رجل بقامة وطن – إبراهيم يوسف سليمان - بوستات توثيق

جريدة الصحافة العدد 7088 - 4/5/1982م
إستراحة
بقلم : محمد الخليفة طه الريفي
شيخ العروبه إبراهيم يوسف سليمان تركنا وذهب بالأمس إلى لقاء ربه إبراهيم يوسف سليمان وعند الله وحده جزاء إبراهيم
والنادرين من أمثاله في كل وطن وفي كل زمان وانا أشبهه اليوم بهذه الكلمة وذلك حقه على كل من أفاد من معرفتة والصلة به والعمل
معه ولأقدم تعريفا قصيرا وربما ناقصا به____ لمن يقراء هذه السطور من ابناء هذا الجيل ففي سيرتة قدوة صالحة لما يأتي من بعده .....
وفي تاريخه توجد أروع صفحات نضالنا الوطني ..... فقد ظل إبراهيم يوسف سليمان يعمل _ عمله الوطني النبيل _ لهدف بعيد عن
شخصه، ولنفع يعم وطنه جميعاً.
وإذا كان البعيد عنه من مواطنية قد عرفه من خلال المناصب التي تقلدها سياسية وطنية قبل الإستقلال أو إدارية ودستورية
بعد الإستقلال فإن ماخفي من أعماله الوطنية أعظم ..... وما غاب من سيرتة كان أضخم، وما عرفه له زملاء (الفكر ) وأعضاء (الجبهه) أفخم.
وإبراهيم يوسف سليمان و إن كان كبيراً بأسرتة المعروفة في محتوه الأول (الهلالية) وفي منتماه في جزيرة توتي .. وفي مولده في
بيت المال.. فإنني أجده كان كبيرا بهذا المنتمى وبما قدمت هذه الأسره في ميادين البذل والفداء .. بيوتهم مجالس علم وندوات فكر ومواقع قيادة
ويوم أن خرجت جزيرة (توتي) تدافع عن وجودها وتاريخها في عام 1944م كان إبن أخيه هو الشهيد الأول في تاريخ حركة الوعي الوطني ،
وفي بيت المال من منازل (آل إسحق)..(آل يوسف سليمان) إنطلقت قاعدة المجد التليد جميع الأفكار التي حددت لهذا الوطن معالم المستقبل
..بهذا الرصيد الفكري دخل إبراهيم يوسف سليمان إلى كلية غردون موظفاً (محاسب) ولكن كان في وظيفته الصغيره هذه يبدو أكبر قدراً و أسطع
بريقاً ممن وضعتهم قوانيين الخدمة العامة في أكبر المراكز، لم يحبو أمام طموح إبراهيم يوسف سليمان دخان معارك ثورة 1919م في مصر...
ولم تخفت في آذانه ووجدانه أصداء ثورة 1924م في السودان... وعلى هذا الصدى التأمت في بيت المال (( جماعة الأبروفيين)) الذين يمثلون
إحدى طلائع اليقظه الفكرية.... حماد توفيق...وحسن عثمان إسحق ... و إبراهيم عثمان إسحق ... وحسن أحمد عثمان الكد وشقيقه حسين ...
وعبدلله ميرغني... وخضر حمد ... و إسماعيل العتباني ... وخلف الله بابكر ...وزاملهم برسائله من بعيد --- من الأقاليم أحمد خير... وهؤلاء
هم النواة التي نشأت من فكرة مؤتمر الخرجيين العام ويوم التعليم ،وسمنت شجرة المؤتمر وامتدت فروعها لتظلل السودان كله، وتوهجت قيادة نادي
الخرجيين للرأي العام في السودان وتجلت مثل الشمس زعامة الزعيم الوطني الخالد إسماعيل الأزهري عند التطبيق و إنتقال الفكرة إلى الممارسة
الجماهيرية.
لقد كان إبراهيم يوسف سليمان خلال مراحل عمله الوطني يعطي القدوة من نفسة لزملائه و للمتتبعين خطاه ممن عرف وممن لم
يعرف.... وفي كل ميدان وعند كل إمتحان....... كان إبراهيم يوسف سليمان واحداً من قلة من خريجي الكلية الذين إختاراهم الإدارة البريطانية
ليكونوا (نواب مآمير) رفض إبراهيم يوسف سليمان أن يؤدي قسم الولاء للإدارة البريطانية.. وعاد إلى مكتبه كما كان محاسب.. فهو إذن أول من
رفض هذه الوظيفة المرموقة جداً في ذلك الوقت.
كان مؤتمر الخريجيين عضواً في لجنته التنفيذية التي تقدمت خلال الحرب العالمية الثانية بالمذكرة المشهورة التي تطالب للسودان
بحق تقرير المصير.... ولما عرف الإنجليز عنه من أصالة الفكر وسمو المكانة نقلوه خارج العاصمة (محاسب) في مركز القضارف وبمجرد
وصوله إلى مركزه الجديد إلتف حوله الشباب و تألفت أول لجنة فرعية للمؤتمر.. وأول لجنة للتعليم الأهلي ... وإنتشرت لجان المؤتمر الرعية في
القرى... وقامت أول مدرسة وسطى أهلية في القضارف، وألحقوا به توأم روحه وزميل نضاله الأستاذ خلف الله بابكر نقلوه إلى كسلا قريباً من ا
لقضارف و إلتقيا هناك وإنتقلت العدوى من القضارف إلي كسلا بقيادتهما وحدث في كسلا ما حدث في القضارف لجنة مؤتمر نشطة....
ولجنة للتعليم الأهلي ومدرسة أهلية وسطى.
وضاق الإنجليز بهما ذرعا"......أعادوا إبراهيم يوسف إلى الخرطوم ليكون تحت المراقبة ونقلوا خلف الله إلى الأبيض .. وإزداد
نشاط إبراهيم يوسف في العاصمة .... تألفت الجبهه الوطنية... ثم جبهة الكفاح الداخلي... وكان إبراهيم واحداً من الذين عملوا لجمع الأحزاب
الإتحادية في جبهته ، ومن رواد المواجهه مع الإداره البريطانية. إلى أن تحقق الإستقلال ثم عينوه في لجنة السودنة – وعضواً في مجلس السيادة--- .
وفي المكانيين كان إبراهيم يوسف يعطي من نفسه القدوة لغيره.... لم ينتقل من بيته في بيت المال بأمدرمان إلي منزل حكومي...
لم يشاهده أحده في سياره حكومية إلا تلك التي تذهب به إلى مقر الجنه أو إلى قصر الشعب وتعود لينصرف السائق بعربته إلي الغد لقد كان
إبراهيم واحداً من رواد الوحده العربية في السودان...... وواحداً من رواد الفكره الإتحاديه فمصر –في رأيه – قدر العروبه - في إعتقاده مصير.....
هكذا كان وإلى أن مات بالأمس ....عليه رحمة الله .