مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية.. الحلقات 3 و 4

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 02:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-10-2016, 10:13 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية.. الحلقات 3 و 4

    10:13 AM May, 10 2016

    سودانيز اون لاين
    Yasir Elsharif-Germany
    مكتبتى
    رابط مختصر

    الحلقة الأولى والحلقة الثانية من هذه الدراسة موجودة في سودانيز أونلاين هنا في هذا الرابط:

    http://sudaneseonline.com/msg/board/155/msg/1456385836/rn/1.html

    الحلقة الثالثة في مجلة الحجاز عدد مارس:

    ـــــــــــ

    مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية
    الذي برز في عهد الملك سلمان هو: ما طبيعة الخطاب الذي ينتج في المملكة السعودية؟ من هو المستهدف بالخطاب؟ وما علاقة هذا الخطاب بالهوية وتالياً بمشروع الدولة؟ وهل يعبّر الخطاب عن عموم المكوّنات السكّانية؟ وهل ينسجم مع متطلبات الدولة الوطنية؟ وما تأثير هذا الخطاب على مستقبل المملكة؟
    (الحلقة الثالثة)
    خالد شبكشي


    في قراءة تمظهرات الخطاب الذي ينتج حالياً في المملكة السعودية، تتأكد أهمية الإضاءة على التظهير الاعلامي والثقافي للخطاب، ليس لكونه يومىء الى طبيعة المستقبل الذي يروم الوصول اليه أو على الأقل يرسمه للدولة الراهنة، بل وأيضاً هو يترجم بأمانة عالية اللحظة كما هي، أي بمعنى آخر هو يسجّل شهادة على الزمن الذي يعيشه كل من خضع تحت تأثير هذا الخطاب، أو سمع به أو قرأ عنه. في كل الاحوال، فإن من غير الممكن فهم طبيعة خطاب الدولة دون الرجوع الى أحد وسائل التعبير المسؤولة عن تعميمه. في دولة تفتقر الى المقومات الدنيا لحرية التعبير لا يعود هناك مكان لأي كلام عن رأي آخر في الاعلام المحلي، لأن الآخر ليس موجوداً في وعي السلطة، ولا في الواقع الا حين يقرر صانع الرأي الآخر الاصطدام بالجهاز المسؤول عن قمعه وكبت حريته.. وعليه، فإننا نقرأ خطاب المستقبل، وخطاب الدولة تبعاً له من خلال ما ينشر في وسائل الاعلام، تماماً كما تشيعه المؤسستان السياسية والدينية على المستوى الرسمي..
    وإذ أن الخطاب الاعلامي الرسمي لم يكن في يوم ما منسجماً في خطّه العام مع التوقعات الشعبية العامة، لاسيما لناحية الاصلاحات السياسية المأمولة في المملكة، فإنه يسهم في كل مراحل التوتر الاقليمي في رفع منسوب التوتر الطائفي والسياسي في الداخل بما ينعكس على طبيعة العلاقة بين المكوّنات السكّانية. في تداعيات الخطاب الاعلامي الرسمي يمكن قياس درجة تطابق أو انفصام العلاقة بين الخطاب الإعلامي المحلي ومشروع الدولة بوصفه المرجعية النهائية لمجمل الخطابات المنتجة محلياً، الاعلامية والثقافية والدينية.

    المنتج الاعلامي/ الثقافي

    طارق الحميد: الجهالة المطلقة

    السؤال المفتاحي: مالذي يدفع نحو عشرة آلاف مواطن للخروج وبشكل تلقائي إلى الشارع لرفض العنف والطائفية في السعودية، بعد يوم من التفجير الارهابي في مسجد في القديح أدى الى استشهاد 21 مواطناً وجرح العشرات؟ هل كانت مجرّد صدفة أن يوجّه هؤلاء أصابع الاتهام الى مناهج التعليم الحكومية التي عرضوا أجزاء منها أمام الكاميرا؟. ولماذا يقوم "داعش" بارتكاب جرائمه الارهابية في هذه المنطقة التي لم يشارك أهلها في أي عمليات خارج الحدود، أو يدخلوا في صدام مسلّح مع أي من عناصر التنظيم في أي بقعة من بقاع المواجهة التي يتواجد فيها؟ ولماذا يتوعّد الأخير الشيعة في المملكة بـ "أيام سوداء"؟
    أحد المتظاهرين، ويدعى السيد محمد، من سكّان بلدة القديح، طالب بوضع "نهاية للكراهية والتكفير ضد الشيعة.. نحن نطالب بحقوقنا كمواطنين" حسب قوله. وأوضح: "أن التكفير لم يبدأ مع الشخص الذي قام بالهجوم. المشكلة الحقيقية هي الدعاة الذين يقولون بأن الشيعة ليسوا مسلمين، ومناهج التعليم التي تدرّس الناشئة، من السنة الأولى للمرحلة الابتدائية بأن الشيعة ليسوا مسلمين ـ وهذه الآراء يتم تعميمها أيضاً عبر وسائل الاعلام".
    بعد الهجوم تداول ناشطون مقطع فيديو يعود الى يناير 2013 للإعلامي السلفي المتطرّف خالد الغامدي ـ عبر شاشة وصال ـ يهدّد فيه الشيعة في المنطقة الشرقية بشركائه في الدعوة الوهابية بأنه في حال سمح لهم، فسوف يأتون بالقبائل، وسوف يأكلون الشيعة أكلا(1) .
    وجاء في أهداف القناة، قناة وصال، التي تبث برامجها من داخل السعودية، وتمول من داخلها، ويتحدث فيها رجال الوهابية الأقليّون ـ ولكن الحاكمون:
    (إطلاع العالم الإسلامي بأسره بشكل عام، والمهتمين بالردّ على الشيعة بشكل خاص؛ على اتفاقيات وخطابات معممي الشيعة وعلمائها والتي تفضحهم وتكشف باطلهم، عن طريق التصوير الحي، والتي لا تدع مجالاً للشك أو الإنكار، بعيداً عن الحوارات الطويلة والتي لا يحبذها عوام الناس)(2) .
    أعلن وزير الإعلام والثقافة الأسبق عبد العزيز خوجه في تغريدة على حسابه في تويتر عن اغلاق مكاتب القناة الدينية وصال بتهمة تغذية التوتر المذهبي، بعد مقتل عدد من المسلمين الشيعة في العاشر من المحرم في قرية الدالوه بمحافظة الإحساء.. وكتب الخوجه: " لقد أمرت بإغلاق مكتب قناة وصال في الرياض، ومنع أي بث لها من المملكة، وهي ليست قناة سعودية من الأساس)(3) . ولكن في اليوم التالي، 5 نوفمبر 2014، أذاعت وكالة الانباء الرسمية (واس) أمراً ملكياً بإعفاء الخوجه من منصبه وتعيين وزير الحج مكانه.
    ومنذ بدء الحراك الشعبي في المملكة السعودية، ولاسيما في المنطقة الشرقية في فبراير 2011، في سياق الربيع العربي المفتوح على كل بلدان الشرق الأوسط، اختارت الصحافة السعودية الانحياز الكامل الى جانب السلطة السياسية، وشكّلت أحد المصدّات الرئيسة لأي شكل من أشكال الحراك المطلبي، بصرف النظر عن سلميته أو نوع المطالب التي يدعو إلى تحقيقها. ذهبت الصحافة الى حد تبرير القتل، واستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين بصورة سلمّية، وهوّلت على من ينتقد أداء الأجهزة الأمنية في التعامل مع المتظاهرين. كان انزلاق بعض الصحف في المطب الطائفي سريعاً، وإن بدا مغلّفاً في بعض الأحيان، بعناوين أخرى، سلطوية غالباً.
    بصورة إجمالية، اختار بعض الصحافيين السعوديين التصويب على الناشطين الشيعة منذ بدء الحراك الشعبي السلمي في مارس 2011، وكانوا بمثابة خلية أمن بلباس الصحافة. تخصَّصَ فريق من كتّاب الصحف المحلية في تخوين كل من يناصر الحراك، أو يبوح برأي مخالف لما يصدر عن وزارة الداخلية من بيانات واتهامات. كان واضحاً أن ثمة من يتعمَّد "شيطنة" الشيعة طيلة فترة الحراك الشعبي بهدف تبرير الاجراءات القمعية ضد الناشطين والرموز الشيعية الدينية والسياسية والاجتماعية التي كان لها موقف مباين لموقف الداخلية.
    على سبيل المثال، علماء الشيعة بتاريخ 20 مارس 2013، أصدروا بياناً بخصوص "خلية التجسس" التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، واتهمت فيها مواطنين شيعة بالتجسس لصالح إيران. جاء في البيان:
    (ما صرح به المتحدث الأمني بوزارة الداخلية من اتهام عدد من المواطنين الشيعة المعروفين بوطنيتهم واستقامتهم بالضلوع في شبكة تجسس، إدّعاء مرفوض ومريب. ونعتقد أنه يستهدف استغلال التوتر الطائفي المتفاقم في المنطقة لصرف الأنظار عن المطالب المتصاعدة بالإصلاح السياسي، وإنهاء الاعتقال من دون محاكمة عادلة، الذي يخضع له آلاف المواطنين في الوقت الحاضر) .ورفض الموقّعون على البيان ادعاءات الداخلية وطالبوا "بتجاوز سياسة اللعب على ورقة الافتراق المذهبي"، ودعوا الى "معالجة مشكلات البلد والتقدم بخطوات في الإصلاح السياسي وإقرار المساواة وحماية حقوق الإنسان والعمل بجدَ لتعزيز الوحدة الوطنية".
    وصف الصحافي طارق الحميد ـ رئيس تحرير الشرق الأوسط يومئذ ـ البيان بأنه "فضيحة، وورطة"، ووضع البيان في سياق ما وصفه بالتحاشد "مع بيانات الرموز الإخوانية في السعودية". الحميد زاد في ختام مقاله أوصافاً أخرى للبيان بأنه "يعد تهوراً وفضيحة، ومزايدة سياسية بدافع طائفي"(4) .

