( وردي والسّياسة ) حكايات ، صور وألـحان نادرة جدّاً ( نوفـمبـر ، أكتوبـر ، مايو ، يوليو ويونيه )

كثيـراً ما فكّرت في فتـح هذا الـملف
سرد قصّة وردي الفنّان منذ بداياته
ووردي والسّياسة وعلاقته بـها
سردها كـما سـمعتـها منه وكـما أعرفـها
وتقديـم نـماذج لتلك القصص والفتـرات
صور ، قصاصات وألـحان معروفة لعدد كبيـر من النّاس
لكنّـها تكاد تكون معدومة
وجدت أصوات معارضة للفكرة
وتساند فكرة عدم نشر تلك الأعـمال النّادرة القيّـمة
وأصوات ترى أنّ جـميـع أعـمال وردي
الـمعروفة والنّادرة
يـجب أن ترى النّور
وكنوع من الـتّوثيق
لذا
إخترت حكـي الـحكايات
لكن بلا تفصيل دقيق
وبـمرور سريع علـى الـحقب الزّمنيّة
والأحداث الأهـم
والأجدر بالذّكر
وتقديـم الـنّـماذج الـخاصّة بتلك الـحكايات

1- وردي والاستقلال والبداية الفنّيّة
2- وردي و17 نوفـمبـر ( عبّود )
3- وردي وثورة أكتوبـر
4- وردي ومايو ( نـميـري )
5- وردي و19 يوليو ( هاشـم العطا )
6- وردي وإنتفاضة أبريل
7- وردي و30 يونيه
8- وردي واعتزال السّياسة
وبيـن كُلّ تلك الـحِقَب
ستـرِد حكايات بعض الأُغنيات
والـتـي ستتطلّب الـمناسبات سرد حكاياتـها

سبـحان الله
قبـل رحيـله بشـهور قليـلة
جلست إليه
وحدّثته بأنّنـي أفكّر فـي إصدار كتاب
يـجـمع جـميـع أعـماله
من أسـمر اللونا وإلـى شـمس الشّـموس ( زفّة عروس )
النّصوص ، التّواريـخ ، الشّعراء وقصص بعضـها
وكانت قد لفتت نظري الأخطاء الكثيـرة الـمنتشرة
فـي نصوص وكلـمات الأغانـي والأناشيـد
نسب الأعـمال لشعراء غيـر شعرائـها
وكذلك بعض الألـحان أحياناً
تقديـم قصص غيـر القصص الـحقيقيّة لتلك الأعـمال
فقلت له إنّ ذاك الكتاب سيكون بـمثابة مرجع
مرجع لـجميع أعـمال وردي
فشـجّعنـي بعد أن راقت له الفكرة
لكن لـم تـمض إلاّ حوالـي ثلاثة شـهور
ومشـى لباحات الـخلود
آخذاً معه كُلّ أفكاري وخواطري

دخلت عليه
فوجدته يـجلس وحيداً
جلست بـجانبه
وقلت له:
تعرف أنّنـي علـى إلـمام تام بتفاصيـل كُلّ الأعـمال
لكن حيث أنّ الأمر أمر توثيق
أريدك أن تـمرّ معـي علـى القائـمة كاملة
لتأكيد إسـم شاعر كُلّ عـمل
وبدأنا مباشرةً
الأغنية الفلانيّة .. فلان الفلانـي سنة كدا
الأغنية الفلانيّة .. كتبتـها أنا ذاتـي
وهكذا
أكـملنا القائـمة
وعرّجنا علـى قصص بعض الأُغنيات
فقاطعنـي
أنا ما عارف السّواق دا مشـى ويـن
كدي يلاّ ودّينـي لعوض حْـمودي
ونتونّس فـي السّكّة
وقد كان

نبدأ الـحكاية
اليوم
19 يوليو
الـتّاريـخ الذي له علاقة عـجيبة معه
الرّقـم 19
والشّـهر يوليو
فقد كان تاريـخ مولده هو
19 يوليو 1932
وعندما دخل الإذاعة
لتقديـم أوّل أعـماله
كان ذلك فـي
19 يوليو 1957
يوم عيـد مولده الـخامس والعشريـن
ثُـمّ علاقته بـ 19 يوليو 1971
ورحيـله فـي يوم 19 كذلك
ولكن من شـهر فبـرايـر

