ظهر أينشتاين في القرن العشرين و وضع نظرية النسبية التي أحدثت طفرة كبيرة في مجال الفيزياء الحديثة و قد نال البرت أينشتاين شهرة لم ينالها أحد مثله ..
بالتأكيد الامر غريب بعض الشيء.. خاصة أنه فيزيائي وليس ممثل او لاعب كورة فبالتالي من الصعب أن ينل هذه الشهرة بسهولة.. لنرى ما فعله هذا الرجل ليصبح من اساطير القرن العشرين..
أينشتاين ولد طفلًا عنده شغف وولع بجميع أنواع العلم وخاصة الفيزياء ويذكر أول شيء أشعل إهتمامه بالفيزياء هو بندول هدية من والده أثناء طفولته وأمه كانت أكبر مؤثر على شخصيته. أينشتاين لم يكن الطالب الفاشل ولكنه لم يكن أيضًا الطالب المميز جدًا، ناهيك عن إنه يظهر عليه أنه سيكون أشهر عالم على الإطلاق. بعد إتمامه للمدرسة والجامعة لم يكن تقديره كافيًا للحصول على وظيفة التدريس التي أرادها ولذلك أضطر أن يعمل كموظف في مكتب براءات الإختراع وكانت وظيفة مملة جدًا ولكن كانت فاتحة خير عليه وعلى جميع البشرية منحته الكثير من الوقت للتفكير. في بدايات القرن العشرين كان أينشتاين في أوقات فراغه وأثناء إستراحته في العمل يفكر في العديد من المسائل/المعضلات أهمها: . . • نظرية نيوتن للفيزياء الكلاسيكية تقول بأن لكي يكون لأي جسم زخم momentum لابد أن يكون له كتلة وهناك علاقة مباشرة ما بين الكتلة وما بين الزخم، ولكن المشكلة أن معادلات العالم ماكسويل ينتج عنها أن الفوتون (الوحدات الصغيرة المكونة للضوء والإشعاعات الكهرومغناطيسية) له أيضًا زخم على الرغم من أن ليس له كتلة وكانت معضلة. أينشتاين عرف أن نظرية نيوتن من المستحيل أن تكون خاطئة ولكنها قاصرة نوعًا ما وتحتاج لتعديلات. . • المسألة الثانية هي أنه حينما توضع حبوب لقاح أو أي شيء شبيه في سائل مثل الماء تبدأ الحبوب بالتحرك بشكل جنوني "من تلقاء نفسها" وكأنها تتحرك سحريًا بلا أي تفسير. ظاهرة تسمى الBrownian motion أو pedesis. . • الثالثة هي أنه حينما تسلط ضوء على لوح معدني ينتج تيار مستمر من الكهرباء (بسبب أن الفوتونات الضوئية تتسبب في تطاير الإلكترونات من ذرات المعدن وبالتالي تيار كهربائي) ظاهرة تسمى photoelectric effect (بمعنى الكهرباء المولّدة عن طريق الضوء) ولكن المشكلة هي أن شدة هذا التيار الكهربائي لا تعتمد على شدة الضوء بل على لونه وهو لغز غريب جدًا جدًا حير العلماء ومنافي تمامًا لجميع إستنتاجات الفيزياء الكلاسيكية. . • عام 1905 بينما كان أينشتاين عمره 25 سنة فقط نشر 4 أوراق في جريدة البحث الفيزيائي الألمانية Annalen der Physik أستطاع فيهم أن يفسر ويحل جميع تلك المعضلات السابقة، ورقة مختصة بحل مشكلة الphotoelectric effect (وهي التي حاز على نوبل بسببها) ورقة أخرى لتفسير الpedesis والورقتان الأخيرتان عن تفسير أول ظاهرة مما نتج عنهم نظرية النسبية الخاصة. وتسمى سنته الإعجازية annus mirabilis بسبب عظمة وقوة الإنجازات منقطعة النظيرة التي ساهم بها أينشتاين في العالم تلك السنة..
حل المعضلة الأولى (القصور في نظرية نيوتن) عن طريق تجربة فكرية ... (بالألمانية Gedankenexperiment) أستنتج منها وأثبت أن الطاقة والكتلة وجهين لعملة واحدة أو تجسيدين مختلفين لنفس الظاهرة ومن هنا نتجت أشهر معادلة في تاريخ العلم E = mc² (أي أن الطاقة والكتلة يمكن تحويل كل منهم للأخرى وإذا حولت مقدار صغير جدًا من الكتلة لطاقة ستنتج طاقة مهولة جدًا جدًا والعكس - إذا أردت أن تصنع مقدارًا صغيرًا من الكتلة تحتاج لطاقة مهولة جدًا جدًا) وهذه المعادلة نتج عنها عصر النووي (القنابل والمفاعلات النووية) وفسرت طريقة عمل الشمس والنجوم (أنها أفران نووية) التي كانت لغز حير وأعجز العلماء وفسرت العديد والعديد من الظواهر الكونية ومهدت الطريق فيما بعد للنسبية العامة.
منقول التعليق لاحقا
07-28-2017, 09:30 AM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
تحياتي عبداللطيف بالعكس إعتقد إنه السببية هي مشكلة العلم لا الفلسفة هيوم هو أول من تنبه لهذه المشكلة وعالجها فلسفياً كمشكلة علمية لأنه حتى لو لم نتناسي: وضع المسحوق الصحيح داخل الطلقة وتوقيت اطلاق الطلقة والزاوية الصحيحة للتصويب وتقدير سرعة الطائر في الجو واتجاه الرياح وسرعتها والتصميم السليم للبندقية نفسها وقدرة الشخص ومهارته. أي لو وضعنا كل ذلك في الحسبان ففلسفياً كل ذلك لا يبرهن أن سقوط الطائر في كل مرة نطلق الطلقة لتسهيل ذلك هنالك قصة دينية عن وضع النبي إبراهيم في النار ولم تحرقه وتفسيرها أن الله قال للنار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم بعيداً عن هذا التفسير يقول هيوم كثيراً ما نتوهم في حياتنا أن بعض الأشياء تسبب حدوث أخرى يقينياً ولكن مهم جداً أن نفرق بين الحدثين حدث السبب وحدث النتيجة ونفهم أن العلاقة بينهما لن تصبح يقينية مهما دققناها علمياً يضيف إن كل ما حدث أننا نرى طلقة تم تصويبها من بندقية نحو طائر تم التصويب والمصوب واع بكل المؤثرات أعلاه ثم رأينا بعد ذلك سقوط الطائر أي وقوع حدثين هما تصويب الطلقة ثم سقوط الطائر صممت هذه العملية علمياً ليؤدي السبب للنتيجة في كل مرة فقررنا أن هنالك علاقة سببية يقينية هنا هيوم يحفز تفكيرنا للبحث عن إمكانية عدم سقوط الطائر حتى مع التدقيق الهائل علمياً في العملية أو سقوط الطائر بسببب آخر غير الطلقة ويقول أننا في الحياة نقع كثيراً في وهم السببية أي أن هنالك علاقة مباشرة بين السبب والنتيجة بينما هما حدثين منفصلين أي ليس هنالك أي ضمان بأن يؤدي السبب دائماً للنتيجة العلم هو ما إخترع الطلقة وحدد تأثير المتغيرات أعلاه في النتيجة وبالتالي هيأنا لأن نعيش على وهم يقينية النتيجة عند حدوث السبب ضربت مثل في السابق بفرامل السيارة التي هي مصممة علمياً على كبح وإيقاف السيارة عند الدوس عليها لكن حدث في بعض الحالات القليلة أن داس شخص ما على الفرامل لكنها لم توقف السيارة وكانت النتيجة حادث شنيع ببساطة السببية عند هيوم تقول بأننا لا يمكن أن نفترض يقينياً أن الطلقة تصيب أو تسقط الطائر وبالتالي أن السبب ليس سبباً يقينياً رغم أننا تعودنا دوماً حدوثه ولكن مهما إجتهدنا علمياً فلا يقين هنالك وبالتالي فإن العلاقة بين السبب والنتيجة ليست علاقة يقينية بل هما واقعتين مختلفتين بينهما إرتباط مفترض
تحياتي عبد اللطيف في البداية أعزي نفسي وأعزيك بفقد العزيز صلاح جادات الإقتران الثابت هو تعبير آخر عن نفس فكرة الإقتران بين السبب والنتيجة أو ما أصطلح على تسميته فلسفياً بالسببية ولعلني في الإجابة على سؤالك أرجع لبوست كتبته في مارس 2012 عن التقاطعات بين أفكار ديكارت، هيوم وكانط لأقتطف منه ما كتبته عن مفهوم السبب والنتيجة أو الإقتران الثابت أرجو مراعاة فروق الوقت
