|
الإفتتان بالقراءة و غواية التاريخ(2)- يتبع
|
04:55 AM May, 05 2015 سودانيز اون لاين محمد عبد الله الحسين-الدوحة مكتبتى فى سودانيزاونلاين
قبل أن أشرح كيف تمكنت مني غواية التاريخ كان لابد من أن اسرد تلك الرحلة الطويلة التي سرتها و تقلبت فيها بين مختلف المعارف و التخصصات المعرفية و مختلف مجالات الثقافة حتى شغفت بالتاريخ (و لا أدّعي بأنني قد سبرت أغوار تلك المعارف جميعها بل و لا واحدة منه.ا و لكن كان إطلاعي عليها مجرد إشباع لفضول و حب استطلاع و مرور عابر أحياناً أو متئداً احيانا أخرى، حسب الميل و المزاج و الإفتتنان و التأثّر و الإنطباع. و هكذا سارت رحلتي الخاصة بالإطلاع الحر بمراحل عديدة و أنا هنا لا أذكرها إلا لكي اوضح كيف تلعب الظروف و الأقدار دور كبيراً في تشكيل رؤية الإنسان للحياة و المجتمع و الإنسان و الحياة الدنيا و الحياة الآخرة، و كيف تلعب دوراً في تشكيل الموقف السياسي. حيث تلعب الأسرة و الأنداد و زملاء الدراسة و الحي و الأصدقاء و الأنداد دورا كبيرا فيما ذكرت. فقد لعب الأصدقاء و الأنداد دورا مهما في أن نعشق كرة القدم في شبابنا الباكر و أن نمارسها و نشجع بكل ما أوتينا من حماس و إفتتنان و تخلّينا عنها رويداً رويدا دون أن نشعر. و ما كنا نظن أن نتخلى عنها يوماً. كما كان للأصدقاء و الأنداد و صحبة الحي و اللعب دور لا يمكن تجاهله في أن نعشق السينما، و أن تتفتح ذاقتنا و وعينا على الأفلام و الممثلين. و أن نتعرف على بعض أسرار و دقائق التمثيل السينمائي و حياة النجوم و فحوى و مغزى الفيلم و مراميه. كما ارتبط وعينا المبكر و مرحلة المراهقة بعشق رومانسي لبعض نجمات و فاتنات الشاشة. و كم امتد بنا الإعجاب و الإغواء إلى أن نتماهى و أن نقلّد أحياناً مشيةً أو أسلوب في التحدث أو النظرات لبعض الممثلين من الرجال. و كم أمنا البحث و محاولة التعرف على سيرة حياتهم. بل أصبح بعضهم (إلى حد ما) مثلاً أعلى لنا. و لم ندرك خطل ما افتنّا به إلا بعد أن نضجنا. في الحقيقة كان هناك دافع خفي يعزز إعجابنا بالسينما و التمسك بها كهواية و ذلك بخلاف استمتاعنا بالأفلام و هي أن إفتناننا بالسينما كنا نحسّ به ينقلنا (و لو إفتراضياً) و نحن في تلك السن إلى خانة المثقفين. حيث كان المتعلمون و المثقفين في فترة السبعينات هم الذين يذهبون إلى السينما لمشاهدة الأفلام الغربية فقط و يستنكفون عن مشاهدة الأفلام العربية و الهندية. و كانت دور السينما في السعينات و الثمانيات تعرض أحدث الأفلام الامريكية و الإنجليزية و الفرنسية. فعرفنا و شاهدنا أشهر الأفلام التي كانت تعرض في أرقى دور السينما في العالم مثل: ( صائد الغزلان) و ( جسر على نهر كواي) و (زد) و (أعراض صينية) و (صوت الموسيقى) و (أطول يوم في التاريخ) و (الساعة الخمسة و العشرين) و ( قصة حب) و (الهمسة الصاخبة) و ( مدافع نافرون) و (ضيف على العشاء) و ( إلى استاذي مع حبي)....إلخ. كما عشقنا من الممثلات الكثيرات: صوفيا لورين، راكيل ويلش، اودري هيبورن، آلي ماكغرو، جين فوندا، مريل ستريب. و أعجبنا ب: سيدني بواتيه، كيرك دوغلاس،جريجوري بيك، جيمس استيوارت، الن ديلون، لويس دي فونس، جون واين، الن لاد، ستيف ماكوين، و غيرهم. وساعدت هذه المعرفة و ذلك التماهي أو كما كنا نظن و نرمي إلى ان نكون شبابا مثقفين أو متعولمين بلغة اليوم. من ناحية أخرى لعبت أجهزة الإعلام دوراً هاما في تشكيل وعينا السياسي و الذي ارتبط في نشأتنا المبكرة بوهج و بريق الإشتراكية و القومية العربية. فوجدنا في أجهزة الإعلام ما يشبع نهمنا و ما يسد حاجتنا لمعرفة معاني و مصطلحات و شعارات كانت ملء الساحة المحلية و العربية و حتى الإفريقية فاتجهنا للقراءة السياسية فوجدنا الصحف و المجلات المحلية و العربية مليئة بما يشبع حاجتنا و يسد الرمق و نحن لا زلنا في اولى مدارج الحياة السياسية. ذكرت كل ذلك لكي أوضح دور أجهزة الإعلام و الأصدقاء و الأنداد في تشكيل الوعي و في الدخول إلى ساحات العمل السياسي. و بطبيعة الحال ازدادت معارفنا بشكل عام و لكن لم نسير أشواطا كبيرة في دروب السياسة و لا الفن و لا الرياضة. و حتى تلك المرحلة لم نجد ميلاً أو شغفاً لقراءة التاريخ. و مع دخولنا للجامعة ازداد تفاعلنا مع السياسة، و الأفكار السياسية الجذابة و شعاراتها الحارة التي كانت تموج بها صحف الجامعة و لياليها السياسية. و اندمجنا في ذلك الجو مشحونين و مندفعين و مأخوذين باللاعبين السياسيين داخل و خارج الجامعة. و كان ذلك خلال فترة مايو التي انخدعنا بشعاراتها البراقة و هتافاتها الزاعقة و التي كانت قد وجدت صدىً لها في نفوسنا المتحمسة كبير. ثم ثرنا مع الثائرين على مايو و رجالاتها و شعاراتها. و تجاوبنا مع المعارضة في ذلك ممثلة في التجمع النقابي و أحزاب التجمع الديموقراطي و نحن لازلنا نحلم كشباب بالديموقراطية و الحرية و رفعة الوطن. و خرجنا إلى الشوارع مع من خرج و هتفنا و نددنا و أشدنا و قرأنا البيانات و المنشورات و الصحف. و كالعادة لعب بنا و ببراءتنا الساسة و أقطاب السياسة و قبضنا الهواء. و أخيراً رجعنا منكسي الرؤوس مهمومين و مهزومين، لنبدأ من جديد القراءة و الإطلاع في السياسة و الإجتماع لكي نحلل الاوضاع و لنتنبأ بمستقبل بلادنا. و هكذا دون أن نحس انتهت فترة الحياة الجامعية ، كما أنتهى إنقلاب مايو. و لا زال التاريخ بعيداً من إهتماماتي ....فالواقع كان أشدّ وطأة. أسرد كل ذلك و بعد أن مرت كل تلك السنون و لكن لا زال بيني و بين التاريخ ذلك الودّ المفقود. و بدأت مرحلة جديدة مع تخرجنا من الجامعة...يتبع
|
|
|
|
|
|