وجب أن أضيف لـموضوع علاقة يوليو بوردي
أنّه أسـمـى إبنته ( جوليا )
تيـمّناً بـ ( July ) جولاي ، أو يوليو
وجوليا تأتـي قبـل آخر العنقود مظفّر
وأبناء وبنات وردي

صباح
عبد الوهاب
حافظ
حسن
جوليا
ومظفّر
وكـما نرى فإنّ جـميع الأسـماء تقريباً
لـها علاقتـها بأهـل الفنّ والشّعر

عاطف
سلامات

الله أكرم
وكُلّ عام وأنتـم بـخيـر

أهلاً بك يا عزيـزي
وربّنا يقدّرنـي أطلّع كُلّ الـتّفاصيـل
فالتـّركة عظيـمة
والسّيـرة ثريّة
شاكر لك حُسن ظنّك







مودّتـي وتقديـري

جاء إلـى الـخرطوم
خرطوم عثـمان حسيـن ، حسن عطيّة ، رمضان حسن وأحـمد الـمصطفـى
وعينه علـى إبداع أهل أم درمان
عبد الرّحـمن الرّيـح ، إبـراهيـم عوض ، الطّاهر إبـراهيـم ، ودّ الـحاوي
وسكن الـخرطوم
إجتـهد جدّاً ليتعرّف علـى أهل الطّرب
فساعده إبن خالته أحـمد مـحـمود
كبيـر الـمصوّريـن بوزارة الإعلام وقتـها
ساعده فـي التغلغل فـي الوسط الفنّـي
قام بالغناء فـي جلسات
غنّـى لإبراهيـم عوض
وغنّـى لعثـمان حسيـن
وغنّـى لـحسن عطيّة
وبدأ فـي الدّخول لعالـم الفن
والتّعرف علـى أهله
فبدأ من الـخرطوم أوّلاً
فالتقـى بالـملـحّن خليـل أحـمد
وعازف الـكـمان علـي ميـرغنـي
والشّاعر إسـماعيـل حسن
كانت هذه الكوكبة معه هـي نقطة الإنطلاق

الـملّحّن خليـل أحـمد



وردي وعازف الكـمان علـي ميـرغنـي

كان الـجّو العام مشـجّعاً
والبلاد قد نالت استقلالـها منذ عام ونصف العام
كان سعيداً لكون البلاد تـحرّرت من الاستعـمار
وكان هذا فـي حدّ ذاته دافعاً له
السّاسة كانوا يستقطبون النّاس
لكن هـمّه الأوّل كان حلـمه الـمتعلّق بالغناء
فتقدّم للإذاعة لإجازة صوته
بعد ذلك توالت الـجّلسات
فكتب له إسـماعيـل حسن أوّل قصيدة غنائيّة
ولـحّنـها له خليـل أحـمد
الـحُب والورود ( يا طيـر يا طاير )
ثُـمّ اسـمع وردي خليـل أحـمد وإسـماعيـل
لـحنيـن بكلمات نوبيّة
فأدخل خليـل الـتّعديلات علـى اللـحنيـن
ونظـم إسـماعيـل عليهـما الكلـمات
فإكتـملت بذلك قبـل الوداع ( يا سلام منّك أنا آه )
ويا سـمارة الليلة يا سـمراء
وتقدّم وردي لتسجيل تلك الأُغنيات للإذاعة
كأوّلـى أغنياته
كان ذلك فـي يوم ميلاده الـخامس والعشريـن
يوم 19 يوليو 1957
ليستـمع النّاس لصوت ذلك الشّاب الـنّـحيـل
عبـر الـمذياع
وينـجح وردي فـي خطوته الأولـى
فيصبح فنّاناً رسـميّاً
وتنفتـح له طرقات تـحقيق حلـمه

وردي بيـن عثـمان حسيـن والزّعيـم الأزهري



وردي وسط كوكبة من أهل الفن مع الأزهري

بعد الـجّلسات الـمتوالية
مع إسـماعيـل وخليـل
أحسّ وردي أن أمر الـتّلحيـن ليس بالأمر الصّعب
فقرّر أن يـحاول
وجلس يغازل الأوتار
وبعد أن تكوّن له لـحن شبه مكتـمل
وجد أنّ تركيب كلـمات علـى اللـحن
وجب أن يكون من صنعه هو
ليتـماشـى مع اللـحن
ولتكون الصّناعة ورديّة كاملة
شعراً ولـحناً
فكتب الكلـمات وألّف اللحن
لأغنية ليالــي اللقاء ( أوّل غرام )
ثـم قرّر أن يعرضه علـى خليـل أحـمد
كان خليـل أحـمد يعـمل فـي مـحطّة وقود
فذهب إليه وردي هناك متـحـمّساً
واسـمعه الكلـمات واللـحن
لكن رد خلـيل كان مـحبطاً لوردي
فقد بادره بعد استـماعه قائلاً :
دا شنو الكلام الفارغ دا ؟
الأمر الذي أغضب وردي
ووضع النّهاية الـمبكّرة لتعاونه وتعامله مع خليـل
اسـمع وردي أوّل غرام لـمن حوله
من عازفيـن ومعارف
ولـمّا وجد الـتّشجيع
قرّر تسـجيلـها رسـميّاً فـي الإذاعة
وفـي الإذاعة عند تقديـمـها
كان لـمـحـمّد صالـح فهــمـي قصّة مع وردي

مـحـمّد صالـح فـهـمـي

قال وردي إنّ الإذاعة ولـجنة نصوصـها
كانت متمثّلة فـي شـخص مـحـمّد صالـح فهـمـي
أمسك فهـمـي بالورقة
ووجد مكتوباً فـي ترويستـها
ليالــي اللقاء
كلمات وألـحان وأداء مـحـمّد وردي
فسأل وردي : الأُغنية دي كلـمات منو ؟
وردي : كلـماتـي أنا
فهـمـي : وألـحان منو ؟
وردي : ألـحانـي أنا
فهـمـي : وأداء منو ؟
وردي أدائـي أنا
فرمـى له فهـمـي الورقة قائلاً :
روح إنت ما عاوز النّاس تاكل عيش معاك ولاّ إيه ؟؟؟
فانصرف وردي
ليتّفق مع عازف الكـمان علـي ميرغنـي
بأن يسـجّل كلـمات الأغنية بإسـمه
ليتـمّ قبول الأغنية
ويفتـح بـها وردي
باب تلـحينه لأعـماله
وكذلك باب كتابته لكلـمات الأغانـي
باللغة العربيّة

كان هذا الـحدث كذلك
سبباً لوردي
أن يرى ألاّ يغلق نفسه
فقط فـي عالـم إسـماعيـل حسن
وكذلك سبباً لعلـي ميـرغنـي
ليتعامل مع وردي
علـي ميـرغنـي يبرز موهبته الشّعريّة
فيكتب كلـمات أغنيتين
ويعرضهـما علـى وردي
ويقوم وردي بتلـحينهـما
النّسيـم السّاري ( ليه نسيت أيّامنا )
وقصّة حُب ( حِبّـي حُبّك شاغلنـي )
ثُـمّ يتّـجه وردي للشّاعر كمال مـحيسـي
ويلـحّن له أغنية
جـمال الدُّنيا ( بشوف فـي شـخصك أحلامـي )
ولا ينسـى وردي كوكبة أم درمان
وحلـمه بإختـراقـها
فيتعامل مع عازف الأوكورديون
عبد اللطيف خضر الـحاوي
ويتّـجه لعبد الرّحـمن الرّيـح
الذي كتب لوردي ولـحّن
أسعد الأيّام
ولـحّن وردي كذلك
من كلـمات عبد الرّحـمن الرّيّح
حائر فـي أمري معاك
ثُـم يرى وردي نـجاح الـملـحن برعـي مـحـمّد دفع الله
مع عبد العزيـز مـحـمّد داؤود
ومع غيـره
ولا يقفل وردي باب التّعامل مع إسـماعيـل
فيغنّـي لإسـماعيـل من ألـحان برعـي
الوصيّة ( حلّفتك يا قلبـي )
ليكون عاما البداية
1957-1958
عامان لإنتاج غزير
وإنطلاقة قويّة
قدّم فيـهـما وردي أعـمال كثيـرة
لإسـماعيـل حسن ولغيـره من الشّعراء
ومن ألـحانه وألـحان غيـره
فكانت مـجـموعة من الأعـمال
فـي هذيـن العاميـن
والأعوام الـتـي تليهـما

توبة من كلـمات الـجّيلـي مـحـمّد صالـح
وألحان وردي

صدفة من كلـمات إسـماعيل حسن
وألحان وردي

يا قاسـي يا ناسـي من كلـمات إسـماعيل حسن
وألحان وردي

يا حلو من كلـمات إسـماعيل حسن
وألحان وردي

الـحِبيّب من كلـمات الـجّيلـي مـحـمّد صالـح
وألحان وردي

نور العين من كلـمات إسـماعيل حسن
وألـحان وردي

يا ناسينا من كلـمات حسن عبد الوهاب
وألحان وردي

وعودة لكوكبة إبراهيـم عوض
سليـم الذّوق من كلـمات إبراهيـم الرّشيد
وألـحان وردي

حرّمت الـحب والرّيدة
من كلـمات وألـحان الطّاهر إبراهيـم

عذّبـنـي من كلـمات مـحّـمد يوسف موسـى
وألـحان وردي

لو بـهـمسة من كلـمات إسـماعيل حسن
وألـحان وردي

وقد تـمّت كتابتـها وتلـحينـها
علـى ظهر باخرة متّجهة لـمصر
كانت تـحـمل وردي وإسـماعيـل

وفـي الرّحلة سـجّل وردي فـي مصر
بعض أعـماله فـي ستوديوهات مصريّة
وإلتقـى بنـجوم الفن الــمصري
وقدّم نفسه كفنّان سودانـي صاعد


ونواصل فـي الغد الـمرحلة القادمة
مرحلة إنقلاب عبّود

قرّر وردي تأليف نشيد لـحركة نوفـمـبر
فكتب الـمقاطع الأربعة الأولـى من النّشيد
وطلب من إسـماعيـل حسن إكـمالـها
وبعد أن إكتـمل النّص واللـحن
ذهب وردي للإذاعة
فصادف هناك الوزيـر طلعت فريـد
فقال له وردي :
عندي نشيـد جديـد للثّورة
فردّ عليه طلعت فريـد :
يا إبنـي ما إسـمها الثّورة
إسـمها حركة الـجّيش الـمباركة
فأجابه وردي : دي عبارة ما غنائيّة
طلب طلعت فريد من وردي الإنتظار
وإتّصل بـمجلس قيادة الثّورة
وأخبـرهم بـما دار بينه وبيـن وردي
وأنّ وردي يلـحّ علـى تسمية الـحركة "ثورة"
فطُلب من طلعت فريد أن يوافق علـى تسـجيـل النّشيـد
فتـمّ الـتّسجيـل
ليدخل وردي عالـم الغناء السّياسـي
وبالتّالـي عالـم السّياسة
وتـمّ نشر كلـمات النّشيد
علـى الصّـحف

وهذا هو مطلع النّشيـد النّادر جدّاً 17 نوفـمبـر

بعد أن تـمّ إذاعة النّشيـد
وانتشر نصّاً ولـحناً

قال وردي :
كنت فـي السّادسة والعشرين من العـمر
ولـم أكن ناضـجاً فكريّاً ولا سياسيّاً
هذا بالإضافة لطبيعتـي الرّيفيّة
والـي ساهـمت كذلك فـي عدم إلـمامـي
بخفايا وخبايا دنيا السّياسة
ولـم أكن أتبع لأيّ تنظيـم سياسـي
لكن
فـي مطلع عام 1959
تعرّضت وأنا أغنّـي فـي حفل فـي جامعة القاهرة
تعرّضت لـهـجوم وهتاف من طلبة الـجّامعة
الذيـن هتفوا ضدّي
واعتبرونـي فنّان الفاشيست
ثُـمّ وقعت مـحاولات إنقلابيّة ضد نظام عبّود
أوّلـها فـي مارس 1959
وقام بـها الأميـرالاي عبد الرّحيـم شنّان

