• ليس هناك شيئاً لم يُقال في جَلد هذا الأخرق الذي أراد أن يُخرس لسان المُعارضة، فقال بأن الشعب - قبل الإنقاذ - كان من بؤسه يقتسم الصابونة، بيد أن هناك جانب لم يُطرق في الرد على هذا اللفظ العاجز (سبقه عليه بحديث من جنسه الحاج أبوساطور ومصطفى إسماعيل) وهو أنه لا يجوز - من الأساس - عقد مقارنة بين نظامي حكم تفرق بينهما (27) سنة، ففي أقل من هذه االمدة من بداية حكم الإستعمار البريطاني (1899 – 1956)، أحدث الإنجليز في السودان التغيير المعروف والذي لا تنتطح حوله عنزان، فقد جاء الإنجليز بعد حكم الخليفة عبدالله التعايشي (1885 - 1899) ووجدوا رأس الدولة وكبار المسئولين بدولة المهدية يستخدمون الحصين والبغال في تنقلاتهم الرسمية، وكان أجعص عقار بالسودان في ذلك الوقت مبني من الطين الجالوص (بيت الخليفة أمدرمان)، وحتى نهاية نظام المهدية لم تكن هناك مدارس ولا مستشفيات، وكان علاج الأمراض يتم بلبخة من صفق الشجر توضع على الجرح أو بالحِجامة والفِصاد أو بشربة مِحَاية بوصفة من المشايخ، فجاء الإنجليز وأنشأوا خطوط السكك الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية وخزان سنار ومشروع الجزيرة ومشروع الزاندي وأنشأوا المدارس والمستشفيات وكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم) والمباني الحديثة التي تراها اليوم على شارع النيل كما أقاموا نظام الدولة الحديثة ببناء الجيش (قوة دفاع السودان) ونظام القضاء الحديث والخدمة المدنية ..الخ، ومع ذلك رفض الشعب وجود المستعمر وسعت كل القوة الوطنية لإخراجه من البلاد.
• فتقييم الأنظمة الحاكمة وقبولها لا يُقاس بما تقوم به من أعمال مادية مهما بلغت درجتها بمعزل عن عناصر أخرى تؤخذ في الإعتبار حتى يمِن علينا متعاعيس النظام بما يوفرونه من خردوات ومواد البقالة أو بمقدرة الشعب على شراء السراويل والقمصان، ثم أن التغيير والتطور الذي يطرأ على حياة الشعوب، كالتوسّع في التعليم وتعبيد الطرق ودخول نُظم الإتصالات الحديثة وتطوّر المباني، يحدث في كل أركان المعمورة تلقائياً بمرور السنوات ضمن التطور الطبيعي للحياة البشرية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة سهولة إنتقال المعرفة فيما بين الشعوب والحكومات، بما أتاح اليوم لأي مواطن صومالي أن يحمل في يده هاتف جوال دون أن تكون لديه حكومة من الأساس، وفي مصر تصل بين كل قرية وأخرى أكثر من ثلاثة طرق مزدوجة منذ عقود طويلة دون أن يتوقّف ذهن المواطن عند الذي شيّدها إن كان هو الملك فاروق أو جمال عبدالناصر، فهذه مقارنة بائسة وتعيسة، فيها تغابي وسوء قصد وتهدف إلى التضليل وصرف النظر عن المَواطن التي تستحق أن تُجرى بشأنها المقارنة السليمة.
• مثل هذا الحيث الهُزؤ في نبش ما كان عليه حياة الناس قبل الإنقاذ، يصلح في حق أهل النظام لا شعب السودان، فقد طالعت صورة فوتوغرافية لمساعد رئيس الجمهورية موسى محمد أحمد تجمعه مع ياسر عرمان أثناء فترة عمله في النضال المُسلّح ضمن قوات جبهة الشرق وقبل أن يتذوق طعم النِعمة، كان موسى يرتدي نعال بلاستيك بشبابيك أمامية تُظهِر أصابع قدميه، وهو اليوم من الأعيان، ومثله كثيرون تبدّلت مسقبتهم إلى رفاهية بفعل السلطة لا المُواطنة، فالشعب في عهد الإنقاذ يزداد بؤساً وفقراً وتعاسة مع كل صباح تشرق فيه الشمس، فالحال يُغني عن السؤال وليس هناك دليلاً ذلك أكثر من كونه – أي الشعب – هو صاحب نظرية "قدّر ظروفك" التي خرج بها على العالم في هذا العهد ، فأصبح يشتري الزيت بالملعقة والعطر بالبخّة والمعجون بالعَصرَة على فرشة الأسنان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة