حملة لوقف ترشيح مصر لمنصب سكرتير عام منظمة اليونسكو

Quote: مصر واليونسكو... بعد الثورة! محمد سلماوي: ليس أدل على أن مصر تغيرت بعد الثورة من الأسلوب الجديد الذى اتبعته الحكومة فى الإعلان عن مرشح مصر لمنظمة العلوم والتربية والثقافة التابعة للأمم المتحدة «اليونسكو» ففى ساحة المتحف المصرى العتيد وفى قلب ميدان التحرير الذى بهر العالم بثورته فى 25 يناير وفى 30 يونيو اجتمع العشرات من المثقفين والكتاب والفنانين والصحفيين ورجال الإعلام والسفراء وأعضاء مجلس النواب والوزراء والمسئولين فى تقليد غير مسبوق للمشاركة فى الاعلان عن المرشح المصرى لمنصب المدير العام لليونسكو، ووسط هذا الحشد الكبير وفى هذا الموقع المهيب دار النقاش حول اليونسكو ودور مصر الثقافى على الساحة الدولية شارك فيه الدكتور مصطفى الفقى والدكتور عبد المنعم سعيد والدكتور هشام الشريف وكاتب هذه السطور وجرت مداخلات قيمة من وزراء التعليم العالى والثقافة والآثار، ثم أعلن رئيس الوزراء على الحضور ترشيح مصر السفيرة مشيرة خطاب مديرا عاما لليونسكو. ولقد كنت قريبا من الحملة الانتخابية لمرشح مصر السابق لليونسكو الفنان فاروق حسنى وشرفت بأن كنت مستشارا خاصا له فى هذا الشأن، بعد أن اتخذت السلطة السياسية قرارها بترشيحه لما له من مكانة ثقافية مرموقة ولما لمصر من تاريخ حضارى عريق يؤهلها لذلك، ولا شك أن القرار كان صائبا قياسا على النتيجة التى حققها المرشح المصرى الذى تمكن من الحصول على أعلى الأصوات من بين جميع المرشحين طوال الجولات الأربع الأولى للتصويت إلى أن تدخلت الولايات المتحدة بشكل سافر مدفوعة برفض إسرائيل التى أطلقت على المرشح المصرى أبواق الصهيونية العالمية بقيادة برنار هنرى ليڤى وإللى ڤيزل اللذين قادا حملة مسعورة ضد المرشح المصرى فى أجهزة الإعلام الفرنسية، وهكذا جاءت تلك النتيجة المفاجئة فى الجولة الخامسة بفوز المندوبة البلغارية كالحة المظهر والمخبر إيرينا بوكوفا بفارق بضعة أصوات تعد على أصابع اليد الواحدة.على أن هذا القرار الصائب اتخذته الحكومة وفق حساباتها الخاصة، ولم يكن بالطبع للمشاركة الشعبية دور في تلك الحسابات بأى شكل من الأشكال، فمثل هذه المشاركة لم تكن من سمات ذلك العهد حيث كانت مثل هذه القرارات من اختصاص السلطة السياسية وحدها. أما فى المرة الأخرى التى ترشحت فيها مصر لليونسكو فى شخص المثقف البارز الدكتور إسماعيل سراج الدين، فقد قادت حسابات السلطة السياسية إلى قرارها بالإحجام عن تأييده وذهبت بدلا من ذلك لتأييد مرشح المملكة العربية السعودية الشاعر الراحل غازى القصيبى الذى لم يفز فى النهاية بالمنصب. ولقد سبق الإعلان عن ترشح مصر لليونسكو هذه المرة مشاورات قامت بها وزارة الخارجية المصرية منذ نهايات العام الماضى، فشكل وزير الخارجية فريق عمل لهذا الغرض وقام بنفسه باستطلاع رأى المثقفين المعنيين بالموضوع، وقد شرفت أن كنت أحد المشاركين فى تلك الحوارات التى ضمت عددا من الشخصيات العامة كان من بينها الكاتب الراحل جمال الغيطانى والأستاذ شريف الشوباشي وغيرهما، كما تم استطلاع آراء الدكتور إسماعيل سراج الدين والدكتور مصطفى الفقى والدكتور جابر عصفور وغيرهم. وعلى