وفـي يونيه 1959
كرّر شنّان الـمحاولة
ومعه الأميـرالاي مـحـيـي الدّيـن أحـمد عبد الله

ثـمّ مـحاولة 9 نوفـمبـر 1959
والتـي قام بـها يعقوب إسـماعيـل كبيدة
ومعه علـي حامـد

نبّهتنـي تلك الأحداث وتلك الـمحاولات الإنقلابيّة
لأنّ نظام عبّود بالـتّأكيد ليس نظاماً مثاليّاً
وبالأخصّ بعد إعتقال وإعدام رموز وطنيّة وسياسيّة
كالأزهري والـمـحـجوب
ثُـمّ عبد الـخالق مـحـجوب
فأيقنت أنّ دعمـي العفوي وغنائـي لـ 17 نوفـمبـر لـم يكن سليـماً
وتوقّفت عن أداء النّشيـد
ولـم أعد لتأليف نشيـد جديـد
إلاّ فـي مطلع عام 1961
إحتفالاً بـمرور خمسة سنوات علـى الاستقلال
قـمت بتلـحيـن نشيد الاستقلال
للشّاعر عبد الواحد عبد الله يوسف

بعد غيبة
نواصل












رحـمك الله يا وردي

فـي أواخر العام 1961
بدأت حكومة عبّود قضيّة السّد العالـي وتـهـجيـر أهالـي حلفا
وبدأت إجتـماعات النّوبيّيـن تنعقد هنا وهناك
وكانت بعض هذه الإجتـماعات تتـمّ فـي بيـت وردي
وكذلك بيـت جـمال مـحـمّد أحـمد
ثُـمّ إنطلقت الـتّظاهرات الـمناهضة لـحكومة عبّود
وكان وردي من أبرز الـمتظاهريـن
فتـمّ إعتقاله مع مَن أُعتُقِلوا
لكن فشلت عـمليّة الـتّحرّي معهـم
وذلك لكونهـم إتّفقوا أن يدّعوا عدم معرفتهـم بالعربيّة
ويقول وردي:
الطّريف أنّ الـمتـحرّي عبد الـمنعـم شاويش
قال لـي :
إنت يا وردي مدرّس عربـي
وبتغنّـي بالعربـي
فكيف يعنـي ما بتعرف عربـي ؟
وفـي نـهاية الأمر
حوكم وردي بسنة حُسن سيـر وسلوك
وألاّ يُغنّـي أو تذاع أغنياته لـمدّة شـهر
كانت علاقة وردي بطلعت فريـد مـمتازة
وكان هذا الأمر يساعد وردي كثيـراً
ويـجنّبه الكثيـر من الـمشكلات مع النّظام
إلاّ أنّ ذلك الأمر لـم يغيّـر من أمر معاداة وردي للنّظام
كذلك كان عـمر الـحاج موسـى يـحبّ وردي
لذا كان كذلك يساعد وردي كثيـراً
وكان عـمر وقتـها ضابطاً ومستشاراً لطلعت فريـد
فكان أن رأى أن الـتّظاهر فـي قضيّة حلفا أمر عاديّ
ولكونه من جبل أولياء فـقد عايش أهله نفس الأمر
عند غرق أراضيهـم بسبب تعلية خزّان جبل أولياء
فتظاهروا ضد الإستعـمار البريطانـي وقتـها