لا يبدي هيوم أي إحتفاء بعلوم الحساب والمنطق فهي في رأيه لا تضيف جديداً إلي معارفنا فهو يري في الهندسة مثلاً إذا ما برهننا صحة فرضية أن الزاويتين المتناظرتين متساويتين السنة الماضية فقد إنتهي أمرها ولن نتعلمها مرة أخري من جديد وكل ما سنفعله هو تطبيق القاعدة أمّا الأمور الواقعة أو الوقائعية Matters of facts ولأنها صلة الماضي بالمستقبل ولها بالتالي تأثير مباشر علي حياتنا القادمة فمعرفتها مهمة وضرورية لنا وتدخل في نطاق السببية ولأن معرفة الأمور الواقعة ستقودنا لفهم مشكلة الإستقراء يهمنا أن نعلم لو أن السماء ستمطر غداً أم لا لأن ذلك يرتبط بخططنا ليوم الغد مثل سفرنا ، عملنا ، حفر مجارينا وهنا في الدول الغربية يهم المرء معرفة إذا ما كان هنالك سقوط للجليد أم لا وكل التنبؤات هي من الأمور الواقعة ولتبسيط فكرة الأمور الواقعة دعني أتساءل: أين بكري أبوبكر الآن؟ الآن الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت الساحل الشرقي لأميركا من يوم الأربعاء ال21 من مارس 2012 الإجابة :لا أعلم ولكن أعتقد أنه نائماً في بيته في أريزونا وذلك لأننا نري بوستات تنعي الراحل الشاعر حميد طيّب الله ثراه ولم يتم تسويد صفحات المنبر بعد وكعادة بكري عندما نفقد عزيزاً يقوم بتسويد صفحات المنبر حقيقة أنا غير متأكد أين بكري الآن لكن أعتقد أنه نائماً في أريزونا لأننا لم نري أن صفحة المنبر العام قد تم تسويدها إضافة إلي أن الساعة الآن في أريزونا هي السادسة صباحاً حجتي هنا عن نوم بكري تعرف بالحجة الإستنتاجية Infrential Judgement المستندة علي خبرتي ببكري بكري يسود الصفحة عندما نفقد عزيزاً .. فقدنا عزيزاً....بكري لم يسوّد الصفحة بعد إذن لا بد أنه لم يصحي من نومه بعد لأن الوقت مازال فجراً في مدينته علي أي قاعدة تقوم هذه الحجج الإستنتاجية ؟ علي قاعدة السبب والأثر Cause and effect بمعني أن في وجود سبب معين (فقدان عزيز) نتوقع أثراً معيناً (تسويد الصفحة في المنبر العام) هل الأمور الواقعة تعتبر معرفة؟ هل أعلم علم اليقين إن كان بكري صاحياً أو نائماً؟ لا فمعرفتي معرفة مستقبلية كبيرة الإحتمال لكنها غير يقينية لأنها ببساطة تقوم علي الخبرة Experience و الصلة بين فقدان عزيز وتسويد صفحة المنبر العام ليست صلة منطقية أقصد بالصلة المنطقية أنه حتماً في فقدان أي عزيز سيتم تسويد صفحة المنبر العام الصلات المنطقية من اليقينيات ولكن الخبرات تنبؤية فقط لأنه قد يصدف أن نفقد عزيزاً ونفاجأ كلنا بأنه لم يتم تسويد صفحات المنبر هب أنه في تلك اللحظة تصادف وجود شخصية تجد تقديرها عند بكري وأفتت له بأن عادة تسويد صفحة المنبر العام تنافي الدين أو المبادي الفلانية ...ألخ وقرر بكري من لحظتها أن التعبير مشاعر الحزن علي فقد عزيز سيكون بطريقة أخري والخلاصة: أن التنبؤ بالمستقبل ممكن عند هيوم ولكنه ليس يقيني عند ديكارت أنه ممكن ويقيني لأن الأول يعتمد علي الخبرة أو العوامل النفسية والثاني يعتمد علي المنطق والرياضة الخبرة عند هيوم تقوم علي السبب وعلاقته بالنتيجة حيث بتكرر حدوث سبب معين يؤدي دوماً إلى نفس النتيجة هذا ما رأيناه في كل الحوادث السابقة فكعادة أهلنا في البطانة وكردفان عندما يرون البرق القبلي فالمطرة جاية لا محالة اي أن ما تكرر حدوثه في الماضي سيحدث بنفس الطريقة في المستقبل وهنا تحضرني طرفة عن محتال دخل السوق وقصد أن يتعامل مع أحد كبار التجار بأن يأخذ منه بضاعة مقابل مقدم بسيط علي وعد أن يحضر باقي المبلغ بعد إسبوع لكنه أحضر باقي المبلغ بعد 3 أيام وأخذ بضاعة أكبر وأحضر باقي سعرها قبل أن يكمل الإسبوع وهكذا إستمر الحال لمدة سنة وهو الوحيد الذي يحضر ما عليه من دين قبل حلول موعده حتي إكتسب ثقة التاجر الذي أصبح يعطيه بضاعة باهظة الثمن دون مقدم علي قناعة أن المستقبل سيكون مثل الماضي ولم يكن هذا التاجر يفرق بين المعرفة اليقينية والمعرفة الظنية حتي طار المحتال بثمن أكبربضاعة حصل عليها من المحل وإلي غير رجعة
07-31-2017, 07:42 PM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
أنا أقترح ثلاث خيارات لي في البوست ولو انني أفضل لو أكملت انت ما بدأته ثم بعدها نخلص إلى خياراتي وهي التوسع في معالجة المنطق والميتافيزيقيا التي بدأ بها قور مداخلاته كمدخل ألخص بعده فهمي للهيجلية أو تناول المدارس الفلسفية التي أنتجتها الهيجلية بدءاً بالماركسية أو شرح الفهم الهيجلي للدين لأنه فهم مربك للكثيرين وانت صاحب البوست وسادنه أينما وجهته إلتزمناها
08-01-2017, 09:57 PM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
لك شكري عبداللطيف مافي مشكلة حإتناول ظاهريات الروح وببطء لأنها أهم ما كتب هيجل وإذا إستوعبناها إستوعبنا الفلسفة الهيجلية فيها يوضح فهم جديد لعلاقة الذات بالموضوع أو الإنسان بالعالم حيث يستبدل الفهم القديم بأن العالم والإنسان شيئين منفصلين طارحاً فهم جديد يجاوب على أسئلة الفلسفة الكبرى شارحاً كيف تتم عملية وعينا بالأشياء إبتداءً من إحساسنا بالأشياء ومسار هذا الوعي من مرحلة إلى أخرى حتى نبلغ بما أحسسناه أو رأيناه آخر المحطات حيث الروح أو العقل المطلق وشارحاً كيف يتكامل وعي الأفراد مع وعي المجتمع ووعي التاريخ خلال هذه الحركة المارة من جسر إلى جسر بسيارة الجدل (الديالكتيك) لتصل بالكل إلى قمة المشوار حيث قمة العقل وقمة الله وقمة الحضارة بل ونهاية التاريخ
08-02-2017, 10:48 PM
Sinnary
Sinnary
تاريخ التسجيل: 03-12-2004
مجموع المشاركات: 2770
يطرح هيجل فلسفته كلها ضمن منظومة العلوم وهي مجموعة من الكتب يكمل بعضها بعضاً. يدعي هيجل (بسبب أن ما قام به من عمل فلسفي كان عملاً كبيراً) بأن فلسفته جاوبت على كل الأسئلة العالقة وأنها تمثل نهاية مشاريع العقل ونهاية التاريخ. لأن التاريخ منذ بداية البشرية سار في مسار تطوري هدفه الأساسي أن يبلغ العقل الإنساني والمجتمعات الإنسانية قمة العقلانية أي كمال الإنسان، وذلك عندما يدرك الإنسان بأن العقل هو أكبر حقائق الحياة البشرية وذلك عندما يتحرر العقل من كل أشكال القهر ويصبح خارج سيطرة أي شيء إلا العقل نفسه وهنا ينجز الأنسان حريته حيث الحرية هي أسمى مقاصد الإنسان والغاية التي يناضل لأجلها طيلة التاريخ. في سعي العقل والمجتمعات الإنسانية نحو التحررمن كل أشكال الجهل، الخرافة، والتسلط. حسب هيجل مرً العالم بمراحل الطفولة والشباب والرشد حيث مثلت المجتمعات البشرية البدائية طفولة العالم حيث عاشت حالة من الإقطاع والفيودالية كما في الصين والهند وتأتي وصفة الطفولة من إفتقارها لمفهوم الحرية ومع تطور مفهوم وقيمة الحرية تحرك العالم إلى شبابه التاريخي كما حدث مع ظهور الإمبراطورية الفارسية التي شهدت اول تمثل لمعاني الحرية التي بدأت تتطور بإتجاه رشدها في المجتمعات الإغريقية والرومانية ولكن الحرية فيها كانت ناقصة وكانت أقرب للعادة منها إلى الإختيار ولكن أوروزبا الحديثة إبتداءً من حركة الإصلاح الديني ثم تجربة نابليون فالدولة البروسية مثلت الحلقات الأخيرة في تطور مفهوم الحرية ونضج العقل الغربي. هيجل يعني في منظومته بشرح العلاقة بين المحدود واللامحدود (قصور الإنسان وكماله) حيث تكتمل وحدة الوجود.
