|
جدل التشابه والاختلاف بين داعش والسلفية الوهابية
|
لا بد من التذكير بأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت ولا تزال لها الفضل بعد الله تعالى على الأمة الإسلامية في محاربة شرك القبور والتصدي للخرافات وبدع التوسل بالأولياء والصالحين…
الشيخ محمد -رحمه الله- لم يكن تقليدياً في نشر أفكاره، بل كان تفكيره منصبّاً على تعضيد موقعه الدعوي والفكري بدولة تحمي أفكاره التي دعا الناس إليها، ولكن من دون أن يكون له اهتمام بالمعايير الشرعية التي تقوم عليها السلطة الحامية للدعوة، فقد أقام الشيخ -رحمه الله- فكرته تحت نظام تعاقدي يتحكم فيه شخصان فقط، وهو فرق هام بين دعوته وبين من يطابق بينها وبين الدعوة النبوية. وفارق آخر: وهو أن دعوة التوحيد التي أقامها النبي -عليه السلام- كانت تستهدف محاربة الملأ السياسي الذي يفرض الشرك بالقوة ويقهر الناس على اتباع الأرباب وعبادة الأصنام، وأمّا مَن كان على غير دين محمد -عليه السلام-، كملك الحبشة، ولم يتجبر على أهلها بفرض الشرك ولم يمنعهم من سماع الهدى والنور والدعوة، فقد تعامل معهم النبي -عليه السلام- بالكلمة ولم يسل عليهم السيف، بل لم يفرض عليهم الجزية لأنّهم لم يدخلوا في الإسلام ويقبلوا بدعوته عليه السلام، بل تركهم وأمر بتركهم كما جاء في قوله (اتركوا الحبشة ما تركوكم). والسبب الواضح في ذلك أنهم لم يمنعوه ولم يقاتلوه ولم يعتدوا على قومهم ويمنعوهم من سماع الحق، على خلاف دعوة الشيخ التي سُلت فيها السيوف دونما حاجة للحرب والقتال وإسالة الدم، فلم تكن البدع والشركيات محميّة بقوة الجبارين والسادة والملأ وفرض الشرك، بل دعوى الشرك الأكبر التي كانت تحيط بقرى نجد -كما يقال- لم تكن سوى دعوى مجردة عن البرهان ولم تثبت بدليل قاطع، وأمّا البدع الأخرى فهي محل جدل علمي بين كبار العلماء المعتبرين في زمن الشيخ ومن قبل دعوته ومدونات العقيدة تزخر بالخلافات في مسائل التوسل وغيرها. فلم تكن دعوة الشيخ تستوجب سلّ السيوف، وكان يمكن القضاء على كثير من المظاهر البدعية أو الشركية، والتخفف منها بالكلمة والموعظة الحسنة دون الحاجة لإطلاقات التكفير العامة التي لم تكن دلالاتها على وجود الشرك بقدر ما كانت أداة لإقامة الدولة وفرض الدعوة! فما مناسبة إطلاق وصف الردة على أهل حريملاء؟ وما الردة التي قاموا بها وكفروا وخرجوا بها من الملة والأصل فيهم الإسلام ومساجدهم كانت قائمة؟ وقد جاء نصاً في رسائل الشيخ نفسه الحكم بالردة والكفر العمومي من دون أن يقدم الشيخ دليلاً على ردة أهل حريملاء وضرماء فيقول: “… مصداق قولي فيما ترونه فيمن ارتد من البلدان، أولهن ضرما، آخرهن حريملاء…”. وفي مناسبة أخرى، كَتبَ الشيخ إلى أهل القصيم كتاباً جاء فيه: “وأهل القصيم غارهم إن ما عندهم قبب ولا سادات، ولكن أخبرهم أن الحب والبغض والموالاة والمعاداة لا يصير للرجل دين إلا بها. ما داموا ما يغيضون أهل الزلفي فلا ينفعهم ترك الشرك ولا ينفعهم قول: لا إله إلا الله …”. وهو نص يحمل التكفير المجمل لأهل القصيم وأهل الزلفي. - 2 - لقد أقر الشيخ أثناء خلافه مع علماء الأمصار -في زمانه- الذين وافقوه على دعوته بأنهم اختلفوا معه في مسألتيْ التكفير والقتال، وقد كان لهاتين المسألتين أثر بالغ في تصميم عقيدة قتالية لدى أتباع الدعوة لمحاربة كلّ من يرفض الدعوة وبيعة الدولة، وقد اعتبر الشيخ كل من رفض دعوته فقد وجب قتاله لأن دعوته هي دعوة الرسل فهو بالضرورة يرفض الإسلام والتوحيد، وكل من يرفض مبايعة الدولة فيجب قتاله لأنه يرفض الدخول في عقد الدولة التي تحمي التوحيد من الشرك. لقد نجح الشيخ محمد في حماية أفكاره بسيف السلطة وليس بالدعوة والحكمة، وحظيت الدعوة الوهابية فيما بعد بالتبني السياسي والتحصين الثقافي وتوفر المشروعية الدينية والمكانة الثقافية والاجتماعية لمن يحصنونها (تجديد فهم الوحي، ص 93)، فكان لها الانتشار والتوسع. ورصداً للجدل الدائر حول أوجه التشابه والارتباط بين داعش والوهابية، فقد أثارت عدة مقالات وتغريدات وردود كُتبت في مواقع التواصل، النقاش عن مدى التقارب أو التطابق أو التباعد بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وتنظيم الدولة “داعش”. وقد اتفق الكثير بأن داعش قد اجتمع فيها الكثير من صفات الخوارج: فهم حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية ويقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان، إضافة لحالة الوثوقية التامة بأنهم الحق وغيرهم الباطل، وأنهم الإسلام وغيرهم هو الكفر والردة والضلال، وهي الصفة الأبرز التي ورثوها عن ذي الخويصرة الذي اتهم النبي -عليه السلام- في عدله، فمن باب أولى أن تشك داعش في سلامة إيمان الأمة بأجمعها، وهي صفة لا تفارق أكثر أتباع الدعوة الداعشية. لم يثبت عن الدواعش أنهم يكفرون بالكبيرة، لكنهم يحاربون من لا يبايع أو يعادي دولتهم ويعتبرونه مرتداً كافراً خائناً، فإن دخلوا قرية أو مدينة فلا خيار للمدنيين والعزل والعشائر إلا القتل أو مبايعة الدولة والانضواء تحت رايتها، وقد شهدت ساحات سوريا والعراق دماء العديد من قادة الجهادة والمدنيين والعزل من السلاح وتمت تصفيتهم تحت ذرائع الردة والكفر والخيانة وأنهم صحوات… ولا زالت داعش تتوجه لقرى سنية وكردية في العراق وتتجنب مواجهة جيش بشار أو حزب الله أو المناطق ذات الكثافة الشيعية إلا بالقدر الذي يمكّنها من الأرض والسلاح وليس المهم لديها استراتيجياً ومرحلياً منازلة النظام السوري.
|
|
|
|
|
|
|
|
|