شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 00:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-20-2015, 08:17 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات (Re: بله محمد الفاضل)


    أجيال الشعر

    شعراء اليوم

    --------

    * ماذا عن التجارب الشعرية الشبابية العربية اليوم؟

    ** شعراء اليوم يعيشون واقعهم أكثر مما يعيشون ثقافتهم. إنهم يعبّرون عن يومياتهم، عن فوضاهم، عن عبثهم المقيم والمتشظّي في آن، جرّاء الحروب والانهيارات في كل شيء. ثمة تفاوت بين المعطى الثقافي لديهم، والمعطى اليومي الحياتي والمعيشي، يظل يتسع هذا التفاوت، ولكن، دوماً، على حساب الشعرية وأسئلتها الجديدة أو المبتكرة لديهم. وهكذا، فإن فقر شعرهم أحياناً، كان يمكن له أن يكون ثرياً جداً، لو أنهم اهتموا بردم الهوّة بين حياتهم اليومية وبين ثقافتهم الشعرية. إنهم سريعون ومتسرّعون في كل شيء، ولا تخدمهم الاهتزازات الكبرى والقاسية في الواقع السياسي والحياتي العربي الذي ينحدر دراماتيكياً من سيّئ إلى أسوأ يومياً.. مدمراً معه كل شيء.

    باختصار، ما ينقص أغلب هؤلاء الشعراء هو معرفة تراثهم الشعري القريب والبعيد، وذلك على الرغم من تحلّيهم بالطموحات الشعرية المفارقة، وخرق المألوف. ثم إن «ثقافة الإنترنت» التي تستحوذ على أغلبهم، تضرّ بهم أكثر مما تخدمهم، تجعلهم أصحاب ثقافة شعرية ونقدية شوهاء. غير أنني في المحصلة، لا أقف على الضد من تجاربهم، ولا أستخدم معهم لعبة الأب ووصاياه وتوجيهاته.

    * لكن ذلك كله لا يلغي تعامل الجيل الشعري الجديد (أنموذج لبنان) مع جيلك الشعري (ومن سبقه بالطبع) بشيء كبير من القطيعة و«قتل الأب»، والاتهام بأنكم صرتم مترهّلين شعرياً وثقافياً وحتى إنسانياً، خصوصاً حين يُحمّلونكم مسؤولية التسبّب بالحروب الأهلية ونتائجها الكارثية؟

    ** من حقهم أن يقولوا ما يشاؤون فينا، كأن يعتبروننا، مثلاً، جزءاً من مسؤولية الحرب الأهلية ومآسيها، وذلك ربما لانخراط البعض من جيلنا الشعري في معاركها، أو في لعبة الارتزاق بسببها، واستطراداً التفريط بالقضايا الوطنية الجامعة.

    كتبت في العام 1981 مقالة بعنوان: «مقامات المثقفين»، حملت فيها على كل الشعراء اللبنانيين الذين انخرطوا في الحرب الأهلية، سواء مباشرة أم بالوكالة السياسة، مباركين صنوف القتل والمجازر.

    كما هاجمت أيضاً كل من استسلم لواقع تقسيم بيروت إلى بيروتين: «شرقية» و«غربية». وقد علّق بعضهم يومها ساخراً: «وأين تريدنا أن نقيم؟..على المتحف بينهما؟ (في إشارة إلى المنطقة الفاصلة بين البيروتين وقتها والمتضمنة مبنى متحف لبنان). طبعاً لم يفهم المعلّق الحصيف يومها موقفي الرافض للحرب الأهلية، وتقسيم العاصمة، واستطراداً تقسيم المجتمع والوطن بأسره.