    سلمان الدوسري: الوطنية حسب القرب من السلطة

    الجدير بالذكر أن المدعي العام طالب في 22 فبراير 2016 بإنزال عقوبة الاعدام بحق أفراد الخلية المزعومة، وقامت الصحافة المحلية بالتهويل عقب مطالبة المدعي العام، حتى أن صحيفة (الوطن) أطلقت مانشيت بعنوان (الاعدام يطوّق خلية التجسس) برغم من أن المحاكمة لم تستكمل جلساتها والاستماع الى أقوال المتهمين أو الدفاع والطعون وغيرها(5) ..
    كتاب آخرون في صحف محلية أبقوا على نبرة الإتهام مرتفعة ضد الموقّعين على البيان، ووقف الكاتب محمود محمد بترجي على طبيعة ردود الفعل على البيان وكتب مقالاً بعنوان "النبرة المذهبية"، بدأه بحقيقة فشل الدولة السعودية في أن تتحوّل الى دولة وطنية جامعة تختفي فيها الانتماءات الفرعية بما نصّه: "اليوم وبعد قرن من الزمان هناك من يصنّف الشمالي والجنوبي والحجازي والنجدي والقصيمي، والقبيلي وطرش البحر، والليبرالي والإسلامي، وأخطر من ذلك السنّي والشيعي".
    يرجع بترجي الى المقالات التي كتبت للتعليق على بيان علماء القطيف على خليّة التجسس، ولحظ (أوصافاً عنصرية.. كلفظ ''خلية التجسس الشيعية'' و''بيان مثقفي الشيعة'' وكل ما يشكك في ولاء الشيعة لوطنهم من قضية الولي الفقيه والإمام الغائب.. إلى أن هناك مشروعاً فارسياً أو صفوياً كاملاً يستخدمهم – أي الشيعة - لخدمة أهداف النظام الإيراني..)(6) .
    تفرّدت (اليوم) وهي أقدم جريدة يومية في المنطقة الشرقية، التي يقطنها غالبية الشيعة في المملكة، باحتلال موقع الصدارة في نشر مواد تحرّض على الكراهية المذهبية. ومع وصول سلمان الى العرش في يناير 2015، ضاعفت الصحيفة من كمية المواد الطائفية، وأثارت بذلك ردود فعل غاضبة وسط الشيعة في المنطقة الشرقية. من بين تلك المواد الاستفزازية مقالة لناصر القفاري بعنوان (عودة الغزو الباطني) التي تنتمي الى الكتابات الكلاسيكية في السجال المذهبي، وتستعيد المقولات المكرورة بنسبة الاخفاقات التي شهدها العالم الاسلامي الى الأدوار الخفيّة للشيعة، وربط صراعات الماضي بالحاضر، وطاول الشيعة في المنطقة الشرقية بكونهم جزءاً من تلك المؤامرة التي تحاك ضد الأمة.
    تعمّد القفاري عقد رابطة وثيقة بين السياسة والعقيدة، وخصّص الجزء الأكبر من مقالته لاستعراض العقائد الشيعية وجعلّها الأداة التحريضية للمؤامرة على الأمة، ويضيف الى ذلك أبعاداً أخرى عنصرية وغيرها، بالاستناد الى مقتطفات منزوعة من مصادر شيعية أقل ما يقال عنها أنها ما دون الهامشية. على سبيل المثال، يثبّبت القفاري مقولة ان الشيعة الايرانيين هدفهم قتل العرب وقتل الشيعة المعتدلين وخاصة الزيدية، استناداً الى رواية في أحد المصادر الشيعية، مع أن الاتهامات تركّزت طيلة شهور الحرب السعودية على اليمن منذ مارس 2015 على دعم إيران للزيدية في اليمن(7) .
    للقفاري مقالات في السياق نفسه مثل: نصر الله والمناهج السعودية، عنصرية وغطرسة وغرور، الإعلام السعودي.. جنون بلا حدود.. وهي تندرج في سياق المواجهة السياسية بين ايران والسعودية، واستغلالها لنشر ثقافة مذهبية تحريضية.
    إعلاميون رجال أمن!
    رئيس تحرير سابق لصحيفة (الاقتصادية)، كتب أكثر من مقالة انتقد فيها الرمز الديني والسياسي الشيعي الشيخ حسن الصفار، لأنه انتقد قتل المواطنين الشيعة في القطيف في حراكهم السلمي. وفي مقالة بعنوان (عندما يقارن الصفار السعودية بسوريا!) نشر في (الاقتصادية) بتاريخ 15 فبراير 2012، وقد اختار فقرة من خطبة للصفار في صلاة الجمعة قال فيها: "'كيف لحكومة تستنكر سفك الدماء الأخرى في بلدان أخرى ـ يعني سوريا ـ أن تسمح لقواها الأمنية في القطيف بأن تتسرّع في إطلاق النار على مواطنيها العزل''. أبدى الدوسري استغرابه من هذا الموقف وشدّد عليه بعبارة: "نعم هكذا قالها أمام مريديه"، وعدّ ذلك غمزاً "من موقف السعودية القوي من أحداث سوريا"، مع أن الصفار لم يعقد مقارنة بين النظامين، ولكنّه رفض القتل في المبدأ سواء كان القتيل واحداً أم مليوناً. الدوسري لم يجد ما يميّز به بين النظامين السوري والسعودي سوى أن الصفار عاد الى منزله سالماً ولم يمنع من الخطابة، والأجدى ألا يكون الدوسري وهو الذي ينتمي لمهنة الصحافة، التي تناضل من أجل الحرية، هو من يصدر عنه مثل هذا الموقف المخالف للحرية ولمهنة الصحافة.
    على أية حال، فقد مارس النظام السعودي جريمة الاعدام ضد من لم يحمل سلاحاً ولم يحرّض على القتل، وغاية ما فعله هو ممارسة حقه في التعبير عن الرأي، وهو الشيخ الشهيد نمر باقر النمر وعشرات الشهداء وغيرهم من المحكومين بالإعدام أو بأحكام سجن قاسية..
    الصفار انتقد "إطلاق النار على مواطنين عزّل"، وكان يفترض به من وجهة نظر الدوسري أن يساوي بين هؤلاء الذين سقطوا في مسيرات سلمية وبين إرهابيين، كيما تصبح الشهادة أن "القوات الأمنية تقوم بدورها لحماية الوطن من الإرهابيين".
    لم يبد الدوسري أسفه لسقوط ضحايا أبرياء في القطيف، وكان له تفسيره الخاص "قلناها، ونكررها، لا نأسف ولا نعتب ولا نلوم ولا نحزن، على أولئك المتطرفين الذين يودون لو اشتعلت النار بنا جميعاً، ولنا مثل في كبيرهم الذي علمهم التطرف نمر النمر..". مع أن الأخير لم يدع لحمل سلاح بل كانت كلمته المشهورة "نحن أقوى بزئير الكلمة، وأضعف بأزيز الرصاص". وختم الدوسري مقالته برجاء للشيخ الصفار وقال: "تكفى يا شيخ لا تخيب أملنا فيك مجدداً!".
    وفي مقال لاحق، امتدح الدوسري الشيخ الصفار لأنه طالب الشيعة بألا "يسكتوا على تيار التطرف الذي برز في أوساطهم والذي يعمل على استفزاز مشاعر الآخرين والنيل من رموزهم''، حسب تعبيره. الدوسري وفي مقالة له بعنوان "الصفار ومتطرفو الشيعة"، اقتطع كلاماً للشيخ الصفار يلبي رغبته، فاختار ما يتضمن نقداً لممارسات تيار ما في المكوّن الشيعي، فذهب به الى حد تصويره وكأنه التيار العام كقوله "التطرف الشيعي تمادى حتى غدا غولا.ً.."، كما اعتبره مستفزّاً لمشاعر المواطنين "وينال من رموزهم على مسمع العقلاء، ومَن كنا نظنهم عقلاء". دون أن يوضح من يقصده بـ"رموزهم" إن كان أهل الحكم، أم الرموز الدينيين.
    لا يمارس الدوسري دور المراقب المحايد، فضلاً عن أن يكون مناصراً لحرية التعبير التي يفترض أن تكون نصب عين رجال الصحافة، بل بدا ناقلاً للرواية الرسمية، الأمنية، فكان، في الحد الأدنى، داعماً لما سوف تكون عليه الرواية الرسمية. فقد اختزل المشهد الاحتجاجي في هيئة حوادث لا تنتمي، في أغلبها على الأقل، للحراك المطلبي، أو حسب قوله "إطلاق النار على الأبرياء أطفالاً ونساءً، واعتداءات مسلحة على مدرسة ثانوية وسجن ومحكمة ومنشآت عامة وخاصة، وسرقات للمحال التجارية والمنازل؟(8) . وهذه في معظمها مجرد ادعاءات لم تقع، وما وقع منها تتعمّد الصحف الرسمية تظهيرها وإلصاقها بالحراك المطلبي لتبرير استخدام القمع بأشكاله القصوى، بما في ذلك تعمّد القتل للناشطين.

    جمال خاشقجي: إخواني في البلاط الأمني السعودي
    قد لا يبدو الموقف لدى الدوسري مقتصراً على مجرد حادثة سياسية، فثمة قراءة لواقع المكوّنات الشيعية مفتوحة على الأفق الخليجي عموماً، وتومىء من طرف ما الى الخلفية التي ينطلق منها الدوسري، والنموذج الذي يعتمده في تقييمه لتلك المكوّنات. وهو يفرّق بين نموذجين للشيعة، النموذج الثوري والنموذج المستقيل. وفيما يغيب دور الدولة وإخفاق مشروعها في الاندماج الوطني، يصبح الشيعة المكوّن الاجتماعي المسؤول عن الاخفاق. والمطلوب، بحسب مقاربة الدوسري، أن يلتزم الشيعة الصمت فإن أعطوا شكروا، وإن حُرموا صمتوا وصبروا، في دعوة للاستقالة.
    يفرّق الدوسري بين شيعة البحرين الذين انتفضوا على سياسات الحرمان الممنهجة من قبل النظام الخليفي، وبين شيعة قطر والامارات الذين يعيشون هدوءاً ورضى. يفسّر الدوسري ذلك بأن الشيعة في هذين البلدين ينظرون الى أنفسهم بأنهم مواطنون أولاً قبل أن يكونوا شيعة. والحال، أن المواطنية التي يتحدث عنها الدوسري تكاد تكون معدومة، في بلدان أخرى، فضلاً عن فشل عملية الاندماج.
    الدوسري يرى أن الاندماج مسؤولية المجتمع، بينما يغفل دور الدولة، مع أنها الإطار الإدماجي الأكبر، والمعني بتحقيق الانسجام والتوافق بين مختلف المكوّنات. يقول الدوسري بأن شيعة الإمارات وقطر "تمكنوا من الاندماج بصورة شبه كاملة مع باقي مكونات مجتمعهم المحلي..". والحال، أن نجاح الإندماج يتوقف على طرفين، إذ ليس بإمكان مكوّن ما أن يوفّر شروط الاندماج في نفسه، فيما تغيب شروط القبول لدى الدولة أو باقي المكوّنات.. ما يلفت، أن الدوسري يطلب من الشيعة تعميق مفاهيم المواطنة من خلال التأكيد على أنهم مواطنون وفقط. ولكن ماذا إذا لم تكن سياسات الدولة مؤسسة على هذه المفاهيم، بل هي سياسات تمييز على أساس مذهبي ومناطقي وقبلي، كما هو الحال بالنسبة للسعودية؟ يقول الدوسري "لا يمكن التفريق بين المواطن السني والمواطن الشيعي في هاتين الدولتين (أي قطر والامارات)، فالزي واحد واللهجة نفسها، بينما نرى الصورة، للأسف، مقلوبة بالكامل في الدول المجاورة"(9). كان الأجدر أن يضيف إليهما سلطنة عمان، فالإندماج فيها أقوى من أي دولة خليجية أخرى، والى حد كبير الكويت.
    على أية حال، المسألة ليست بالبساطة، أو بالأحرى السذاجة، التي يتناول فيها الدوسري موضوع الاندماج، ومع ذلك فإن المشكلة تتعمق في دولتين خليجيتين، هما السعودية والبحرين، بسبب سياسات التمييز الطائفية التي اعتمدت منذ نشأة الدولتين، والتي حالت دون اندماج الشيعة، خصوصاً بعد أن تجاوزوا الإشكاليات الفقهية والعقدية المرتبطة بعلاقة المجتمع مع السلطة في زمن الغيبة بحسب التفسير الشيعي الكلاسيكي لمفهوم الغيبة(10) .
    في تعليقه على مقالة الدوسري، كتب ناصر الصرامي مقالة بعنوان: (الشيعة في الإمارات.. الشيعة في الخليج!) أكّد فيه على تركيز عنصر الولاء وأنه الحل "والعمل على إعادة تأسيس هذا الولاء ودفعه، وقطع الطريق على أي توظيف طائفي محتمل لتغذية التوتر أو تهديد الاستقرار". ولكن الصرامي لا يخبر كيف يمكن تعزيز الولاء، هل مجرد بث أدبيات ثقافية في الولاء كاف لتعزيزه، أم أن الولاء "يحتاج إلى معاملة كل مواطن سعودي مهما كانت خلفيته الفكرية والمذهبية والطائفية وجنسه بمساواة مطلقة أمام الحقوق والواجبات الوطنية، حيث تتساوى الفرص خارج أي تصنيف مناطقي أو قبلي أو طائفي..". وهذا هو الصحيح، ولكن المشكل مع الصرامي هي في النتيجة بقوله: "وهذا هو السائد في المملكة وبقية دول الخليج.."، فحينئذ نكون أمام أزمة تشخيص وليس أزمة علاج(11) . إذ ليس هناك من بين الخبراء والمختصّين في الشأن السعودي من يقول بتحقّق مبدأ المساواة بين المواطنين، بل على العكس تماماً، هناك إجماع على أن السبب الرئيس في أزمة الهوية والانتماء، هو فشل او ضعف في سياسات الادماج الوطني في دول الخليج، وخصوصاً في السعودية والبحرين.
    جمال خاشقجي، الاعلامي المقرب من استخبارات النظام، ومدير قناة "العرب" التي يملكها الوليد بن طلال، والتي ماتت في المهد، كتب تغريدة في 22 مايو 2015: "تفجير القديح عمل ارهابي طائفي بامتياز، حان وقت تجريم الطائفية ووضع تعريف صريح لجريمتها يخشاه الكبير والصغير، مالم نفعل فإنها فتنة كبرى". وتأتي تغريدة خاشقجي بعد عامين على كتابته مقالة بعنون (لا أريد أن أكون طائفياً ولكنّك لا تساعدني) والتي حمّل فيها الشيعة مسؤولية نزوعه الطائفي، لكونهم لم يتبنوا مواقف علنية وصريحة من النظام السوري، رغم أن الأغلبية الساحقة من الكتاّب السعوديين بمن فيهم خاشقجي نفسه لم يتبن موقفاً صريحاً مؤيداً للثورة الشعبية في البحرين، وما يأخذه خاشقجي وغيره على مثقفي الشيعة في المسألة السورية ينطبق عليهم وبذات المقدار في المسألة البحرينية. ثانياً، إن الاعمال الارهابية في المملكة كانت تقع في مناطق يقطنها الشيعة وينفذها أشخاص ينتمون للمذهب الوهابي(12) .
    خاشقجي الذي يطالب مثقفي الشيعة بالاصطفاف الى جانب ما يعتقده ثورة شعبية في سوريا، حتى بعد انزلاقها نحو العسكرة والتطييف والتدخل الأجنبي، يتجاهل جاره الخليجي، أعني البحرين، التي شهدت ثورة شعبية حقيقية وسلمية منذ 14 فبراير 2011 وتعرضت لتدخل عسكري من قوات السعودية تحت مسمى درع الجزيرة. لم يكن لدى شعب البحرين سوى صرخاته وحضوره الشعبي ولم يطالبه أحد بموقف مناصر لهذه الثورة ولم يتّهمه أحد بالطائفية، رغم أن كثيرين وصفوها بالثورة الطائفية، فيما كانت شعاراتها واضحة وصريحة، وإن ضعف حضور المكوّن السني في الثورة لا يعني طائفيتها، بل قد تكون هناك أسباب أخرى تحول دون مشاركته ومنها الخوف من تبدّل جوهري في ميزان القوى.
    في رد فعل على مقالة خاشقجي، كتب الباحث والناشط السياسي توفيق السيف في مقالة بعنوان (كن طائفيا أو كن ما شئت.. لكن لا تضحي بوطنك)، لخّص فيها مقالة خاشقجي على هذا النحو: "يا صديقي الشيعي كن معي في موقفي وإلا سأكون ضدك". في الترجمة الصريحة لموقف خاشقجي كما يراها السيف: المطلب المحدد هو ببساطة: "أن تكون عدواً لإيران وحزب الله"، وليس حق الشعب السوري في تقرير مستقبله بحرية. ويذهب السيف الى تداعيات مطلب خاشقجي على الواقع المجتمعي، لما ينطوي عليه المطلب من تبرير لحالة الاستقطاب المذهبي على أساس الأكثرية السنيّة في طرف، والأقليات الشيعية في طرف آخر. السيف أعاد خاشقجي الى الاطار الذي يفترض التحاكم اليه وهو الاطار الوطني، بالنظر الى أن المسألة السورية ليست مسألة وطنية يتحدد وفقها مصلحة الوطن ومستقبله وأمنه، حتى يستوجب من كل مواطن الافصاح عن موقفه من الثورة السورية(13) .
    خالد الدخيل.. متلازمة إيران
    انفرد الاكاديمي والكاتب الصحافي خالد الدخيل بسلسلة مقالات حول إيران، وربط الواقع الشيعي بها، فكان يصوّب على الشيعة من خلال اللافتة الايرانية. في واقع الأمر، إن رؤية الدخيل للأشياء من زاوية الصراع السعودي الايراني يجعلها مأزومة، لجهة عجزها عن تغطية كامل المشهد، والتوازن في التحليل وتالياً النتائج.

    تركي الدخيل: نموذج الأكاديمي النجدي الطائفي

    في مقالة بعنوان (المثقف الشيعي وإيران)، تحدّث الدخيل عن المثقف الشيعي في الخليج وما يميّزه عن غيره. فهو، من وجهة نظره، يطالب بالمساواة مع الآخرين، وثانياً أنه يتبنى موقفاً نقدياً وأحياناً ما يكون حاداً من الدولة التي ينتمي إليها، وهذا أيضاً حق له. ثالثاً أن هذا المثقف يميل في الأغلب إلى موقف الصمت أو "الحياد" الصامت إزاء تجاوزات وأخطاء قوى أو حركات أو أحزاب تتقاطع مع هويته المذهبية. ليخلص الى نتيجة مفادها : "أن هذا المثقف ـ الشيعي ـ ينطلق في مطالبه ومواقفه النقدية من كونه شيعياً أولاً، وليس من كونه مواطناً من حقه أن يتساوى مع الآخرين".
    كما هو حال كثير من الكتاب السعوديين المقرّبين من السلطة، يبدو التناقض واضحاً في كلام الدخيل، حين يلزم المواطن الشيعي من موقعه المذهبي تبني مواقف من حوادث خارجية تقع في سياق مذهبي، كالموقف من ارتكابات في العراق ضد السنّة، في الوقت الذي يطالب فيه الشيعي بتقديم انتمائه الوطني على انتمائه المذهبي في حراكه المطلبي الحقوقي. ثانياً، إن مطالبة الدخيل من المثقف الشيعي تبني مواقف إزاء قضايا خارجية، ومن خلفية مذهبية، لا تستقيم مع المطالبة بتأكيد الانتماء والولاء للوطن. في حقيقة الأمر، أن الدخيل يخفي نزوعه المذهبي خلف عناوين عامة تتجاوز الوطن والدولة، الأمر الذي يثير أسئلة حول مدى قوة تأثير المرجعية الثقافية الليبرالية التي ينطلق منها.
    (متلازمة ايران) حاضرة وموجّهة، كما هي العادة في مقالات الدخيل عن إيران، إذ تراوحت مقاربته لموضوع المثقف الشيعي وإيران بين خيانة الأول، ومؤامرة الثانية، وما بينهما تفاصيل غير ذات أهمية سوى ما تدعم هذه التهمة أو تلك. لم يجد الدخيل ما يستند إليه لتعزيز مقاربته سوى كتاب (الحراك الشيعي في السعودية) لمؤلفيه بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، مع أن الكتاب رجع الى عشرات المقابلات مع قادة الحراك وأصحاب التجارب العريقة فيه، ومن يملكون تفاصيل مستفيضة حوله، منذ بداية الثورة الاسلامية الايرانية حتى اليوم.
    من وجهة نظر الدخيل، فإن المثقف الشيعي كي يثبت وطنتيه عليه أن يشبع إيران سبّاً في صراعها مع السعودية. يرسم الدخيل للمثقف الشيعي خارطة طريق في التعاطي مع الخلاف الايراني السعودي، ويضع لذلك معايير في الوطنية والاستقلال. وبرغم من استبعاده العنصر المذهبي في توجيه النقد لإيران، تبدو "ظلال الانتماء المذهبي وتأثيره في الموقف السياسي" هي الموجّه الفعال في كل ما يقوله، وينطبق على الدخيل ما يفترضه في المثقف الشيعي حين "يرفض الطائفية في مكان، ويتغاضى عنها في مكان آخر"، فهو يرفض طائفية ايران، ولكن لا يقابلها بنفس الحدّة في السعودية أو في البحرين(14) .
    وشأن كثير من مثقفي السلطة، فإن الدخيل يتحفظ على وطنية شركائه الشيعة، ما لم يتبنوا ذات المواقف التي يحملها هو، ومن ورائه السلطة في ملفات إقليمية، سواء في العراق أو سوريا والبحرين، وصولاً الى اليمن وما قبلها وما بعدها الملف الايراني. فالخلاف لم يعد على قضايا محلية، وما إذا كان المكوّن الشيعي، وباقي المكوّنات الصوفية، والاسماعيلية وغيرها، لها حقوق متكافئة مع المكوّن الوهابي النجدي (الأقلوي) في الدولة، بوصفها اطاراً جامعاً وملكاً عاماً يتمتع فيه مواطنوها بحقوق متساوية، وتفرض عليهم واجبات متكافئة.
    تغيب مبادىء الدولة الوطنية في كتابات الدخيل، وتحضر النزعة الطائفية بسطوة كما في مقاله الموسوم (أوباما وحلم التفاهم مع إيران/ الشيعية ضد الجهاديين السنّة). في ضوء قرار أوباما إلغاء فكرة الحرب في سوريا، يتساءل الدخيل عن سر تمييز أوباما بين الجهاديين السنّة، ويقصد بهم تنظيم "داعش" والجهاديين الشيعة!
    افترض الدخيل بأن "تحوّل سورية إلى حكومة مستقرة تمثل الشعب سيكون خسارة كبيرة لإيران". وأن من بين أهداف التفاهم الذي يطمح أوباما إليه مع إيران هو "محاربة الجهاديين السنّة". وأن إيران تملك سيطرة كاملة تقريباً على ميليشياتها الشيعة، والعكس صحيح بالنسبة للدولة العربية، وبالتالي فإن ايران هي الأقدر في هذه المرحلة على ضبط الوضع في المنطقة!
    الدخيل الذي يحاول زعماً تقديم رؤية متوازنة يضع الجهاديين الشيعة، على قدم المساواة مع الجهاديين السنّة، وليس أي سنّة بل داعش، يقول: "لماذا يتم استبعاد الجهاديين الشيعة، وهم لا يقلّون دموية وإرهاباً عن الجهاديين السنّة؟"(15) .
    لقد بات من أهداف الدخيل وعشرات الكتّاب من المثقفين المقرّبين من السلطة الترويج لفكرة واحدة: أن حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن، يتساوون مع داعش والقاعدة وفروعهما. قد يشي هذا التوجّه بحقيقة الارتباط الإيديولوجي بين السعودية والتنظيمات المصنّفة بالارهابية عالمياً، مثل داعش والنصرة. وعليه، فإن وضع التنظيمات الشيعية في مستوى واحد مع داعش والنصرة، يحول دون استهداف الايديولوجية الوهابية وتحميلها مسؤولية التحريض على الارهاب، برغم من أن الهجمات التي تطال أماكن عديدة من العالم يقوم بها أشخاص ينتمون الى المذهب الوهابي حصراً، فيما لم يسمع العالم عن قيام عناصر شيعية بتفجير نفسها في أماكن عامة في أي عواصم عالمية أو عربية أو حتى في بلدانها.
    في مقالة بعنون (مواجهة الخطاب المذهبي) يفترض خالد الدخيل بأن ايران نجحت في فرض خطابها المذهبي. السؤال كيف؟
    يفترض الدخيل بأن الطائفية بدأت منذ قيام دولة دينية في ايران بعد انتصار ثورتها عام 1979، وأنها تريد "أن توظف هذا الواقع الطائفي العربي لمد نفوذها، وفرض خياراتها". هو يحمّل ايران مسؤولية ولادة وترعرع الخطاب الطائفي، وهذه واحدة من تظهيرات الطائفية لدى الدخيل، الذي يغفل سياسات التمييز الطائفي منذ نشأة الدولة السعودية حتى اليوم، والتي يمكن أن يجدها في الاختلال العميق في تقاسم السلطة والثروة، وفي التعليم، وفي القضاء، وفي الحريات الدينية، والحقوق المدنية، وقبل أن تولد الجمهورية الاسلامية الايرانية، بل وفي وقت كانت فيه علاقة السعودية مع ايران الشاه في مرحلة انسجام، وكانا يتقاسمان سياسة "العمودين المتساندين" الاميركية في حفظ الأمن في الخليج.
    وفيما يتلطى مشايخ الوهابية وراء عناوين دينية عامة مثل (الامة الاسلامية)، يلوذ الدخيل بالعنوان القومي مثل "الدول العربية" لاضفاء صدقية على مدعياته، مع أن سياق حديثه يكشف عن أن المقصود بالدول العربية، ليست شيئاً آخر وحصرياً سوى الدولة السعودية. وما يراه الدخيل مشروعاً طائفياً إيرانياً، لا يرى مثله بل أخطر منه في السعودية. طائفية الدخيل جعلته يرفض حتى وقوف ايران الى جانب حركات المقاومة في فلسطين ولبنان بل اعتبرها "كذبة"، وفي لحظة ما "مؤامرة" على "الثورة السورية"، وإن الكذبة تسبب في إرباك العالم العربي، حسب قوله.
    من المتبنيات الطائفية لدى الدخيل أن "إيران كدولة دينية على أساس مذهبي هي الوحيدة في ذلك". فماذا عن السعودية التي تعلن صراحة أنها دولة سلفية وأنها دولة الاسلام، كما صرّح بذلك الامير نايف في مناسبات عدّة. مثال: في 27 نوفمبر 2008 وفي كلمة بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة قال الأمير نايف بما نصّه: "هناك جهات معادية للإسلام بشكل عام، ومعادية لدولتنا دولة السنة، والدولة التي تنهج نهج السلف الصالح، فنحن دولة سلفية ونعتز بهذا والسلفية"(16) . ويمكن العودة الى ما ورد آنفاً لما قاله الملك سلمان عن الدولة السعودية. وهناك تصريحات مماثلة للأمراء السعوديين تدور حول نقطة واحدة: أن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق الشريعة وفق اجتهادات احمد بن حنبل.. فإن لم تكن هذه مواصفات الدولة الدينية فما هي الدولة الدينية؟
    يوجد الدخيل تفريقاً مثيراً بأن (الدول العربية = السعودية) تختلف في أنها ليست دولاً دينية "وإنما مرتبطة بالدين من ناحية سياسية وليست دستورية". كيف يكون ذلك؟! وهل الطائفية مرتبطة بتفريق بين سياسي ودستوري، والبلاد محكومة بمعايير مذهبية في السياسات وفي التشريعات. فهناك من يجادل بأن الفصل بين الدين والدولة في إيران أكثر منه في السعودية بمسافات طويلة.
    يعقد الدخيل الأمل على السعودية لناحية تقويض الخطاب الطائفي، من خلال فصل الدين عن الدولة، وتفكيك بنية الطائفية، ولكن السؤال كيف؟، إن لم تحدث تغييرات بنيوية في الدولة السعودية نفسها، أي في الأسس التي قامت عليها وضمنت مشروعيتها وتماسكها ووحدتها(17) . وثانياً، أليس في ذلك إقرار غير مباشر بأن السعودية دولة دينية؟

    داوود الشريان: اعلامي في خدمة الوطنية النجدية!

    في استحضاره لثنائية ايران ـ السعودية، يتبنى الدخيل موقفاً دفاعياً، وينفي صفة الدولة الدينية عن السعودية، ويقول أن "تصنيف السعودية بأنها سنية بالمعنى الطائفي غير دقيق، ذلك أن السعودية وإن كانت دولة سنية، فإن تعاملها مع القضايا العربية ليس فيه أي بعد طائفي.." وضرب أمثلة لذلك بأنها تحالفت مع علي عبد الله صالح الزيدي، وحافظ الأسد العلوي، ولديها علاقات مع المسيحي سمير جعجع. ولكن السؤال: من يقول أن السعودية تعاملت مع علي عبد الله صالح من موقعه الزيدي، أو الأسد من موقعه العلوي، وهل كان صالح والأسد يقدّمان نفسيهما على أساس الانتماء المذهبي، كما تفعل السعودية الآن في مواقفها إزاء العراق وايران وسوريا واليمن والبحرين، وحتى مع المكوّن الشيعي داخل المملكة؟. يقول الدخيل بأن "السعودية تختلف كليًا عن إيران، فالبعد الطائفي غير موجود في السياسة الخارجية السعودية.."(18) . فهل كان مجرد صدفة أن تتحرك الرياض لجهة بناء تحالف يضم أكبر الدول السنيّة مثل باكستان وتركيا وأندونيسيا ومصر في مواجهة إيران، أم صدفة أن تكون علاقاتها سيئة مع الدول ذات الأغلبية الشيعية، أو المصنّفة في خانة الدول الحليفة لإيران أو حتى الاحزاب والجماعات الشيعية. وفق منطق الدخيل، هل كان دعم ايران لحركتي حماس الإخوانية، والجهاد من منطلق طائفي أيضاً؟
    في المحصلة، تميّزت كتابات الاعلامي والأكاديمي خالد الدخيل بنبرة طائفية عالية. فلا يكاد يخلو مقال كتبه الدخيل طيلة عام من تولي سلمان العرش، وما قبل ذلك، من تكرار مقولتين: الأولى ان ايران منبع الخطاب المذهبي بسبب تركيبة نظامها. والثانية انه لا يجوز التركيز على التنظيمات الارهابية السنيّة من دون التركيز وبنفس القدر على المنظمات الارهابية الشيعية.
    لا يخفي الدخيل هواجسه إزاء إيران، ويغيظه كثيراً وقوفها في وجه القوى الكبرى، وصمودها أمام الضغوطات والعقوبات الغربية، حتى استطاعت انتزاع اعتراف الولايات المتحدة بها دولة نووية، وفرضت على العالم احترام خياراتها، واستقلال قرارها السياسي. وأكثر ما يغيظ الدخيل تنامي دور إيران الاقليمي والدولي. ولا يجد مجالاً للتنفيس عن ذلك سوى اتهام الولايات المتحدة بأنها المسؤولة عمّا آلت اليه الأوضاع في المنطقة، خصوصاً بروز الدور الايراني، بسبب ما يراه من عدم حزم واشنطن في التعاطي مع طهران والاتفاق النووي، كما في مقالاته "المشكلة في واشنطن وليس في طهران" (10 مايو 2015)، و"أوباما يدفع المنطقة نحو الهاوية" (22 فبراير 2015)، و"السياسة الأميركية المدمرة" (15 فبراير 2015)، و"أوباما وحلم التفاهم مع ايران الشيعية ضد الجهاديين السنّة".(4 يناير 2015). فالدخيل يخفي نزعته الطائفية المضمرة عبر استدعاء ايران بصورة مكثّفة، وقد توضّح ذلك في مواقف له من الهجمات الارهابية في المساجد الشيعية بالمنطقة الشرقية.
    من جهة أخرى، لا ينفك الدخيل عن سعيه لشيطنة ايران (الشيعية)، وهو يتجاوز عن كل مساوئ النظام السعودي ويلصقها بإيران: يصف ايران بأنها "أول دولة دينية" في المنطقة، ثم يتهمها بالتكفير كما في مقاله "ايران: التكفير المباشر والتكفير المستتر" (26 ابريل 2015).
    ويبدو ان الدخيل في مقالاته كان يسعى الى الوصول الى خلاصة مفادها، أن ايران هي العدو وليست اسرائيل، ولا مناص من التصدي لها ومواجهتها بكل السبل، كما في مقاله: "ايران إسلامية.. لكنها عدو" (5 أبريل 2015)، الأمر الذي تجلى بعملية "عاصفة الحزم"، إذ قال: "إذا كانت عاصفة الحزم موجّهة عسكرياً للحوثيين، فإنها سياسياً موجهة لايران".
    بدا الدخيل منتشياً بـ"عاصمة الحزم" باعتبارها "فعل قوة سعودية"، و"استعادة الكرامة المهدورة"، رغم عدم تحقيق أي من أهدافها الرئيسية في اليمن، على الأقل حتى كتابته المقالة، ووصل الى حد اعتباره الحرب العدوانية على اليمن، رافعة لـ "المشروع العربي المفقود".
    في المحصلة، إن المرجعية التي يستند اليها الدخيل لا صلة لها بالدولة، بقدر ما هي مرجعية الصراع السياسي الذي يملي خطابه وجغرافيته، ما يجعل التحاكم على قيم تقع خارج منظومة الدولة.
    يندرج في السياق نفسه، الإعلامي النجدي هو الآخر، داود الشريان، وقد كتب في 16 ابريل 2015 مقالاً في (الحياة) بعنوان "اعتذار لمواطن لبناني"، على خلفية (وليس رداً) حملة كتّاب سعوديين على الشعب اللبناني بسبب مواقف "حزب الله" من الحرب السعودية على اليمن. تلك الحملة التي توّجها مساعد رئيس التحرير في صحيفة (الحياة) جميل الذيابي بمقال "اطردوا الأشرار" (22 ابريل 2015)، والمقصود بالأشرار: اللبنانيون العاملون في الخليج.
    ورغم ان الشريان يقول: "وسيبقى تأثير هذه الحملة محصوراً في من يقف خلفها"، وانه "لن يكون لهذه الحملة تأثير أو مس بمصالح اللبنانيين وكرامتهم" في السعودية.. وبالرغم من أن مقاله لا يمس مواطنين في المملكة، الا أنه تعمّد في مقالات أخرى لاحقة الخوض في النقاش المذهبي، فكتب سلسلة مقالات متشابهة في (الحياة) يركز فيها على "حزب الله" والشيعة من زاوية مذهبية، ويتوجها بمقالة بعنوان: "ما هو موقف الشيعة في لبنان؟" (10 مايو 2015) يجبّ فيه كل ما كتبه في مقاله "الاعتذاري"، ويكرّر بشكل شبه كامل ما كتبه الذيابي بحق اللبنانيين، وليؤكد التحاقه بحملة الكتاب السعوديين (النجديين تحديداً) العنصرية والاستعلائية.
    الاستعلاء يكاد يتجلي في كل كلمة في مقال الشريان، وبدا وكأنه قاض أو مفت في "المدينة الفاضلة" يسأل ويحاكم ويعاقب. وهكذا بالجملة. كل الشيعة مطالبون بالادلاء بمواقفهم لدى محكمة الشريان. وفي حال كانت مواقف الشيعة غير متوافقة مع رغبة الشريان فالحكم هو: طرد العاملين اللبنانيين الشيعة في دول الخليج، وسحب الاستثمارات السعودية والخليجية إن أمكن ذلك من لبنان. وفي نبرة استعلائية لا تخلو من مذهبية مقيتة يقول الشريان: "نريد من العرب الشيعة في لبنان موقفاً عربياً، يليق بتاريخهم ووطنيتهم".
    ولفهم الخلفية الحقيقية التي ينطلق منها الشريان، تكفي نظرة خاطفة على عناوين المقالات التي نشرها في "الحياة" في فترة محدّدة: "المواجهة الجديدة مع حزب الله" (7 مايو 2015)، "هل نستمر في النقاش المذهبي أم نتوقف" (25 ابريل 2015)، و"حكاية تاريخنا المذهبي" (26 أبريل 2015)، و"ماذا قدّم حزب الله للعرب الشيعة؟" (23 أبريل 2015)، و"إعلام حزب الله بين قطيش والذايدي" (21 أبريل 2015)، و"نزع سلاحه ضرورة" (20 أبريل 2015).
    ليست المرة الأولى التي يجنح فيها الشريان نحو مواقف منحازة وبعيدة عن المهنية. سقطته المهنية المدوّية حصلت خلال تغطية برنامجه "الثامنة" لجريمة مجزرة الدالوة في الاحساء في 4 نوفمبر 2014.
    ما يبعث على الغرابة، أن الرسائل التحذيرية من الجانب السعودي للبنان من أجل استدراجه للوقوع في النفوذ السعودي بصورة كاملة، بقيت تتكرر لاحقاً، وهذا ما حصل في الأزمة المفتعلة بين الرياض وبيروت عقب قرار السعودية المفاجىء بوقف الهبة العسكرية للجيش اللبناني في 21 فبراير 2016. وفي التداعيات بدأت السعودية ومعها عدد من الدول الخليجية وعلى رأسها البحرين والامارات بتنفيذ بعض الاجراءات العقابية ضد مواطنين لبنانيين في الخليج وخصوصاً الشيعة بالترحيل أو تقليص امتيازاتهم. وكانت البداية تتمثل في إيصال رسائل الى كل السعوديين بمغادرة الاراضي اللبنانية على الفور، ثم تلاحقت الإجراءات التي تعبّر عن نيّة مبيّتة لدى الجانب السعودي بقطع الطريق على أية تسوية لبنانية أو إقليمية عقب التفاهم الروسي الاميركي حول الأزمة السورية.
    هوامش
    1- Rori Donaghy, Saudi Arabia's Shiite community protest sectarianism after deadly mosque attack, MiddleEastEye, 23 May 2015;
    http://www.middleeasteye.net/news/saudi-arabias-shiite-community-protest-sectarianism-after-deadly-mosque-attack-1339755529http://www.middleeasteye.net/news/saudi-arabias-shiite-community-protest-sectarianism-after-deadly-mosque-attack-1339755529
    2- http://www.tvwesal.com/about.phphttp://www.tvwesal.com/about.php
    3- Saudi Arabia shuts office of TV channel for fomenting sectarian tension, Reuters, Nov 5, 2014
    http://uk.reuters.com/article/us-saudi-television-idUSKBN0IP1BB20141105
    4- طارق الحميد، السعودية.. مثقفو الشيعة والبيان الفضيحة، صحيفة (الشرق الأوسط)، بتاريخ 24 مارس 2013
    http://archive.aawsat.com/leader.asp؟article=721980andissueno=12535#.Vlh1pr_j98A
    5- الإعدام يطوق خلية التجسس، صحيفة (الوطن) 23 فبراير 2016، أنظر الرابط:
    http://alwatan.com.sa/Local/News_Detail.aspx؟ArticleID=253894andCategoryID=5
    6- د. محمود محمد بترجي، النبرة المذهبية، الاقتصادية، 10 مايو 2013، أنظر:
    http://www.aleqt.com/2013/05/10/article_754577.html
    7- ناصر القفاري، عودة الغزو الباطني، جريدة (اليوم)، بتاريخ 29 إبريل 2015 أنظر:
    http://www.alyaum.com/article/4063521
    8- سلمان الدوسري، الصفار ومتطرفو الشيعة، جريدة (الاقتصادية)، 2 مارس 2013، أنظر الرابط:
    http://www.aleqt.com/2013/03/02/article_735696.html
    9- سلمان الدوسري، أين شيعة الإمارات وقطر؟، صحيفة (الشرق الأوسط)، 2 إبريل 2011 أنظر:
    http://archive.aawsat.com/leader.asp؟article=615419andissueno=11813#.Vk29ZE1Oc5s
    10- يمكن العودة الى كتابي الشيعة في السعودية، دار الساقي، بيروت 2007 والذي يعالج موضوع الاندماج الوطني.
    11- ناصر الصرامي، الشيعة في الإمارات.. الشيعة في الخليج..!05 أبريل 2011م أنظر:
    http://www.alarabiya.net/views/2011/04/05/144313.html
    12- جمال خاشقجي، لا أريد ان أكون طائفياً..ولكنّك لا تساعدني، صحيفة (الحياة)، 21 يونيو 2013، أنظر الرابط:
    http://www.alhayat.com/Details/525755http://www.alhayat.com/Details/525755
    13- توفيق السيف، كن طائفيا أو كن ما شئت.. لكن لا تضحي بوطنك، صحيفة (الاقتصادية)، بتاريخ 25 يونيو 2013، الرابط:
    http://www.aleqt.com/2013/06/25/article_765499.html
    14- خالد الدخيل، المثقف الشيعي وإيران، صحيفة (الحياة)، 22 مارس 2014،
    http://goo.gl/wsdgYYhttp://goo.gl/wsdgYY
    15- خالد الدخيل، أوباما وحلم التفاهم مع إيران الشيعية ضد الجهاديين السنّة، صحيفة (الحياة) 4 يناير 2015 أنظر الرابط:
    http://goo.gl/mtM9EWhttp://goo.gl/mtM9EW
    16- الأمير نايف والسلفية، في لقاءالأمير نائف حفظه الله في الجامعة الإسلامية في ليلة الخميس الموافق 28/11/1429هـ، موقع (الاسلام العتيق)، أنظر الرابط:
    http://islamancient.com/play.php؟catsmktba=2355http://islamancient.com/play.php؟catsmktba=2355
    17- خالد الدخيل، مواجهة الخطاب المذهبي، صحيفة (الحياة) 3 مايو 2015،
    http://goo.gl/S9ayNRhttp://goo.gl/S9ayNR
    18- خالد الدخيل يرصد الأهداف الاستراتيجية لتغير موقف السعودية من إخوان مصر، شؤون خليجية، 23 يوليو 2015، أنظر الرابط:
    http://goo.gl/fY3ft3http://goo.gl/fY3ft3

                  

05-10-2016, 10:23 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية.. ا� (Re: Yasir Elsharif)


    الغذّامي.. التخندق وراء المنطقة والطائفة

    مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية
    الغذّامي.. السلفي الحديث!
    (الحلقة الرابعة)
    تساؤل برز في عهد الملك سلمان هو: ما طبيعة الخطاب الذي ينتج في المملكة السعودية؟ من هو المستهدف بالخطاب؟ وما علاقة هذا الخطاب بالهوية وتالياً بمشروع الدولة؟ وهل يعبّر الخطاب عن عموم المكوّنات السكّانية؟ وهل ينسجم مع متطلبات الدولة الوطنية؟ وما تأثير هذا الخطاب على مستقبل المملكة؟
    خالد شبكشي


