث بعضها عن بعض ،حتى العالمية منها.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
قبل تعييني بقليل حدث نقص في مدرسي مادة الرياضيات بالمدرسة ،فطلب المدير من كورينا أن يعمل على نقل مدرس أو إثنين من المركز، ولم تمض أيام على ذلك ،حتى حضر للمدرسة الأستاذ عمار مدرسا لمادة الرياضيات، متزامنا تقريبا مع تاريخ تعييني، وخلال هذه الشهور القليلة ،نشأت بيننا علاقة قوية من الاحترام والتقدير المتبادلين ،وعمار يكبرني بأكثر من عشر سنوات ،وهو مميز جدا في التدريس، فبعد فترة قصيرة من انضمامه للمدرسة، صارت الرياضيات مادة شيقة ومحبوبة ،بعد أن كان التلاميذ يتعاملون معها كالطعام ذي المذاق الردئ غير القابل للهضم، وتعرفت القرية كذلك، على نشاطات عمار الاجتماعية والتنويرية الأخرى ،مماجعله يصبح نجما براقا في سمائها، الشئ الذي جعل كورينا يجهر في أكثر من مناسبة بفخره، لأنه أحضر إلى القرية ذلك الأستاذ المتمكن.
لكن لم تمهل الأيام كورينا كثيرا ليجهر بفخره هذا، إذ سرعان مابدأت أعراض التنافر تظهر بينه وبين عمار، والناس في هذا الشأن ــــ وفي شئون كثيرة غيره ــــ تروي القليل من الحقائق وتضيف إليها الكثير من التخيلات، وأنا من القلائل الذين يعرفون أن القصة الحقيقية ،بدأت عندما كانت القرية ،تتجهز لاستقبال زائر حكومي مهم للقرية يرافقه وفد رفيع المستوى، حينها وكما جرت العادة ،أرسل كورينا إلى مدير المدرسة يأمره بتعطيل الدراسة ،وإخراج التلاميذ إلى الشارع للمشاركة في استقبال ذلك الزائر، وفي ذلك اليوم استطاع المدير إخراج كل المدرسة عدا تلاميذ الصف الخامس، فقد كان عمار يواصل في شرح درس رآه أهم من مشاركة تلاميذ صفه في ذلك الاستقبال، وحاول المدير فيما بعد إخفاء الأمر عن العمدة، لكن لم تنجح محاولته ،فالعمدة دائما مايملك القدرة على معرفة مايدور في القرية، لكن لم تظهر عليه علامات الانزعاج من تصرف عمار ،ومضت الأيام بينهما متظاهرة باللامبالاة، إلى أن جاء يوم أرسل فيه المديرعمارا إلى المركز لإحضار بعض الطلبات الفنية، استعدادا لفترة الامتحانات الأولى، وفي المركز علم عمار أن هناك تبرع مالي من رئاسة المحافظة للمدرسة قد استلمه كورينا قبل فترة.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
وبعد عودة عمار،قام بسؤال المدير عن ذلك التبرع فنفى علمه به، فطلب عمار منه أن يسأل كورينا عن الأمر، لكن المدير رفض رفضا قاطعا، فما كان من عمار إلاّ وأن ذهب إلى كورينا وسأله عن المبلغ ،وحدث بينهما نقاش طويل ــــ كما أخبرني عمار لاحقا ــــ لكن عمار رجع في النهاية بأمرين، أحضر المبلغ إلى خزينة المدرسة، وقرر فصل معيشته عن باقي المعلمين ،فأصبح يأكل وحده...
والمعلمون الغرباء يعتمدون في وجباتهم على أهل القرية، وهذا تقليد راسخ في قريتنا وكل القرى المجاورة، نشأ كترحيب وامتنان لهم، وكذلك لصعوبة إيجاد وجبات جاهزة في السوق ،لأن القرى في الغالب لايوجد بها مطاعم..
واستمر عمار يسد رمقه بالبسكويتات والخبز مع الشاي المخلوط باللبن، ولم ينفع معه إلحاح المعلمين في الكف عن هذه السخافة ،وعندما سألته عن سبب ذلك ،أخبرني وهو يضحك أن العمدة قال له :تسأل عن التبرع وبطنك تنز من خيري.
وهتكت هذه العبارة عندما نطقها عمار طبلة أذني، لكنها للأسف لاتخلو من الصحة ،فالوجبات التي يتناولها المعلمون في سكنهم، كانت في معظمها تأتي من قصر العمدة.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
وأصريت عليه بعد ذلك أن يأتي ليسكن معي في منزلنا، لكنه رفض بلطف،ثم كنت أكثر من دعوته ليتناول وجبة واحدة في اليوم على الأقل معي بالمنزل، ولب دعواتي بتقطع في البداية، لكنه بعد حين امتنع عن ذلك أيضا، وعندما رآني تأثرت بامتناعه قال لي :أنا أخشى على أبيك من العمدة..