08-03-2017, 11:26 PM
Sinnary
Sinnary
تاريخ التسجيل: 03-12-2004
مجموع المشاركات: 2770
يشرح هيجل تفكيرنا كمسار وكحركة جدلية تبدأ متدرجة من الإحساس الخام إلى المعرفة المطلقة. الإحساس الخام (الإدراك الحسي) هو أول خطواتنا في أي عملية معرفة. هذا الإدراك الحسي ودوره في المعرفة كان موضوع جدل كبير بين الفلاسفة ( أقصد بالإدراك الحسي هو إدراكنا لوجود الأشياء بواسطة حواسنا (النظر، السمع، اللمس ، الشم، الذوق) فبينما يضع التجريبيون مثل هيوم كل المعرفة على عاتق الإدراك الحسي، يرفض المثاليون ذلك فإفلاطون يرى بأن كل ما ندركه بإحساساتنا مثل النظر هو غير حقيقي وهو مجرد ظلال للحقائق التي توجد في عقولنا أو حتى ما وراء عقولنا، بينما ديكارت كمثالي آخر إشتهر بذهبه المثالي الشكِّي والذي يقول أن الحواس خادعة ولا يمكن إستقاء أي معرفة منها. كانط تميزت فلسفته في المعرفة بفكرة مثيرة تقول أنه لا توجد معرفة لا تبدأ بالإدراك الحسي فكل ما لا يمكن إدراكه بالحواس (مثل الله) لا يمكن القطع بوجوده، وهو بالتالي ليس من موضوعات العقل. وأيضاً يقصر كانط المعرفة التي نتحصل عليها بحواسنا على ظاهر الشيء وليس جوهره، فكانط يقول لا يمكن أن ندرك حقيقة أي شيء فقط مظهره. هيجل يقول لا بل بإمكاننا معرفة ظاهر وباطن الأشياء (المعرفة الهيجلية تتحرك عبر فكرة الجدل أو الديالكتيك التي إستلفها من فتشة من الظاهر للباطن، ومن المظهر للجوهر، ومن اللحظي للدائم، ومن المحدود نحو اللامحدود) الإدراك الحسي يتوقف عند الظاهر واللحظي والمحدود والعقل يواصل المعرفة داخل الدماغ عبر الديلكتيك بإتجاه المعرفة المطلقة. عندما ترى أي شيء موجود أمامك الآن تعرفه على الفور وبدون أي مشكلة أكان كرسي أو منضدة أو كتاب ونعتقد هكذا أن معرفتنا إكتملت عن هذا الشيء (هذه هي المعرفة التي سماها كانط بمعرفة ظاهر الشيء) لكن نقطة هيجل هنا إننا يمكن أن نتحرك من هذا الظاهر المتميز بخاصية وجوده أمامنا الآن بإتجاه باطنه وجوهره حتى نتحصل على المعرفة المطلقة.
08-04-2017, 00:53 AM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
إن عملية الإنتقال من مظاهر الأشياء لحقيقتها والتي هي لب الظواهرية الهيجلية تتم عبر عدة مراحل تسمى كلّاً منها بمرحلة صناعة الوعي conscious formation (المرحلة أ، ثم المرحلة ب، ثم المرحلة ج، فالمرحلة د) أو الظاهريات. وفي كل مرحلة يخضع الموضوع المعني (المنضدة مثلاً) للإستكشاف وللتمحيص أكثر وأكثر متحركاً من مرحلة أدنى لمرحلة أعلى من مراحل الوعي بالموضوع (المنضدة)، بشكل يقودنا إلى إدراك كنهها وحقيقتها ويتم الإنتقال من مرحلة إلى أخرى بطريقة سلسة وديناميكية عبر تراياد الديالكتيك (المقصود هنا ثلاثة حالات تحدث في كل مرحلة والحالة الثالثة تنقلنا للمرحلة اللاحقة في مسار صناعة الوعي، تبدأ أي مرحلة بحالة من حالات الوعي، تظهر لنا حالة مناقضة لها، وتنتج عن هذا التناقض حالة تتركب من الحالتين الأولتين تنقلنا إلى مرحلة جديدة من مراحل صناعة الوعي - وسيسهل فهم هذه العملية الديالكتيكية عندما نبدأ تطبيقها). إنتهينا في المداخلة السابقة إلى أننا نبدأ صناعة وعينا بالأشياء في مرحلة يطلق عليها هيجل اليقين الحسي، حيث هي المرحلة الأولى والوحيدة من مراحل الوعي التي تحدث جزئياً خارج الذات بحضور الموضوع (المنضدة) المباشر أمامنا (يمكن لأيٍّ منا توصيف ما يراه أمامه الآن) وعندما يفكر في العملية يجدها عملية يشترك فيها الموضوع والذات لإستكشاف ماهية هذا الشيء المنضدة (المجنون أو الغائب عن الوعي لا يعرّف أو يميّز أو يعيّن الشيء الموجود أمامه) لذا يحاول هيجل أن يوضح لنا أن عملية الوعي بما هو خارجي تعتمد في معظمها على الذات فقط تبدأ برؤية الموضوع في لحظة واحدة والباقي يكمله وعينا. ففي هذه المرحلة الأولى لصناعة الوعي تبدأ العملية برؤية أو الإحساس بشيء ذو وجود مادي، وجوده المادي يسميه هيجل اليقين الحسي لكن المرحلة تتطور إلى حالة من التناقض، تناقض سنعرف أنه ضروري ويحدث في كل مرحلة من مراحل صناعة الوعي ويكون ضرورياً للإنتقال لمرحلة أعلى من مراحل هذه الصناعة في طريقنا نحو مرحلة المعرفة المطلقة بالمنضدة. فمثلاً في مرحلة اليقين الحسي حينما نشير لمنضدة أو جردل أو دولاب موجود أمامنا الآن ونردد اسمه ظانين بأن وجوده عرفه لنا نجد أننا وبقليل من التفكير نصل إلى أنه للشخص الذي لم يرى منضدة من قبل أبداً لن يعرف ما هذا الشيء، لكننا عرفناه لأن وعينا يملك تصور ومثال للمنضدة ويحتوي بداخله على مئات الأمثلة للمناضد وهنا يتبين لنا أن معرفة هذه المنضدة لم تنتج فقط عن وجودها اليقيني أمامنا وإحساسنا بها (رؤيتنا لها) لكن بمشاركة وعينا في تعريفها وهنا سنلاحظ نشؤ حالة تناقض، فما عرفته انت الآن في حالة رؤية مباشرة لا يستطيع أن ينتقل إلي دماغي ليعرف نفسه بل دماغي عبر الحس الخام يقول له لقد عرفتك انت منضدة. ومهمة المنضدة في هذه المرحلة هو ظهورها المباشر وغير المتعين ثم يبدأ تعيينها الدماغ وبمجرد النظرة الأولى ستنتهي الحاجة لمواصلة النظر فالباقي شغل الدماغ إذ بعد النظرة المباشرة الأولى ينتقل المايكرفون لدماغك ليقارن ما رأى بما يحتفظ به من فورمات وأمثلة لأشياء الكون التي يعرفهاا فيقول لنا ما هي. أي تحول الدور للوعي ليكمل من علاقته الحسية المباشرة تعريف ما نظرت انت له. وهنا نجد أننا في هذه المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها مرحلة الوعي الحسِّي أمام تناقض بدأ بحالة يقين حسي ظهر معه أو طرأ عليه وعي حسي (لتعيين غير المعيّن) وهكذا يقع التناقض بين الحالتين لينقلنا تلقائياً للمرحلة الثانية من مراحل صناعة الوعي والمعروفة بمرحلة الإدراك الحسي وهذه المرحلة تتم بكاملها داخل الدماغ (بمعنى الآخر لم يعد الموضوع-المنضدة- موجوداً خارج الذات بل داخلها) . بإختصار إن ما حدث في هذه المرحلة الأولى هو وجود منضدة موجودة حتى قبل أن نراها ( أي في حالة غير معينة) وفي لحظة الرؤية حصلت الإنصال المباشر الذي عمل على تعيين ما تمت رؤيته عبر عملية الوعي الحسّي ووجود شكلين يعرفان الشيء (ظهوره وتسميته) أنتج التناقض المهم للإنتقال السلس للمرحلة الأعلى من مراحل تعيين وتعريف الموضوع هي مرحلة الإدراك الحسِّي والتي سأتحدث عنها في المداخلة التالية.
