|
Re: ثقافة الخوف (Re: mwahib idriss)
|
إن الخوف كبنية ثقافية ليس وليد اللحظة الراهنة بل هو ضارب في اللاشعور الجمعي لأغلبية المجتمعات. ذلك أن لكل مجتمع مخاوفه كما له أيضا آماله وتطلعاته. وإذا ما حاولنا أن نقوم بحفريات في هذه المخاوف الجماعية في المجتمعات العربية فإن الكثير منها يرتبط بالشروط الاجتماعية والسياسية التي عرفتها عبر تاريخها الطويل. ويمكن في هذا الإطار أن نأخذ المجتمع المغربي كنموذج، حيث ارتبطت الاضطرابات السياسية في العصور الوسطى والحديثة بالكوارث الطبيعية كالمجاعات والأوبئة. إذ نجد أن تعاقب الدول والاستيلاء على السلطة يكون ناتجا في أغلب الأحيان عن هذه الكوارث أكثر منه نتاج عوامل أخرى. بحيث تساهم القحوط والأوبئة في تغيير البنية المورفولوجية للساكنة مثلما تغير البنية السياسية للبلد. وقد أوردت كتب التاريخ كيف أن المجاعات والأوبئة كانت سببا مباشرا في الاضطرابات السياسية وخروج العديد من القبائل وعصيانها عن السلطة المركزية وهو ما يعرف في الأدبيات السياسية والأنتروبولوجية ب “السيبة”.
نشير في هذا الإطار إلى العديد من الدراسات الأكاديمية التي تطرقت للموضوع وحاولت أن تربط بين سلوكات الأفراد وتصرفاتهم وما بين الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي هم نتاج لها. فقد أورد الباحث المغربي محمد الأمين البزاز في أطروحته تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب كيف ساهمت القحوط والأمراض في خلق نوع من الفوبيا الجماعية تحولت إلى بنية ذهنية تجلت في الإحساس باليأس والتشاؤم الذي أصاب الأفراد جعلهم ينتجون أنماط تفكيرية غارقة في الخرافة والدجل عن طريق تفسير تلك المظاهر بأنها غضب إلهي مما سمح ببروز بعض المظاهر الدينية كالزوايا والأضرحة وظاهرة المجاديب.
لقد سبق هذه الدراسة أخرى مماثلة اقتصرت على القرنين 16 و17 بعنوان المجاعات والأوبئة في المغرب بينت كيف ساهمت العوامل الطبيعية وتأثيرها على التمثلات الذهنية للجماعات البشرية مثلما غيرت أيضا البنية الديموغرافية للمجتمع. حيث خلص البحث إلى أن للكوارث الطبيعية دورا فاعلا في سيرورة تطور المجتمعات التي تنعكس بدورها على الأنماط السلوكية والفكرية لأفرادها. لقد شكلت هذه التحولات بنية فكرية قائمة على الخوف خصوصا إذا ما عرفنا أن دورات الأوبئة والمجاعات خلال القرنين 18 و19 مثلا، توالت بمعدل مجاعة أو وباء أو هما معا كل 13 سنة. ما جعل الخوف هو الإحساس المسيطر على الأفراد لأن القحوط تجعل الأفراد عاجزين عن تأمين شروط الحياة ولا حتى الحفاظ عليها.
ونتيجة لتعاقب دورات الأوبئة والمجاعات تشكل لدى الأفراد مخاوف من تكرار المآسي المرتبطة بمثل هذه الظواهر الطبيعية والتي تخلف تأثيرا نفسيا بليغا، متجلي في الخوف، إلى جانب الآثار الاقتصادية والاجتماعية. كما أصبح الأفراد يفقدون الثقة في كل ما هو آتي من المستقبل كونه يحمل المآسي أكثر مما يمكن أن يحمل الأفراح. ويمكن أن نلمس هذه المخاوف من المستقبل في السلوك اليومي للفرد حيث لا يستطيع أن يستمتع بلحظة السعادة والفرح التي قد يعيشها ويتنذر من أنها بداية لمآسي آتية يظل يترقبها.
إن العودة إلى التاريخ الاجتماعي للمجتمعات يساعد إلى حد كبير في فهم الكثير من السلوكات والمظاهر كونها نتاج شروط محددة تترسب وتترسخ في الذاكرة الجماعية للأفراد يقومون بإعادة إنتاجها بطريقة لاواعية دون أن يدركوا الخطورة التي تحملها على حياتهم اليومي
|
|
|
|
|
|
|
|
|