صعيد آخر بذلت وزارة الخارجية جهودا كبيرة فى استطلاع رأى الدول أعضاء المجلس التنفيذى لليونسكو الذى يقوم بانتخاب المدير العام، وهم 58 دولة، كما تحركت الخارجية أيضا على المستوى الإقليمى فى القارة الأفريقية وتمكنت من الحصول على تأييد القمة الأفريقية الأخيرة فى كيجالى، وبذلك أصبحت المرشحة المصرية هى مرشحة الدول الأفريقية. أما عن المرشحة ذاتها السفيرة مشيرة خطاب فهى بلا شك اختيار موفق فهى تمثل نوعا نادرا من السفراء الذين يتخطى نشاطهم حدود العمل الدبلوما سى إلى رحاب الخدمة المجتمعية بشكل عام، فقد انشغلت طوال عمرها بالقضايا العامة وخاصة ما يتعلق بالتعليم والمرأة والبيئة وليس فقط ما يتعلق بالثقافة، والحقيقة أن عمل اليونسكو لا يقتصر على الثقافة وحدها كما يتصور البعض، وإنما يتعلق أيضا بالتربية والتعليم والعلوم والبيئة والتراث، بل إن ذكر الثقافة فى الإسم المختصر للمنظمة الدولية لا يجيء إلا فى النهاية بعد التعليم والعلوم، وليس بالضرورة أن يكون مدير عام اليونسكو من المبدعين فى المجال الأدبى أو الفنى، ومن بين المدراء العشرة الذين عرفتهم المنظمة منذ قيامها عام 1945 لم يكن هناك أى أدباء أو فنانين أو موسيقيين، ابتداء من أول مدير عام للمنظمة عام 1946 البريطانى سير جوليان هكسلى الذى كان عالم أحياء إلى المديرة الحالية وهى دبلوماسية منذ بدأت حياتها العملية، مرورا بلوثر إيفانز الأميريكى وقد كان متخصصا فى العلاقات الدولية، وڤيتوريو ڤيرونيزى الإيطالي وقد كان محاميا، وفيديريكو مايور الأسبانى وقد كانت دراسته فى الصيدلة. وتتمتع مشيرة خطاب بتعدد المعارف والاهتمامات، وقد كان لها اتصالات واسعة بالكثير من المنظمات والهيئات الدولية من خلال عملها كأمين عام المجلس القومى للطفولة والأمومة حيث قادت حملة قوية نجحت من خلالها فى وقف الزواج المبكر للفتيات تم على أثرها تعديل قانون الأحوال الشخصية ليصبح سن الزواج الآن فى مصر هو 18 عاما، وهى واسعة الاطلاع وعلى درجة كبيرة من الثقافة، وقد أتاح لها عملها الدبلوماسى ميزة الانفتاح على العالم من أوروبا والولايات المتحدة إلى أفريقيا، وجمعتها علاقات وثيقة بالعديد من الشخصيات الدولية وفى مقدمتهم نيلسون مانديلا وقت كانت سفيرة لمصر فى جنوب أفريقيا والكاتب المسرحى المرموق ڤاتسلاڤ هاڤل رئيس التشيك وقت كانت سفيرة لمصر فى بلاده. وربما كنت من القليلين الذين يعرفون ما لا تبوح به كثيرا مشيرة خطاب من أنها كانت رافضة للمنصب الوزارى بعد أن كان بان كى مون السكرتير العام للأمم المتحدة قد أعرب عن رغبته فى تعيينها مساعدة له لشئون المرأة لكن القيادة السياسية - التى لم تكن تربطها بها أى علاقة - رأت آنذاك أن مصر أولى بها. وأخيرا فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تلك الفاعلية الثقافية العامة التى شهدت الإعلان عن المرشح المصرى لليونسكو جرت فى ميدان التحرير الذى خرج اليه الشعب المصرى فى 25 يناير وفى 30 يونيو مطالبا لمصر بالمكانة المرموقة التى تستحقها بعد أن تراجعت مكانتها على مدى السنين عربيا وأفريقيا ودوليا، فقد جاء ذلك الترشيح فى جانب منه استجابة لتلك المطالبة. لمزيد من مقالات محمد سلماوي