المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-21-2024, 05:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-22-2016, 07:45 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الحلقة التاسعة عشرة

    الباب التاسع: عطاء المهدية:

    (1)

    ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)

    قرآن كريم

    (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)

    قرآن كريم

    (2)

    ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ )

    حديث شريف

    (3)

    إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباَ كما بدأ، فطوبى للغرباء قيل. " ومن الغرباء ؟ قال " النزائح من القبائل "وفي رواية «النزاع من القبائل»

    حديث شريف

    قال ابن الاثير في كتابه النهاية في غريب الأثر : النزاع من القبائل جمع نازع ونزيع وهو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته ، أي بعد وغاب ، أي طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله تعالى.

    (4)

    (اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!

    مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟

    هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً،)

    عيسى عليه السلام

    (5)

    ( قال الإمام المهدي: "تحصل لنا رتبه بغير ما حصلت بوجودنا" وهذه هي قوام الله لنا حيث عادت المهدية بعد فواتها وجمعت كلمة الدين بعد شتاتها)

    الإمام عبد الرحمن المهدي

    (6)

    (الحياة في سبيل الله كالموت في سبيل الله

    جهاد مبرور)

    محمد الغزالي

    *****

    حاولت لجنة التحكيم أن تربط أحداث الرواية التاريخية على علاتها التي أوضحناها بالواقع المعاصر اليوم من إنتشار للغلو والتطرف وصعود حركات ما يسمى بالإسلام السياسي.

    والذي لا شك فيه أن المهدية كانت استجابة موضوعية لظروف معينة عانى فيها السودان والعالم الإسلامي من الإحتلال الأجنبي وما تبعه من قهر سياسي وظلم إقتصادي وتفسخ إجتماعي وانحلال أخلاقي وركود فكري. وأنها كانت من ناحية أخرى دعوة ودولة تكوينية مؤسسة مزجت الأعراق والعناصر المتنافرة لأول مرة في دولة وطنية واحدة.

    والذي لا شك فيه أن المهدية نفسها لما زالت تلك المؤثرات قد تغيرت إستجابتها في طورها الثاني وفقاً لذلك التغير فعادت سيرتها الأولى التي أرادها لها صاحبها حيث أفسحت مجالاً للتعامل والتعاون الإيجابي مع الاخر خارج الوطن والتعاون والتآخي الوطني مع إختلاف الدين والمذهب وهكذا.

    وتغير الفقه بتغير الظروف أمر معروف في كل عوالم النظر والتطبيق. وما الفقه – في معنى من معانيه – إلا تنزيل النصوص المطلقة المجردة على الواقع الإجتماعي المحدد. لذلك وهِم من وهِم حينما تحدّث عن إسلام مكي وإسلام مدني وإنما هو إسلام واحد تتغير أحكامه بتغير ظروفه وبيئاته ومصالح الخلق المستهدفين بالهداية والإصلاح.

    والذين يتحدثون عن فصام بين المهدية الأولى والمهدية الثانية أو المهدية الجديدة كما اصطلح على تسميتهما إنما ينظرون إلى الظواهر. والناظر للمهدية في طورها الأول نفسه يرى تغير أحكامها واستجابتها لتغير الظروف. وقد مررنا في هذا الكتاب على عدد كبير من المواقف التي تخلت المهدية فيها عنها الأخذ بالعزائم نزولاً لحالة البعض التي لم تقو على الأخذ بتلك العزائم فجاءت الرخص المتعددة في المواضع المختلفة تحقيقاً للمصلحة العامة. وإذا أخذنا قضية الرابطة الوطنية على سبيل المثال نجد أن تلك الروابط الوطنية قد ظهرت منذ فترة مبكرة وفي عدد من المشاهد، لا سيما في تعامل المهدية مع المناطق السودانية التي لم يمتد لها الإسلام. فقد تم التعامل معها وفق منطق وطني إذ تركوا لشأنهم في حكم ذاتي بعد تحريضهم على قتال المستعمر. وكذلك تم التعامل مع الحبشة المسيحية في أخريات الدولة المهدية على أساس من التعاضد الإفريقي في وجه الإستعمار الأوربي مع إختلاف الدين ، ولم يشترط الخليفة دخولها الإسلام وإنما اشترط فقط قطع علاقاتها مع الأوربيين لعلمه بأطماعهم كما رأينا من قبل.