    بدت ملامح تحوّل فكري لدى الناقد الأدبي عبد الله الغذّامي في سنوات سبقت مرحلة الربيع العربي. اقتراب الغذّامي من التيار السلفي في السنوات الأخيرة كان حذراً، على الأقل كما تنبىء تظهيراته الثقافية. وبخلاف ما توحي به، في الظاهر، ممارسته النقدية للإتجاه السلفي، فإن ما ناقشه في كتابه (الفقيه الفضائي.. تحوّل الخطاب الديني من المنبر الى الشاشة) يقتصر على الجانب التقني وليس الفكري. بكلمات أخرى، رصد الغذّامي الانتقالات الثقافية بناء على تغيّر الصيغ التواصلية (التلفزيون، الانترنت، الجوّال)، وإن عودته الى المدونة الفقهية الاسلامية لم تحدث أي تغيير جوهري في رؤيته المعرفية والفقهية بمستوى دعوى اكتشافه للثراء المعرفي والفقهي في المجال الاسلامي.
    يعتصم الغذامي بتلازم ثراء المدونة الفقهية وتطوّر الصيغ التواصلية، بما نصّه: «لقد جرى تحوّل في الخطاب الاسلامي بعد تخليه عن فكرة تحريم الوسائل الحديثة، ليس عبر تقبله لهذه الوسائل فحسب، ولكن أيضاً عبر توظيفه لها واستثماره لهذه المعطيات والتقنيات، ثم في تحوّله هو من خطاب تفليدي منبري الى خطاب فضائي، له خصائصه ومفرداته المميزة»(1). ولازال النقاش يحوم حول البعد اللوجستي للاشتغالات الفقهية والمعرفية في المجال السلفي.
    في كتابه (ما بعد الصحوة.. تحوّلات الخطاب من التفرّد الى التعدّد)، حاول الغذّامي قراءة مسارات التحوّل التي مرّت بها ظاهرة الصحوة في السعودية في شكلها المراهق، عبر انغماسها في الشأن الاجتماعي ثم الثقافي في مستواه الشعبوي، وتالياً المرحلة السياسية حين برزت في هيئة تيار سياسي في مرحلة التسعينيات، وتحديداً إبان أزمة الخليج الثانية، وصولاً الى ما بعد الاعتقال لرجال تلك الهيئة والتي انتهت الى مراجعات أو انسحابات فيما عرف بالتيار الصحوي(2).
    ولكن الغذّامي الذي كان يقدّم نفسه على مدى سنوات انطلاقاً من اختصاصه في النقد الثقافي، قرر وبصورة مفاجئة القطيعة مع ذاته الثقافية، منذ إعلان السعودية الحرب على اليمن في 25 مارس 2015، وتصاعد الخلاف السعودي الايراني، وبدت مقاربات الغذامي تأخذ شكل المساجلات المذهبية الكلاسيكية، والتي أحدثت صدعاً عميقاً وخطيراً في الأساس الثقافي الذي يرتكز عليه، والقيم المنهجية التي يتبناها، بما في ذلك حديثه عن حرية الاختلاف، واحترام التعدّد، ونبذ الواحدية.
    بدا الغذامي أميل الى التماهي مع الذات السلفية في جنوحها الهوياتي والغرائزي، فتوسّله ذات المنهج في مقاربة القضايا الخلافية، واستعماله أدوات التحليل لدى مشايخ السلفية، جعله وبصورة تلقائية عضواً في النادي السلفي.
    في سلسلة مقالات كتبها في صحيفة (الوطن) السعودية، تقمّص الغذّامي شخصية الشيخ السلفي الذي يستحوذ عليه العقل النمطي، ويتوسل مهاراته النقدية، في إنتاج خطاب هجين، فلا هو حداثي ولا هو سلفي بالمعني الحرفي للكلمة، وهذا ما سوف نحاول استعراضه هنا لللاضاءة على المهاوي الثقافية والمنهجية في مقارباته.
    ينطلق الغذامي في مقالته المعنونة (إيران تحميني...)، من معطيين أو بالأحرى ثابتين هما: وجود خطر إيراني، والآخر: استجابة واستقالة شيعية. يقول: «إن خطر إيران على الشيعة العرب أكبر من خطرها على غيرهم». وأن هذا بحسب رأيه “سؤال للمستقبل”. ولكن مالذي يجعل من ايران خطراً سواء على الشيعة أو غيرهم؟ في حقيقة الأمر، أن القراءة التي يقدّمها الغذامي مندكّة في صميم الصراع السعودي الايراني، ما يجعلها قراءة موجّهة، وفي الحد الأدنى غير محايدة، وإن إقحام الشيعة العرب في أتون الصراع، يؤكّد سطوة العقل النمطي، الذي يكاد يطغى على مجمل القراءات التي تقدّم حول الثنائية الايرانية السعودية ومتوالياتها.
    وفي سياق إعادة قراءة الحدث الثوري الايراني عام 1979، يقدّم الغذامي مطالعة متصالحة مع العقل النمطي، إذ ينسج خيوط مؤامرة إيرانية ضد الأمة، والأمة هنا ليست بالضرورة بالمفهوم التاريخي والثقافي والحضاري ـ أي كل الأمة الاسلامية، بل على وجه التحديد: السعودية، وليس كل السعودية، بل السلطة السياسية وجمهورها.
    اللافت في مطالعة الغذامي، أنها ترفض كل الحقائق التي تمّ الكشف عنها لاحقاً، حول دعوى مبادرة ايران الى الحرب على العراق في الفترة ما بين 1980 ـ 1988، إذ كشفت التقارير الأوربية والاميركية ـ وأذعن لذلك كثير من العرب ـ أن الحرب العراقية الايرانية كانت قراراً أميركياً، وتالياً سعودياً وعراقياً. ولكن لأن هذه الحقيقة تخلّ بالرواية المستحدثة حول المؤامرة الايرانية، فلابد أن يكون الخميني قد جهّز جيوشاً «تحت شعار تحرير الأراضي المقدسة، ليس في فلسطين وإنما في العراق».
    وهنا يعيد الغذامي اكتشاف التاريخ حتى تتكشف معالم المؤامرة الايرانية الكبرى، بحسب مطالعته. يقول «وتبيّن مع الزمن أن هذا لم يكن شعاراً فحسب، بل كان حقيقة لم تتكشف إلا بعد أن غلط صدام نفسه غلطته القاتلة بغزوه الكويت 1989 ـ والصحيح 2 أغسطس 1990 ـ وهو الحدث الذي فتح أبواب جهنم على الأمة العربية، وانتهى بسقوط بغداد في 2003، وهنا تكشف أن البوابة الشرقية للوطن العربي كانت حقاً وحقيقة محتاجة إلى حراسة منيعة، وترتب عن هذا أن دخلت إيران ليتفاخر ملاليها بأنهم يحتلون أربع عواصم عربية وتحقق لهم ذلك خلال عشر سنوات..»، أي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء.
    وفي ضوء تلك المطالعة، يعاد طرح الأسئلة الكبرى حول التمزّقات التي أصابت الخطاب الثقافي العربي على وقع وجهة البوصلة الجيوسياسية والمعرفية، لتحدث تغييراً في الثنائية المعرفية بين (العرب/ الغرب)، لتصبح (العرب/ إيران). واستغل الغذّامي مهارته الثقافية في تصوير التحوّل في الخطاب الثقافي، وراح يسهب في شرح الاختلال في ثنائية العرب/ الغرب عبر دوائره الجيواستراتيجية، وكيف هيمن الغرب بالمعنى الجغرافي والمعرفي على الثقافة الإنسانية.
    يرى الغذّامي بأن انهيار البوابة الشرقية في 2003، أحدث تغييراً هائلاً في كل المعادلات، وأصبحت الثنائية الحاكمة هي (العرب/ إيران)، دون أن يحدّد مسؤولية من كان هذا التحوّل، وأين دور إيران فيه، بل ماذا تغيّر حين كانت الثنائية العرب/ الغرب حاكمة، على مستوى التنمية بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية!
    يصف الغذامي ثنائية (العرب/ إيران) بأنها «رجعية تعيد التاريخ إلى الخلف وإلى خلف الخلف..»، لأنها أظهرت أقبح ما في بطون الكتب القديمة، وبعد أن كان ساكناً صار موجّهاً وفاعلاً ومدمّراً.. ولكن لازال السؤال قائماً: ما دور إيران في ذلك كله؟
    يرجع الغذامي كل ذلك الى سقوط البوابة الشرقية، مع أن إسقاطها لم يكن فعلاً ايرانياً، بل أميركياً وبريطانياً. وإذا كان على التسهيل العسكري واللوجستي والارضي، فقد كانت السعودية في مقدّمة الدول التي سهّلت مهمة اسقاط البوابة، كما جاء ذلك في كتاب بوب وود وورد (خطة الهجوم)، وترجم الى اللغة العربية، ونشرته مكتبة العبيكان سنة 2004.
    الغذامي يقرّ بهزيمة العرب في ثنائية (العرب/ الغرب) من خلال تماهي الأول مع الثاني سواء كان مستعمراً أو متحضّراً، فكلاهما يوفرّ الحافزية نحو الاستقلال والنهضة. ولكن ثنائية إيران/ العرب قوّضت «المحفّزات» وحلّت محلها «الانكسارات». وأصبح الانقسام على خلفية طائفية سمة في الاحزاب والمجتمع والمساجد، والقنوات الفضائية. والغذامي لا يتردد في نسبة كل ذلك الى ايران، فيما تظهر السعودية في هيئة الضحية.
    يضرب الغذّامي مثلاً باليمن على تظهيرات ثنائية (العرب/ ايران) إذ تمّ إبراز خارطة ملونة تكشف جغرافية التوزيع المذهبي والطائفي اليمن بأربعة ألوان. ولكن لو قام الغذامي بمزيد من الواجب المنزلي، لوجد أدلة على تورّط السعودية في تعزيز تلك الخارطة، سواء من خلال التبشير المذهبي على مدى عقود حتى طاول معقل الزيدية في الشمال اليمني، وفي محافظة صعدة على وجه الخصوص، وهناك مئات الآلاف من المتحوّلين من المذهب الزيدي الى الوهابية، إلى جانب مشروع الأقاليم الستة الذي أريد تمريره خلال مراحل الحوار الوطني، وكان الغرض محاصرة الزيدية في اليمن وإضعافهم.
    يرجع الغذّامي التحوّلات في الأمة الى ما بعد انهيار العراق عام 2003. مع أن السعودية شنّت في 2009 حرباً مع النظام اليمني برئاسة علي عبد الله صالح ضد الحوثيين ولم تكن تربطهم ـ حينذاك ـ أي علاقة لا مع ايران ولا حزب الله، حتى أن زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي، وجّه رسالة عتاب شديدة اللهجة الى قناة (المنار) الناطقة بإسم حزب الله، كونها تجاهلت ما يرتكب من جرائم في محافظة صعدة. ثانياً، ما دخل ايران في ثورات الربيع العربي: في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين؟
    ما يبعث على الغرابة، أن الغذّامي يعيد أصل نشأة مصطلحات مثل «تصدير الثورة، الشيطان الأكبر، الأقلية، المظلومية» الى انهيار البوابة الشرقية.
    اللافت في مقاربة الغذامي، هو تصوير الشيعة العرب وكأنهم كتلة إجتماعية مخطوفة أو مشلولة، بما يجعلها هدفاً سهلاً لإيران، إن كانت بالفعل «تستهدف إقناعهم بأنها هي من تحميهم»، حسب قوله، ما لم تكن تقارير «الخلايا الجاسوسية» التي تصدر عن وزارة الداخلية في الرياض والمنامة يجري التعامل معها بكونها غير قابلة للفحص.
    الغذّامي، واستناداً على تغريدة لمن وصفه أكاديمي عراقي، جعل منها بياناً عاماً يفصح عن إرادة عموم الشيعة العرب، وراح يشتق منها الأسئلة المستقبلية حول ما بعد ايران، بل بنى على تلك التغريدة أسئلة في التكوين الفسيولوجي والثقافي والنفسي، وأطلق أسئلة في الخبايا والنوايا كقوله: “هل وقع الشيعي العربي بخدعة إيرانية غيّرت من طبيعة وجوده، وطبيعة علاقته مع الأرض والجار والهواء وأسئلة ثقافته، حتى توجهت عيونه نحو طهران، وأدار ظهره عن نفسه وواقعه؟!”(3).
    في مقالة بعنوان (تصدير الثورة) يعيد الغذامي مراجعة فهم الثورة الايرانية، لتكون منسجمة مع الوعي الجديد، مضبوطاً على معايير العقل النمطي.. يفرض الغذامي معجمه اللغوي وهو يقارب مفهوم تصدير الثورة، بما يوحي للقارىء وكأن الكلمات صادرة عن المرشد الأعلى للثورة. يقول الغذّامي أن الخامنئي «أكدّ وبالنص أن تدخل إيران في لبنان وسورية والعراق واليمن بل والبحرين سيستمر، وبإصرار أيديولوجي صارخ..». التأمل في النص الذي يفترض وجوده في خطبة للمرشد الخامنئي بتاريخ 18 يوليو 2015، يجعل من القيادة الايرانية غير حصيفة، وتفتقر الى الحد الأدنى من الدبلوماسية، فهل حقاً أن المرشد الخامنئي «أكّد وبالنص» كما يزعم الغذامي؟
    منطقياً، يصعب تصديق صدور مثل هذا النص لا عن المرشد، ولا حتى عن الملك سلمان ولا عن أي حاكم في العالم، بالرغم من أن مقولة «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى» تبدو تافهة ولا قيمة عملانية لها. وبالعودة الى نص الخطبة للمرشد في التاريخ المذكور، وهي خطبة عيد الفطر، وجاءت في سياق الرد على مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاق النووي، جاء ما نصّه: “المصادقة أو عدمها على النص، لن تمنعنا عن نصرة أصدقاءنا في المنطقة والشعوب في اليمن ولبنان وفلسطين والعراق»(4).
    والخطبة في مجملها كانت في سياق الرد على تداعيات الاتفاق النووي، وانفتاح ايران على الغرب وتخلّيها عن قضايا المنطقة. وقد ردّ الخامنئي على دعم الولايات المتحدة للكيان الاسرائيلي بأن ايران من جانبها لن تتخلى عن مناصرة أصدقائها في المنطقة. ولم يكن هناك ما يشير الى مصادمة بين ايران وأي من الدول الاقليمية. وإن كلام ممثل المرشد لدى الحرس بأن «نفوذ» بلاده في المنطقة جزء من «عمق استراتيجي لن تتخلّى عنه»، والذي يستند الغذامي إليه لإثبات سريان مقولة «تصدير الثورة» ينطوي على افتعال، لأنه كلام يصدر عن كل الدول الصغرى والكبرى، وبإمكان الغذامي أن يعود الى محرك البحث «جوجل» ليجد تصريحات مماثلة.
    على سبيل المثال: نشرت جريدة (الراية) القطرية في 15 أكتوبر 2015 تصريحاً للناطق باسم الخارجية اليابانية كواتشي ميزوشيما: «قطر شريك إستراتيجي وصاحبة نفوذ بالمنطقة». ومصطلح «النفوذ» يكاد يطبع سياسات الدول كافة، ولكن بالتأكيد حين يوضع في سياق العقل النمطي يكون له معنى آخر.
    من بين افتراضات أخرى ينتجها العقل النمطي، أن تصدير الثورة يتوسل المظلومية الشيعية، وهذا يتعارض مع السياق التاريخي والراهني معاً، فقد تعرّف العالم على مفهوم تصدير الثورة، بأنه شعار موجّه للشعوب المستضعفة في العالم، ولم يترافق هذا الشعار مع أي كلام عن المظلومية الشيعية في أي وقت. ولكن الغذّامي يتعسف في ربط التشيع بنظرية تصدير الثورة في سياق الاستقطاب الطائفي الحاد في المنطقة، لينتصر للرؤية والرواية المنتجتين سعودياً. يقوم الربط التعسفي لدى الغذامي على أساس أن ايران تستخدم تصدير الثورة «عبر إيهام الشيعة العرب بأن إيران هي المنقذ التاريخي الموعود، أو هي بداية الموعود..» ليسهب في شرح نظرية ولاية الفقيه وأبعادها وجذورها التاريخية عبر اسقاط متأخر ينتج تلك المؤامرة الكبرى التي تحيكها ايران بعد سيطرتها على عواصم عربية أربع (بالمناسبة أول من استخدم احتلال ايران لأربع عواصم عربية كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمته أمام الكونجرس في 4 مارس 2015 حيث قال: «في الشرق الأوسط، تسيطر الآن إيران على أربع عواصم عربية هي بغداد، ودمشق، وبيروت وصنعاء. ولو لم يتم ردع العدوان الإيراني، سوف يتبع تلك العواصم الكثير بالتأكيد»..)(5).
    يبدو التساهل فارطاً لدى الغذامي، وهو يسرد كل ما توافر لديه من معطيات، دون حتى مجرد النظر فيها قبل أن يرمي بها في مقالته مثل: «تفجيرات إيرانية في المشاعر الإسلامية في منى وفي الحرم المكي، مع إرسال جنود من الحرس الثوري الإيراني بصفة حجاج محملين بحقائب ملغومة من تحت ملابس الإحرام في الأعوام 1989 و1990». وهذا ما لم تقله حتى وزارة الداخلية السعودية، فمن أين جاء بكل ذلك؟!
    يتحدث الغذّامي عن جرائم ايران في العراق ولبنان واليمن، ولم يكلّف نفسه عناء العودة الى تقارير الأجهزة الامنية والقضائية في هذه الدول لمعرفة من كان المتورط الأكبر في الجرائم الارهابية، بما في ذلك تقارير سفارات دول غربية حليفة للسعودية، من بينها وثائق سنجار وأسرار ضلوع المقاتلين السعوديين، وفتاوى قتل العراقيين، وتقرير سفير الولايات المتحدة الأسبق كريستوفر هيل، وضلوع كتائب عبد الله عزام بقيادة السعودي ماجد الماجد في لبنان، والمقاتلون السعوديون في تنظيم فتح الاسلام ضد الجيش اللبناني في صيف 2007. أما جرائم الحرب السعودية في اليمن، فتلك تتطلب سجّلات وفرق تحقيق دولية للكشف عن تفاصيلها المؤلمة، وقد نشرت بعضها صحف أجنبية بمناسبة مرور عام على العدوان السعودي على اليمن (أنظر مقالات نشرت في مجلة فورين بوليسي، وصحف الجارديان، الاندبندنت، ونيويورك تايمز وكذلك تقارير حقوقية صدرت عن منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش في 25 مارس 2016).
    بات واضحاً أن ما حذّر منه الغذامي في كتابه (الثقافة التلفزيونية.. سقوط النخبة وبروز الشعبي) قد وقع فيه، ولكن بدلاً من أن تلعب الصورة دور الموجّه الثقافي، أصبحت الطائفية هي من يلعب الدور ذاته، فالغذامي لا يحتكم الى مرجعية علمية، إذ بدا موتوراً بدرجة كبيرة، فلا يكف عن توجيه إتهام مبطّن للشيعة العرب، بأن إيران تريد توريطهم، وأنها تحاول إيهام أمثال الغذامي «أن كل شيعي عربي هو جندي لإيران». وفي حقيقة الأمر، ليست إيران من تقوم بذلك، بل التصوّرات التي يراد من الغذامي تعميمها هي ما تفعل ذلك.. وما يبعث على السخرية أن يقدّم الغذّامي نفسه مخلّصاً للشيعة العرب من الهيمنة الايرانية: «أهم شيء عندي في مقالاتي هذه، هو تخليص الشيعة العرب من الربط بينهم وبين دولة مارقة لا تمثل وعداً وتقدم نموذجاً غير نموذج التوحش». هو يريد تخليص الشيعة من ايران، والعالم يريد تخليص الانسانية من الارهاب الذي ينتج خطابه في المملكة.. فمن نصدّق؟
    لسنا في مقام الدفاع عن مواقف ايران بما يقوله الغذامي عنها، فلها أن تدافع عن نفسها أمام لائحة الاتهامات المفتوحة لها وتحميلها مسؤولية كل نوائب الدهر، ولكن من موقع البحث والمراقبة أن نفحص ما يسرده الغذّامي من حكايات شعبية غير مسنودة، بما ينطوي على محاولة لمصادرة وعي جيل يراقب ويقرأ وينقد ولديه القدرة على وضع الأمور في نصابها، وليس تعمد خلط الوهم بالموقف السياسي، والايديولوجية بالعلم، والأزمة النفسية بالمنطق العلمي(6).
    في مقالته (الشيطان الأكبر) يكرّر الغذامي ذاته مرة تلو أخرى في سياق شيطنة إيران، لإثبات أمر واحد: أن إيران لها أجندة، وأن الشيعة العرب أداة بيدها. يقول ذلك بصيغ متعدّدة. يعود الى مفهوم تصدير الثورة لإعادة قراءته وفق العقل النمطي الذي يفسّر الأشياء في ضوء قناعات مستمدة من «قراءة صحف»، وليس من مرجعيات علمية وأبحاث أكاديمية رصينة. طغى التحليل السطحي والمباشر للوقائع السياسية في ضوء الصراع السعودي الإيراني، حتى باتت الفكرة الواحدة تتكرر بأشكال متعدّدة في مقالات الغذامي المنشورة في «الوطن»، والتي انتظمت في سياق خطابي واحد، أو بالأحرى دائرة خطابية مغلقة.
    يؤسس الغذامي فهمه لتصدير الثورة على ما يعتقده تصوّرات: المظلومية التاريخية للشيعة، وأن الثورة الخمينية هي المسؤولة عن رفع المظالم. ساق مثالين غريبين، ولولا الإطلاع على تفاصيلهما، ما جنحنا ناحية جدل خارج نطاق الموضوع. الأول أن عناصر حزب الله نزلوا إلى شوارع بيروت عام 2008 «حيث ارتكبوا مجازر ضد الشعب الآمن في بيوته وشوارعه»، ولا أعلم أين وقعت هذه المجازر، ولماذا لم يأت الاعلام اللبناني على ذكرها؟. الثاني: أن التفجير الذي استهدف السيد محمد باقر الحكيم في النجف عقب صلاة الجمعة، كونه «زعيم وطني كان يخطط لبناء عراق جديد يكون وطنياً وعربياً وديموقراطياً، وهذه كلها نقائض لمشروع تصدير الثورة الإيراني وصار حينها هو الشيطان الأكبر حتى تفرّغ منه» فهذه كلها من مخترعات خيال الغذامي، فقد اعترفت (جماعة التوحيد والجهاد) بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، بمسؤوليتها عن الاغتيال، وهذا ما ورد في شهادة أبو أسامة الشامي، المسؤول الشرعي في الجماعة، والمتخرّج في الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة(7).


    الغذامي.. "كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا"!

    الرسالة الثابتة في خطاب الغذامي تتلخّص في التالي: إيران تستغل الشيعة عبر توظيف المظلومية، ما يعني في نهاية المطاف أن من يناضلون من أجل وضع حد للمظالم الواقعة على الشيعة من قبل الأنظمة يصبح تلقائياً عميلاً إيرانياً، وبحسب كلامه: «فإن مشروع تصدير الثورة يتوسل بمفهوم المظلومية وتخصيصها للشيعة دون غيرهم من الفئات..». الزيادة التي تبرّع بها الغذامي: «أن المحيط السنّي هو المسؤول التاريخي عن المظلومية الشيعية»، وهي نتيجة افتراضية ليست مستندة على قراءة في مصادر تاريخية ولا تجارب حاضرة، بل هي جزء من تأملات ذاتية مستمدة من تراث السجال المذهبي(8).
    لم يقل أحد من الشيعة عرباً كانوا أم عجماً بأن السنّة هم مصدر مظلومية الشيعة، فقد ثار الشيعة في ايران على حاكم شيعي، وانتصر علماء الشيعة للدولة العثمانية السنيّة في مواجهة الاستعمار البريطاني في ثورة العشرين، وناصر علماء الشيعة الشعب الليبي في مواجهة الاستعمار الايطالي. ومن المناسب ذكر رسالة الشيخ حسن علي البدر القطيفي (دعوة الموحّدين إلى حماية الدين) وهي رسالة فقهية في وجوب تحرير ليبيا من الغزو الايطالي، استند فيها الى الأدلة الأربعة من مصادر السنة والشيعة ونشرت سنة 1914.
    في مقالته (سؤال المظلومية)، يقدّم الغذامي منظومة تعريفات خاصة به، بدءاً من تصدير الثورة ومروراً بالمظلومية وكربلاء، والمهدي، وصولاً الى الطائفية.. هي في نهاية المطاف قراءة إيديولوجية بامتياز.
    ينفرد الغذّامي في سياق وعي متأخر مصحوباً بنزوع مذهبي واضح بقراءة محدّثة للثورة الايرانية، ويرى بأن «تصدير الثورة» تصدر عن رؤية مذهبية، وأن الثورة الايرانية هي ثورة «إسلامية شيعية»، برغم من أن قيادات الثورة الايرانية في الصف الأول، أو الصفوف الدنيا لم يستخدموا مصطلح «ثورة إسلامية شيعية»، بل كان المصطلح الشائع: ثورة إسلامية.
    ولكن، إذ لا يمكن تأسيس سياق لجدلية المظلومية وفق مفهوم الغذامي، كان لابد من إقحام الصفة الشيعية للثورة كيما ينتظم جدل المظلومية الشيعية، وربط ذلك بمقتل الإمام الحسين في كربلاء وتحوّل الشيعة الى أقلية مقموعة «وأن قامعهم هو الكائن السني الذي يحتويهم..». وتبعاً له وفق هذا التفسير الأيديولوجي والمذهبي للتاريخ يصبح دور الإمام المهدي منطقياً وضرورياً حيث يظهر بعد نضوج شروط عودته ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، مع أن العقيدة المهدوية ليست من خصوصيات الشيعة وحدهم، فالعقيد الخلاصية عابرة للأديان والمذاهب، وأن الوهابية التي ينتمي اليها الغذّامي أشدّ تمسّكاً بالعقيدة المهدوية من الشيعة أنفسهم، وكان أهم عامل في حركة جهيمان العتيبي في نوفمبر 1979 هو كتاب (إتحاف الجماعة لعلامات الساعة) للشيخ حمود التويجري، والذي أعاد جهيمان تلخيصه بما يتطابق وخطّة جماعته، وبحسب المواصفات التي تتناسب ومهدي حركته، محمد عبد الله القحطاني.
    يصوغ الغذامي رؤية إشكالية مؤسسة لصدام داخلي، حين يفترض جدلاً أن الرؤية المهدوية لدى الشيعة ترتكز على عنصرين كلاهما سالب: الأول، أن الشيعي هو المظلوم دون غيره، والثاني أن الآخرين غير الشيعة، أي السنّة، هم مرتكبو الظلم. في حقيقة الأمر، أن مثل هذه المعادلة كفيلة بتفجير الدول وتقويض أسس السلام الاجتماعي، بل هدم العلاقات الاجتماعية من داخلها، ليس فقط كونها مؤسسة على معطيات ناقصة ورؤية قاصرة، بل تنطوي على عنصر استفزاز وتحريض على القطيعة والخصومة الدائمة، إذ من شأنها تأبيد التوتر بين المكوّنات السكانية على أساس مذهبي، وثنائية الظالم والمظلوم، وهي فكرة ترتد الى أزمنة غابرة ومنتهية الصلاحية.
    يتقمّص الغذامي شخصية الواقعي، تأسيساً على ما يعتقده حقائق دامغة، ولم يكلّف نفسه عناء القيام بزيارة للمناطق الشيعية، وحوار الشخصيات الشيعية، والاطلاع عن قرب على أحوالهم ومتبنياتهم، بدلاً من اعتناق تصوّرات جاهزة هي تمثل منتجات لحال التوتّر الطائفي في المنطقة عموماً. وعلى طريقة مشايخ الوهابية الذين يصوغون تصوّراتهم عن شركائهم في الوطن من بطون بعض الكتب القديمة غالباً، وليس من خلال التواصل المباشر معهم، والوقوف على الحقائق كما هي على الأرض ودون مسبّقات ذهنية ونفسية، فإن الغذامي لا يؤسس تصوّره بناء على قراءة في مصادر شيعية رصينة، أو تجربة ميدانية طويلة وجدّية.
    في قراءة الغذامي، يختلط الحاضر بالماضي، والصحيح بالسقيم، وتتشابك السياقات بين ما هو سياسي وآخر عقدي وثالث مذهبي، ورابع ثقافي، فتخرج النتائج مضطربة لا يميّز فيها بين الحقائق التاريخية، والخلاصات لتأملات ذاتية، أو نتائج لبحوث أكاديمية. وما كان للغذامي أن يخرج بحكم عام على الشيعة من خلال تجربة شخصية مع طالب شيعي أرسل له أحد بحوثه، وضمّنه بيتاً لأحمد شوقي في مسرحية مجنون ليلى يقول:
    ألأني أنا شيعي وليلى أموية
    اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية
    ويقول بعدها بأن «الاشكال يقوم على منظومة من الافتراضات الخاطئة» لدى الشيعة، لتتحول مادة توظيف سياسي ضد الدولة، السنيّة حكماً.
    تقطّع السياقات في مقاربات الغذامي باتت سمة عامة في مقالاته عموماً، ولذلك يتعسف في ايصال المقطوع موضوعاً، حتى لتجده يقفز الى موضوع غير ذي صلة لمجرد أن ثمة إلماعة في ذاكرة المؤلف استوجبت ذلك، كإدراجه مسميات حزبية من مثل «حزب الله» و»أنصار الله»، والتي يعدّها «تسميات ملتبسة، تقوم على تخصيص الذات بصفات يتحتّم سلبها عن غيرهم»، مع أن هذه التسميات لا تقتصر على الطوائف الشيعية (الجعفرية أو الزيدية)، فهناك عشرات الأسماء التي جادت بهم الثورة السورية وخصوصاً الجماعات السلفية المسلّحة من مثل (جيش الإسلام، لواء الإسلام، لواء الحق، لواء التوحيد، تجمع أنصار الإسلام، لواء الرحمن..الخ)، فإنّ كل ما ينطبق على تسميات الأحزاب الشيعية ينسحب على نظيرتها السنيّة (والسلفية على وجه الخصوص) دون تمييز، تأسيساً على تصوّر الغذامي نفسه.
    في مقاربة الغذامي لمسألة المظلومية استبطان من نوع ما، فهي تنطوي على نيّة القفز على الحقائق ابتداءً، إذ يفترض أن المظلومية شعار غير واقعي يرفعه الشيعة وتستغله إيران، وكان الأجدر إخضاع الشعار لفحص جدّي، فهل ثمة حقائق على الأرض تولّد هذا النوع من الشعور لدى طائفة ما، شيعية كانت أم سنيّة؟. فما يأخذه الغذّامي على الشيعة بأنهم يعتصمون بالمظلومية في الأحوال كلها، يمكن أن يأخذه الشيعة عليه بأنه يعتصم بنفي المظلومية في الأحوال كلها. وبدلاً من المناكفة، كان البحث أولى لمعرفة نسبة الحقيقة ونسبة الإدعاء والزيف، قبل أن يخلص الى نتيجة جاهزة منذ البداية ليختم بها مقالته بأن المظلومية تحوّلت لدى الشيعة الى ظالمة، وما تنتجه من تداعيات وذيول وتشوّهات أسهب الغذامي في الحديث عنها تلتقي عند مطب «الطائفية»(9).
    بيد أن ما يلزم الالتفات إليه، أن اضطراب السياق لدى الغذامي لا يعود لمجرد اعتصامه بمعايير مذهبية، بل الأخطر هو غياب معايير الدولة الوطنية التي يجب الاحتكام اليها، وعلى أساسها تفصل النزاعات وتحدّد الحقوق والواجبات. ما تعكسه مقاربة الغذامي أنه ينطلق من ثنائية «نحن» في مقابل «هم»، والتي تتعارض جوهرياً ووظيفياً مع قيم الدولة في المساواة بين المواطنين في الشراكة الفعلية بين المكوّنات السكانية كافة.
    مقاربة الغذامي لـ «مفهوم الطائفية» لا ينفصل عن رؤيته الإجمالية النمطية عن ايران والشيعة، وفي المآلات لا يمكن توقع خرق فكري في ضوء تلك المقاربة المأزومة. استعان الغذامي بمهارته في النقد الثقافي لمناقشة الطائفية بوصفها حسب قوله ذنباً مشتركاً «تقترفه كل الطوائف في كل تعاملاتها مع غيرها». حسناً، تبدو بداية منطقية. ولكن ما يلبث أن يضع معايير صارمة لمن ينطبق عليه صفة «الضحية ـ المظلومة» ومن يناله عقاب «الضحية الظالمة».
    ومن موقعه، ينظر الغذّامي من زاوية سعودية وهابية خالصة الى كلمة «الطائفية» وأنها تنطبق، حصرياً، على من ينتقد سياسات إيران وأذرعها في المنطقة، والسؤال يطرح أيضاً وبنفس الزخم حول من ينتقد سياسات السعودية في داخل المملكة وعدوانها على اليمن، وتمويلها للجماعات المسلّحة الحليفة لها. وعليه، فسؤال الطائفية ليس ذا اتجاه واحد، بل هو يطاول أطراف الصراع عامة، قبل الحديث عن من هو الطرف الأكثر أو الأقل طائفية. ويغفر للغذامي عدم اطلاعه على الشجب الذي تناله فضائيات طائفية شيعية من الشيعة أنفسهم، كما يغفر لغيرهم عدم اطلاعهم على ما تناله فضائيات طائفية وهابية من السنّة، وأقول وهابية لأن من النادر ـ حد العدم ـ وجود فضائيات سنيّة غير وهابية متخصصة في النقاش الطائفي التكفيري، ما لم تكن مدعومة من السعودية.
    يساوي الغذامي بين مصطلحي الطائفية ومعادة السامية لجهة المعنى، أي تصبح الطائفية ذات معنى متوحش، حسب وصفه. غاية ما يريد الغذامي إثباته أن الطائفية مرض مشترك لدى كل الطوائف الإسلامية، وإن انفراد الشيعة بالشكوى منها يجعلهم في مقام الظالم وليس المظلوم. تبرز النزعة التبريرية لدى الغذامي في تضييع الأثر الوهابي في الجدل الطائفي، عن طريق اعتماد الثنائية المذهبية الكليّة (السنّية الشيعية) حيث يصبح التكفير سمة ثقافية مشتركة، وفي مثل هذه الحال تصبح الوهابية جزءاً متماهمياً مع المجال السنّي.
    في حقيقة الأمر، أن مقاربة مسألة التكفير تفرض فصلاً حتمياً بين ما هو سنّي وما هو وهابي، لأن التكفير وإن وجد في أدبيات الطوائف الاسلامية قاطبة، إلا أن تلك الأدبيات جرى تعطيل مفعولها في العلاقات الاجتماعية والحركة الثقافية على مدى أكثر من قرن. وتعزّز التعطيل منذ بدء مشروع التقريب بين المذاهب الاسلامية في القاهرة في العام 1947. وفيما كان التقريبيون يعملون على تنقية وتنقيح التراث المذهبي السني والشيعي على السواء، كان مشايخ الوهابية يغرقون الساحة الاسلامية بكتابات مناهضة للتقريب. وقد سئل المفتي السابق الشيخ عبد العزيز إبن باز عن موقفه من مبدأ التقريب بين المذاهب فأجاب: (التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن؛ لأن العقيدة مختلفة.. كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنة ، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة لاختلاف العقيدة التي أوضحناها)(10).
    وقد شنّت مجلة (الإعتصام) المقرّبة من المدرسة السلفية الوهابية في مصر، وكذلك مجلة (التوحيد) الناطقة بإسم جماعة (أنصار السنة) وهي جماعة وهابية تنشط في مصر، حملات متواصلة على دار التقريب وقامت بتحريض بعض العلماء المرتبطين بالمؤسسة الرسمية، لجهة تعطيل أي نشاط تقريبي ينطلق من مصر.
    وفي سبعينيات القرن الماضي، وضع الشيخ ابراهيم الجبهان كتابه المثير للجدل (تبديد الظلام وتنبيه النيام إلى خطر الشيعة والتشيع على المسلمين والاسلام)، وتكفّلت (إدارة الدعوة والافتاء والإرشاد) بإعادة طبعه في الثمانينات وثبت على غلافه عبارة (وقف لله تعالى). حمل المؤّلف على تجربة التقريب بين المذاهب الاسلامية وعدّها (من بركات السفارة الإسرائيلية)(11).
    وانفرد مشايخ الوهابية في الرد والتهجّم على كل مشروع تقريبي بين المذاهب الاسلامية، فكتب عبد الله القفاري في كتابه (مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة) بأن (محاولات التقريب من جانب الشيعة مجرد ستار لنشر التشيع في ديار أهل السنة)(12). وعبّر مشايخ الوهابية عن مواقف نبذية لدعوة التقريب، واشتغل بعضهم على نقض فتاوى التقريب، ومن بينها فتوى شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت بجواز التعبّد بالمذهب الإثني عشري، كما جاء في رد الشيخ سفر الحوالي على فتوى الشيخ شلتوت(13).
    في الخلاصات، فإن التكفير في المذاهب الاسلامية كان سمة مشتركة ولكن فقد مفعوله في العقود الأخيرة باسثناء المذهب الوهابي، الذي لا يزال التكفير فيه سمة عقدية ثاتبة وفاعلة. في حقيقة الأمر، أن تراث التكفير في المذاهب الاسلامية كان يمكن أن يندثر بإهماله وعزله، ولكن جاء من يبعثه من مرقد التراث الكلامي القديم لتوظيفه في السجال المذهبي، ولو قدّر لحركة التقريب بين المذاهب أن تحظى بالدعم، لأصبح التكفير أثراً من الماضي، ولمنع من «يأتي ويحركها ويجعلها تخرج من بطون الكتب لتحتل الشارع والفضاء السمعي والبصري..» حسب الغذامي.
    وللإنصاف فإن الثورة الاسلامية الايرانية لم تكن هي المسؤولة عن انبعاث الطائفية من مرقدها، ومن واكب مسيرتها منذ البداية، يجد أن خطاب الثورة كان وحدوياً، وإن الامام الخميني هو من أطلق إسبوع الوحدة، ومنع طباعة أي كتاب يسيء الى الخلفاء الراشدين، فيما كانت الكتب الطائفية تطبع بأموال سعودية في السعودية ومصر وباكستان لمؤلفين وهابيين مثل (إحسان إلهي ظهير، ومحمد مال الله الخالدي، وعبد الله الغريب، علي السالوس، محمود ناصح، محمد الشقرة، مقبل الوادعي، عبد المنعم قنديل)، وقد تكفّلت مؤسسات النشر ودور الطباعة المموّلة من السعودية بطباعة المئات من الكتب المحرّضة على الخلاف السنّي الشيعي.
    الفجور في الخصومة لدى الغذامي تدفع به لفبركة مزاعم لم تصدر عن خصومه، وهي لا تصدر أيضاً عن أي جهة لديها الحد الأدنى من الحس الإنساني كقوله بأن حزب الله أو أنصار الله «يقدمون ظلمهم واعتداءهم بوصفه عملاً نبيلاً ومقدّساً، ثم يصفون غيرهم بأنه تكفيري وإرهابي تجب ملاحقته... هي دعوى الحوثي في حربه على الشعب اليمني، ودعوى حزب الله في حربه على الشعب السوري». كيف يصبح دفاع أنصار الله الحوثيين عن بلدهم إزاء العدوان السعودي حرباً على الشعب اليمني؟!(14).
    وتبقى الإشكالية الكبرى شاخصة: أين مرجعية الدولة في كل ما يكتبه الغذامي؟ إن ترتيب آثار سياسية على خلافات عقدية، يطيح مرجعية الدولة، ويثبت مرجعية الطائفة، وحينئذ تكون العلاقة قائمة على أساس القطيعة والتصادم لا على الاحترام والتعايش.
    لا يكف الغذّامي عن الخلط بين إيران والتشيع ومتوالياتهما، إذ يصبح كل عنوان إطاراً مفتوحاً على طائفة عناوين تطاول جوانب في السياسة وأخرى في المذهب. المقاربات الموتورة التي طبعت مقالات الغذامي تسهم في توليد خطاب يفرض نفسه على العلاقات الداخلية بين السلطة والمجتمع، وبين مكوّنات المجتمع بعضه ببعض.
    يرجع الغذّامي بروز ثنائية (السنّي/ الشيعي) الى ما وصفها الثورة الخمينية، دون تقديم ما يثبت ذلك من أدلة حسّية. وكما يظهر، فإن الغذّامي الذي لم يقرأ التجربة الثورية الايرانية من بدايتها، يقدّم قراءته الأولى في ضوء مناخ محتقن وشديد الاستقطاب، ما يجعل الأدلجة طاغية، وبما يشعر القارىء وكأن لديه ثأراً شخصياً مع ايران تعكسه المقاربة المباشرة والاقتحامية، ويغيب عنها دور الباحث المحايد، الذي يقرأ وفق ضوابط علمية، ومن مسافة احترازية، تحول دون تغليب عنصر الشخصنة على القراءة العلمية المحضة.
    إنها القراءة المتأخرة للتاريخ التي تجعل الغذّامي يعيد وعي الثورة الايرانية من منظار طائفي في نسخته المحدّثة. يقول أن السيد الخميني «طرح شعارات طائفية منذ أيامه الأولى، وفرض على الكل أن يفكر بثنائية (شيعي/ سني)». إنها بالتأكيد ليست الثورة الخمينية التي عرفها وواكبها الملايين. وكيما يستدّل على ما يفترضه حقيقة، يسرد قائمة وقائع أمنية نسبها الى ايران، مع أن منها ما هو ثابت بأن السعودية ضالعة فيه من مثل تفجيرات «بيروت في الثمانينات»، وخصوصاً مفجّرة بئر العبد في العام 1985 الذي كشف الصحافي الاميركي المشهور بوب وودورد في كتابه (الحجاب)، عن ضلوع الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في واشنطن سابقاً، في تمويلها وكانت تستهدف العلاّمة الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله(15).
    ثمة رواية مربكة يقدّمها الغذامي ترتكز على خصومته مع ايران، وتالياً التشيّع والشيعة الذين تحوّلوا خصماَ مموّهاً، عبر التصويب على معتقداتهم في المهدي، والشهادة، وكربلاء والعدل، والمظلومية. وكما هو حال كثير من المثقفين الرسميين في المملكة السعودية، يصبح المساواة بين حزب الله وداعش، وبين نصر الله والبغدادي؛ وبين الحشد الشعبي وأي تنظيم إرهابي آخر، توجيهاً عاماً يراد تحويله الى ثابت، وكأنه مسألة دفاع عن الذات والهوية.
    الغذامي يساوي بين المظاهرة السلمية في القطيف والعوامية، وبين العملية الانتحارية التي يقوم بها عناصر داعش، لا يفرّق في ذلك لأن الآخر لم يعد له قيمة حقوقية، فهو مجرد خصم وكفى. وله حينئذ أن يضيف اكتشافات جديدة إلى «تصدير الثورة» وهي اكتشافات أخرجها الى العلن الاستقطاب السياسي والطائفي المتجدد بين السعودية وايران، ووجد الغذامي نفسه جزءً في مشهد الاستقطاب(16).
    في مقالته (إنهيار مفهوم المظلومية) يحمّل الغذامي، وفق قراءة إيديولوجية موتورة، ما يصفها بـ «النظرية الشيعية» بكامل حمولتها، مسؤولية ما أصاب الأمة من تمزّقات سياسية ومجتمعية وكيانية.. المقاربة الاختزالية، أو بالأحرى الحلقة المفرغة التي يدور فيها عبر حصر النظرية الشيعية في مبدأ المظلومية كمقدّمة لبسط العدل وفق نظرية الخلاص الشيعية، بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان.. تتحوّل الى أداة تفسير لكل النوائب التي أصابت الأمة.
    وعلى طريقة أهل ملّته من الوهابيين في استدعاء الذاكرة المأزومة بتحميلهم الوزير الشيعي مؤيد الدين العلقمي مسؤولية سقوط الدولة العباسيّة، يحمّل الغذامي الشيعة مسؤولية سقوط بغداد في 2003. الطريف، أن الغذامي وفق قراءته الموتورة، تصبح إيران ـ وليست الولايات المتحدة وبريطانيا ـ من أسقط بغداد وحطّم تمثال صدام حسين. وهنا يأخذ التحليل منحى طائفياً خالصاً، إذ يحيل الغذامي من تصوّراته الذهنية الجاهزة الى حقائق ثابتة، ليصبح منهج التحليل منحصراً في ثنائية السني/ الشيعي.
    كان بإمكان الغذامي الذي توسّل هذه الثنائية لتفسير الواقع السياسي، أن يتخذ من العراق ما بعد 2003 مثالاً بأن المظلومية ليست امتيازاً شيعياً، وإن الظلم ليس امتيازاً سنيّاً، فهما امتيازان للحكم المستبد والغشوم، شيعياً كان أم سنيّاً، وإن المظلومية قد تقع على الشيعة والسنّة معاً، كما هو الحال في المملكة السعودية، باستثناء أتباع المذهب الوهابي.
    العودة إلى إيران بالنسبة للغذامي باتت مخرجاً مريحاً، ولاغرابة حين يظهر عبر هذه المقالات في شخصية غير مألوفة، لا تنتمي الى مجاله الثقافي النقدي، فهو هنا يلعب دور المراهق السياسي، وإن أتقن لغة ثقافية متقدّمة. فالأمثلة والمقارنات التي يسوقها في مقالاته تفشي ضحالة سياسية، لم تستطع اللغة الثقافية أن تسترها. على سبيل المثال، يتناول الغذامي موضوعة التوحّش الثقافي الذي يسود الخطابات كافة «كنتيجة لمشروع تصدير الثورة الخمينية»، ويمثّل لذلك بوجوه ستّة:
    1/ “ما دخلت إيران إلى بلد عربي إلا وحل فيه الدمار (العراق، سورية، اليمن، لبنان)”. ولم يخبر الغذامي عن طبيعة هذا الدخول ومتى وكيف؟ وأين هو الدور الايراني التدميري في هذه الدول لإثبات تلك النتيجة.
    2/ “انكسرت فكرة الدولة الوطنية في كل بلد تدخله إيران، لدرجة أن الحكومة فيه لا تكون حكومة للشعب كله، ولكنها حكومة لفئة..”. ونسأل أين هي الدولة الوطنية الممثلة لأغلبية مكوّنات المجتمع. ولنبدأ بالمملكة السعودية، هل تعد دولة وطنية بالمعنى المليء للمصطلح. ولعل من المناسب الرجوع الى كتاب «أزمة الدولة في الوطن العربي» لمجموعة من الباحثين الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في العام 2011. وبحسب توصيف الكتاب لأزمة الدولة وتشريح أبعادها، كان التركيز على مستويات ثلاثة:
    “سياسياً جرى الحديث عن تسلط الدولة واستبدادها واستئثار قلّة في حكمها، واستنزاف ثرواتها ونهب مواردها وإشاعة الفساد في هياكلها، وفي تضادّ ذلك جاء الحديث عن قوى التغيير وحركات الاحتجاج والكتلة التاريخية المدعوّة إلى التشكلّ؛ واقتصادياً وصّفت ريعية الدولة، وبالتالي فشل سياساتها «التنموية» التي أدّت إلى مزيد من الإفقار والبطالة وغياب العدالة؛ واجتماعياً بدا صارخاً ما تمارسه «الدولة العربية» من سيادة ونفوذ الطائفية والإثنية والقبلية، وما تنتجه من قوى موالية بفعل نظام المحسوبية (الزبائنية)، تلك القوى التي عاثت بالمجتمع فساداً”.
    وبرغم من أن الكتاب لم يهمل العامل الخارجي، والغربي على وجه الخصوص، إلا أنه لم يرد في أي من بحوثه دور لإيران، مع أن من بين الباحثين من يحمل خصومة ظاهرة وباطنة لإيران، ولو وجد لها هذا الدور ما تردّد في الوقوف عليه والنفخ فيه.
    لا أحد يقول بعصمة إيران، كما يزعم الغذامي، كما ليس من عاقل يرى في ايران مصدر شرور العالم، حتى باتت إيرانسندروم (متلازمة ايران) عنواناً لكل تصرّف غير مقبول من الجانب السعودي. فقدان التوازن في قراءة المواقف يجعل المرء غافلاً عن انحياز نفسه التام لموقف ما، وتحميل الآخر ما يعتقده انحيازاً مطلقاً للموقف المقابل. فما يعتقده الغذامي «الضرر الإيراني» الذي لا يميّز بين «شيعي عربي ولا سني»، ينسحب وبنفس القدر على رؤية الآخر للسعودية، ودورها أيضاً في اليمن وسقوط ضحايا من السنّة من المذهب الشافعي أكثر من الشيعة الزيدية، وكذلك في سوريا حيث يسقط من الضحايا السنّة على يد الجماعات المسلّحة المدعومة من السعودية، أكثر مما يقع من العلويين.
    تثير معلومات الغذامي عن الواقع الشيعي الدهشة والطرافة في آن، وتكشف عن خفّة وبساطة في تلقف معلومات من مصادر غير محايدة مثل «طرد علي الأمين وعائلته من جنوب لبنان، وفي اغتيال محمد باقر الحكيم في النجف الشريف، وفي محاصرة محمد حسين فضل الله، حتى حاصروه بعد موته ومنعوا التعازي به في إيران، وكذلك يجري التكتم على اسم محمد مهدي شمس الدين ومنع تداول اسمه وكتبه وآرائه»(17). وكل ذلك بفعل إيران وذراعه اللبناني، حزب الله، حسب الغذامي. ما يزيد الأمر طرافة تحميل ايران تفجير المراقد الشيعية في سامراء في 22 فبراير 2006، برغم من أن السلطات الامنية العراقية حدّدت الجهة المسؤولة وهي (القاعدة) بقيادة الزرقاوي، وهناك سعوديون ينتمون للتنظيم ضالعون في التفجير(18).
    في مقالته (الاختلاف الساخن)، يضيء الغذامي على الخلاف السني الشيعي. لم ينفك يعيد إنتاج المقاربة السجالية الكلاسيكية القائمة على «تنزية الذات وتوصيم الآخر». فهو لا يبرح تلك القراءة الخشبية للتراث السجالي، ولا يقدّم إضافة نوعية على مستوى تفكيك الخلاف وسبر أبعاده التاريخية والثقافية والسياسية والإجتماعية، وإنما يراكم كميّاً لسجال طويل يعود الى القرن الرابع الهجري، اللهم سوى الاختلاف في لغة التعبير عنه، أي إعادة إنتاج الماضي بلغة حديثة، بحسب نيتشه. وعليه، فإن الجديد في مقاربة الخلاف السني الشيعي لم يولد بعد، وإن القديم لم يندثر أو يمت، على عكس مقولة غرامشي.
    في الظاهر، ينطلق الغذامي من المرجو تحقيقه، نظرياً على الأقل، أي عبر إرساء بنية ثقافية لعلاقة مستقرة تقاربية بين السنّة والشيعة. ويقترح لذلك صيغاً ثلاثاً وهي: التقارب/ التعايش/ المواطنة. وكان بإمكان الغذامي أن يفتح أفقاً واسعاً لنقاش جدّي حول جذور الخلاف، وآليات تنظيمه، وسحب الجمهور العام الى مكان بعيد عن بؤر التوتّر، من أجل تجسيد مفاهيم التقارب والتعايش والمواطنة. أي الانطلاق من الدولة وإليها، وليس من الطائفة واليها. ولكن الغذّامي الذي يتقمص شخصيتين متضاربتين في آن: شخصية المثقف النقدي، وشخصية المؤدّلج المحازبي، يتواجه مع نسقين ثقافيين متقابلين: نسق يقود الى منظومة القيم الكبرى الجامعة التي يلتقي عليها السنّة والشيعة على حد سواء، ونسق آخر مناقض له مؤسّس على منظومة المفاهيم الفئوية والسجالية والاقصائية.
    انتقل الغذامي من العام الذي يلتقي فيه مع كل المناصرين لمشروع التقريب بين المذاهب، ثم جنح الى الخاص، حيث يخوض سجاله المذهبي مع ايران والشيعة ومتوالياتهما عبر مناقشة مصطلحي: الأقلية والذاكرة، بوصفها صيغاً لما يسمّيه «فقه الصورة»، وهو مجال يعترف الغذامي بأن فيه تضيع الحكمة «ويؤجج الانشطار بمزيد من التباعد».
    (يتبع)
    هوامش
    (1) عبد الله الغذامي، الفقيه الفضائي..تحوّل الخطاب الديني من المنبر الى الشاشة، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الاولى 2011، ص 18.
    (2) عبد الله الغذامي، ما بعد الصحوة..تحولات الخطاب من التفرّد الى التعدد، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الاولى 2015
    (3) عبدالله الغذامي، إيران تحميني.. سؤال الثقافة والمستقبل 2، صحيفة (الوطن) بتاريخ 1 سبتمبر 2015
    (4) أنظر: السيد الخامنئي: الأعداء لن يرون استسلام إيران إلا في أحلامهم، موقع الخبر، بتاريخ 18 يوليو 2015
    (5) نتنياهو أمام الكونغرس: إيران مسؤولة عن إثارة الفوضى بالشرق الأوسط وتسيطر الآن على 4 عواصم عربية، موقع سي إن إن بالعربية، 3 مارس 2015 أنظر الرابط:
    http://arabic.cnn.com/world/2015/03/03/wd-030315-netanyahu-iran-bomb
    (6) عبدالله الغذامي، تصدير الثورة ـ 3، صحيفة (الوطن) بتاريخ 3 سبتمبر 2015
    (7) الرجل الأقوى في جماعة التوحيد والجهاد..أبو انس الشامي، شبكة أنا المسلم، الرابط:
    http://www.muslm.org/vb/archive/index.php/t-390016.htmlhttp://www.muslm.org/vb/archive/index.php/t-390016.html
    (8) عبدالله الغذامي، الشيطان الأكبر، صحيفة (الوطن) بتاريخ 6 سبتمبر 2015
    (9) عبدالله الغذامي، سؤال المظلومية، صحيفة (الوطن) بتاريخ 9 سبتمبر 2015
    (10) مجموع فتاوى ابن باز» (27/325(.
    (11) ابراهيم بن سليمان الجبهان، تبديد الظلام وتنبيه النيام إلى خطر الشيعة والتشيع على المسلمين والاسلام، دار المجمع العلمي بجدة، 1979،
    (12) ناصر عبد الله القفاري، مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة،دار طيبة للنشر والتوزيع،الرياض، الطبعة الثانية، 1413، ج2 ص 302
    (13) أنظر الرابط:
    http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php؟t=79941http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php؟t=79941
    (14) عبدالله الغذامي، في مفهوم الطائفية ـ 6، صحيفة (الوطن) بتاريخ 10 سبتمبر 2015
    (15) Bob Woodward, Veil: The Secret Wars of the CIA, 1981-1987 (NY: Simon and Schuster, 1987), pp. 396-397.
    (16) عبدالله الغذامي، التوحش الثقافي ـ7، صحيفة (الوطن) بتاريخ 13 سبتمبر 2015
    (17) عبدالله الغذامي، إنهيار مفهوم المظلومية ـ 8، صحيفة (الوطن)، بتاريخ 15 سبتمبر 2015
    (18) القاعدة نفذت جريمتي تفجير مرقدي في سامراء وتصفية الصحفية اطوار، صحيفة (اليوم) 29 يونيو 2006، أنظر الرابط:
    http://www.alyaum.com/article/2400602
                  

05-10-2016, 10:40 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية.. ا� (Re: Yasir Elsharif)

    الهامش رقم 1 في الحلقة الثالثة هو هذه الشريحة لخالد الغامدي



                  

05-10-2016, 02:37 PM

الهادي الشغيل
<aالهادي الشغيل
تاريخ التسجيل: 12-07-2015
مجموع المشاركات: 4388

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية.. ا� (Re: Yasir Elsharif)

    nonsense
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de