ونواصل

إندلعت بعد ذلك الثّورة الشّعبيّة فـي الكونقو
وتعاطف الشّعب السّودانـي والشّعوب الأفريقيّة معها
ومع قائدها الـمناضل ( باتريس لومامبا )
كما تعاطفت معها مصر وجـمال عبد النّاصر
وكان عبد النّاصر يـخطّط لتهريب لومامبا من الكونقو
إلاّ أنّ حكومة عبّود لـم تتعاون
ولـم تسـمح بفتح الـمـجال الـجّوّي السّودانـي
ولـم تقف موقف شعبـها مع تلك الثّورة
وقف وردي موقف الـمويّد لثورة الكونقو
وكانت هذه بداية شرارة الـخلاف بينه وبيـن إسـماعيـل حسن
كتب وردي كلـمات مطلع نشيد
أنا أفريقـيٌّ حُر والـحُرّيّةُ فـي دمـي
وأعطاه لإسـماعيـل حسن ليكـمله
وأكـمل إسـماعيـل بقيّة كلـمات النّشيـد
إلاّ أنّه رأى ألاّ يذيعه وردي
وألاّ يقدّمه بشكل رسـمـي
طالـما أنّ الـحكومة لا تؤيّد ثورة الكونقو
كان للـجيّش السّودانـي جنود شاركوا فـي مهـمّة الأمـم الـمـتّحدة
وكان الإحتفال بعودتـهـم فـي الـمسرح القومـي
فقدّم وردي النّشيـد
وتفاعلت الـجّـماهيـر مع كلـمات النّشيـد
مـمّا إضطر مديـر الـمسرح القومـي لإيقاف وردي
وقطع النّشيـد قبّل إكـماله
فخرج وردي من الـمسرح غاضباً
ليواجَه كذلك بغضب إسـماعيـل حسن منه علـى تقديـمه للنّشيـد
فإشتدّ الـخلاف بينهـما
وقال وردي لإسـماعيـل :
إنت مادام ما عاوز النّشيد يتقدّم
كاتبو ليه ؟
فردّ إسـماعيـل :
إنت ندّمتنـي ذاتك إنّـي كتبتو
فأعلـمه وردي بأنّه سيسجّله إذن بإسـمه هو
وهذا هو السّر وراء تسـجيّل كلـمات النّشيـد
رسـميّا بإسـم وردي
بينـما هـي فـي الأساس كلـمات إسـماعيـل





وللـحكاية بقيّة

كان إسـماعيـل حسن
يعـمل فـي الـمشاريع الزّراعيّة الـخاصّة بآل الشّريف الـهندي
لذا كانت علاقته بـهذا البيت مـمتازة
والسّيّدة زينب والدة الشّريف حسيـن الـهندي
والشّريـف زيـن العابديـن الـهندي
هــي شقيقة الأُستاذ أحـمد خيـر الـمـحامي
أي أنّه خال الشّريف حسيـن وزيـن العابديـن
وكان الأُستاذ أحـمد خيـر الـمحامـي وقتـها
هو وزيـر خارجيّة حكومة عبّود
لذا كان وردي يرى بأنّ إسـماعيـل حسن
لا يـحبّذ معارضة النّظام نظراً لـهذه العلاقة
فتأجّـجت نار الـخلافات بينـهـما
وساعد الإعلام فـي صبّ الزّيت علـى النّار أكثـر فأكثـر
بنشر لقاءات لـهـما ترد فيـها آراء لإسـماعيـل
بأنّه من صنع وردي بأشعاره
ولولاه لـما عرف النّاس مـحـمّد وردي
وردود لوردي
بأنّ أغانيه هـي التـي عرفّت النّاس بإسـماعيـل
وأنّه لولاه لـما صار إسـماعيـل شاعراً معروفاً
الأمر الذي جعل وردي يتعـمّد الإتّـجاه لشعراء آخريـن
ليقع الـخصام وتـحدث القطيعة بعد ذلك
ونعود لغضب إسـماعيـل من تقديـم وردي للنّشيـد
خرج وردي غاضباً من عند إسـماعيـل
وفـي بيته عرف بأنّ طلعت فريـد قد حضر سائلاً عنه
بعد خروج وردي غاضباً من الـمسرح القومـي
فتـحدّث وردي مع طلعت فريـد
والذي سأله عن قصّة الـمسرح القومـي
ولـماذا خرج من الـحفل قبل إكـماله
فأخبـره وردي بالقصّة
فـما كان من طلعت فريـد إلاّ أن قام
بفصل مديـر الـمسرح القومـي فوراً
سامـحاً لوردي بأداء النّشيـد فـي أيّ وقت وفـي أيّ مكان
ليغنّـي وردي النّشيـد بعد أيّام فـي جامعة الـخرطوم
ويـخرج الطّلبة فـي تظاهرات
الأمر الذي جعل إسـم وردي يرتبط ويقتـرن بالسّياسة
بينـما تـخلّـى إسـماعيـل حسن عن كلـمات النّشيـد
ليدوّن رسـميّاً بإسـم وردي كشاعراً وملـحّناً له