    إذن لا مجال لربط المهدية في أية صورة من صورها بما يحدث اليوم لا سيما بنظام حركة الإخوان المسلمين في السودان أو ما يسمى بنظام الحركة الإسلامية السودانية. ولا أعدو الحقيقة إذا قلت أن نظام الحكم الحالي هو النقيض الموضوعي للمهدية وإرثها في السودان.

    فإذا كان مشروع المهدية – كلها وفي كل أطوارها – هو تكوين وتمتين الهوية القومية والرابطة الوطنية وتوحيد السودان وتمكين أهله من حكم أنفسهم بأنفسهم وفق مباديء الحرية والكرامة والمحافظة على إستقلال البلاد، في الجانب الوطني.

    وإذا كان مشروعها في الجانب الإجتماعي هو تحقيق العدالة الإجتماعية و توفير الرفاه الإجتماعي ورعاية القيم الفاضلة وتهذيب المجتمع وترقيته وتقوية اللحمة الإجتماعية وإزالة الفوارق الجهوية والطبقية والإجتماعية.

    وإذا كان مشروعها الفكري هو تحقيق الإخاء الإنساني العام على أساس التعاون الإيجابي مع إختلاف الملل والنحل، والتعايش على أساس المواطنة بين أبناء الوطن الواحد رغم إختلاف الدين، وإذا كان طرح المهدية الديني يقوم منذ أكثر من قرن على ( النور المفاض ) :الوسطية والتسامح وعدم الإكراه في الدين رغم جماهيريتها الكاسحة في السودان ورغم حماسة أنصارها واستعدادهم الفطري للتضحية. مع ملاحظة أن آخر سلاح استعمله الأنصار كان في مواجهة الجيش الغازي في نهايات القرن قبل الماضي وبدايات القرن الماضي ، وأما ما تلى ذلك من مواجهات فقد كانوا دائماً في موقف الضحية أو المدافع عن نفسه.

    أقول إذا كان هذا هو بعض مشروعات المهدية فإن نظام الحكم الحالي قد شكل النقيض الموضوعي أو الأطروحة الموازية أو البديلة حيث عمل النظام بجد على:

    • تقويض إستقلال البلاد حيث صار شأن السودان يدار من خارج البلاد، بل ودخلت جيوش عديدة أممية وإقليمية وجيوش دول جوار إلى داخل السودان بعلم الحكومة وموافقتها وكل ذلك بثمن بقائها في السلطة.

    • تمزيق النسيج الإجتماعي الذي أبرمه السودانيون، وتمت العودة القصدية للولاءات المناطقية والقبلية ويا ليتها كانت قبلية مثل السابق وإنما قبلية متحاربة أعملت فيها الفتن على نحو مستمر.

    • تبني برنامج إسلاموي متطرف ناف للآخر هدف منه النظام لتغريب غير العرب وغير المسلمين مما أدى لفصل الجنوب وينذر بنفس المصير للمناطق الثلاث بعد أن أشعل النظام حرباً لا هوادة فيها أهلكت الحرث والنسل وشردت السكان وشهدت فظائع كانت مدخلاً إضافياً للتدخل الأجنبي في السودان. تدخل ما جنى منه المضطهدون غير الأماني الخُلّب حيث وجدت الدول الأخرى في نظام فاسد ضعيف محاصر معزول من شعبه ضالتها فأصبحت تمتص منه التنازلات في مقابل بقائه في السلطة بل بدت بعض الدول الكبرى تصرح بأنها لا تريد تغيير النظام وإنما إصلاحه وهي تعلم سبيل الإصلاح ولكنها لا تسلكه.

    • جاءت طغمة حاكمة مترفة فاسدة مجاهرة بالفساد في نقيض للنموذج المتقشف للقيادة المهدوية.

    • حكمت هذه الطغمة البلاد بالحديد والنار ونفذت برنامجاً أدى في نهايته لتكسير كل مظاهر الدولة الوطنية : الجيش القومي، الخدمة المدنية،المؤسسات القومية وقطاعات الخدمات مثل الخطوط الجوية والحديدية والبحرية ودمرت المشاريع الانتاجية الرئيسية مثل مشروع الجزيرة وغيره. يرى البعض أن هذه مجرد سياسات فاشلة مرتبطة بالنظم الدكتاتورية وأرى أن هذا مشروع قصدي : تدمير السودان لأمرٍ يُراد.

    • ونتيجة لكل ذلك حدثت التداعيات المطلوبة: إنهيار الأخلاق وتحلل المجتمع وتفككه، إحتلال البلاد لمركز " الصدارة " في كل المؤشرات السالبة: مؤشر الفساد مؤشرات الدولة الفاسدة مؤشرات التنمية الاجتماعية مؤشرات حقوق الإنسان والحريات الخ. فصارت البلاد جحيماً فحدثت الهجرة والهروب الجماعي.

    • فنحن هنا أمام مشروع نقيض للمهدية من حيث المقاصد والمآلات والنتائج ومن حيث السلوك الفردي والسلوك أمام الدول الأجنبية.

    أقول هذا لأنفي محاولة التلبيس التي يسعى لها البعض لإيجاد شبه متوهم بين دعوة وطنية حاربت مستعمراً غاشماً مدججاً بالسلاح نافياً لحق السودانيين في الحرية إلا إذا نالوها غلاباً، في مقابل هذا الحكم الخاضع الذليل. دعوة قال قائدها فلتبق الدعوة ولتذهب الدولة واستشهد هو وجميع قادته مقبلين غير مدبرين رافضاً رفع العلم الفرنسي ورافضاً إستبدال استعمار باستعمار. دعوة لم تظلم أحداً إلا من ظلم نفسه وباعها لحكم أجنبي فاسد وظاهر على إطفاء شعلة التحرر بحجج واهية : عدم الخروج على سلطان المسلمين الذين كان وقتها ويا لسخرية الأقدار مسيحياً متعصباً.

    دعوة قدم قائدها المؤسس إخوته وأبناءه إلا من كتب الله له البقاء وأهله شهداء في سبيلها وقدم خليفته نفسه وإخوته وإبنه وكذلك فعل بقية قادتها: في تقديم النموذج وضرب القدوة والصدق في الطلب ولم تسأجر المجندين لتزج بهم في الحروب وتتحصن من ورائهم في الحصون وتتنعم بمتع الدنيا الفانية وليس من غرض هذا الكتاب الإطالة في هذه النقطة التي ما يقولها القائلون إلا على سبيل المكايدة فالفرق واضح لذي عينين.

    أما عطاء المهدية فلن نطيل فيه أيضاً ولا نذكره إلا علي سبيل التمثيل،

    العطاء الوطني:

    • نجحت المهدية في تحرير البلاد وإقامة حكم وطني في كامل السودان وخلق ذاتية سودانية وعزة وطنية وتوحيد البلاد وتأسيس بنية إدارية وثقافية وإجتماعية صارت أساساً إستفاد منه السودان في تطوره اللاحق وإنشاء نموذج حداثي لاسيما في الإدارة والترقي على أساس الكفاءة وفتح الباب لتجاوز الوراثة والتحيزات الاجتماعية – الجهوية والطبقية وتحقيق نموذج للعدالة الاجتماعية ومنع الاستغلال وتحقيق مجتمع فاضل صار يشد نموذجه قطاعاً عريضاً من السودانيين.

    • أما في المجال الوطني فقد كانت المهدية مؤسسة للكيان الوطني السوداني الحديث حيث كانت الممالك قبلها أسرية (أسرة الفونج في سنار يعاونها وزراء العبدلاب) وأسرة سليمان صولنج في دارفور، تميزت المهدية بأنها أول دولة وطنية انشأت إدارة على كامل التراب السوداني، وكانت القيادة والمشاركة السياسية متاحة للجميع باختلاف مناطقهم واعراقهم وأوضاعهم الاجتماعية.لم تكن المهدية ثورة جهة أو جماعة أو طائفة فقد تخلى الجميع عن كل إنتماء أضيق وانخرطوا في ولاء واحد كما أوضحنا مراراً في ثنايا هذا الكتاب. وحققت المهدية التحرير السياسي والاجتماعي للسودان والسودانيين وكفلت المساواة وتكافؤ الفرص للجميع في سابقة هي الأولى في تاريخ السودان، حيث الزمت الجميع بزي واحد بسيط ذي معاني، وطلبت من الجميع ترك الألقاب والمناصب والرتب وانعكس كل ذلك في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية حيث اممت المشارع (الموانيء النهرية) للمصلحة العامة وتبنت سياسة أرض رسخت مفهوم العدالة الاجتماعية وقيمة العمل نفسه.