    وأستدرك فأقول: إن الشعراء الجدد على حق عندما يُحملّون البعض من جيلنا الشعري المسؤولية الأدبية، وربما التاريخية، عن الحرب الأهلية اللبنانية، لكنه الحق الناقص يا صاحبي. فما ينقصهم (وهنا أحصر كلامي في الشعر فقط) هو الانفتاح على الشعر العربي بقديمه وحديثه، والشعر الأجنبي باتجاهاته وانقلاباته، والنظريات النقدية والمعرفية المرتبطة به، أو المتقدمة عليه، وذلك كي يُعوّضوا ويُحدثوا تمايزهم الإبداعي المنشود. فلا يمكن البتة لهم أن يرفضوا كل شيء من غير أن يقرؤوا شيئاً، أو يعرفوا شيئاً في المقابل.

    * هل الشاعر الحقيقي هو من يبادر إلى تصفية الشعر من كلاميّته؟

    ** طبعاً.. طبعاً، فالشعر مصفاة اللغة، فن الحذف، وليس فن التراكم والإسهال. وهذا ما نهجت عليه، وما أزال. قصيدتي:(أوراق الغائب)مثلاً، استمررت في كتابتها ستة أعوام، من العام 1986 إلى العام 1992، وكانت متوزعة على 500 صفحة. عمدت إلى تصفيتها بشكل قاس، حتى جاءت بـ60 صفحة. وكثيراً ما كتبت قصائد على مدى سنة أو سنتين، ولمّا اكتشفت أنها رديئة، مزقتها بلا شفقة.

    هكذا، فالنقد الذاتي عند الشاعر يتجسّد أيضاً في هذا النبل اللغوي، والحنان القاسي على القصيدة.

    * هل بإمكانك القبول بنص شعري يحذف القارئ من شرطه؟

    ** في رأيي، ليس هناك شيء اسمه الشعر بصورته النظرية المسبّقة. الشعر يبدأ مع نهاية كتابة النص الإبداعي. وهكذا فأن تقول، مثلاً، إن الشعر هو كذا.. وكذا، هو قول بائس ولا قيمة له بتةً. وفي أثناء عملية الكتابة، عليك، استطراداً، ألاّ تهجس بقارىء أو ناقد، أو أي نظرية شعرية أو نقدية قائمة.. فقط عليك رمي نفسك في أتون كتابتك وما تشترطه هي عليك.

    * هل أفهم إنك تخترع نظرية أدبية أو نقدية، قوامها أن النص الشعري يخضع للتوصيف بعد الانتهاء من كتابته؟

    ** بإمكانك أن تقول ذلك، نعم. اسمعني جيداً. القرن العشرون كان قرن الشعر والمسرح والرواية والفلسفة والإيديولوجيا. كل شاعر وكل مسرحي مثلاً، كان لديه نظرية سابقة يكتب على أساسها، أو ينطلق منها وكأنها وصية دينية مقدسة، أو إلزام مرجعي ديكتاتوري لا حيدة عنه مطلقاً. مثلاً، الشاعر أندريه بروتون، وبعدما وضع بياناته السوريالية الثلاثة، دعا غيره من الشعراء إلى الالتزام الشامل بها. وبصفته عرّاب السوريالية الأول، ومن قبلها الحركة الدادائية، فقد طرد آنتونان آرتو وجاك بريفير وحتى بول إيلوار من(جنته الشعرية)، لمجرد أنهم خالفوا بياناته.

    على مستوى المسرح، كان هناك المسرح الكلاسيكي، أو مسرح العلبة الإيطالية، ثم كانت الثورة عليه، وبات المخرج لا النص، هو سيد المسرحية، ثم أطلّ أنتونان آرتو بنظرياته المسرحية، وأعقبه برتولد بريخت بالأورغانون النظري خاصته، وتلاه البولندي جيرزي غروتوفسكي بنظرية(المسرح الفقير).. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الرواية الفرنسية الجديدة مع آلان روب غرييه، والتي أعقبت سلسلة الروايات الواقعية.. وأيضاً على المستوى الفلسفي، حيث جاء سارتر بالوجودية التي تحوّلت إلى تيار فلسفي يشدّد على تفرّد الإنسان وحريته المطلقة... إلخ.

    مهما يكن من أمر، فالقرن العشرون إذاً، كان يملي على كل شاعر أو مسرحي أو روائي أو فيلسوف، أن يضع بيان مرجعيته المسبق نصب عينيه، قبل أن ينطلق في كتابة عمله الإبداعي.

    أما اليوم، فالأمور اختلفت أو ينبغي لها أن تختلف جذرياً عما سبق، على الأقل لجهة ترسيخ(نظرية)الشعر الذي يأتي بعد كتابته.

    * اسمح لي بالقول يا صديقي إنك لم تأت بجديد هنا. فما انتهيت إليه، كان قد نظّر له نقاد وشعراء وفلاسفة ما بعد الحداثة في الغرب منذ عقود، ومنهم الفرنسي جان ليوتار، وشعراء ونقاد أميركيون من أمثال: جوناثان هولدن ودينس ليفيرتوف (شاعرة)، وديفيد بيركنز، وجيمس لونغيبنباك، وجيروم مازارو، وجيرارد غراف، وغيرهم.. وغيرهم، ما تعليقك؟

    ** ما أقول به، وأدعو إليه، يتجاوز تنظيرات شعراء ونقاد وكتّاب ما بعد الحداثة. غير أن هذا لا يمنع أن ألتقي معهم في مسائل عديدة، لعل أهمها هذا الابتعاد عن مجال التأمل التمجيدي للشعر، وخلو القصيدة من وعاء الشكل المسبق، وكذلك الكتابة وفق التشظي النفسي اللحظوي، والنهل من مرآة الذات المستقلة وغير المستقرة.. فضلاً عن محو كل البدايات وحراك توهّم كل النهايات. كما ألتقي معهم أيضاً حول عدم الركون، في أثناء الكتابة، إلى أي قواعد ومرجعيات سابقة.

    * يعني صرت تكتب النص الإبداعي الآن، متحرراُ، حتى من أي تراكمات وهمية مسبقة.. وعليه، فما الذي بات يحرّضك إذاً على الكتابة الشعرية أو الهجس بإفراغ حمولاتها؟

    ** أنا دائم الهجس بالكتابة الشعرية وتسجيلها، كوني أعيش يومياتي بأدق تفاصيلها، وكوني أيضاً على انخراط معرفي ونقدي بكل ما يطرأ على هذا الصعيد. تأتيني، مثلاً، الأفكار، فأختبرها وأعرّيها وأتمثلها في بوتقة ذاتي الواعية واللاواعية، وبعد ذلك أحاول الاستفادة منها كشاعر يظلّ يتقاطع معها، ويستقل عنها في آن. كما أن من مهماتي أيضاً إحداث مثاقفة حرة ونافذة مع كل إبداع جديد.. وفي الوقت ذاته مع كل إبداع قديم، في تراثي العربي، كما في تراثات الآخرين.

    انطلاقاً من هذا، وربما بناء عليه، أجد نفسي وقد تحررت من القبليات النظرية كلها، في الأدب والشعر والفنون والنقد، ومختلف المعارف القائمة والمستجدة. وبالتالي، فإن كل نص أكتبه يخضع بعد انتهائه، ليس للتصنيف فقط، وإنما لاكتشاف الأسرار ولعبة المنطلقات والاستيحاءات والمحرّضات على اختلافها.. إلخ.

    * أتريد أن تقول لي الآن، وبصيغة نهائية، إن التجريبية الكتابية بلا تجنيس أدبي قبلي، حلّت لديك محلّ كل المحرّضات والمنطلقات السابقة لفعل الكتابة؟

    ** هذا ما أنا فيه الآن، وعلى نحو كبير. نعم، التجريبية هي أساس كل كتابة إبداعية. اليوم مثلاً، وبعدما فرغت من ترجمة كتاب:(أنطولوجيا الشعر الفرنسي الحديث 1900 – 1985). وكذلك بعدما أنهيت ترجمة كتاب آخر عن الشعر الفرنسي الحديث من 1945 إلى 2015. تبيّن لي، وبعد اطلاع متفرّس في نصوص الشعراء الجدد، أنه لم يعد هناك، بالنسبة إليهم، روّاداً للشعر، ولا مرجعيات له، ولا مدارس نقدية أو أي محدّدات نظرية مسبقة.