(عدل بواسطة Sinnary on 08-05-2017, 00:37 AM) (عدل بواسطة Sinnary on 08-05-2017, 11:06 PM)
08-05-2017, 10:54 AM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
تعرضنا في المداخلة السابقة للوعي الحسي، والذي وصفناه بأنه إدراك الأشياء في حيز زماني ومكاني معين. ولأن الحس وحده لا يحدث معرفة حقيقية ولا يعطينا غير إنطباع حسي خام، الأمر الذي يحدث معنا للأسف في معظم أوقاتنا ونشاطاتنا، إذ كثيرٌ ما نعاني من مشكلة عدم القدرة على التركيز على أكثر من شيء في نفس الوقت. وكم هي كثيرة جداً الأشياء التي نراها دون أن ننتبه إليها. فإذا سألنا أكثرنا عما رآه قبل دقائق نجده لا يذكره. لأن كل تلك الأحساسات تبقى إحساسات خام، أي بدون تركيز (إشتراك الوعي) وبالتالي تبقى مجرد تشظيات في أذهاننا. إذا كنت جالساً في مكتب أو غرفة منشغل بالكمبيوتر تبقى صلتك بباقي الأثاث في الغرفة مجرد الإحساس بوجوده. لكن الحس وحده كما ذكرنا لا يصنع معرفة وغير قادر على إدراك الظواهر. المعرفة تحتاج مع الحس إلى قليلٍ جداً من الإنتباه والتركيز. إذن كل ما تحتاجه في مرحلة الوعي الحسي إشتراك ولو خفيف للذهن في العملية. إنتهينا إلى القول أن الوعي الحسي هو بداية مراحل التعرف على الأشياء في الكون، ولكنه هو أيضاً يدخل في تناقض بسبب وجود شكلين يزعمان مسئوليتهما عن المعرفة الأولية المتحصلة (الحس-الوعي) هذا التناقض ينقل عملية المعرفة لمرحلة أعلى لتكمل نفسها داخل الذهن فيما يعرف بمرحلة الإدراك. تبدأ هذه المرحلة داخل الذهن في محاولة لإعطاء الصورة الحقيقية لما رأيناه، لكن يسرعان ما ينتج تناقضاً جديداً بتداخل شكلين من أشكال المعرفة في إدراك الموضوع (المنضدة) داخل الذهن لا يحدث إنطباع تلقائي لصورة المنضدة وتكتمل عملية إدراكها، لا بل تتنافس الصورة المحسوسة للمنضدة مع مئات الصور الذهنية لمختلف المناضد موجودة في أدمغتنا. هكذا يتجلى تناقض جديد بين المثال والواقع، أي الصورة الذهنية لمئات المناضد مقارنة بالمنضدة التي رأيناها منذ لحظات. لو طلبنا من عشرة أشخاص يجيدون الرسم رؤية منضدة ثم سحبناها وطلبنا من كل منهم رسم ما رأى. يستحيل أن ينتجوا لنا 10 صور متطابقة رغم أنهم رسامون، فما بالك لو كانوا أشخاص عاديون فيهم من هو ضعيف النظر ومن هو متواضع الذكاء، وفيهم الطفل الصغير، والرجل الكبير، وفيهم من رأي منضدة واحدة من قبل، ومن هو نجار يصنع المناضد. أي لكل منهم أمثلة مختلفة للمناضد في ذهنه وقدرات حسية مختلفة، إذن سنخلص عندها إلى مفارقات مثيرة للعجب. إذ أن الصورة الأخيرة التي يكونها كلٌّ منهم تعتمد على موائمة حالتين، الأولى المنضدة الحقيقية التي رآها، والثانية الصورة الذهنية للمناضد التي رآها من قبل. هذا التناقض الذي نشأ ينقل الوعي إلى مرحلة أعلى من مراحل صناعة الوعي (يجب الإنتباه إلى أن كل هذه المراحل تحصل لحظياً) وهي القدرة على التمييز بين المثال والواقع أو ما يعرف بمرحلة قوى الفهم. قبل أن أشرح التناقض في مرحلة الفهم أود أن اشير إلى أن هيجل هنا وعلى العكس من هيوم الذي يقصر المعرفة الحقيقية على الإدراك الحسي، نجده يولي مسئولية المعرفة في تأسيسه لفلسفته المثالية إلى لذهن والعقل والتصور، ذلك عبر نسق تنتقل فيه المعرفة الذاتية (الوعي) من طور إلى طور أعلى نحو العقل أو الروح المطلق. كذلك أود أن أشير إلى أنه كما يتطور الذهن من طور أدنى إلى طور متقدم في صناعة المعرفة حتى الوصول للمعرفة المطلقة أو ما يعرف بالروح المطلق كذلك يتطور التاريخ نحو الروح المطلق، وقد ذكرت في مداخلة سابقة كيف تم تطور التاريخ من المجتمعات البدائية إلى أوروبا الحديثة. هيجل يرى بأننا نستطيع فهم الإنتقال من المظهر للحقيقة، لأنه مسبقاً قد حدث وأن مهمتنا هنا ليست إحداث ذلك الإنتقال، بل ملاحظته ووعي حدوثه، وهذا ليس أمراً سهلاً كما يبدو لأول مرة، بل سيتضح لاحقاً كم أنها مهمة صعبة للغاية. من المهم لفت النظر إلى أنه عندما نتحدث عن الوعي عند هيجل نحتاج للتخلص من المعاني التي إعتدنا عليها عند الإشارة لمفهوم الوعي، لأن الوعي عند هيجل هو لفظة تشير لما هو مرتبط بعملية الفهم وصنع التصورات. وهنا في ظاهرية الروح يهدف هيجل من شرح العلاقة بين المراحل المتتابعة لصناعة الوعي إلى أن يبين لنا أن هذه المراحل هي في خلاصتها شكل أعلى لفهم أنفسنا والعالم وعلاقتنا به، وهي ترتبط كما ذكرت بكيفية حركة التاريخ وفق التناقضات التي تحدث في المجتمعات، فتنقل المجتمع من طور تاريخي إلى طور أعلى، ومهمتنا أن نضع هذه المراحل المختلفة للوعي التي ظهرت خلال التاريخ الإنساني في منظومة قابلة للفهم. وجهة النظر هنا هي أن الأشكال والتكوينات المختلفة للوعي كلها تصبح جزء لا يتجزأ من شكل حياتنا المتماسك وتنظيم حياتنا بكلياتها واللي ضمن أقسامها يختص قسم بإستيعاب المعارف، فهنالك جوانب وأوجه معرفية مضمنة في قلب جملة ضروب الحياة والمهم هنا أن ندرك التناقضات التي تبطّن كثير مما نظنه حقيقة وبالتالي فأن التطلع للمعرفة المأمونة هو تطلع تائه الطريق، لأن التطلع للمعرفة في الحياة يستوجب فهم حقيقة أن الخطأ مصاحب للإنسان على الدوام وما الحياة إلا رحلة التعلم من الأخطاء، وبالتالي يجب على الإنسان الوعي على الأقل أن يمارس بإستمرار