    والمتأمل يجد أن هذا كله ينبثق من جذر روحي وفكري أعمق وهو الدرجة العالية من التوحيد التي تنظر لله وحده إذا كل ما عداه عدم. يستوي في ذلك الملائكة المقربون ومن دونهم من المخلوقات والعمل الصالح وما دونه.

    هذا الفهم التوحيدي الذي استوت فيه كل المخلوقات – ومن باب أولى كل الناس- هو الأصل الذي نبعت منه تلك المساواة الفريدة وهي التي مكنت - في مجتمع عشائري قبلي - أن يتولى الإمارة وقيادة الجيوش بعض الأرقاء السابقين. ويرتبط بالمفهوم السابق مجهودات المهدية في رتق النسيج الاجتماعي حيث عمدت لإزلة الفوارق الطبقية بتعاليم وسياسات قصدية، وإزالة الفوارق الاجتماعية وكان المهدي نفسه رائد ذلك التغيير الاجتماعي وقدوته، إذ تزوج – وكان ذلك أمراً قصدياً - من عدة قبائل من غرب البلاد وجنوبها وشمالها ووسطها حيث تزوج فاطمة بنت أحمد شرفي ابنة عمه أحمد شرفي وعائشة بنت أحمد شرفي بعد وفاة أختها. وفاطمة بنت حاج ابنة عمه. وفاطمة بنت حسين الحجازي من بنات الريف وعائشة بنت إدريس من الفلاتة ونحل الجود سرية والنعمة بنت الشيخ القرشي ود الزين ومقبولة من الفور ومأمونة الحبشية و قبيل الله النوباوية وهكذا.

    وأتت تجربة الدولة المهدية نفسها بتجديد كثير لا يمكن استقصاؤه ونكتفي بالإشارة إليه من حيث نظام الحكم والإدارة والنظام الاقتصادي والتنظيم العسكري والحركة الفكرية فتم سك أول عملة وطنية وتم التصنيع الحربي وفي المجال الفكري والإداري يمكن الإشارة للديوان الذي استحدثته المهدية – حفظ الوثائق – ونظام البريد- وآداب الكتابة- وإنشاء المطبعة ونظام التعليم وتحرير المصنفات المطبوعة والمخطوطة

    كما نجحت المهدية في استنهاض السودانيين وفي التغيير الاجتماعي وخلصت الشخصية السودانية من رواسب التواكل والاستسلام وروح الخرافة وحولتها لشخصية جهادية مضحية منضبطة وعقلانية.

    أما على صعيد التجديد الديني فنكتفي بالتمثيل والإشارة إلى الآتي:

    التجديد في مفهوم المهدية نفسها حيث أنكر المهدي النصوص النقلية ( المتضاربة) وأنكر الشروط والتوقيتات وأنكر التصورات المسبقة بنهاية العالم ولم يستند على النسب النبوي ولم يعول عليه بل ربط المهدية بوظيفة إحياء الكتاب والسنة وقيد محاكمة أقواله وافعاله بمقياس الكتاب والسنة. ومن ملامح التجديد عند المهدي مبدأ توحيد أهل القبلة وتجاوز المذهبية (الفقهية والصوفية) وكان ذلك التجديد من المنكرات على عهده عليه السلام. وفتح باب الاجتهاد حسب مقولته التي أوردناها آنفا. وهو باب ظل موصداً سنين عدداً، فتم فتحه في كل المجالات: السياسة الشرعية- الأحوال الشخصية- الاجتهادات الفقهية في المعاملات وغيرها، استصحابا لروح الإسلام ومبادئه: في رفض الظلم والخروج عليه – العدالة الاجتماعية (سياسة الأرض – تأميم المشارع.. الخ). و من التجديد أيضاً تثوير التصوف حيث تم البناء على إيجابيات التصوف والطرق الصوفية واستكمال نقصها البين وأوضح مثل لذلك نستشفه من منشور الإمام المهدي للشيخ محمد الطيب البصير الذي جاء فيه (ثم يقول الشيخ الطيب: الطريقة فيها الذل والإنكسار وقلة الطعام وقلة الشراب والصبر وزيارة السادات فتلك ستة والمهدية أيضا فيها ستة: الحرب والحزم والعزم والتوكل والاعتماد على الله تعالى واتفاق القول فهذه الاثنا عشر لم تجتمع لأحد إلا لك) . والتجديد في الولاية على الشأن العام: ونفى الأسسس التقليدية القائمة على العصبية القبلية والوراثة وغيرها من الأسس. حيث ابتدع شروط جديدة موضوعية اختصرتها مقولته (من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المؤمنين).