وتفهمت موقفه ،لأن والدي كان من أعز أصدقاء العمدة..وكان أبي بدوره يوحي لي باستمرار أن علاقتي بعمار يجب ألاّ تتطور كثيرا، وفي إحدى الليالي دخلت إلى البيت ،فوجدت أبي يتسامر مع بعض أبناء عمومته، كانوا يتحدثون عن موضوع الساعة، عن العمدة وعمار، وحاولت أن أعود أدراجي ،لكن أبي ناداني وأمرني بالجلوس وقال :إن صديقك سيخرب علينا القرية..
رددت عليه بهدوء:لديه بعض التحفظات تجاه العمدة..
:هذا لأنه لايعرفه جيدا إن القرية من دون كورينا لاتسوى شيئا..
في السابق، كنت دائما أتجنب الحديث عن كورينا في حضور أبي، لكن في تلك الليلة جربت الخوض
:إن الشبهات التي تحوم كورينا يعلمها جميع أهل القرية، وليس هو وحده وحسب، بل تاريخ عائلته كلها ،ملوث بالمبالغة في موالاة الحكام والإداريين من أجل أكل أموال الناس بالباطل..
:نعم..ولكن كما قلت أنت هي شبهات، ولايصح أن نأخذ الناس بالشبهات ،وكورينا هو الذي وظفك في هذه المدرسة ألايستحق منك الاحترام تقديرا لذلك؟
وخنقني الكلام لكني لفظته من فمي لفظا
:وكذلك الشيطان يخدم الأنسان ثم يقول له ألا استحق منك الاحترام إذن اسجد لي
كان كلامي فظا وركيكا، ومع اندفاعي للخارج، لم ألاحظ أني قد خرجت للمرة الأولى عن حدود الأدب في التعامل مع أبي.
وعندمت حانت امتحانات الفترة الأولى، حدثت مفاجأة أخرى بالمدرسة، إذ خرج التلميذ ماهر الذي يدرس بالصف الخامس ،من الترتيب الأول الذي ظل يتمسك به منذ دخوله للمدرسة إلى الترتيب التاسع عشر، وماكانت هذه المفاجأة لتشغل المعلمين كثيرا لولا أن ماهر هو الحفيد المدلل للعمدة كورينا، وكان السبب الأساسي لهذا التدحرج المفاجئ،هو أن درجات ماهر في مادة الرياضيات كانت متدنية جدا ،رغم أنها كانت عالية جدا في باقي المواد.. ومن وضع امتحان الرياضيات إذن؟ ومن صحح أوراق التلاميذ؟ إنه الأستاذعمار بطبيعة الحال..
كاد قلب المدير أن ينخلع عندما خرج الغلام من المدرسة باكيا ،وارتسم الوجوم على وجوه المعلمين ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
حاول المدير إكمال العمل الأداري، في ذلك اليوم الأخير قبل العطلة التي ستستمر لإسبوعين،فدعانا لاجتماع في مكتبه لمناقشة أداء الفترة الأولىن والتأمين على برنامج الفترة الثانية والأخيرة.. وبعد أن بدأ الجتماع بقليل دخل كورينا إلى المكتب وهو يجر حفيده خلفه.. وما إن وقع بصره على المدير حتى صاح
:ماهر يظلم ياحضرة المدير وأنت موجود
وسعى المدير سعيا حثيثا لامتصاص غضب كورينا ،الذي قال لعمار مباشرة
:ياأستاذ عمار المشاكل التي بيني وبينك لاعلاقة لماهر بها،اتقي الله في عملك..
قال عمار:ياكورينا إذا كنت تقصد أني قد ظلمت تلميذي فسامتحنه أمامك، وبنفس أسئلة الامتحان السابق ولنرى الدرجة التي سيحصل عليها..
:لن تمتحن أحدا بعد الآن أنا أحضرتك وأنا على ذهاب بك لقادر..
ومضت أيام العطلة سريعا، وفي صباح الأمس، بعد يومين فقط من استئناف الدراسة، وصل القرار القاضي بنقل عمار إلى مدرسة أخرى، ومع آخر اليوم كان هو جاهزا للسفر..
وحضر العمدة للمدرسة ،ودخل إلى المكتب المخصص لعمار ،وكنت أنا موجودا معه، كان العمدة يبدو مثل الجندي الذي حصل لتوه على نيشان ميداني، نظر إلى عمار لحظات ثم قال
:قريتنا تلفظ الخبائث يا أستاذ عمار لكني أتيت فقط لأقول لك وداعا..
تمهل عمار للحظات ثم قال:ياكورينا هل تعرف حلف الأطلسي؟
:ومادخل حلف الأطلسي بالذي نحن فيه؟
:هل أخبرك بحلف أسوأ منه؟
ضحك العمدة وقال باستهزاء:نعم أخبرني أيها الأستاذ المتمكن..
