فيضان القاش يجتاح مدينة اروما

Quote: الأخبار قضايا..وتحقيقات المنسي...مدينة أروما..!! ..بقلم: عباس عزت 06-10-2010 06:00 AM مدينة أروما في شرق السودان، تقع على الطريق المسفلت (كسلا- بورتسودان) على بعد (40) كيومتراً شمال مدينة كسلا. وهي موطن لقبائل شتى من شرق السودان، لكن يتجسد فيها التعايش مع قبائل أخرى من داخل السودان، بل وفي فترات تاريخية سابقة؛ مع جنسيات من مختلف دول العالم، مثل الهنود، والأغاريق، وغيرهم. وما أثار شهيتي للسفر إلى أروما؛ أنه لفت نظري في المرضى الذين شاهدتهم في مستشفى كسلا التعليمي، أن أعداداً كبيرة منهم وفدوا إليها من منطقة (أروما). جاؤوا للعلاج بكسلا، ظناً منهم أنهم سيجدون الحال أفضل من مستشفى أروما. حكى لي بعض المرضى ومرافقيهم الذين التقيتهم في مستشفى كسلا؛ عن الحال التي يكابدها مستشفى أروما، ومن تلك اللحظة اتخذت قراري بالسفر إلى أروما. آخر مرة رأيت فيها أروما كانت في السبعينيات من القرن الماضي، وفي بالي سوقها الذي كان يقصده كل سكان القاش، من كسلا وحتى (وقر). وكانت الحياة جميلة هادئة، لا تقلق البال. وكان السوق مزدهراً، يعج بالتجار من جميع مناطق السودان، وكان فيه عدد كبير من التجار القادمين من السعودية، وحضرموت، وهنالك التجار الهنود، واليونانيون، الذين هاجروا من دولهم للاستثمار في مجال التجارة. كان ذلك في الماضي، وحتى نهاية السبعينيات، حينها كان مشروع دلتا القاش، ومصنع (الكرتون) في أروما؛ يرفدان السوق بالمحاصيل الزراعية، ومنتجات مصنع الكرتون. وكان يعمل بهذين المشروعين الآلاف من المواطنين والعمال والمزارعين، إلى أن توقف العمل بهذين المشروعين، لأسباب يعلمها الله وحده؛ فأدى التوقف إلى تشريد آلاف العمال، وهروب التجار من سوق أروما، بعد الكساد الذي ضربه، وكانت النتيجة توقف الحياة بمحلية جنوب دلتا القاش (أروما)، وأهم المدن التي تضمها المحلية، وهي: تندلاي – مكلي – دقين، بالإضافة إلى أروما. (ممنوع الاقتراب والتصوير) قطعت سيارة الأجرة، التي امتطيتها من كسلا إلى أروما، المسافة في (35) دقيقة، على طريق كسلا بورتسودان المسفلت. وعند دخولي مدينة أروما؛ طلبت من سائق العربة أن يتجه بي إلى مستشفى أروما العام، وعلى بعد مسافة لا تزيد على ثلاثة كيلو مترات من مدخل المدينة. وجدت المستشفى الذي يبدو من الخارج نظيفاً، للدرجة التي جعلتني أحس بالعجب لأمر الناس الذين قابلتهم بمستشفى كسلا، كيف يطلبون العلاج في كسلا؛ ولديهم مثل هذا المستشفى النظيف؟ دخلت المستشفى، واكتشفت أنه فعلاً نظيف، لكنه نظيف حتى من البشر. كيف ذلك؟ سأخبركم. منذ دخولي المستشفى عبر البوابة الرئيسية؛ قابلت حارس البوابة، وبعد تبادل التحايا؛ طلبت منه مقابلة المدير الطبي للمستشفى؛ فرحب بي وأرشدني إلى أول مكتب في طريقي، حيث يجلس هناك المسؤول عن المستشفى. دخلت المكتب، ووجدت من عرَّفني بنفسه وأنه المدير الإداري، وعندما عرفته بنفسي، والمهمة التي أنا بصددها، وأنني جئت لأقف على حال المستشفى وتسليط الضوء على ما ينقص المستشفى، وأن في ذلك فائدة عظيمة للمستشفى والمنطقة عموماً؛ نظر إليّ بريبة شديدة، ثم رفض التعاون معي، وطلب مني مغادرة المستشفى فوراً، وأضاف قائلاً: (لا يمكنك الدخول بصفتك الصحفية، إلا بموافقة وزارة الصحة). وطلب من أحد أفراد الأمن مرافقتي إلى أبعد مسافة؛ حتى لا ألتقط صوراً للمستشفى. خرجت من المستشفى، و(الجواب من عنوانه)، إذا كان المدير يرى أن مستشفى أروما منطقة عسكرية، و(ممنوع الاقتراب والتصوير)؛ فمعنى ذلك أن هناك في داخله ما يخشى أن يطلع عليه الرأي العام السوداني. يا ترى، ماهو المكتوم داخل أسوار المستشفى، ولا تريد إدارته كشفه للناس؟ ذهبت لزيارة أقرب مدرسة؛ للوقوف على حال التعليم بأروما، وسألت أول من صادفني، عن أقرب مدرسة أساس بالمنطقة؛ فأرشدني إلى طريق يقودني إلى (مدرسة حي الرشايدة لمرحلة الأساس)، التي تبعد مسافة 3 كيلومترات من المستشفى، سيراً على الأقدام. في مساري إلى المدرسة؛ قابلت بعض النسوة في طريقهن إلى المستشفى، قالت لي إحداهن إنهن قاصدات المستشفى لغرض تطعيم طفلها. المستشفى الذي رأيته نظيفاً من الخارج؛ هو أيضاً نظيف من الداخل (يعني ما فيهو أي حاجة) لا كادر طبي، ولا طبيب، ولا دواء. سيء الحظ الذي يحتاج إلى عناية طبية عاجلة؛ على مرافقيه أن يقوموا باستئجار عربة الإسعاف، بمبلغ (80) جنيهاً حتى مستشفى كسلا. تركتهن، وتوجهت في حال سبيلي قاصداً مدرسة الرشايدة لمرحلة الأساس، وفي الطريق إلى المدرسة؛ شاهدت العشرات من النساء والأطفال، يحملون أوانيهم على ظهور الحمير طلباً للماء، وعلمت منهم أن مدينة أروما تعيش أزمة حقيقية مع الماء. مدرسة.. في الهواء الطلق!! في مدرسة الرشايدة، التي لا تشبه المدارس بأي حال من الأحوال، التقيت مديرها، الأستاذ بشير محمد طاهر، الذي ابتدر حديثه عن قرية الرشايدة، التي تبعد عن مركز المدينة مسافة 3 كيلومترات، قائلاً: إن قرية الرشايدة قرية قديمة، أنشئت منذ الخمسينيات، وبها كثافة سكانية عالية، ويحيط بها عدد كبير من الأحياء، يدرس أطفالها بهذه المدرسة، التي أُسست عام 2005م، وهي مدرسة مختلطة، تم تشييدها بالجهد الذاتي والعون الذي يقدمه رجل البر السيد/ محمد بخيت، رئيس مجلس الآباء، وهو متكفل بالمدرسة وسكن المعلمين. المدرسة بها فصل واحد، مبني بالطوب، وخمس رواكيب من القش. ومشكلتها الأساسية هي عدم توفر الماء، وأقرب موقع به ماء هو صهريج المدينة الرئيس، على بعد (5) كيلومترات من المدرسة. ويحصلون على ماء الشرب للمدرسين بواسطة (جركانة) تحملها فرّاشة المدرسة، لتجلب بها الماء من الصهريج. أما التلاميذ؛ فعليهم أن يحضروا معهم ما يكفيهم أثناء اليوم الدراسي، بواسطة ما يسمونه (الكريستالات)، ويقصد بها عبوات البلاستيك التي كانت معبأة بالماء. الأستاذ بشير، مدير المدرسة، قال لي إنه يعاني من نقص في المدرسين، إذ أن هنالك عدد خمسة مدرسين، مقابل ستة فصول. والعنصر الرجالي في كادر التدريس قليل بالمنطقة، وهناك وفرة في المدرسات، إلا أنهن يرفضن العمل بهذه، المدرسة حيث لا يوجد سكن للمدرسات، ولأن البيئة طاردة، بلا ماء ولا كهرباء ولا مواصلات. وأضاف المدير، أن المدرسين يقضون حاجتهم بمنزل رئيس مجلس الآباء، والتلاميذ يذهبون إلى الخلاء. وطلب مني لفت نظر المسؤولين عن التعليم بالمنطقة، إلى ضرورة إنشاء مدرسة خاصة بالبنات، إذ أن هذه المدرسة مختلطة، وعندما تكبر البنت، وتصل إلى الصف السادس؛ يقوم ولي أمرها بسحبها من المدرسة؛ لأن عادات المنطقة لا تسمح باختلاط الصبيان مع البنات، لا سيما أن سكان هذه المنطقة من قبيلتي الرشايدة والهدندوة. المدرسة تضم (148) تلميذاً وتلميذة، وهنالك نقص كبير في الأثاثات المدرسية، وتلاميذ الصف الأول يجلسون على الأرض! الأستاذ بشير جعفر محمد، أحد المدرسين العاملين في المدرسة، قال لي إن البيئة بالمدرسة غير جاذبة، وغير صالحة لتلقي العلم، إذ أن المدرسة تبعد عن المدينة مسافة (3) كيلومترات، ولا توجد وسيلة مواصلات من وإلى المدرسة، الأمر الذي يؤدي لوصول المعلمين متأخرين عن زمن الحصة الأولى، وعدم توفر الماء أيضاً يؤدي لعرقلة العمل بالمدرسة. يقول الأستاذ بشير: (تخيل أثناء الحصة واحد من تلاميذ الصف الأول يقول ليك عطشان). ودَّعت أسرة مدرسة الرشايدة، وقلبي تملأه الحسرة على مستقبل أبناء هذه المنطقة، وتوجهت إلى السوق سيراً على الأقدام. كل من قابلني في طريقي كان مهموماً بالماء، فتشاهد أسرة تمتطي حماراً، وتحمل أطفالها، تبحث عن قطرات الماء. وتشاهد تلاميذ المدارس منتشرين في الشوارع بحثاً عن الماء.