    وهذه الانجازات لم تخف على كثير من الباحثين الأجانب فعلى سبيل المثال: عدد هولت الانقسامات في المجتمع السوداني بين سكان الشمال أنفسهم وبينهم وبين سكان غرب البلاد وصعوبة إدماج البجا في أي عمل مع الآخرين واستغلال الحكومة لهذه الخلافات ثم ختم : ( ولكن كيف أمكن أخيراً لهذه العوامل التي تتصف بالاختلاف والتضارب أن تتآلف لتواجه الإدارة المصرية وتقضي عليها؟ كان هذا هو ما قام به المهدي والرجال الذين اشتركوا معه في قيادة الثورة) وعن تذويب العصبية القبلية قال هولت عن المهدية ( انها أشد عداء للقبلية من الحكم المصري الذي سبقها أو الحكم الثنائي الذي تلاها) وقالت يوشيكو: ( لم يعد المجتمع السوداني بعد تجربة الدولة المهدية مجتمعاً قبلياً)

    و قال ثيوبولد عن المهدي: (وحد السودانيين وغير طريقة وأسلوب حياتهم للأفضل ومنحهم ثقة وإيماناً أكبر بمقدراتهم وبأنفسهم وقادهم نحو الحرية والانعتاق)

    وقد استشهدت كوريتا بنصوص وتعبيرات كتبها الإمام المهدي فقالت: ( وهي التعبيرات التي تظهر في وثائق الالمهدية تلمح إلى أن الإختلاف العنصري قد أعتُبر أمراً لا دلالة له – نظرياً – على الأقل في سياق النظرة الكونية للمهدية التي قامت على مفهوم إطلاق المهدي. وأشارت إلى أن إبراهيم فوزي قد عزا معاملة المهدويين بالرفق للجنود السودانيين الذين حاربوا مع الأتراك إلى نوع من المشاعر الوطنية التي وحدت المشاركين في الثورة المهدية والجهادية.)

    وقال سمرنوف عن عهد المهدية: (وتغلب أهل السودان على مشاكل التفرقة والشتات الاقليمي واللغوي) وقال : (لذلك كانت الدولة التي نشأت وتبلورت خلال حركة التحرر الوطني والتي صهرت وذوبت قبائل السودان في بوتقة واحدة عاملاً آخر من العوامل المساعدة على تكوين القومية السودانية)

    عطاؤها لحركات التحرر الوطني في العالم:

    • كانت المهدية حركة هزت أركان العالم الاسلامي وترامى صداها في كل أنحاء العالم. وقد جاء توقيتها في وقت معاكس لأطماع الحركة الإمبريالية العالمية وفي أوج إنفتاح شهيتها لإلتهام العالم. وقد مررنا على التجاوب الواسع الذي شهدته من سكان العالم الاسلامي ومررنا على قول شقير عن المهدي والمهدية " لو أطال الله في أمده وزاد في توفيقه لقلب وجه الشرق إنقلاباً عظيماً" . ولقد أدركت مصر وتركيا وبريطانيا بل والدول الأوربية مجتمعة خطورة هذه الحركة . وليس صحيحاً ما يردده الكثيرون عند حديثهم عن أسباب نجاح الثورة من أن التراخي والتساهل والاستهانة بخطرها كان من عوامل انتصارها فالحقيقة التي لا مراء فيها أن الحملات قد تتابعت بقوة وبوتيرة عالية في محاولة قمع الثورة بل وقمعها حتى قبل أن تستعد هي للثورة المسلحة إذ كانت في نية المهدي أولاً الهجرة إلى مكان منعزل يكون فيه قيام الدين وتربية الأتباع كما هو معروف. إذن أدركت تلك القوى خطورة الثورة المهدية على الأقل في محيط العالم الاسلامي. قال سمرنوف: ( ان خطر حركة المهدية يكمن في أن يكون بمثابة الشرارة التي تشعل فتيل الصحوة في العالم الاسلامي) وبالفعل بلغ صدى الحركة أسماع العالم فحدثت إضطرابات في مناطق بيعيدة جداً كالهند وآسيا الوسطى دعك من مصر والحجاز وشمال وغرب إفريقيا مما أضطر السلطان العثماني لإصدار منشور في كل العالم الاسلامي ببطلانها.