فضيلة النقد الذاتي للكثير مما يؤمن به (أنظر كيف يقتنع السلفي واليساري والقومجي) كل منهم بأن منهجه هو المنهج الصحيح وأن غيره على خطأ، بل كثير من الصراعات التي تحدث في البورد ناتجة من توهماتنا بأننا الصواب ثم تعصبنا لآرائنا وميلنا إلى تسفيه آراء غيرنا، فلا تسامح البتة. هيجل لا يرى مشكلة في أن نخطئ فالحياة مؤسسة على الخطأ وحتى لو إنتهي بك لأن تكتشف أن حياتك كلها كانت مبنية على الأخطاء وأنك أضعت حياتك في الفاضي، فباكتشافك هذا تصبح أفضل من المتحجر غير القابل لنقد ذاته أو قناعاته، لأن الخطأ هو الشرط الإنساني الذي نعيشه كلنا، لكن هل من الممكن أن نلزم أنفسنا بمفهوم خاص عن كيفية نقترب من العالم وكيف نعيش حياتنا وفوق كل شيء ما هي الخصائص الأصيلة للفهم الصحيح في مقابل الفهم الخاطئ.هيجل يتفق مع التقاليد الإبستمولوجية بأننا فقط نستطيع الإقتراب من العالم عبر مفهوم خاص عنا وعن العالم وأنه من المهم أن نمتلك المفهوم الصحيح، لكن الفرق يكمن في أن التقاليد الإبستمولوجية ترنو إلي البحث في أدواتنا لإنتخاب الأداة المناسبة مقدماً لكن هيجل يرى بأن الطريقة الوحيدة لإستخدام الأداة المعرفية المناسبة يأتي عبر المعايشة للحياة والتعلم من الأخطاء وعبور مختلف الأوهام حتى نكتشف لماذا هي أوهام وليست حقائق وأننا الآن في وضع يمكننا من إستيعاب تلك السلسلة بشكل سليم ظواهرياً وأننا نصنع الإنتقال من المظهر للحقيقة عندما نعبر كل تلك السلسلة من الأخطاء والتي نجح التاريخ حسب هيجل في عبورها (طبعاً هو أخطأ هنا وسن سنة نهاية التاريخ المعاصرة) المهم أن هيجل يطرح هذه الظاهرية لنا كمنظومة تعلُّم تصل بنا وبثقافتنا وفورمات وعينا إلى مرحلة رشادها، مرحلة الوعي البطل الذي واجه مراحل عدة من تكوينات وتجارب الوعي حتى وصل في النهاية لوضعية يستطيع أن يسرد فيها القصة مكتملة عن كيف أصبح الوعي البطل هو الراوي للقصة عن كيف توصلنا لملاحظة أنفسنا ونحن نتجاوز مرحلة بعد أخرى وخطأ بعد آخر حتى وصلنا إلى فهم أنفسنا فهماً كاملاً والذي هو في نفس الوقت فهم للعالم لذا فهيجل يطلق على كتاب ظاهرية الروح علم خبرة الوعي لأنه هنا فقط بعد أن نمر بهذه الخبرات والإنتقالات من مرحلة لأخرى في محاولة المعرفة والتعلم من الأخطاء نصل لتعلم أن نستوعب خبراتنا ظواهرياً ونصبح في موقع نفهم عبره أنفسنا بشكل صحيح، ولكن الأمر ليس بتلك السهولة لأنه إذا كان الكتاب يحكي قصة كيف أن البشرية مضت عبر عدة مراحل وإنتقالات حتى وصلت في النهاية إلى فهم صحيح عن من هم وماذا نحن وما هو كنه العالم لإنتهى الكتاب دون أن نفهم التفاصيل لذا هيجل يحاول أن يحكي القصة متأرجحاً جيئة وذهاباً من وجهة النظر عن كيف تبدو الأشياء للوعي أو لذاتها (الذات لوعيها) ومن جهة أخرى كيف أن هذه الجملة من الأحداث والممارسات تظهر في ذاتها ولنا.
(عدل بواسطة Sinnary on 08-06-2017, 02:31 AM) (عدل بواسطة Sinnary on 08-06-2017, 02:40 AM) (عدل بواسطة Sinnary on 08-06-2017, 11:11 AM) (عدل بواسطة Sinnary on 08-06-2017, 11:20 AM)
08-07-2017, 01:56 AM
Sinnary
Sinnary
تاريخ التسجيل: 03-12-2004
مجموع المشاركات: 2770
رأينا كيف أن الطابع المجرد (المفرد أو المنعزل) لليقين الحسي يقف سدّاً أمام محاولة إدراك الموضوع إدراكاً مباشراً بدون توسط الذهن مما يخلق تناقضاً يستدعي الإنتقال لمراكز الإدراك الحسي في الدماغ بعد أن إتضح إستحالة إدراك الموضوع بشكله المفرد البسيط. هكذا ينتقل الموضوع للذات التي تكتشف في لحظة إدراكها للموضوع الطابع الكلي غير المجرد له، أي أن للموضوع صورة كلية تشمل خصائصه المتعددة (لون المنضدة، طولها، تصميمها، نوع خشبها ألخ) ولا بد من إستحضارها لحظة النظر للموضوع الذي حسبناه واحد مفرد. الآن في مرحلة الإدراك يتم إدخال الأمثلة أو الخصائص على الإحساس(المفرد) لتمييزه وتعيينه بواسطة أدوات الإدراك في الذهن (لأن أي موضوع لا توجد أمثلة له في الذهن تربطه وترتبط به لا يمكن إدراكه و لا توجد معرفة في الكون بلا تعين أو توسط) لكن هنا ينشأ التناقض بين الموضوع الفردي وكلية الخصائص، وهذا التناقض يستدعي مرحلة أرفع وأدوات ذهنية أقدر على فض الإشتباك. لذا تؤول المسالة تلقائياً لأليات الفهم أو مرحلة الفهم ضمن مراحل صناعة الوعي وفي هذه المرحلة يتضح للوعي أن الموضوع المعني بالفهم لا تتبدى حقيقته لا في هيئته المادية المنظورة ولا في الخصائص المرتبطة بهذه الهيئة أي أن ما كان يبدو من حقيقة مقصورة على التكامل بين الفردي والكلي في الموضوع يتضح أن ما هو أهم منها يقبع وراء الحسي والخصائص معاً (إنها مرحلة أعلى تنبئ عن إبداع العقل البشري والفرق بينه وبين الحيوانات غير العاقلة) يتلمس الفهم الكلية خالصة التي تقبع وراء الحسي لكنها تعطيه معناه. الكلية الخالصة التي تتجاوز مركب واحدية المحسوس وتعددية خواصه، وتقع في منطقة منطقة الماهية أو القانون العام الذي يعطي الشيء وجوده. بصورة أوضح أن ما يوحد جميع المناضد هو عكس ما يوحد جميع الأقلام أو العطور إذا لا يمكنك أن تكتب بمنضدة مهما إختلف تصميمها ولا يمكنك أن تضع أكلك وشرابك على قلم مهما أبدع صانعه وإلا تحول لأي شيء آخر لكن ليس قلماً ولا يمكن أن يكون عطراً ما لا يضوع جاذبية أينما فاح.
