(هنالك طريقتان للإبداع الموسيقي 1- الطريقة التجريبية (experimental approach): وهي أن يتلمس الفنان طريقه بالتدريج معتمداً على ذاته، وهو هنا يعمد إلى الإبداع بوعيه الفطري المتشرب من البيئة، سيبدأ ببطء متلمساً لطريقه بالمقارنة والتفضيل متنقلاً من بداية لحن إلى آخر حتى يجد في النهاية ما يقتنع به ثم يبني على أساسه شيئاً فشيئاً، ورغماً عن عدم اتباعه لقواعد محددة إلا أنه يلتزم بالقواعد العامة للذائقه الموسيقية في بيئته مع تمتعه بهامش عريض للإبداع، لذا تجيء أعماله الموسيقية متناغمة مع مطلب الجمهور الذي يتفاعل معها ويجد فيها بغيته، وهذه العملية تراكمية ينتهي معها الإبداع إلى أن يصبح عملية فطرية سريعة جداً بمجرد التوصل إلى القواعد الضمنية التي تحكم العناصر الموسيقية في بيئة محلية، وهي ذات القواعد التي يتم تدريسها بطريقة منظمة في الطريقة الثانية.
2- الطريقة التلقينية (guided approach): وفيها يتم تعليم تاريخ الموسيقى وأساسياتها وقواعد التأليف والكوردات وتشكيلاتها والمقامات وأنماطها وبحسب التخصص فقد يعجز من يقوم بتعليم هذه المفاهيم عن التأليف والإبداع بينما ينتظر من طلابه أن يصبحوا من كبار الموسيقيين وهذا لا يحدث غالباً، فهناك الكثير من عباقرة الموسيقى ممن لم يحظون حتى بفرصة للتعليم الأساسي "القراءة والكتابة" وهذا يخرق القاعدة في أن الموسيقى يجب أن تدرَّس، فما يحدث هو أن الدارس لن يكون محايداً أو يطلق حريته في هذا الجانب الإبداعي إلا بمراقبة ما تعلمه، نعم سيبدأ بداية صحيحة "حسب النظرية" لكنه سيبطيء كثيراً في الجانب الإبداعي بسبب التردد في الاختيارات مراعاة للقواعد فهو قد تم تلقينه بأن هذا سلم دو ميجور وتأثيره كذا وهذا الكورد الفلاني يستخدم في حالة كذا وغيرها من المهارات، ثم يترك الدارس لكي يستوعب كل ذلك ثم يفكر بعدها في الطريقة "المثلى" لمزج هذه المهارات والمثلى هذه ستجيء في النهاية على مزاج واضع النظرية تحديداً، وما يزيد الأمر سوءاً استمرار الدارس في التلقي بدون إتاحة الفرصة للمهارات الطبيعية، فحتى لو بدأ الدارس بفكرة لحنية معينة سيتردد في المضي فيها إلى النهاية بكل حرية بسبب من تداخل ملكة الإبداع مع قيد القاعدة الأكاديمية وهنا لن يستمع الدارس إلى عقله المبدع بل سينحاز إلى الجانب الذي تلقى منه قوانين الإبداع.
إذن، تصبح حقيقة السؤال أعلاه (هل من الضروري دراسة نظرية الموسيقى؟) والحقيقة أن هنالك الكثير من الجدل حول أهمية الدراسة النظرية، فرافضيها يعللون بأنها تضر بملكة الإبداع للفنان وهي بذلك مضيعة للزمن عبر استغراقه في حفظ القواعد والقوانين.
عن نفسي، اختصر وأقول أن نظرية الموسيقى بهيئتها الحالية تعبر عن الفن من منظور غربي يهتم أساساً بمسألة التناغم (الهارموني) وتعدد الخطوط اللحنية في نهج هو أساساً إرث تاريخي له ما يسنده وضارب في الحضارة الغربية اجتماعياً وعقدياً بينما موسيقانا تهتم باللحن المجرد النابع من تقاليدنا لذلك فبساطة النسج الموسيقي (texture) لموسيقانا تتيح لغير الدارس الإبداع غير المحدود فهو غير مطالب بتأليف سنفونية عبر الأسلوب التجريبي لكنه بالتأكيد قادر على "اكتشاف" ما يؤثر على عواطف الناس بكل أريحية وهذا بالتأكيد يترجم إلى حسن اختياره للآلات الموسيقية والألحان والأجزاء المناسبه لها وهو "التوزيع" بصورة أو أخرى بخلاف الدارس الذي ينحاز من البداية إلى قواعد لم توضع في الأساس لمراعاة بيئته المحلية، فحتى مفهوم الهارموني ليس الانسان في بيئتنا على استعداد للتفاعل معه كما يفعل الأوروبي لذلك فدائماً تجيء المزاوجة بين الألحان المحلية في القوالب الغربية على غير ما يشتهي الدارس وعلى النقيض مما ينتظره المستمع.)
هذه مساهمه ممتازه حقيقة، ولكنها قراءه قدمت الكثير من المؤسسات الموسيقيه اجابه ممتازه عليها. بحكم قربي من (نويانجلاند كونسرفتوري) و (بيركلي) و(براون) رغم ان الحوار بين حول ثقافة القرن التاسع عشر في تعليم الموسيقي (وبقية الفنون بالمناسبه) تم التقدم عليه بصوره عامه ، لكن لايزال يرد هنا وهناك!
مدارس الفنون انتبهت الي الغناء في التعدد والتجريب وفعلوه . اتمني الاطلاع علي هذا الفيديو ... وقراءه رسالة مدرسة نيوانجلاند الكونسفتوريه- وكلية بيركلي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة