الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المسلمي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 04:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-15-2015, 04:59 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20489

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فى الأيدلوجيا السودانية او بروتوكولات آل (Re: osama elkhawad)


    ساقية الحياة السودانية:

    تبدو الحياة السودانية علي الاقل في ذلك الجزء الذي تبني العروبة والاسلام كهوية وايديولوجية وكأنها ساقية لعائلة ممتدة تدور الى ما لانهاية حول المناسبات والمجاملات لدعم الصلات والعلاقات الاجتماعية - عبر آليات ايام السماية للمولود الجديد، والختان، ونصب الايوانات لعقد القران ، والصبحيات، واسابيع النفاس والاربعين والحوليات ووداع واستقبال الحجيج، وايواء القادمين من اقصى الاقاليم لاداء فريضة عود المرضى في المستشفيات اما الموت بكل مفردات مقولاته وطقوسه وقدرات آلياته في شد ووصل كل حبال المجتمع الي قطب الدائرة فيمثل مركز الثقل في دوران تلك الساقية حول ذاتها والتي بدورها تعيد انتاج نفسها بتداعيات موغلة في التعقيد والتداخل عبر الشعائر والطقوس وروتين التكرار فتنبثق عنها البكائيات والمناحات الفاجعة في محافل المآتم وتكتسب المدائح الاسرة في الحبيب المصطفى واغاني السيرة التي تخرج عصرا لتتجه صوب البحر وفراق الاحباب الأليم (يا مسافر وناسي هواك) مذاقا وشجي يشق على غير السودانيين الاستغراق في اهاته (القطر القطر .. من باب نفسك يا القطار)... انظر مقالات نعمان علي الله - في اخبار رحمى محمد سليمان في مطلع عقد الستين - عن الاسفار في الاغاني السودانية، فتجري بذلك القطارات المهدودة، وتشق اللواري احقاف الرمال وعباب الاودية والمستنقعات وتهرع الحافلات البرية والنهرية والجوية في طول البلاد وعرضها لتصب احمالها في نهر المجاملات وشلالاتها الدافقة لتدوير ساقية العلاقات الاجتماعية التي تصب في مجرى مأساة البلاد الدائمة التي لا تدور بصورة جوهرية حول العمل والانتاج وتنمية وتراكم الثروة القومية وانما حول الاستهلاك والعلاقات الاجتماعية ومراسيمها وطقوسها وشعائرها وليس مدهشا ان يكون السماسرة والذين يستثمرون في العلاقات والتواصل الاجتماعي في مقدمة اثرياء السودان..

    قد حفظت لنا اغاني الشكر والمناحات والوداع والانتظار على ابواب المستشفيات ومحاط القطارات والمركبات تراثا بديعا يمكن الرجوع اليه في هذا الحقل الذي تفرد به السودانيون، اذا جعلت من ايام «الزيارة» للمستشفيات تاريخا للوجدان ووجدانا للتاريخ ومن زيارات القبور و«يوم كسر التربة» والحوليات مآثر وآداب يزيدها مر الايام وتكرارها وطائف الموت جلالا وقدسية باعتبارها محور الحياة الحقيقي وليس بالطبع او كما يتبادر الى الذهن - العمل وصناعة الثروة واعادة انتاجها وتوزيعها ولنفس الاسباب فقد تحول استقلال السودان (1953 - 1956)م، نفسه بحكم آليات ساقية الحياة السودانية وقوة العادة وسلطان التقاليد النافذ الى محفل ومشهد تحريري و«عزومة كبرى» وليس الى مشروع سياسي شامل ومهمة تاريخية عسيرة تعمر فيها البلاد وفق برامج واستراتيجيات التنمية في بلد متعدد الاثنيات والقوميات والثقافات واللغات والاديان - ولما لم يكن ذلك واردا في اجندة القوى الوطنية التي آل اليها الاستقلال اضحت القيادة في كبرى الاحزاب السياسية وجاهة اجتماعية في المقام الاول، ومكانة اجتماعية مرموقة تتطلع اليها اعناق ابناء البلد وابناء القبائل بعيدا عن متناول وطموحات المستضعفين والمهمشين والمستلحقين بكرائم تلك العائلات وتدعم تلك المكانة موهبة في التواصل وتنمية العلاقات مع مختلف المجموعات السكانية والطوائف على طرائق اسلوب الحياة السودانية.

    لم يك من اهداف الاحزاب السياسية الكبرى في عشية الاستقلال اعادة النظر في النظام الاقتصادي والاداري الذي كان يسير وفق تصورات الحكم البريطاني بأهدافه وغاياته المبرمجة سلفا بل تركت الاحزاب السياسية لقوة الدفع الذاتي، والمصادفات والشعارات ان تقوم بدور المخطط والمنفذ الاقتصادي والاداري ليفسح لها المجال حتى تتفرغ لسماع الموسيقى الرتيبة الناعسة التي تصدر من دوران تلك الساقية التي صاغت بتلفيق وانتقائية الايديولوجية العملية التي تناسب وتوائم ايقاعها في الحياة والموت ..

    الموت على الطريقة السودانية:

    ضاق احد حراس قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة ذرعا بأحد السودانيين الذي يأتي في الصباح الباكر ولا يغادر الا بعد ان يقدم الحرس باغلاق الابواب.. فخاطبه الحارس : ألا تعلم يا سوداني بأنك لا تعبد سوى قبر وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل .. وقد مات قبل اربعة عشر قرنا من الزمان .. فهمهم السوداني وكأنه يخاطب نفسه...
    والله لو كان النبي دا سوداني ما كان فراشه اترفع لحدي هسي..!!!

    يوجز المثل السائر الآف الذكر (ام قدود ما فاتت كسلان وما لحقها عجلان).. حركة الحياة في مجراها مدا وجزرا صعودا وهبوطا ذات الثقوب التي لا تتجاوز الكسول ولم يلحق بها في ذات الوقت العجول واذا كانت المراوغة هي سمة لعبة الحياة مع الانسان اذا اقتربت منها تباعدت واذا تباطأت عنها اقتربت فلم اذا التعجل الذي يتخفى الشيطان دائما في خطى نعله ..
    اما اولئك الذين يأخذون ذات الثقوب هذه بحرفية كاملة ويبذلون جهدا دؤوبا لتجميلها فهم يضعون كحلا في عين الاعور بهذا الجهد الضائع وكما تقول المفارقة لدى المسيرية الحمر..
    تبدي الحكمة الشعبية في السودان الشمالي الكثير من حيرة العجب حول طبائع الدنيا التي بمستطاعها ان تضع مولودا مكتمل الاعضاء دون ان تمر بتجربة اللقاح والحمل ومع ذلك فقد يضاف الى غرائبها التي لا حصر لها انها هشة الى الحد الذي يمكن ان يوصف بالبلاهة ذاك الذي يسند ظهره على جدارها الآيل للسقوط «خربانة ام بنايا قش» واذا كان امرها كذلك فليس ثمة ما يدعو الى العناء والتدقيق والتخطيط والبناء والعمران اذ ان الدنيا في نهاية المطاف لا تعدو ان تكون «اكل وشراب آخرتا كوم تراب»...

    تتغلغل العدمية السودانية ذات الطابع الديني تتلفع بخمار الزهد الاسلامي والموروثات المحلية عميقا في سلوك واخلاقيات نهر النيل والجزيرة فتصدهم عن اعمار الحياة والاقبال عليها بفاعلية وانشراح تدفع بهم في اتجاه مغاير تماما فيحتفون بالموت وشعائره بكثير من التدفق والحماس الطقسي.. تقدم المآتم ومحافلها مثلا شرودا لرؤية السودانيين الباطنية لحوارات الموت مع الحياة في عوالم بواطنهم والظاهر حينما تفارق الروح البدن وهو حدث يومي يجري بانتظام لا يتخلف ولا يستثني احدا من سكان العالم الذي يقطنه ما يزيد قليلا عن ستة مليارات نسمة ويصاب كل من يهمه امر المتوفى علي المستوى الفردي بالأسى وتكتسب احزان الفراق الابدي طابعها الخاص طبقا لمواضعات الثقافة ومواصفات الذي انتقل الى الرفيق الاعلى، اما وقع الموت في السودان فله مذاق وايقاع جد مختلف تماما كالاعراس السودانية ذات الجبيرة والحنة والحريرة والضريرة والسيف والهلال وكأن غير السودانيين لا يغشاهم طائف الموت فلا يعرفون له هلعا او جزعا وان موتهم لا لون له لا رائحة له ولا طعم ولا يجوز فيه البكاء ..

    علم اقتصاديات الموت:

    حينما يموت السوداني تضطرب الصدور جميعا للخبر وتنحبس الانفاس وترتفع الاقلام وتجف الصحف ويتوقف قلب الحياة عن الخفقان او كذلك تبدو الدنيا في تلك اللحظات الواجفة الراجفة ثم تدب فجأة حركة كبرى في الدار النعس بعد خروج الروح مباشرة والتأكد ان صاحبها قد اضحى في عداد الموتى فترتفع اصوات اولى النائحات النادبات بتنغيم بكائي خاص يحمل في تحشرجاته الاعلان بالخبر الصاعق : لابد من الاشارة ، ان نظام المحفظة والكشف وان لا يشعل بيت العزاء نارا، ظل ساريا في مدن السودان الشمالي حتى مطالع عقد التسعين من القرن الماضي .. اذا قدمت الشرائح والفئات والطبقات التي اصابها الداء العريض نموذجا مختلفا بتحول العزاء الى مظهر اجتماعي اقرب الى المحفل الذي تتجلى فيه الوجاهة والمكانة الاجتماعية لاسرة المتوفى الى بيت الفراش التقليدي الذي يبرز التعاطي والتكافل بين الاسرة والحي.. فيتأهب الجميع : اولياء المتوفى العائلة النووية والاسرة الممتدة مع مراعاة فروق القرب والبعد في التساكن ، الجيران، اصدقاء الاسرة، المعارف وابناء البلد واحيانا القبيلة، زملاء العمل ينخرط كل هؤلاء في حركة دائبة منتظمة اشبه بخلية النحل او بيت النمل يعرف كل فرد على حده في اللحظات التي تعقب خروج الروح ومواراة المتوفى الثرى الواجب والعمل المنوط به بناء على موقعه في تلك الخلية الحية التي تضيق وتتسع طبقا لشروط توزيع العمل واقتصاديات الموت. يعلن لنفسه كل من يعنيه امر المتوفى بمجرد سماع الخبر الفاجع شيئا اشبه بحال الطواريء والاحكام العرفية في الانقلابات العسكرية او اندلاع الحروب المفاجئة لدى قبائل حاشد وبكيل الهمدانية في شمال اليمن وتلك هي اللحظات الاستثنائية النادرة التي يتخلى فيها السودانيون عن تباطئهم وتثاقلهم ولا مبالاتهم التي يطلق عليها عرب الجزيرة والخليج خمولا ويتحولون بقدرة الموت الي جنود بملابس الميدان في ساحات القتال فيتوفر ضربة لازب كل نادر ومعدوم في سوق الخرطوم في دقائق معدودة بفضل نظام المحفظة المالية التي تتدفق فيها الاموال بسخاء وعجالة من جيوب.. ومصادر ذوي القربى والنسب لمقابلة كل صغيرة وكبيرة في النفقات التي يعد فيها المأتم بيت الفراش في الايام الثلاثة الاولى.. اذ عنّ لنا ان نتصور عاما لسيناربو مأتم لرجل متوسط الحال قد اسلم الروح في الساعة السادسة صباحا في احد احياء مدن السودان التقليدية - امدرمان مثلا (بيت المال، ابوروف، ود البنا، الشجرة، مكي ، بانت، الموردة ، وددرو، العمدة، العرب، العباسية، البوستة، العرضة، المهدية) فيمكننا الاشارة الى المعالم التالية:

    دورة الموت في البيت السوداني

    يترقى اهل المتوفى وفقا لتراتبهم القرابي على مدى ايام العزاء الى مقام عرسان يحوطهم الاهتمام من كل جانب ويشار لهم بالعيون والاصابع وتضرب لهم اقدام النساء والرجال من كل فج عميق وتقضى باشارة منهم المطالب والحاجات وتسقط عنهم المسئؤوليات اليومية ويهرع الجميع لتقديم اللازم بكفاءة لا تتوفر للسودانيين عادة الا في حضرة المقدس –الموت- تستخرج في عجالة لصاحب العزاء شهادات التغيب من العمل وتدبج بالنيابة عنه الاعتذارات التي كان عليه القيام بها في وقت لاحق ويقف أمامه بادب جم كبار رجالات الدولة والمال والثقافة ولا ينافسهم في ظل تألق تلك الاضواء المؤقتة حتى رؤساء الجمهوريات الرئاسية والملوك واساطين المال.
    -5-
    مفكرة الموت في اليوم الاول
    اذا تاكد بما لا يدع مجالا للشك ان فلان بن فلان قد اسلم الروح ولم يبق سوى نقل الخبر غير المفرح لاكثر الناس قرابة للمتوفى اذا لم يك في تلك اللحظة الحاسمة مطلا على سرير الموت تصدر الاشاره القاطعة بعد مداولات ايجازية حاسمة حول الخطوات الاولى للمضي قدما في الاجراءت التي تعقب الوفاة للبواكي اللاتي لن يسمح لهن بغير العبرات والاجهاش بصوت منخفض متقطع اناء خروج الروح ان ينطلقن الان بحرية بكل ما اوتين من قدرات صوتية في النواح لينقلن الخبر الفاجع لآذان العالمين ان فلانة أو فلانا قد مات وتلك من اللحظات القليلة النادرة التي يتساوى فيها الرجل مع المراة في ثقافة الاحزان في السودان .

    يجذب صوت النواح القارح ذو الطابع الاعلامي ادنى واقصى الجارات وكل نساء الحي فيتقاطرن باقصى ما يستطعن من تواثب بعد ان تترك كل من سمعت النواح مابيدها من عمل لترتدي ثياب الضرورات التي تبيح لها خروجها دون مستلزمات الزينة وقد تتعمد ارتداء ثوب ينم عن تهالكها وجزعها لدى سماع الخبر الحزين اما اذا كانت قريبة عهد بفقد عزيز لها فمن المناسب أن ترتدي ثوب حدادآخر متوفييها وتضحى الهيئة المهمله التي خرجت بها تلك السيده لتلبية البكاء الاستنفاري شهادة معتمدة لا تنسى لها برهانا على تضامنها وولائها لعائلة المتوفى وسوف يرد لها ذلك الوفاء اضعافا يوما .
    لا تمضي اكثر من عشرين دقيقة تقريبا على صرخات الاستنفار الثكلى الاولى حتى يتحول منزل المتوفى الذي سيطلق عليه بعدئذ "بيت البكاء" "بيت الفراش" "بيت العزاء" "الميتم" الى "حوش" مبكى كساحة ممتدة للناعيات وتتخذ
    الدراما النفسية في حوش المبكى arena psychodrama كل تشكلاتها وتجلياتها المتطرفة من تمزيق الثياب ومن حث الرماد على الرؤوس والاكتاف والوجوة و من التمرغ على الرمل والتدحرج ككرة مستطيلة ملفوفة بالثياب على ارض ملساء ومن عرض لاثار المتوفي التي يشتهر بها بين الناس( ولم يعد متيسرا في مدينة كامدرمان توفر الخيول والسيوف والمساحات لعرض ميداني مثير ويستعاض عنه بمناحات النادبات الآسرة ) وتضحى الاغماءات لمريضات السكري وضغط الدم العالي والانهيار الكامل مع الغيبوبة وتداعياتها ومتاهاتها من كمال التجليات ورغم كل ذلك لا يتدخل احد للتحكم في الموقف ولا تستدعي سيارات الاسعاف أوالنجدة ولا يحد كل هذا المشهد التراجيدي الفالت الذي يبدو جليا ان النساء في هذا المبكى قد اصبن بشئ من الهستيريا الجماعية ان يمضي كل جدول الاعمال في البيت المكلوم بتفاصيله من نظافة المنزل وتهيئته واعداده وترتيبه بدقه واتقان على نحو يليق بجلال الموت وبالمكانه الكريمه والعزيزه التي يحب ذوو المتوفي ان تكون اطارا لصورتهم التي يفضلون ان ينظر اليهم بها في الحي والمدينه والمجتمع واذا كان على نساء عائلة المتوفي/ المتوفاة -ان يكن على قدر عال من اليقظة على مستوى التمهيد والتحضير والترتيب والتجهيز الفني المتقن لمفردات الجنازة وخروجها الى المقابر والاشراف على كل صغيرة وكبيرة تخص اعداد وتوفير وتقديم الطعام طوال ايام العزاء فعلى نفس النساء تقع كامل المسئؤو لية في انتاج واخراج وتوزيع وتسويق العرض الدرامي للماتم ليكون الوجه الاخر لنفس العملة التي يتداولها الرجال منذ خروج الروح وحتى نهاية رفع "الفراش" في نهاية اليوم الثالث حيث ينهض الرجال ابتداءا من لحظة الصفر باراده ذات طابع حديدي وباقصر الطرق والوقت بتقسيم العمل وتوزيعه على وحدات صغيرة تتولى مهام ما بعد اسلام الروح التي لا تقبل التاجيل او التردد او التلكؤ او انتظار امر او نصيحه من خارجها.
    -6 –
    تقسيم العمل في بيت العزاء

    تباشر وحدات العمل المتعددة مهامها تحت الغطاء الكثيف للعويل والمناحات المسترسلة والمتقطعة التي تنبعث من حوش المبكى وكأن وظيفة فوضى دراما البكاء في ساعة الوفاة الاولى ان تشد بمهاره الاسماع والأنتباة بعيدا ليتسنى لوحدات العمل اللوجستية ان تنهض بمهامها بكفاءة وصمت ودون ان يلحظها في غمرة الهرج والمرج احد.
    تنقسم الوحدات أو المجموعات عادة الى التالي :
    1- مجموعة الاعلام والاتصال والرصد والمعلومات والمواصلات.
    2- تجهيز الجنازة والخروج بها وحملها.
    3- مجموعة المحفظة
    4 – أختيار المقبرة ( أحمد شرفي –البكري –حمد النيل الخ وفقا لتقديرات لها حساب معلوم) ثم اعداد القبر وحمل المتوفى بعد الصلاة عليه لايداعه في مثواه الاخير .
    5-اعداد صيوان العزاء –هدم جدار الجيران لدى الضرورة ,ترتيب المجالس والمقاعد ومبيت القادمين من الاقاليم.
    6- الكشف .
    7- شئون الطعام والمشارب الاواني والمعدات بالتنسيق الكامل ( الذي لا يري ابدا ) مع جناح النساء .
    الجدير بالملاحظة ان حركة المجموعات المختلفة لا تبدو بينه لغير العين الفاحصة وقد تتالف الوحدة التي تتولى مهام الادارة من شخص واحد او اثنين ولا ينبغي لها في كل الاحوال أن تتجاوز ثلاث افراد لتسيير الحراك ويجري تنفيذ المهام تصاعديا في وقت واحد سيما في الساعات الاولى التي تلي الوفاة مباشرة وينتهي طورها الاول الذي يتسم باعلى درجات التوتر والحركة حينما يعود الذين حملوا الجنازة الى مثواها الاخير من المقابر .
    أ‌- الاعلام والاتصال والرصد والمواصلات:
    اولى مهام هذه المجموعة ان تتحكم بانضباط المحترف الرصين ومنذ خروج روح المتوفى في مد حبال الأتصال بوحده اخرى في جناح النساء وقد تتولى ادارة تلك الدفة اكثر النساء رشدا وعقلانية و"حاكمية" وقد تكون هي العمه الكبرى او بنت العم او الجده او زوجة العم او صديقة العائلة الموثوق بها ليقر لها ان تسيطر على توقيت متى يتم اعلان الوفاة بكائيا اذ لا ينبغي كما تقتضي التقاليد النواح قبل اعداد وترتيب البيت من الداخل ثم تأتي المهمة المواكبة للاولى الاتصال بكبار قوم العائلة ووجوهها ورموزها غير الحاضرين حتى لا يكونوا اخر من يعلم ليتزامن مع انفجار البكاء الاعلاني التواصل مع اصدقاء العائلة وذوي المقام من اولئك الذين يقعون في مرحلة وسطى بين الاصدقاء والمعارف .
    يلي ذلك مباشرة نقل الخبر الى الاذاعة - -هنا أم درمان قديما ثم الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون ثم دخل على الخط مؤخرا النشر في الصحف اليومية أوالاعلان مدفوع الاجر اذا لزم الامر .
    يراعى في كل الاحوال ان يتم الاتصال مع اكثر اهل المتوفى قرابة وقربا سواء ان كان داخل او خارج السودان وقبل ان يبلغهم خبر الوفاة عبر الاذاعة او الصحف والاصدقاء والمعارف .
    اذا تم انجاز كل تلك المهام في الساعات الاولى من الوفاة انتقلت تلك المجموعة تلقائيا من عتبة الاعلان والاعلام الى الرصد الخفي لكل دقائق وقائع تفاصيل مجرى العزاء مثلا اول من لبى نداء الوفاة من خارج العائلة والاسرة وفقا
    للتسلسل الزماني في وصول المعزين وحدانا وزرافات .لا تكتفي وحدة الرصد بالتسجيل غير المكتوب للحضور والغياب ولكنها ترصد ايضا درجات التفاعل الوجداني للمعزين على كل المستويات ابتداءا من الاقارب والجيران الى سكان الحي والاصدقاء والمعارف وزملاء العمل وابناء البلد والقبيلة.
    -7-
    معالم الافتراق بين الكشف والمحفظة
    حينما تتقضي ايام العزاء الثلاث ويرفع الفراش تلتقي المجموعات المختلفة لتتداول المعلومات التي تجمعت اثناء العزاء ويتم النظر فيها بكثير من الحيده التي تمليها التجربة وعلى ضوئها تعيد العائلة والاسرة حساباتها وتصوراتها لنفسها ومحيطها في الحاضر والمستقبل.
    ب - المحفظة:
    لما كانت نفقات بيت العزاء مفتوحة ولابد من مقابلة كل المصروفات الجارية على مدى ثلاثة ايام دون عجز او تناقص في السيوله أنبثق نظام يشبة "المحفظة" pooling direct payments تختار رئاسة عائلة المتوفى بالتشاور مع اكثر الاصدقاء والجيران التصاقا نخبة جد محدودة من ذوي الكفاءة والامانة والدراية ببواطن الصرف المالي في بيوت العزاء لتصب لديهم كل مايمكن توفره (قد يأتي الى المسئولين من المحفظة من يعدون في السابق من الاباعد ويبذلون بسخاء مالا وفيرا وبذلك يدخلون عن جدارة ويثبتون انهم اقل بعدا) من السيولة النقدية التي تتدفق من اثرياء العائلة والقائمين على صيانة صورتها وذوي الشهامة ومن اولئك الذين يتصرفون دائما بكياسة في مثل هذه الاحوال العصيبة فينساب المال بين اصابعهم . لا ينظر لمال المحفظة بوصفه تبرعا او صدقه او شيئا من ضروب العون الذاتي انها اقرب الى الحساب المفتوح لمشروع مؤقت له توجهات ومرامي ومقاصد مبرمجة ذات طابع عاجل وآخر آجل منها مثلا : * مواجهة نفقات تجهيز الجنازة من اقمشة الكفن وصابون وعطور وصندل وبخور الخ
    * مواجهة نفقات القبر من طوب وماء ومواصلات وآليات قد لا تتوفر لدى الجيران او في الحي
    * مواجهة نفقات اقامة الصيوان وايجار البسط والسجاجيد والكراسي ومعدات الشاي والقهوة والثلج والمرطبات كل ذلك تخفيفا على نساء بيت العزاء من اعباء اعداد الطعام وادارة شئون الموت في الطرف الاخر الاكثر مشقه وتعقيدا
    * مواجهة نفقات الطعام والمشارب من لحوم وسكر وخبز وخضروات وفواكه وحلويات وعلى وجه خاص الذبائح اليومية على مدى ثلاث ايام وما تسمى بالكرامة
    * مواجهة نفقات الاعلام والمواصلات وشبكة التصالات في داخل السودان وخارجه
    لا يحدث عادة ثمة تداخل او مزج او دمج بين نخبة المحفظة التي تباشر مهامها قبيل الوفاة حينما يتكشف لمن يهمهم
    الامر ان الروح في طريقها الى هجر البدن وبين الجماعة التي تنهض بنهاية يوم العزاء الاول او بداية اليوم الثاني في "موضوع الكشف" الذي يتصدى له الاصدقاء والجيران والاباعد من الاقارب .
    قد بات الكشف المالي الذي يجري في خط موازي للمحفظة من اعراف المآتم الثابتة تعبيرا عن التضامن والتعاضد في العزاء لمساندة عائلة المتوفى في النفقات والتكاليف أتقاء أن تكون "ميتة وخراب ديار" .
    لا يقتصر التضامن والتعاضد مع اسرة المتوفى على الكشف وحده اذ لا يتخلف الجيران عن توفير كل ماهو مطلوب من اواني وبسط وآليات هدم الجدر (الحيشان) بطيب خاطر ليكون بيت الجيران امتدادا في كل شئ لبيت العزاء
    يتمثل الاختلاف الجوهري بين المحفظة والكشف ان الاخير يبين الشعبية التي يتمتع بها عائلة المتوفى في وسطها الجغرافي والاجتماعي اما المحفظة فتعكس التعاضد الداخلي للعائله ووقوفها صفا واحدا في كل العوادي التي تلم بها وليس من الضروره ان يكون ثمة تطابق بين التلاحم القوي داخل العائلة( حيث تتوفر في المحفظة بعد سويعات من الوفاة ما يغطي نفقات بيت العزاء الاساسي منها والكماليات منها ثم يبقى الكثير من الفائض ) وبين شعبية او عزلة عائلة المتوفى في محيطها السكاني كما يجسدها بما لا يقبل الشك او الدحض وفير الكشف او بؤسه الى حد الادقاع اذا كانت عائلة المتوفى وثيقة الاواصر بالجيران وسكان الحي تشارك باريحية وسخاء في كل ما يعرض لهم من احن ومباهج – يهب عادة المحيط الاجتماعي والوظيفي لنجدتهم والتلاحم معهم-
    وتضحى الوفاة اكثر من الاعراس والتوجهات السياسية والدينية الرمز المكثف للتساند والتلاحم ثم يأتي الكشف المالي لدعم ذيالك التعاضد حينما يرفع الفراش وتجلس العائلة –الاسرة- لمراجعة وتقويم ما الم بها وتتدقق العيون في ارقام الكشف يتجلى لهم عما في وارد الكشف قد زاد واربى على مجمل محصلة المحفظة –آنئذ يرد لكل من اسهم في تلك
    المحفظة على دائر المليم ما قد قدمه اما اذا تبقى ثمة نقد بعد كل ذلك فسيعود الى رئاسة الاسرة لمواجهة تداعيات الوفاة التي ستمتد الى امد غير قصير اما اذا كانت عائلة المتوفى رغم تلاحمها الداخلي ووجاهتها المالية ومكانتها السياسية والدينية –لا تشارك محيطها السكاني في احزانهم عاملهم الناس بالمثل دون زياده او نقصان وياتي -الكشف – قليل المال والاسماء وتذهب المحفظة لسداد نفقات المأتم.
    نواصل في الحلقة الثالثة
    عبدالسلام نورالدينfont>
                  

العنوان الكاتب Date
الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المسلمي بله محمد الفاضل04-06-15, 04:30 PM
  Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� الفاتح ميرغني04-06-15, 04:33 PM
    Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� elhilayla04-06-15, 07:12 PM
  Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� أسامة العوض04-06-15, 07:11 PM
    Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� مني بت نفيسة04-06-15, 07:20 PM
      Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� بله محمد الفاضل04-09-15, 06:57 AM
        Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� معاوية المدير04-09-15, 07:07 AM
          Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� ibrahim fadlalla04-09-15, 02:58 PM
            Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� صلاح عباس فقير04-10-15, 03:49 AM
              تحوُّل الرثاء الشعري إلى "بيت عزاء" osama elkhawad04-11-15, 03:23 AM
                Re: تحوُّل الرثاء الشعري إلى andquot;بيت عزاءandquot; معاوية المدير04-11-15, 04:57 AM
                  "المزازاة" بين البوستات: "جراب ثقافي" أفرغ من فؤاد أم موسى osama elkhawad04-11-15, 05:10 AM
                    ألفيتُكَ فيه نهراً مُدناً ريحاناً ونهارا. بله محمد الفاضل04-13-15, 08:43 AM
                      Re: ألفيتُكَ فيه نهراً مُدناً ريحاناً ونهارا Abdelrahim Mansour04-13-15, 11:02 PM
                        Re: ألفيتُكَ فيه نهراً مُدناً ريحاناً ونهارا osama elkhawad04-14-15, 00:22 AM
                          Re: ألفيتُكَ فيه نهراً مُدناً ريحاناً ونهارا osama elkhawad04-14-15, 06:25 AM
                            Re: ألفيتُكَ فيه نهراً مُدناً ريحاناً ونهارا معاوية المدير04-14-15, 06:37 AM
                              Re: ألفيتُكَ فيه نهراً مُدناً ريحاناً ونهارا osama elkhawad04-14-15, 06:44 AM
                                Re: ألفيتُكَ فيه نهراً مُدناً ريحاناً ونهارا معاوية المدير04-14-15, 06:46 AM
  Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� أبوذر بابكر04-14-15, 06:52 AM
    Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� osama elkhawad04-14-15, 07:20 AM
      Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� osama elkhawad04-14-15, 07:27 AM
        Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� معاوية المدير04-14-15, 07:31 AM
          Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� معاوية المدير04-14-15, 07:39 AM
          "رصاصة الرحمة": قبل أن تغادر روحك،ابحث لك عن "مهنة أخرى" osama elkhawad04-14-15, 07:53 AM
            Re: andquot;رصاصة الرحمةandquot;: قبل أن تغادر روحك،ابح osama elkhawad04-14-15, 08:01 AM
      Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� أبوذر بابكر04-14-15, 07:44 AM
        Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� معاوية المدير04-14-15, 07:47 AM
          Re: الرُّوحُ العِملاقةُ...في رثاءِ العوض المس� معاوية المدير04-14-15, 08:03 AM
            فى الأيدلوجيا السودانية او بروتوكولات آل سودان osama elkhawad04-15-15, 04:44 AM
              Re: فى الأيدلوجيا السودانية او بروتوكولات آل osama elkhawad04-15-15, 04:59 AM
                "استعمال النص" ك"مناسبة": درس الأسافير السودانية osama elkhawad04-17-15, 06:02 AM
                  Re: andquot;استعمال النصandquot; كandquot;مناسبةandquot;: درس ال� محمد حمزة الحسين04-17-15, 07:28 AM
                    Re: andquot;استعمال النصandquot; كandquot;مناسبةandquot;: در osama elkhawad04-18-15, 00:13 AM
                      Re: andquot;استعمال النصandquot; كandquot;مناسبةandquot;: در معاوية المدير04-18-15, 10:41 AM
                        ساقية الحياة السودانية: العلاقات الاجتماعية و"المحْركة" osama elkhawad04-18-15, 08:42 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de