مقدّمة
الولايات المتحدة كانت بالنسبة إلى أسامة بن لادن "رأس الأفعى"، أي الهدف الرئيس لجهاد القاعدة. أما "أذيلها العديدة"، وهي الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط، فقد اعتبرها ثانوية الأهمية.1
لكن الأمر مع أبي بكر البغدادي كان مختلفا. فالنظام في السعودية هو "رأس الأفعى"، كما قال في تعديل لغوي مجازي جدير بالملاحظة.2 هذا التعديل المجازي من قِبَلْ زعيم الدولة الإسلامية، يدشِّن تحوّلاً مهمّاً في أولويات حركة الجهاد العالمي، التي يشكّل تنظيم الدولة الإسلامية الآن رأس الحربة فيها. فبغضّ النظر عن الهجمات الإرهابية المُهلِكة في باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، واضح أن تركيز هذه المجموعة هو على الشرق الأوسط قبل الغرب. وشعارها:" باقية وتتمدد" يدلّ على أهدافها الأوّلية والرئيسة، وهي التحصُّن في الأراضي التي تسيطر عليها في سورية والعراق، وغزو أراضٍ أخرى. وإحدى المناطق التي يقع ناظرها باطراد عليها هي السعودية، موطن أقدس المقدّسات الإسلامية، ومكمن ربع الاحتياطي العالمي المعروف من النفط.
والحال أن التنافس بين الدويلة الجهادية وبين هذه المَلَكِية الخليجية يدور حول مستويين، أحدهما إيديولوجي والآخر مادي.
على الصعيد الإيديولوجي، يطرح تنظيم الدولة الإسلامية نفسه على أنه الحامي الحقيقي للطبعة المحدّدة من الاسلام المُطبّقة في السعودية، أي الوهابية، وهي لون من ألوان السلفية.3 وكما هو معروف، باتت الحركة السلفية-الجهادية، التي تشمل كلّاً من القاعدة والدولة الإسلامية، أكثر وهابية في توجهاتها خلال العقدين المنصرمين. فقادتها ومنظّروها يغرسون أفكارهم الراديكالية في التراث الوهابي.4 وهكذا، برزت الوهابية بصفتها السمة الأكثر أهمية في إيديولوجيا الدولة الإسلامية. وبالتالي، يُمكن فهم الصراع بين السعودية وبين الدولة الإسلامية على أنه تنافس بين نموذجين للفكرة نفسها، وهي الدولة الإسلامية. فكل من الطرفين يعلن نفسها كياناً سياسياً إسلامياً يدّعي تمثيل الإسلام الوهابي.
إن التنافس بين الدويلة الجهادية وبين المَلَكِية الخليجية يدور حول مستويين، أحدهما إيديولوجي والآخر مادي.
وعلى الصعيد المادّي، شنّ تنظيم الدولة الإسلامية سلسلة من الهجمات على الأرض السعودية، مستهدفاً المدنيين الشيعة وقوى الأمن السعودية، وجعل وجوده رسمياً مع إعلان إقامة ثلاث ولايات. وبالطبع، مثل هذه الولايات قائمة بالاسم فقط، إذ أن الدولة الإسلامية لايُدير أو يُشرف على أراضٍ في السعودية، وهو يشن هجمات إرهابية باسم إدارة خيالية يأمل أن يحوّلها إلى حقيقة. وعلى رغم أن هذه الولايات ستبقى محض خيال في غضون المستقبل المنظور، إلا أنه يحتمل أن يواصل الإرهابيون العمل على محاولة استيلادها.
طيلة العام 2015، طرح العديد من المؤلفين مقارنات سلبية بين السعودية وبين الدولة الإسلامية، ورسم البعض خطاً مباشراً من إحداهما إلى الأخرى. كما أبرزوا، من ضمن أشياء أخرى، وجود مناهج تربوية مماثلة لدى الطرفين، وكذا تشاطر عملية قطع الرأس.5 وهكذا، جادل كمال داود في مقال نشرته نيويورك تايمز في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أن "السعودية هي داعش التي نجحت"، مشيراً بذلك إلى اللفظة الأوائلية العربية للاسم السابق لهذا التنظيم: داعش، ومضيفاً أنها (السعودية) "شكل مُحسّن" من الشيء نفسه.6 بيد أن معظم هذه المقارنات ليست دقيقة، إذ أن السعودية تسعى إلى الشراكة مع الغرب ولا تطمح أو تتوق إلى شنّ غزو عالمي.
المقارنة الجديرة بالاهتمام هي تلك التي تقبع في أذهان المنظّرين الجهاديين لتنظيم الدولة الإسلامية، وهي الفكرة بأن السعودية صيغة فاشلة من الدولة الإسلامية. فكما يرونها، انطلقت السعودية في أواسط القرن الثامن عشر كشىء يشبه الدولة الإسلامية، لكنها ضلّت طريقها بالتدريج، وتخلّت عن ميولها التوسعية، وضحّت بالروح الوهاجة للوهابية على مذبح الحداثة. هذه النظرة العامة هي نقطة الانطلاق لفهم المبارزة بين المملكة وبين الخلافة اللتين تُعتبران صيغتين مختلفتين لدولتين إسلاميتين تتنافسان على إرث ديني مشترك وأراضٍ مشتركة.
Read more at: http://carnegieendowment.org/2016/02/18/ar-62893/iuonhttp://carnegieendowment.org/2016/02/18/ar-62893/iuon