    • قال عبد الودود شلبي: (فإن خواطر المسلمين من سكانه ( الهند) في هياج شديد بسبب ما شاع بينهم من دعوة محمد أحمد السوداني وبما يكمن في أهوائهم من الميل إلى تصديقه ، وتريد دولة انجلترا أن تصد المسلمين عن حج بيت الله الحرام حتى لا تصل أخبار محمد أحمد، وتورط الانجليز في مقاومته إلى مسامع الهنديين ، ولكن سيحمل هذه الأخبار إلى تلك الأقطار حجاج الأفغانيين والبلوجيين الذين يسلكون إلى الحج طريق البصرة بل يبلغونها على وجه أبلغ مما لو سمعوها بآذانهم) .

    وقد كتب الدكتور محمد المصطفى موسى عن إنعكاساتها في الصحف الأمريكية والروسية والبريطانية، كما كتب البروفيسور يوسف فضل عن هذا البعد الخارجي ورقة مفصلة وضح فيها أبعاد ذلك الانتشار الخارجي. وقد مررنا على بعض مكاتبات الخليفة للمنضمين للحركة من خارج الحدود ولم نشر لمكتابات المهدي العديدة كما أن الحديث عن آثار المهدية على الحركات المماثلة بشرق وغرب أفريقيا خارج عن إطار هذا الكتاب الصغير.

    الحلقة القادمة: المهدية : مراجعات وعطاء جديد:

    الهوامش:

    قال متولي العتباني في مذكراته داحضاً مقولة تحيز المهدي ضد البيضان (ان الذين يروجون لهذا الفكرة يظلمون المهدى ظلما شنيعا فقد كان المهدى زعيما صاحب افق واسع وفهم صحيح كان لا يفرق بين ابيض واسود او بين الزنجى والعربى )

    (للمزيد أرجع لكتاب الحركة الفكرية في المهدية لأبي سليم على سبيل المثال)

    د. محمدابراهيم ابو سليم الآثار الكاملة للامام المهدي ج 1 –ص 78 والمنشور بتاريخ 30 يونيو 1881.

    هولت سابق ص 49

    نفسه ص 24

    يوشيكو كوريتا سابق ص 70

    نفسه ص 50

    سمرنوف سابق ص 164

    سمروف ص 207

    شلبي الأصول الفكرية سابق ص 267

                  

العنوان الكاتب Date
المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 09:05 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 09:09 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 10:16 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� محمد أبوجودة03-02-16, 05:20 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-02-16, 07:48 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-03-16, 08:25 AM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-03-16, 10:00 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� محمد حيدر المشرف03-04-16, 05:08 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-05-16, 04:49 PM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-06-16, 04:37 PM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-07-16, 03:32 PM
          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-08-16, 06:11 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-09-16, 08:27 AM
              Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-10-16, 10:21 PM
                Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-12-16, 11:25 AM
                  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� مني عمسيب03-12-16, 11:29 AM
                    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:17 AM
                      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:27 AM
                        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:32 AM
                          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-15-16, 07:29 PM
                            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-16-16, 08:00 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-30-16, 04:00 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-17-16, 09:25 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-17-16, 07:26 PM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-19-16, 07:49 PM
          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-20-16, 04:04 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� حماد الطاهر عبدالله03-21-16, 04:14 PM
              Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-22-16, 08:42 AM
                Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-22-16, 07:45 PM
                  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-23-16, 11:09 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-31-16, 09:21 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� Ammar Makki03-31-16, 10:18 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� Ammar Makki04-03-16, 07:38 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-20-16, 04:56 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-05-16, 04:03 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-10-16, 09:44 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى06-02-16, 05:07 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� sadig mirghani06-04-16, 03:03 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de