وهذا هو النّشيـد الـمقصود
أنا إفريقـيٌّ حُر والـحُرّيّةُ فـي دمـي

كُلّ ما ورد أعلاه من سرد وقصص
ووردي فنّان لـم يمض علـى ظهوره سوى خـمس سنوات فقط
خـمس سنوات أنتـجت فيـها ثنائيّته مع إسـماعيـل 25 عـمل
هذا غيـر العـمل رقـم 26 والذي أنتـجاه لاحقاً بعد سنوات

قدّما معاً قبل القطيعة
من 1957 وإلـى 1962
25 عملاً
هـي

الـحُب والورود (( يا طيـر يا طاير ))
الليلة يا سـمراء
قبل الوداع (( يا سلام ))
صُدفة
يا قاسي يا ناسي
غلطة
يا حلو
نور العيـن
ما بنساك
الوصيّة
قصّة حُب طويلة (( بينـي وبينك والأيام ))
ذات الشّامة (( وحياتِك ))
لو بـهمسة
القمر بوبا
الـمستحيل
حنيَّة (( لو بكاي هـمّاك ))
الحِنيِّـن يا فؤادي
سؤال
بعد إيه
الرّيلة
خاف
عودة (( أوعك يا حبيبـي ))
17 نوفمبـر
أنا إفريقيٌّ حُر
والله مشتاقين ( والتـي وهبـها لعثـمان مصطفـى )

ترك وردي وإسـماعيـل بعضـهـما بعد كُلّ هذه الكنوز
فإتـجه إسـماعيـل لـمطربيـن وملـحّنيـن آخريـن
وإتّـجه وردي لشعراء آخريـن
فإنطلق وردي متعاوناً مع كوكبة من الشّعراء
الـجّيلـي مـحـمّد صالـح
شاعر ( توبة ) و ( الـحِبيِّب )

أبو آمنة حامد
شاعر ( فرحة ) و ( بنـحب من بلدنا )

عبد الرّحـمن الرّيّح
شاعر وملـحّن ( أسعد الأيّام )
وشاعر ( حائر فـي أمري معاك )

إبراهيـم الرّشيد
شاعر ( سليـم الذّوق )

علـي ميـرغنـي
شاعر ( النّسيـم السّاري ) و ( قصّة حُب )

حسن عبد الوهاب
شاعر ( يا ناسينا ) و ( ما تـخـجلـي )

مـحـمّد يوسف موسـى
شاعر ( عذّبنـي )

الطّاهر إبراهيـم
شاعر وملـحّن ( حرّمت الـحُب والرّيدة ) و ( شعبِك أقوى وأكبـر )

صاوي عبد الكافـي
شاعر ( أميـر الـحُسن ) و ( حبيب القلب )

السّر دوليب
شاعر ( هديّة )

مـحـمّد عثـمان كـجراي
شاعر ( ما فـي داعي ) و ( بسـمة الزّنبق ) و ( تاجوج )

كـمال مـحيسـي
شاعر ( جمال الدُّنيا .. أو بشوف فـي شـخصك أحلامـي )

الـجّيلـي عبد الـمنعـم عبّاس
شاعر ( الهوى الأوّل ) و ( أيّامك ) و ( مرحباً يا شوق )
وأيّامك هذه وهبـها لصلاح بن البادية

علـي عبد القيّوم
شاعر ( بسيماتك ) و ( نـحن رفاق الشُّـهداء )

صدّيق مُدّثّر
شاعر ( الـحبيب العائد )

صلاح أحـمد إبراهيـم
شاعر ( الطّير الـمهاجر ) و ( ثوّار أكتوبر )

مرسـي صالـح سراج
شاعر ( يقظة شعب )

مـحـمّد مفتاح الفيتوري
شاعر العديد من الأعـمال
والـتـي سأتطرّق لـها لاحقاً

وكذلك مـحـمّد الـمكّـي إبراهيـم
شاعر العديد من الأعـمال
والـتـي سأتطرّق لـها لاحقاً

هذا بالطّبع بالإضافة لعدد من الشّعراء الآخريـن
والذين يأتـي ذكرهـم لاحقاً
لكنّنا نتـحدّث الآن تحديداً
عن شعراء مرحلة البداية