:إنه حلف قديم يتكون من أربع دول عظمى ،هي القلب المظلم، والعقل الضيق، والمال الوفير، والسلطة الواسعة..هل تعرف أين تقع هذه الدول؟ هل لديك فكرة عن كم من الزمن حكم هذا الحلف العالم؟
وخرج كورينا بغير المشاعر التي بها دخل..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
ووافق عمار على أن يمضي معي ليلته الأخيرة بالقرية،وبعد أن تعشينا أوينا إلى الفراش ،كنا نرقد على سريرين متقاربين في الفناء الواسع، كانت نسائم القرية الرقيقة،تنوب عن أهلها في تقديم واجبات الاعتذار،والنجوم من فوقنا ،تقرأ أفجع ماجادت به قرائح الموسيقيين من نوتات الحزن وتقبل الخسارات..
ترددت قليلا ثم قلت: هل تقبل إن اعتذرت لك نيابة عن أهل القرية؟
ضحك ثم قال :لاتهتم ياصديقي فهذه ليست المرة الأولى ،ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال ،لقد تنقلت كثيرا لأسباب مشابهة ..ثم انظر للجانب المشرق من الموضوع..
:وماهو؟
:سترتاح معدتي من أكل البسكويتات ولو إلى حين.
وبقرت ضحكته بطن الليل الهادئ ،لكني لم استطع أن أجاريه.. ولما رأى أن حزني مصر على الثبات وعدم التزحزح قال:أريد منك شيئا
قلت على الفور :ماهو؟
كنت أتوقع أشياء معينة لكنه فاجأني قائلا:املأ الحافظة بالشاي ،فسأتخذك في هذه الليلة البهية نديما..
وبعد حين ،قُدر لي أن اختبر نشوات جديدة علي،ّ تذوقتها بفعل هرمونات المعرفة التي بطشت بعقلي الغلام..
قال:
أنا دائما ما أنظر للضعف البشري، كما نظرت الملائكة بديهيا إلى خلق آدم وخلافته على الأرض، وهذا بالتأكيد خطأ كبير ،لكني لا أجد لهذه النظرة علاجا في الوقت الراهن، يحتمل بعد أن أتقدم في العمر قليلا استطيع أن أفعل، واعتقد أن النظرة المنصفة للقصور البشري، يجب أن تراعي ذلك الضغط المسيطر، الناتج من سطوة الجينات المحفزة على استمرارية السقوط ،إن المحك ليس في اكتساب القدرة التي تمنع السقوط لأن هذا لم يُعط لنا، ولكن المحك الحقيقي يكمن في اكتساب الرغبة المستمرة في النهوض بعد كل سقوط..هذا هو الفيصل بين الناس..
وهكذا أمضيت الليل كالنحلة الظمأى ،أرشف الرحيق من حقل واسع من الأزهار العذبة ،إن اللذة التي سرت في روحي من ذلك الضياء، لاأتوقع أن تغشاني مرة أخرى ،إلاّ بكثير من الحظ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحلف القديم (Re: عليش الريدة)
|
وانتهينا من السمر على صوت أذان الفجر ،فقمنا وأدينا الفريضة بالمسجد ،كان الأمام متغيبا فتقدم كورينا وصلى بنا، وفي صلاتي تذكرت كلامي الفظ الركيك الذي قلته لأبي، وتحسرت على أنه لو أتيحت لي فرصة أخرى، لقلت له بكل هدوء:
إن شعرات عمار التي تتساقط من شعره عندما يرجله، هي أفضل من ألف عمدة مثل كورينا، لأن العمدة يعطينا لنظل راضخين له، وعمار يعطينا ليعلمنا الاستقلال..
وهاهو البص مع شروق الشمس يتوقف أمامنا ،كنا أنا وعمار نقف صامتين، فقد استهلكت ليلة الأمس كل رصيدنا من الكلام..
وفيما يشبه اللمسة الأخيرة ،لإزار الحزن الذي ارتدته طقوس القرية في هذا الصباح ،ودعني بخفوت وركب..
وماهي إلاّ لحظات حتى تغطى البص بسحابة من الدخان الكثيف،ثم غاب عن سمعي صوت البوق الذي يزمر بتلك الأغنية التي تدعو للتفاؤل والابتهاج، وبحلقت في المدى قليلا ثم عدت أدراجي إلى المنزل ،لأتجهز ليوم عملي جديد في مدرسة القرية الابتدائية للأولاد... فأنا كما أسلفت لكم أعمل فيها معلما لمادة التاريخ .
تمت
| |
|
|
|
|
|
|
| |
عليش الريدة
ايمن الصادق
عمر التاج
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست