|
Re: ثقافة الخوف (Re: mwahib idriss)
|
• الخوف كسلوك اجتماعي: لقد أعادت أنظمة الاستبداد عبر التاريخ إنتاج وإعادة إنتاج ثقافة كاملة من الخوف مؤثثة بمظاهر اجتماعية وثقافية أصبحت ضاربة في اللاوعي الجماعي والفردي، بفعل التجارب التي ترسخت في الذاكرة الجماعية للأفراد، جعلتهم يعيدون إنتاج الوعي الجماعي المشكِّل لهذه الثقافة. حيث أصبح حاجزا أمام إمكانية دفع المجتمع إلى التحرر من هذه الفوبيا الجماعية التي يرزح تحتها ولا يحس بالمعاناة التي تكبله وتشل فكره. يمكن للضغط والقمع الذي يتعرض له الأفراد أن يحولهم إلى كائنات تخاف من لا شيء حتى يمكنها ضمان استمرارها في الحياة. كما يمكنه أن يتحول أيضا إلى رد فعل إما عفوي أو منظم كما حدث مع الثورات العربية التي انبعثت فجأة من تحت الخوف الذي كان يشل حركة هذه المجتمعات ودفعها إلى التمرد على ذلك الخوف والتحدي عن طريق الاندفاع والتضحية بالذات من أجل ضمان الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية باعتبارها مقومات الحياة الإنسانية في بعدها الكوني. تشكل التجربة التونسية نموذجا على الدور الذي يمكن أن تلعبه الشروط المادية والحياتية في تكسير حالة الخوف الجماعي الذي يرزح تحته الأفراد. فالانتفاضة لم تكن نتاج وعي سياسي مؤطر بمشروع اجتماعي/مجتمعي. لقد كانت رد فعل عن الضغط والخوف الذي يعيشه الأفراد تحت نظام قمعي استبدادي لم يكتف بسلب الحريات وإنما تجاوز ذلك إلى سلب شروط الحياة الكريمة، وهو ما يعيدنا بطبيعة الحال إلى دور الجوائح والمجاعات في خلق الفتن والقلاقل وتغيير هرم السلطة. كما يشير التاريخ الوسيط والحديث كيف ساهمت المجاعات في انهيار دول وقيام أخرى، لقد وصل الموحدون إلى الحكم نتيجة المجاعات التي ضربت المغرب ونفس الشيء حصل مع العلويين حيث مهد استمرار المجاعات والأوبئة في ضعف الدول السعدية وعدم قدرتها على تأمين شروط الحياة. وهو ما يضعنا أمام الدور الذي يمكن أن تلعبه العوامل الطبيعية في تشكل الوعي لدى الأفراد والمتجلي أساسا في ثقافة الخوف. خوف من المجهول كون الطبيعة كانت تشكل لغزا يجب خلق أشكال تعبدية وتقربية لتجاوز حالة الخوف والاستسلام له وهو ما نلحظه في المجتمعات العربية من خلال انتشار ظاهرة الأولياء والصالحين. لقد أصبح ينظر إلى الحرية في هذه المجتمعات بأنها نتاج الإكراه (La contrainte) والخوف. ولولا الحرمان الذي عاشه الأفراد والذي أخذ جميع أشكاله المادية (سلب الحقوق ونهب الخيرات) والرمزية (التضييق والقمع والتهميش والإقصاء والتعتيم وتشويه الحقائق...) لما اضطر الأفراد إلى التضحية بأنفسهم من أجل العيش في مجتمع يسوده الأمن والأمان. لكن بالرغم من ذلك حاولت الدول إنتاج أشكال جديدة من المراقبة الاجتماعية للأفراد في حركاتهم وتحركاتهم، بحيث أصبحنا أمام نبوءة (أرويل)J. Orwell المراقبة التامة والشاملة من خلال تطوير تقنيات جديدة يتم فيها الاعتماد على ضبط الجسد وتطويعه. إن الخوف كبنية ثقافية لا ينتج إلا ضمن شروط موضوعية تُفقِد الإحساس بالأمن والأمان كيفما كانت هذه الشروط، وتجعل الأفراد يرتكنون إلى الماضي أكثر مما تجعلهم يتجاوزون تلك الشروط. هذا الارتكان للوراء يعمق الخوف ويقويه مما يجعل من الصعب تجاوزه أو التخلص منه.
|
|
|
|
|
|
|
|
|