08-07-2017, 06:12 PM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
المرحلة التالية من ظاهريات الروح تعرف بمرحلة الوعي الذاتي (الوعي بالنفس) فبعد أن تابعنا في الجزء الأول الوعي بالموضوع، أو ما يطلق عليه هيجل(الوعي-هكذا بدون إضافات) ننتقل لمرحلة الوعي بالنفس وهي أهم مراحل صناعة الوعي في الطريق إلى المعرفة المطلقة، وتشتهر هذه المرحلة بمصطلح جدل السيد والعبد، أو الأنا والآخر، ولو إنها في الحقيقة تحتوي على الكثير ولا تقتصر على تلك الجدلية فقط. أذكِّر بأننا عبرنا حتى الآن ثلاثة مراحل من مراحل صناعة الوعي بالأشياء (الموضوع) وهي مرحلة اليقين الحسي، مرحلة الإدراك الحسي، ومرحلة الفهم، ولاحظنا أن الجدل (الديالكتيك) في كل مرحلة يطور إسلوب بحثه في الوعي بالمحسوس، إستناداً على ديالكتيك المرحلة الأولى. هيجل يقول بأن الوعي بالموضوع والوعي بالذات دائماً يحدثان معاً في نفس الوقت. طيّب لماذا يفرد هيجل مرحلة قائمة بذاتها للوعي بالذات منعزلة عن الوعي بالموضوع؟ ثم ثانياً لماذا تتم النقلة من الوعي بالموضوع للوعي بالذات بصورة مربكة في ظاهريات الروح؟ عودنا هيجل إنه عندما ينتقل من موضوع إلى آخر فإن إنتقاله يكون مسبوقاً بتناقض يستوجب الإنتقال، وتصبح المرحلة الجديدة هي المركب الذي يحل التناقض السابق له، ولكن في هذه الحالة لا يوجد تناقض بيّن فيما يختص بالوعي يستوجب الإنتقال للوعي الذاتي. حتى أنه يبدو كأنما هيجل يتحول لموضوع منفصل بدون أي دواعي واضحة. إعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة هي أن هيجل يفهم إنه لكي نفهم أي شئ (موضوع) بشكل صحيح يجب أن نذوب فيه بكاملنا، ثم ننسحب منه ونجعل مسافة بيننا وبينه لنستغرق في أنفسنا بشكل مستقل عن الموضوع، ثم بعد ذلك يمكننا الرجوع للموضوع لكي نفهمه فهماً جيداً. يسمي هيجل هذه العملية : الوحدة المباشرة مع الموضوع، ثم المعارضة له والإستقلال عنه، ليختتم بوحدة معينة ومتوسَّطة وحصيفة. يشرح هيجل هذه العملية بمراحل حياة الإنسان: ففي طفولته يكون الإنسان منغمساً بالكامل في محيطه وقانعاً به، لكنه لا يملك رؤية راشدة عن العالم، فيرى نفسه مركز العالم، الكل يحيط به ويتوق له ويحبه، هذا ما يسميه هيجل بالوحدة المباشرة. بداية وصول هذا الطفل لمرحلة البلوغ والرشاد يبدأ في الإبتعاد عن محيطه ويرى بأنه لا يفهمه ولا من كانوا حوله يفهمونه، ولا بد أن يبعد نفسه عنهم ويحيا بالطريقة التي يريد، وذلك يتطلب منه الدراسة ثم الحصول على عمل وإنشاء أسرته الخاصة به، وأحياناً قد يتحالف مع الشيطان ليحقق الحياة التي يريد وهذه عند هيجل مرحلة المعارضة والإستقلال. لكن عندما يصل سن الرشد ويكون أسرة وعمل يرجع ليتصالح ويتحد مع العالم ومع محيطه ويبدأ في إستيعاب المجتمع والقانون بتوازن وتعقل. نلاحظ أننا بدأنا بوحدة ساذجة وفورية مع العالم، ثم تقدمنا إلى معارضة مع العالم وإنتهينا إلى وحدة مقصودة ومتوسطة بين الذات العالم. إستعادة الوحدة مع العالم تتم في النهاية على مستوى عالي يسميه هيجل نفي النفي، أي بعد أن أنتفى من العالم الآن ينفي الإنتفاء إنتفاءه. في مرحلة اليقين الحسي دخلنا في حالة وحدة مباشرة وفورية مع العالم(الموضوع)، وفي مرحلة الإدراك الحسي عزلنا نفسنا من الموضوع في معارضة من الوعي لما هو خارجه، ثم يرجع الوعي مرة أخرى للموضوع لتكييفه بالعقل(وسيستمر هذا العقل في إنشاء العلوم والأنظمة التي ترتب العالم). في مرحلة الوعي الذاتي يجد الوعي أنه يعي نفسه كأنا وكأيقو وكذات ولكنه في نفس الوقت يعي أيضاً العالم خارجه وأشياء العالم. وهنا ينقسم الوعي بين وعي الذات ووعي الأشياء خارج الذات. كيف يتعامل الإنسان مع هذا الوعي المنشطر، يقول هيجل أن الوعي الذاتي يستمتع بمعارضته للعالم فيسيطر على أشيائه ويستهلكها ثم يسعى في تحطيم أو تأزيم ما يعجزه والنجاح يعطي الذات إحساس طيب وقناعة لكنها لا تدوم بفضل المنكدات التي لا تستطع الذات السيطرة عليها والتي تنتهي بالذات إلى قناعة مفادها أنها غير قادرة على إما السيطرة على الأشياء والعالم أو تحطيمهما لأن تلك مهمة لا يمكن إنجازها تماماً مهما بلغت قدرة الإنسان بإعتبار محدودية حياته. بل حتى لو نظرياً أصبح ذلك ممكناً لا يصبح في معية الذات أي عمل إضافي لتنجزه. لحسن الحظ أن من ضمن الأشياء التي يصادفها الوعي الذاتي (أي يصادفها الإنسان داخل وعيه) وعيه بوعي الآخر به وهنا الوعي الذاتي يعارض الوعي الذاتي للآخر (تخيل أن تقابل شخص فتفكر في كيف يفكر فيك)، وهنا لا يحاول الوعي الذاتي قمع وعي الآخر به (وإن أردت لا تستطيع إجبار وعي الآخر أن يفكر فيك بالطريقة التي تريد) بل يريده أن يحفظ له بعض الإعتبار أو الإحترام، ولكن الوعي الذاتي لا يرغب في مقابل ذلك أن يعتبر ويحترم وعي الآخر به طامعاً في إمتياز ما، وهنا يحدث داخل الوعي الذاتي صراع بينه وبين وعي الآخر به حول إختلافات مواقف الوعيين المرتبطة بإختلاف الشخصين أو على الأقل بروز الأنا في كلاهما وهنا في النهاية لا بد أن أحد الشخصين يسّلم بسطوة الآخر. هذه هي جدلية السيّد والعبد والتي قد أعود في المستقبل لإكمالها في هذا البوست أو في غيره. لكن سأتوقف في الوقت الحالي لظروف خاصة.
09-06-2017, 06:46 PM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
في عام 1922م، قام نيلز بور بإلقاء عدة محاضرات في ألمانيا عن تطور الفيزياء الحديثة. خريج جامعي عمره 21 عاما، يدعى وارنر هيزنبرج، أبدى ملاحظة هامة في أحد المحاضرات.
بهر بور بالشاب هيزنبرج. وطلب منه أن يرافقه في رحلة للتزلج على الجليد، لكى يناقش ملاحظته التي أبداها في المحاضرة. خلال الرحلة، عرض بور على الشاب وظيفة في معهد كوبنهاجن بعد تخرجه.
في عام 1924م، حصل هيزنبرج على شهادة الدكتوراه. قبِل العرض الذي قدمه له بور في معهد كوبنهاجن، كان عمره 23 سنة. هناك قابل لفيفا من علماء الفيزياء الشبان النوابغ، من كل أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وروسيا.
كانوا كلهم يقومون بدراسة الذرة. بينما نحن في بلادنا في ذلك الوقت، كنا ولا زلنا نقوم ببحث ما قاله الفقاء في ثواب طول اللحية وفضيلة طمس النساء. بعد عام واحد، عاد هيزنبرج لمعهد كوبنهاجن لكي يعمل كمساعد لماكس بورن رئيس قسم الفيزياء.
في معهد كوبنهاجن، بدأ هيزنبرج بدراسة خطوط طيف الذرات. لدراسة طيف أحد العناصر الغازية مثلا، يوضع الغاز في أنبوبة زجاجية، ليمر خلالها ضوء. الضوء الناتج من الأنبوبة يمر خلال منشور زجاجي.