    في المسرح أيضاً، وبعد قراءتي لـ 45 مسرحية، لكتّاب دراما جدد، تتراوح أعمارهم بين 20 و 40 عاماً، اكتشفت أن ما يجري في الشعر، يجري على مستوى المسرح أيضاً، أي أن التجريب هو سيد الموقف، وهو تجريب – كما أسلفت - بلا مقدمات، ولا سقوف إيديولوجية، أو فلسفية، أو نقدية، أو غرارية مسبقة. الحرية هي المبتدأ هنا وهي المنتهى.

    وأستطيع القول بعد، إن الذي قرأته من نتاجات شعرية ومسرحية للأجيال الإبداعية الجديدة في فرنسا وأوروبا بعامة، أراحني كثيراً، وأفرحني أكثر، لأنه عبّر عن حساسية عارية جديدة، وجواذب فنية غير مسبوقة لدى المبدع الأوروبي الجديد. بينما حساسية من سبقه، لم تكن عارية البتة، بل مقنّعة ومسرّبلة بالإيديولوجيا والتنظير.

    وما لاحظته بعد، أن هناك تقارباً بين الشعراء الجدد الفرنسيين، وبعض نظرائهم الجدد في لبنان. لكن ما يريح الشعراء الشباب في أوروبا، هو أن هناك مجتمعاً يتفهمهم ويشجعهم ويستوعب محاولاتهم.. بينما شبابنا المبدع نحن، في لبنان والعالم العربي، لا سند له، ولا مشجع، ولا ناقد يعبّد له الطريق ويصوّبها بتجرد.

    فوق هذا وذاك، وبعدما ترجمت أكثر من عشرة آلاف قصيدة لشعراء جدد من فرنسا وإسبانيا والبرتغال واليونان، أستطيع القول إن ذلك مكّنني فعلاً من الاتصال بالكثير من الأصوات الشعرية الغربية الجديدة، والوقوف على آخر مستجدات قلقها الشعري، والبنى اللغوية والتصورية الحاملة لإبداعها، والمتصاعدة به، عبر كل حرف، وكل لفظة، وكل عبارة.

    وهذا كله أمدني بقناعة راسخة ترى أن وراء هذا النتاج الشعري الجديد، شعراء متحررون كذلك من عقد العجرفة والفوقية وادعاء العظمة. لقد استفدت منهم كثيراً، أمدوني بدم رؤيوي جديد، وفرضوا عليّ، من باب تقدير الأشياء وتقويمها، النفاذ إلى صميمهم أكثر فأكثر.

    * لنتحدث عن القصيدة الجديدة في آخر نموذجها الفرنسي أو الأوروبي.. وهل تنحو هذه القصيدة مثلاً إلى الإختزال؟

    ** الاختزال تفصيل، وهو موجود عند الرواد الفرنسيين، وكذلك موجودة عندهم(الثرثرة الشعرية).. الشاعر آراغون هنا، مثالاً لا حصراً. مع الشعراء الأوروبيين الجدد، لم يعد هناك من وجهة للشعر. كل شاعر له وجهته الخاصة. وأسلوبيته المتفردة، يجترحها بمعزل عن آلهة(التنوير الشعري)كبودلير، وفاليري ومالارميه، وكذلك سائر شعراء السوريالية وما بعد السوريالية، ومن لحقهم من شعراء. لم يعد هناك أفق جماعي للقصيدة. انتهت كل المعايير السابقة والراهنة. وأظن أنه بعد خمسين سنة، ستبدأ ثمة تراكمات قد تؤسس لمعايير جديدة طالعة من نصوص هؤلاء الشعراء الجدد. وأظن أن هذه المعايير، وفي وسط التحوّلات السريعة في حياتنا، ستكون أسرع في إلغاء بعضها بعضاً. وقد لا يعيش المعيار هنا، حتى مدى زمن كتابة القصيدة نفسها. وقد يصير المعيار هو ما سيكتبه الشاعر، لا ما كتبه. أي أننا دخلنا زمن انتفاء النبوءة والتنبؤ لدى الشاعر، وباتت لحظته الشعرية تصنع بذاتها نبوءتها وتئدها مباشرة، تماماً كما هناك، مثلاً، حشرات تعيش أقل من ثانية، وتعتبر نفسها معمّرة.

    سبعينيّو لبنان

    في رأيي، جيل السبعينيات الشعري في لبنان، هو الأهم بين من كتبوا عن تجارب شعراء جيلي الخمسينيات والستينيات في لبنان والعالم العربي، تعريفاً، نقداً وتقويماً. لذا هو جيل لم يقتل الآباء البتة، بل قتله الآباء، الذين راحوا يوقفون الشعر، بل الحياة والزمن على تجاربهم فقط. وربما كان من حظ الجيلين الشعريين المذكورين، أننا جئنا بعدهم، وكنا أكثر من موضوعيين في قراءة ما قدموه، من موقع اندلاعنا الدائم على حراك الثقافات الشعرية والنقدية المستمر في العالم أجمع.

    آباء قدامى

    * من هم آباؤك في الشعر يا بول؟

    ** في بداياتي تأثرت بجبران خليل جبران وأمين نخلة وسعيد عقل. وهناك ثلاثة من الشعراء الفرنسيين أسسوا لديّ تلك الرؤية الشعرية المفتوحة على كل شيء: بودلير، رامبو ومالارميه.

    ومن آبائي من الشعراء العرب: لبيد بن ربيعة وطرفة بن العبد في الجاهلية، وأبو تمام في العصر العباسي.

    اعتذار

    * هل تقبل من شاعر تقليدي أن يجدّد منطلقاً من قصيدته العمودية الغارقة في أسلوبيتها الموروثة؟

    ** إذا استطاع شاعر العمود التقليدي أن يعبّر عن مخزونه الإبداعي بلا تقليد للشكل الكلاسيكي المتعارف عليه، فلم لا؟ يعني إذا اشتغل الشاعر، منطلقاً من عمودية أخرى تماماً: لغةً، بناءً، صرفاً، نحواً وإيقاعاً، وظهرت قصيدته بقالب جديد، فأنا سأكون أول من يؤازره ويتحمّس لتجربته، لأنه بذلك يكون قد أنجز قصيداً موزوناً بنكهة خارقة للمألوف.

    وينبغي لي أن أنوّه في هذا المقام، إلى أنني، ومنذ سنوات، قدمت اعتذاراً للقارئ عن بعض الآراء المتطرفة التي سبق لي وأن جزمت فيها بالقول إن قصيدة النثر هي آخر الطريق في الشعر، وإن القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة باتتا عاجزتين عن التعبير عن إملاءات العصر وشروطه. هذا الكلام اعتبرته فاشياً، وفيه نوع من «التبصير»، ولهذا أجدّد اعتذاري لمن لم يقرأني أو يسمع ندائي السابق.

    لحظة إنسانيّة

    * هل صحيح أن الأمور عادت إلى مجاريها الطبيعية بينك وبين أدونيس، وذلك بعد عقود طويلة من الجفاء، بل العداء المستحكم؟.

    ** عندما دخل أدونيس مستشفى الجامعة الأميركية في ب يروت منذ مدة، ليعالج من مرض غير اعتيادي، غارت الدنيا في عيني، وتبدّد من رأسي كل جفاء، وقررت فجأة أن أزوره وهو على فراش العملية الجراحية في المستشفى، والتي تكللت لاحقاً بالنجاح والحمدلله. تفاجأ أدونيس بزيارتي. قرأت في عينيه بريقاً من كيمياء فرح وطيبة ودهشة محبّبة، انعكس ذلك كله بالترحيب غير الاعتيادي بي. وكانت في الحقيقة لحظات إنسانية مشتركة، عالية في دلالاتها وأبعادها وتجاوزها لكل الرواسب والخلافات بيننا.

    يا صديقي، في لحظات مرض الشاعر، يسقط في يقيني أي أثر لأي خلاف أدبي أو شخصي، مهما علا شأنه وتعقّد أمره، وخصوصاً هنا مع شاعر كبير وحيوي مثل أدونيس، خضنا معاً سابقاً، معارك واحدة انتصاراً للشعرية العربية الحديثة، وقيم خطاباتها الفنية والانقلابية في قلب الحياة الثقافية العربية.

    ثم ما قيمة الشاعر، إذا لم يكن إنساناً بريئاً، شفافاً، متسامحاً، إيثارياً، محبّاً، وخصوصاً في الظروف المرضية الصعبة والمصيرية التي يمر بها أصدقاؤنا الشعراء؟ بيروت جمعتنا مع أدونيس، ولا تزال تجمعنا، وهو جزء منّا، ونحن جزء منه.

    شعراء الكتب

    * كخلاصة مكثفة، ماذا تقول في خطاب شعرية شعراء الستينيات العرب؟

    ** على وجه الإجمال، شعراء الستينيات العرب هم شعراء الكتب. تجاربهم «المتمردة» طالعة من لهب التنظير لذاته. قدموا مثاقفة غير خلاّقة بين الشعر العربي والشعر الأجنبي. بينما نحن، جيل السبعينيات الشعري، جئنا في زمن الحروب والقلق والخوف والثورات والصراعات والأيديولوجيات، فحمل شعرنا، وعلى الرغم من لاخطابيته، مزيجاً من المكابدات الدرامية الغائرة، والمواقف الواقعية الموشحّة برمزيات قوية ودالة. كان شعرنا شعر التجربة التي تغلي وتفور بتفاصيل الحياة اليومية. كما لم تكن مثاقفتنا مثاقفة ساذجة، سواء بالغرب الشعري والنقدي والمعرفي العام، أم بمرجعيات تراثنا العربي، القديم منه والمعاصر. وكفانا احتراماً للشعر، ولأنفسنا أيضا، أننا لا نردّد كما ردّد غيرنا ممن سبقونا: «كل شيء قيل وما من جديد».
                  

العنوان الكاتب Date
شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-19-15, 08:17 AM
  Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-20-15, 08:12 AM
    Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-20-15, 08:14 AM
      Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-20-15, 08:15 AM
        Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-20-15, 08:16 AM
          Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-20-15, 08:17 AM
            Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات Elmosley09-20-15, 01:12 PM
              Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-21-15, 02:37 PM
                Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات osama elkhawad09-21-15, 08:35 PM
                  Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-27-15, 11:49 AM
                    Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات osama elkhawad09-28-15, 02:53 AM
                      Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات أبوبكر عباس09-28-15, 10:32 AM
                        Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-28-15, 12:07 PM
                      Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-28-15, 11:57 AM
                        Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات osama elkhawad09-28-15, 06:14 PM
                          Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات معتصم الطاهر09-29-15, 00:30 AM
                            Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-30-15, 09:15 AM
                          Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل09-30-15, 09:14 AM
                            Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات osama elkhawad09-30-15, 07:55 PM
                              Re: شعراء اليوم بلا آباء ولا مرجعيات بله محمد الفاضل11-03-15, 08:41 AM
                                الشاعر كلب المدينة المفضل-هرمس بله محمد الفاضل11-18-15, 05:25 PM
                                  "الوردية الثانية" osama elkhawad11-19-15, 02:57 AM
                                    لماذا يمارس "الكُتَّاب العرب" الكتابة ك"وردية ثانية" osama elkhawad11-20-15, 05:55 AM
                                      إمتاع النفس بله محمد الفاضل11-21-15, 09:31 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de