الدولتان السعوديتان-الوهابيتان الثانية والثالثةلكن، بعد هذه التطورات بفترة قصيرة، طفا التحالف السعودي- الوهابي على سطح الأحداث مجددا في الدولة الثانية التي رأت النور العام 1824، لكنها نمت بشكل متقطع ولم تحز البتة على نفوذ وحجم الدولة الأولى، كما أن قادتها كانوا أقل تعبئة إيديولوجية. وهي انهارت العام 1891 خلال حرب أهلية مديدة.
أما الدولة السعودية-الوهابية الثالثة والأخيرة فقد ظهرت في العام 1902، حين استولى عبد العزيز آل سعود، وهو أحد أعضاء أسرة آل سعود التي تقطن الكويت، على الرياض وغزا معظم شبه الجزيرة العربية خلال عقدين. وفي العام 1932، أعاد عبد العزيز تسمية دولته "المملكة العربية السعودية".
لم تحز الدولة السعودية-الوهابية الثانية البتة على نفوذ وحجم الدولة الأولى، كما أن قادتها كانوا أقل تعبئة إيديولوجية.
لوهلة، بدت الدولة السعودية-الوهابية الثالثة شبيهة للغاية بالدولة الأولى. فجذر توسّعها، كما في السابق، كان الجهاد لنشر التوحيد واستئصال الشرك. وهي امتشقت السلاح ضد نظرائها السنَّة على أساس أنهم ارتدّوا عن الإسلام. وكما سطر أحد قادة رجال الدين الوهابيين، سليمان بن سحمان، في قصيدة بعث بها إلى عبد العزيز العام 1921 حول المعارضة في حائل شمال السعودية: "وجاهدوهم في الله، حق جهاده... فهم جند أهل الكفر".20
كما حثّ ابن سحمان وأقرانه الملك على تطهير شبه الجزيرة العربية من الشيعة. وفي العام، 1927 دعوه إلى هدي أو طرد الشيعة من المنطقة الشرقية،21 لكن الملك سمح للشيعة بالبقاء، ما أثار كدراً حاداً لدى هؤلاء. وحين توقفت المملكة عن شن الجهاد التوسعي وبدأت تتسامح مع الشيعة، بدأت تصبح بشكل مطرد أقل شبهاً بالدولة السعودية- الوهابية الأولى. ربما لم يُعجب هذا الأمر شيوخ الوهابية الرسمية في المملكة، لكنهم اعترفوا بأن الملك يعمل وفق صلاحياته كحاكم حين يدعو إلى وقف الجهاد المسلَّح.
لكن، وعلى الرغم من هذا الاعتراف، تمسّك العلماء الوهابيون بالدولة السعودية-الوهابية الثالثة بالقوالب الراديكالية لأسلافهم لعقود أخرى تالية. فهم واصلوا تطوير صيغة طائفية وغير متسامحة لإيمانهم. وهكذا، وعلى رغم أن جهاديي القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية يعتبرون أن الملك عبد العزيز خان الإسلام، إلا أنهم يستشهدون بعلماء الدين الذين خدموه، وحتى أولئك الذين أتوا بعده. وعلى سبيل المثال، يبدأ تركي البنعلي، وهو مواطن بحربيني يبلغ الحادية والثلاثين ويُعتقد أنه مفتي الدولة الإسلامية، أحد كتبه بشعر لابن سحمان.22
كمبدأ عام، يُطل الجهاديون على الدولة السعودية- الوهابية الأولى بوصفها التجربة السياسية التي تستأهل المحاكاة، فيما هم يعتبرون الدولة الثالثة بمثابة خيانة.
عموماً، كان محمد بن إبراهيم آل الشيخ، رئيس الافتاء في السعودية الذي توفي العام 1969، آخر علماء المؤسسة الدينية الوهابية الذي يحظى بمقبولية مرجعية من الجهاديين. لكن بعض علماء الدين الجهاديين ينظرون بعين الرضى إلى بعض الأعضاء المتشددين في المؤسسة الدينية السعودية الراهنة، لا بل هم يدرسون معهم ايضا. فالبنعلي، على سبيل المثال، يفخر بأنه درس على يد المتشدد عبد الله بن جبرين، وأمضيا متسعاً من الوقت معاً في "مقر تورا بورا"، في منطقة السويدي، في أواسط العقد الأول من هذا القرن.23 وفي العام 2004، وضع ابن جبرين كتاب توصية للجامعة الإسلامية في المدينة يشيد فيه بهذا المفتي المستقبلي "لحرصه على العلم".24
لكن كمبدأ عام، يُطل الجهاديون على الدولة السعودية- الوهابية الأولى بوصفها التجربة السياسية التي تستأهل المحاكاة، فيما هم يعتبرون الدولة الثالثة بمثابة خيانة. وفي محاضرة له العام 2013، ذكّر البنعلي الحضور أنه يتعيّن على المرء التمييز بين الدول السعودية. "الأولى ليست كالثانية، والثانية ليست كالأخيرة... الأخيرة زمنا، الأخيرة قدرا أيضا".25
Read more at: http://carnegieendowment.org/2016/02/18/ar-62893/iuonhttp://carnegieendowment.org/2016/02/18/ar-62893/iuon