يتحلل الضوء إلى ألوان الطيف المختلفة، لكن يتخللها خطوط طولية تختلف من عنصر إلى آخر. هذه الخطوط مميزة، يمكن منها معرفة العنصر. هذه الطريقة التى نعرف بها العناصر الكيميائية الموجودة في النجوم. عن طريق التحليل الطيفي.
كان هيزنبرج مهتما بإيجاد المعادلات الرياضية لخطوط الطيف الخاصة بذرة الهيدروجين. ذرة الصوديوم لها خط أصفر واحد. لكن ذرة الهيدروجين لها ثلاثة خطوط، خط أحمر وخط أزرق وخط بنفسجي. بينما غاز الهيليوم، له خطان أصفران يقتربان من بعضهما.
أثناء بحث هيزنبرج عن المعدلات الرياضية، اكتشف أنه يستطيع أن يستخدم فرعا جديدا من الرياضيات يسمى جبر المصفوفات، وعليه أصبحت دراسته لذرة الهيدروجين تعرف بميكانيكا المصفوفات.
من دراسة هيزنبرج لذرة الهيدروجين، اكتشف أن المقادير التي يمكن قياسها بالنسبة للإلكترون، مثل المكان أو السرعة، لا يمكن تمثيلها بالأرقام العادية كما تعودنا. بل يجب تمثيلها بطريقة المصفوفات التي لها جبر خاص بها.
اروين شرودينجر، أستاذ الفيزياء بجامعة زيورخ، قام بدراسة أبحاث دي بروجلي عن الموجة المصاحبة للإلكترون. ولاحظ شرودينجر أن دي بروجلي يقول: إن الموجة المرافقة للإلكترون، وهو يدور حول النواة، يجب أن تكون مغلقة، أي مقفولة على نفسها.
إذا وجد الإلكترون في مدار غير مسموح به، فإن الموجة لن تكون مقفولة على نفسها. هذا يفسر لنا لماذا توجد مدارات معينة مستقرة للإلكترون دون غيرها.
استخدم شرودينجر هذه الفكرة، وبنى عليها معادلات رياضية خاصة بالموجة. في البداية لم تتفق حساباته مع التجارب العملية. لكن أثناء أحد المحاضرات التى كان يلقيها، جاءت مناقشة مع الطلبة، أعطته فكرة كانت غائبة عنه.
عاد شرودينجر إلى معادلاته لمراجعتها. بعد شهرين، جاء بمعادلته الشهيرة الخاصة بذرة الهيدروجين، والتى تتطابق نتائجها مع التجارب العملية تماما ومع أعمال هيزنبرج. هذه المعادلة تسمى ميكانيكا الموجات.
هي أشهر المعادلات في الميكانيكا الكمية. شرحها بالتفصيل هنا يخرج عن نطاق هذه الدراسة. المهم هو أنها تصف حركة الإلكترون في مجال مشحون، مثل مجال النواة التي لها شحنة موجبة.
سنقوم باستخدام نفس التجربة التى أثبتت أن الضوء موجات. وهي عبارة عن مدفع إلكتروني أمامه حاجز به فتحتان. خلف الحاجز حائط. المدفع الإلكتروني يطلق مجموعة من الإلكترونات لتمر من الفتحتين وتصل إلى الحائط. ماذا نرى؟ خطوط كثيرة أفقية مضيئة وأخرى مظلمة في تداخل وتتابع. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا حيود الإلكترونات عن مسارها، وأنها موجات مثل الضوء.
الآن سوف نقوم بقفل إحدى الفتحتين وترك الأخرى مفتوحة. نترك المدفع يطلق الإلكترونات على الفتحة. ماذا حدث؟ لا تداخل وإنما خط أفقي واحد مضئ يمثل الفتحة. هذا يعني أن الإلكترونات تسلك سلوك الجسيمات في هذه الحالة. طلقات الرصاص سوف تفعل نفس الشئ.
تعال معي نطور التجربة بعض الشئ لكي نراقب الإلكترونات وهي تمر من الفتحتين. مثل التجربة الأولى. سوف نترك الفتحتين مفتوحتين. ونضع على كل منهما جهاز للكشف عن الإلكترون ومعرفة مساره. ماذا حدث في هذه الحالة؟ لا حيود. خطين فقط وليست عدة خطوط كما في الحالة الأولى. أى أن الإلكترون هنا عبارة عن جسيمات.
ماذا يعنى هذا؟ الإلكترون يكون جسيم عندما نقوم بمراقبته. وموجة عندما لا نراقبه ونتركه لحاله. هذه الخاصية تسمى "مبدأ عدم اليقين" لهيزنبرج. هذه المشكلة ليس لها علاقة بالخداع البصري أو بغبائنا. إنما هكذا تعمل قوانين الكون.
نعرف أن الإلكترونات، في تجربة الحيود، عندما تصيب اللوح الفوتوغرافي، تشكل حلقات متداخلة غامقة وفاتحة. مما يثبت الطبيعة الموجية لها. لكي نرى الحلقات، نحتاج لأعداد كبيرة منها.
لكن، ما معنى موجة دي بروجلي بالنسبة لإلكترون وحيد بمفرده. هذه الموجة، تجعله يحيد عن مساره الكلاسيكي ويتبع مزاجه الخاص ليتبوأ مقعدا في المنطقة المعتمة أو الرمادية من الحلقات وفقا لقوانين الاحتمالات.
دعنا نبحث مبدأ "عدم اليقين" لهيزنبرج بالتفصيل. الإلكترون جسيم صغير جدا يقترب من المفيش. كيف نستطيع قياس أبعاده؟ لكي نرى أي جسم، علينا أن نضيئه بطريقة ما. اظهر وبان عليك الأمان.
إضاءة أي جسم تعتمد على أبعاده وحجمه. أول ما يلزمنا للحصول على صورة واضحة، هو أن يكون طول موجة الضوء أصغر من أبعاد الجسم. طول موجة الضوء العادي تتراوح ما بين 0.4 و 0.8 ميكرون. الميكرون يساوي جزء من ألف جزء من المليمتر. لذلك هو يستطيع إضاءة أجسام بوضوح أبعادها لا تقل عن 2 أو 3 ميكرون.
لكن لو كان لدينا جسما قطره 2 ميكرون، فصورته تصبح مزغللة غير واضحة. وإذا كان قطره يساوي طول الموجة الضوئية، نحصل على نموذج حيود في شكل خطوط معتمة وفاتحة في تتابع، بدلا من صورة واضحة للجسم. أما إذا كان قطر الجسم أصغر من ذلك، فإن الضوء يمر عليه مرور الكرام، كأن الجسم غير موجود بتاتا.
الإلكترون يختلف حجمة عن حجم حبة تراب أو باكتيريا. الإلكترون حجمه أصغر مئات ملايين المرات من طول موجة الضوء. فكيف نلقي عليه الضوء وهو بهذا الصغر؟ ستصيبه حتة من الموجة، في هذه الحالة.
لحسن الحظ، لدينا أشعة جاما ذات الموجات متناهية الصغر. دعنا نحاول إنارة الإلكترون، لا بالضوء وإنما بأشعة جاما. النتيجة أننا لن نرى شيئا. كأن الإلكترون غير موجود، فص ملح وداب. حتى حلقات الحيود غير موجودة. مهما حاولنا، كل مرة نفشل في تصوير الإلكترون.
معادلة دي بروجلي تقول أن طول الموجة = ثابت بلانك مقسوما على كمية الحركة. هذا يعني أنه، كلما صغر طول الموجة، كلما زادت كمية الحركة.
عندما يصطدم الفوتون (الضوء) حبة التراب، يفرغ كمية حركته في حبة التراب وينعكس لكي نراه بأعيننا. حبة التراب، نظرا لكبر حجمها نسبيا، لن تتزحزح من مكانها. إذا كانت ساكنة، ستظل ساكنة. وإذا كانت متحركة، لن تغير من حركتها أو اتجاهها.
الإلكترون هنا شئ مختلف. كتلته لا تقارن بكتلة حبة التراب. كما أن كمية حركته صغيرة حتى لو سار بسرعة كبيرة. أشعة جاما لها كمية حركة أكبر آلاف ملايين المرات من كمية حركة فوتون الضوء.
عندما تصطدم أشعة جاما الإلكترون، لن تظهر حلقات الحيود. كما أن الإلكترون سيختفي من المشهد ويهرب في اتجاه ما. إذا تتبعنا الإلكترون الهارب، وعرفنا اتجاه فراره، لن نعرف سرعته. وإذا عرفنا سرعته أو أنه ساكن، لن نعرف مكانه. لماذا؟
عندما تصطدم أشعة جاما الإلكترون، الذي نريد تصويره أو دراسته، فأنت تتكلم عن تصادم قطار بعربة أطفال. هذا صحيح بالنسبة لكل أجهزة قياس حركة جسيمات الذرة المتناهي في الصغر.
نحن أمام حيرة وعدم دقة، أو عدم يقين، عندما نحاول القياس. ثم يأتي هيزنبرج عام 1927م، لكي يصيغ لنا قانونا من قوانين الميكانيكا الكمية، قانون أو مبدأ "عدم اليقين" المشهور. القانون يقول:
(عدم اليقين في قياس موضع الجسيم) X (عدم اليقين في قياس سرعته) أكبر من أو يساوي (ثابت بلانك ÷ الكتلة). هناك صيغة أخرى باستخدام ثابت بلانك المعدل.
فما معنى هذا الكلام الكبير؟
أولا، شئ من أساسيات علم الرياضيات.
إذا كان مقدار (س) مضروبا في مقدار (ص)، دائما أكبر من أو يساوي مقدار موجب، كما هو الحال بالنسبة لمبدأ هيزنبرج، ينتج عن ذلك الآتي:
إذا كانت س=صفر، فما قيمة ص التي تبقي على المعادلة سليمة؟
أية قيمة تأخذها ص في هذه الحالة، لن تحقق المعادلة، إلا إذا كانت قيمتها مالانهاية. حاصل ضرب صفر في مالا نهاية، يمكن أن يأخذ أية قيمة.
إذا أردنا معرفة الموضع بدقة مطلقة، يجب أن يكون عدم اليقين في قياس الموضع مساويا للصفر. في هذه الحالة، حسب معادلة هيزنبرج، يصبح عدم اليقين في قياس السرعة مالانهاية. أي لا يمكن قياسه.
كذلك، إذا أردنا معرفة السرعة بدقة مطلقة، يجب أن يكون عدم اليقين في قياس السرعة مساويا للصفر. في هذه الحالة، يكون عدم اليقين في قياس المكان مالانهاية، أي لا يمكن قياسه.
مبدأ عدم اليقين، أو الشك، أو الريبة، أو عدم التأكد، ظهر عام 1927م. يقول كده بصريح العبارة أننا لن نستطيع معرفة الحقيقة المطلقة. ماتحاولش. بيننا وبنها بون شاسع. تبخل علينا وتأبى أن تظهر لنا بالكامل. معرفتنا لطبيعة الأشياء لها حدود يا حضرت.
إذا عرفنا مكان الإلكترون، فلا يمكننا معرفة هل هو ساكن أم متحرك. وإذا عرفنا أنه ساكن أو متحرك وتأكدنا من ذلك، لا نعرف أين هو؟ الحقيقة المطلقة غير موجودة.
ماذا يحدث لو طبقنا مبدأ هيزنبرج على الأديان؟ كلها تدعي الحقيقة المطلقة، والحقيقة المطلقة غير معروفة لنا، كما يقول هيزنبرج. الإجابة على هذا السؤال، متروكة للسادة القراء.
إذا لم تكن الحقيقة المطلقة ممكنة، فما الذي يتبقى لنا؟ الحقيقة النسبية بالطبع. الحقيقة النسبية لها درجات. قد تقترب من الحقيقة المطلقة وقد تبتعد عنها بعد المشرقين، فهل هناك مقياس لقرب الحقيقة النسبية من الحقيقة المطلقة؟ نعم، ثابت بلاك مقسوما على كتلة الإلكترون، التي جاءت في مبدأ عدم اليقين لهيزنبرج. هو ثابت بلانك ورانا ورانا؟
هناك شئ يمنعنا من قطف التفاحة من شجرة المعرفة والتهامها بالكامل. المعرفة الكاملة المطلقة، ثمنها الطرد من الجنة. كتب علينا أن نظل دائما في شك وريبة. لن نستطيع التنبؤ بحركة الأشياء مستقبلا بدقة متناهية. لن نستطيع شراء اللحم مشفي. لابد من أخذ شوية عضم معاه. العظام هنا هي الشك وعدم اليقين.
ما معنى هذا كله؟ معناه أن الفيزياء لا يمكنها التنبؤ بدقة. ما بقي لنا هو احتمالات إحصائية. يمكننا التنبؤ بأنه من بين ألف مليون ذرة راديوم، عدة ملايين فقط هي التي ستقوم بالنشاط الإشعاعي.
لكن لا يمكن معرفة منْ مِن الذرات سيقوم بذلك. كما أننا يمكننا التنؤ بعدد الذين يقتلون في حودث السيارات كل عام، لكننا لا نعرفهم بالاسم مسبقا.
لم يكن مبدأ هيزنبرج بالأمر السهل. لم يصدقه الكثير من العلماء في أول الأمر . أينشتاين نفسه، في بادئ الأمر، يقول إن الله لا يلعب النرد. لكن العلماء لم يجدوا مندوحة من قبول مبدأ عدم اليقين.
لكن أين المشكلة يا سادة؟ هل هي في أجهزة القياس أم في طبيعة الإلكترون؟ الميكانيكا الكلاسيكية لم تواجه بمثل هذه المدلهمة العظمى. الميكانيكا الكلاسيكية جعلتنا نضع إنسانا فوق سطح القمر ونعيده سالما. قياس سرعة الصاروخ ومكانه كانت تتم بدقة بالغة.
هيزنبرج يخبرنا أن المشكلة تكمن في دقة أجهزة القياس المستخدمة. أجهزة قياس عالم الذرة، تختلف عن التلسكوب الذي نستخدمه للنظر لأقمار كوكب المشتري. نحتاج كلاهما بالطبع.
حواسنا لها حدودها. لم نر التليسكوب يغير من حركة الأقمار بمجرد النظر إليها. لكن عالم الذرة يفعل العكس. إرسال شعاع، مهما صغر طول موجته، للكشف عن الإلكترون، يغير من مساره ومكانه وسرعته. مبدأ عدم اليقين يضع حدود لدقة المشاهدة.
علماء فيزياء آخرون، يقولون: لا. بل المشكلة في الإلكترون نفسه. عالم الذرة له قوانينه الخاصة. لا يتطلب أجهزة لكي يوجد. معادلة دي بروجلي تقول، إن طول موجة الإلكترون لا تعتمد على مكان الجسيم. لذلك، سرعته لا يمكن أن تعتمد على مكانه.
فشل الأجهزة، سببه طبيعة موجة الإلكترون. فمن السبب في الحب، القلب والا العين؟ هل هو قصور أجهزة القياس، أم طبيعة موجة الإلكترون العصية على القياس؟ بصريح العبارة، يجب لوم الإثنين معا، مناصفة.
وللحديث عن عالم الميكانيكا الكمية بقية، فإلى اللقاء.
منقول : محمد زكريا توفيق
10-03-2017, 08:42 AM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
عدد المشاهدات حتي اليوم 129015 في خلال 394يوم من عمر البوست بمعدل اكثر من 300 مشاهدة في المتوسط مما يعني قراء بعينهم يتابعون البوست بحرص مستدام ومواظب لم يبقي سوي وجهة النظر الفلسفية المبنية علي حطام السببية بعد ان وصلنا لعدم اليقين كمبدا لا مندوحة عن قبوله خارج عالم المقاييس الموضوعة قسرا
10-03-2017, 07:11 PM
محمد على طه الملك
محمد على طه الملك
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 10624
على الرغم من إنك اتجهت بالبوست اتجاه علمي عميق.. ليسر من اليسر لامثالنا من ناس الدراسات الأدبية تقصي منحياته الدقيقة .. بس ما تركت متابعته .. استوعب ما استوعبه وأتامل فيما استشكل علي دون تعقيب .. بحساب الربح والخسارة فقد ربحت معارف بطريقة ميسرة .. ممنون .
10-04-2017, 11:27 AM
عبداللطيف حسن علي
عبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة