"بنك بجنب الخصيتين" و "الكمثرى" في "الكلمة"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 01:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-24-2014, 07:48 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
"بنك بجنب الخصيتين" و "الكمثرى" في "الكلمة"

                  

05-24-2014, 08:09 AM

أيمن محمود
<aأيمن محمود
تاريخ التسجيل: 01-14-2013
مجموع المشاركات: 4940

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)

    الاستاذ المشاء ،،، حياك وبياك
    Quote: "بنك بجنب الخصيتين" و "الكمثرى" في "الكلمة"

    الكذب خيبة
    انا ما فهمت العنوان ،،، ممكن تتفضل علي بالشرح؟
                  

05-24-2014, 10:39 AM

Barakat Alsharif

تاريخ التسجيل: 06-08-2010
مجموع المشاركات: 1256

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: أيمن محمود)

    Quote: انا ما فهمت العنوان ،،، ممكن تتفضل علي بالشرح؟


    الاخ ايمن
    تحية
    حسب فهمي ، هناك مجلة جديدة اسمها (الكلمة) ستجد داخل العدد موضوع عن (بنك يجنب الخصيتين) وموضع عن (الكمثرى) والله أعلم

    (عدل بواسطة Barakat Alsharif on 05-24-2014, 10:40 AM)

                  

05-24-2014, 12:48 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: Barakat Alsharif)
                  

05-24-2014, 01:16 PM

محمد البشرى الخضر
<aمحمد البشرى الخضر
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 28869

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    تحياتي استاذ الخواض و الجميع

    التالي كتبه الخواض في تفسير "بنك بجانب الخصيتين" :



    Quote: أ-بنك بجنب الخصيتين:

    هو مقابل شعري لجيب سروال المعار.ويرى "عاطف الساخر" أنّ سروال المعار هو من اكتشافات المعارين في تلك الدولة العربية السعيدة،حيث كان الترزية السعداء يصمّمون سروالا ذا جيب سري،في داخل السروال ،وقريب من الخصيتين، يدسُّ فيه المعارون دولاراتهم في آخر العام الدراسي حين يصرفونها دفعة واحدة.
    وقد قال أحد المدرسين المعادين لذهنية المعارين بيت الشعر التالي في صديق له من لابسي ذلك النوع الجديد من السراويل "مادحا" له:
    ولأنْتَ أوّلُ مُنْشئٍ بنْكاً بجنْب الخصْيتينِ فذاكَ فَضْلُ اللهِ للبخلاءِ


    Re: بنك بجنب الخصيتين-موت مدرس متجول-المفارق الفكِهة
                  

05-24-2014, 01:17 PM

أيمن محمود
<aأيمن محمود
تاريخ التسجيل: 01-14-2013
مجموع المشاركات: 4940

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    شكراً يا بركات
    شكراً يا عبد الحميد
    على التوضيح
    والف مبروك للمشاء
                  

05-24-2014, 07:43 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: أيمن محمود)

    سلام للجميع بدون فرز.

    و شكري الجزيل للمتسائل و المجيبين.

    و كما قال برنس حقا،فان ود البشرى قطع قول كل خطيب.

    الكلمة مجلة الكترونية ادبية فكرية،يصدرها الناقد و الاكاديمي المصري المعروف صبري حافظ.

    سأعود بسيرة ذاتية مختصرة عن صبري حافظ.

    أرقدوا عافية.

    (عدل بواسطة osama elkhawad on 05-24-2014, 07:44 PM)

                  

05-25-2014, 08:12 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)



    صبري حافظ:سيرة ذاتية مختصرة

    حاصل على بكالوريوس علم الاجتماع بامتياز مع مرتبة الشرف، جامعة القاهرة، 1962.
    ماجستير في النقد والأدب الدرامي، دراما تشيخوف: دراسة نقدية لمسرحياته، أكاديمية الفنون، القاهرة، مصر، 1970.
    دكتوراه في الأدب العربي الحديث، "نشأة وتطور القصة القصيرة المصرية (1881-1970)، كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، جامعة لندن، 1979.
    محاضر في الأدب والدراما والنقد، المعهد العالي للفنون المسرحية، القاهرة 1971-1974.
    محاضر في اللغة العربية في المعهد الشرقي، جامعة اوكسفورد، كلية سان أنطوني، جامعة اكسفورد 1978-1979.
    محاضر في اللغة العربية محاضر في اللغة العربية في مركز الدراسات العربية، الجامعة الأمريكية بالقاهرة 1980-1981.
    محاضر في اللغة العربية في معهد الدراسات الشرقية، جامعة ستكوهولم، ومعهد اللغات السامية، جامعة أپسالا 1982-1984.
    أستاذ زائر، في قسم لغات وثقافات الشرق الأدنى، جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس 1985-1986.
    محاضر في اللغة العربية، كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، جامعة لندن 1988-1993.
    أستاذ اللغة العربية المعاصرة والأدب المقارن في جامعة لندن، كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، 1993.
    يعمل حاليا استاذاً بقسم الأدب الانجليزي و اللسانيات في كلية الآداب و العلوم بجامعة قطر.

    من مؤلفاته:

    التجريب والمسرح
    دراسات ومشاهدات في المسرح الإنجليزي المعاصر
    الهيئة العامة المصرية للكتاب

    تأملات في الأدب والفن
    مقالات لتوفيق الحكيم
    1998 الهيئة العامة لقصور الثقافة

    ديوان القطط ما قاله الجرز العجوز عن القطط العملية
    ت.س. إليوت
    الابداع العالمي
    1986 الهيئة المصرية العامة للكتاب

    مرايا الذات الأخرى - رحلة
    رحلة إلى جنوب أفريقيا
    1999 - الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة - أصوات أدبية

    رحلتان إلى اليابان*
    علي أحمد الجرجاوي, صبري حافظ
    December 2012 - وزارة الثقافة والفنون والتراث - قطر

    أفق الخطاب النقدي،دار شرقيات،1996.
    ___________________________________________________________________________
    * هدية مجلة الدوحة - عدد 62 ديسمبر 2012

    (عدل بواسطة osama elkhawad on 05-25-2014, 08:14 AM)

                  

05-25-2014, 08:44 AM

MOHAMMED ELSHEIKH
<aMOHAMMED ELSHEIKH
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 11825

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)

    الصديق العزيز اسامة
    والأخوة المتداخلون


    هناك رواية بهذا الأسم " بنك بجنب الخصيتين"نشرت هنا سوف ابحث عن الرابط من ةتأليف اسامة الخواض
    الرواية عشتها وكاني احد ابطالها وهي تتحدث عن المغتربين المدرسين في ليبيا واليمن
    المسخرة وضياع زمن


    ود البشرى يااا متابع انت
                  

05-25-2014, 10:30 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: MOHAMMED ELSHEIKH)

    آخر عهدي النصف الأول من عقد التسعينات, بصور صبري حافظ, وتقريبا ذات الصور القديمة ظلت ترافق أخباره المتفرقة في الميديا الثقافية للقاهرة, وتلك الصور تعود إلى فترة توهجه, حين كان نشطا في مجلة "فصول", تلك المجلة الفصلية المتخصصة التي جلبت إلى الحياة الثقافية في آن المعرفة العميقة والفذلكة, وصبري حافظ كما أورد طرفا من سيرته المشاء, بدا كما لو أن حيويته في علاقة ارتباطه بالمحيط الثقافي تعود في السنوات القليلة الفائتة عبر "الكلمة", بعد سنوات من الصمت الاختياري عن أوساط ثقافية عربية أخذ يسيطر عليها تدريجيا الحضور العياني الشخصي بأكثر من المنتجات الثقافية ذات القيمة الحقة. الآن, وأنا أرى صورته هنا, أدرك كم تقدم صبري حافظ في السن أثناء غيابه الطويل.
                  

05-25-2014, 11:24 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: عبد الحميد البرنس)

    تقدم أسرة تحرير "الكلمة" بنك بجنب الخصيتين هكذا:

    موت مدرس متجوِّل (رواية)
    أسـامة الخواض

    يرسم الكاتب السوداني عالم مدرس سوداني غريب قابع في القاع الاجتماعي في بلد نفطي مجاور (ليبيا زمن الدكتاتورية)، متأملا ومفصلا معاناة معلم مثقف حالم في مواجهة فساد متأصل في بنية ريف صحراوي، كما يكشف الروح العنصرية المستشرية بين العرب من خلال الحط من قيمة العامل الغريب في بنية ولغة متألقة".

    "بنك بجنب الخصيتين" في "جهة الشعر"

    في باب "مجلات" في موقع "جهة الشعر"،يتم عرض العدد 68 من مجلة الكلمة ،الذي نشر فيه "بنك بجنب الخصيتين".
    يقول العرض:

    وتنشر الكلمة كعادتها رواية جديدة؛ جاءت هذه المرة من السودان، تكتب معاناة معلم مثقف حالم في مواجهة فساد متأصل كرس التخلف، وتكشف الروح العنصرية المستشرية بين العرب أنفسهم من خلال الحط من قيمة الغريب العامل في نص روائي مكثف، تجريبي ولغة متألقة تضج بالسخرية والمرارة.

    و في مكان آخر من العرض نجد :

    باب السرد نقرأ رواية جديدة للروائي السوداني أسامة الخواض بعنوان "موت مدرس متجول" حيث يرسم عالم مدرس سوداني غريب قابع في القاع الاجتماعي في بلد نفطي مجاور (ليبيا زمن الدكتاتورية)، متأملا ومفصلا معاناة معلم مثقف حالم في مواجهة فساد متأصل في بنية ريف صحراوي، كما يكشف الروح العنصرية المستشرية بين العرب من خلال الحط من قيمة العامل الغريب في بنية ولغة متألقة.

    http://www.jehat.com/Jehaat/ar/3elajAlmasafah/magazine/kalema68.htm
    _________________
                  

05-25-2014, 07:13 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)


    بنكٌ بجنْب الخصيتين
    المفارق الفَكِهة
    موت مدرِّس متجوِّل
    _______________________________________________________________
    "يا للأسف!ماذا يفيد هذا الرواح والمجيئ, وماذا ينفع هذا التعب؟ وهذه المغامرة، عند أقوام غريبة، ما ذا تنفع هذه اللغات التي تغصُّ الذاكرة بها, وهذه الهموم التي لا تعرف أسمالاً، إذا لن يكون بمقدوري، ذات يوم،بعد عدة سنوات، أنْ أستريح في مكان يعجبني ولو قليلاً،وأنْ أجد عائلة،وأنْ يكون لي طفل على الأقل،أقضي بقية حياته في تربيته حسب أفكاري،وفي تربيته وتسليحه بالمعرفة الكاملة التي يعرفها عصره،و أنْ أراه يصير مهندساً مشهوراً، ورجلاً نافذاً وغنياً بواسطة العلم؟ولكن من يعرف عدد الأيام التي سأقضيها في الجبال هذه؟يمكنني أنْ أختفي وسط هذه الأقوام دون أن يبلغ خبري".
    من رسالة لرامبو إلى أهله،كتبها في هرر في اثيوبيا بتأريخ السادس من مايو 1883 م.
    ********
    لم يدرْ بخلد "سعيد الطيب" ، أنَّه سيستحضر في لحظةٍ من لحظات حياته المهرولة بين القرى والبلاد النائية،وباختصار "الجحور العربية النائية"،كلَّ تفاصيل سنوات حياته الأربعين.ها هي اللحظة قد دنتْ،وهو مسجَّى الآن بمفرق(س) الذي تتفرَّع منه طرق وشعابٌ كثيرةٌ تؤدِّي إلى هذيانٍ طويلٍ طويلٍ طويلٍ. ها هو الآن مغطَّى بشوال سكّر قديم،وحوله كتبه التي تناثرتْ في تضاريس المفرق الذي اكتظَّ بأشخاصٍ يلقون عليه نظرة إشفاقٍ بعد أنْ دهسته سيارةٌ مسرعةٌ،نثرتْ خلايا مخّه على الشارع راسمةًً لوحة سريالية.
    ...وهكذا تلوَّنت المفارق أمام روحه،وهي تسرع الخطو على رصيف شهيقه الأخير.وبالفعل كان "سعيد الطيب" سعيداً و هو يتأرجح في برزخٍ ما بين الحياة والموت. كان مولعاً بالسرد.لكنْ بعد فشله في أنْ يصبح قاصَّاً أو روائياً غير مشهورٍ،كان يتمنَّى أنْ يمتهن عملا يوفِّر له فيوضاً من السرد،والاستماع إلى سرد الآخرين والردِّ عليهم،كأنْ يكون محلِّلاً نفسيَّاً أو أختصاصياً اجتماعياً.وقد صرف النظر عن ذلك لأنَّه لا يستطيع أنْ يوفِّر قوته الضروري من الاستماع إلى والردِّ على تداعيات البشر.
    و ها هي الفرصة أخيراً قد واتته ليحقِّق أمنيته في ذلك البرزخ الضيِّق الذي يأمل أنْ يملأ به ما فاض من مفارقه الفكِهة.

    *مفرق الهرولة العربية:
    كغيري من زملائي الذين أكملوا دراساتهم الجامعية،تلبَّستني رغبة الهرولة بين المفارق العربية بحثاًً عن المال.لم أجد هنالك ما أفعله سوى أنْ أعمل مدرِّساًً،وهي -أي مهنة التدريس-مهنة ،لم أكنْ أتصوّر أنْ أرتبط بها بهذا الدفء الدخيل الذي أحسّه،وأنا أنتقل من من مكان إلى آخر حاملاً طبشوري وأوتار صوتي بين أقوامٍٍ لا يدرون لماذا يتعلَّمون,وكيف يتعلَّمون،ولذلك كنت مجبراً على تدريس موادٍ لا أفهم عنها ما يميّزني عن تلاميذي،لكنَّني كنتُ مجبراً على الانصياع إلى القاعدة العربية الجُحْريَّة الذهبيَّة التي تقول أنَّ المدرس الناجح جدَّاً هو من يستطيع أنْ يتواءم حسب النقْص الموجود في المدرِّسين.بسرعةٍ اكتشفتُ أنَّهم يريدون فصولاً مليئةً بمعلمين و طلاب،والمهم في كل ذلك سدُّ النقص لا غير.فَهُمْ يعرفون أنَّ النتائج مضمونةٌ بحسب ما يقول به أصحاب الشأن.لم يكنْ بإمكاني التهرُّب من ذلك،ففي ذلك خيانة وطنية –حسب ظنِّي البائس ذات مساءٍ غير ممطرٍ-فكل المسؤولين العرب في تلك الجحور العربية-كانوا يسردون لي قائمة طويلة بأسماء المدرِّسين السودانيين الذين كان بإمكانهم تدريس جميع المواد باقتدار وتمكُّن.
    وهكذا، حفاظاً على تلك السمعة الوطنية الطيبة،كنتُ "أُباصر" الأمر ،اعتمادا على معلوماتي السابقة و اطِّلاعي،و اعتمادا على أنَّ هؤلاء القوم لا يدرون لماذا يجب أن يتعلَّموا,وكيف.و انطلاقا من ذلك الفهم العربي الجُحْري للتعليم,صرت معلِّماً "شاملا "-كما المدرسة الهولنديَّة في كرة القدم-يهرول بين مختلف فروع المعرفة،في خمولٍ خفيٍ،ونشاطٍ دعيٍ، يُرْضي طموح المدراء الجهلة في ملء الفصول و أوقات فراغ التلاميذ.

    *عندما غدا المدرس لاعباً أو مفرق الرياضة:

    كان مفرقا عبثياً أنْ أتحوَّل من شخصٍ خاملٍ إلى لاعبٍ قديرٍ،و أنا الذي لا تربطني بالرياضة أدنى صلة،ذلك أنَّ تقوُّس ظهري الواضح للعيان،ينفي أية علاقة لي بالرياضة و الرياضيين،وما أزال أكنُّ بغضاً عميقاً لذلك المقعد الذي أورثني ذلك التقوُّس حين ضاع كرسيَّ في المرحلة الابتدائية،فاضطررتُ إلى الجلوس على مقعد يشبه مقاعد البارات والتي هي بلا مسندٍ للظهر.كنتُ أكره ذلك التقوُّس،إذْ أنَّه دائماً ما يجعلني أبدو أكبر كثيراً من عمري.ذلك التقوُّس لم يعجب إلا "حبب" التي باحتْ لي –وهي متلاحقة اللهاث-أنَّ إنحناءة ظهري هي أوّل ما جذبني إليها،فهي قد توصَّلتْ من خلال ملاحظاتها وقراءتها العميقة،إلى اكتشافٍ مذهلٍ،مفاده أنَّ من العلامات المميِّزة للإنتلجنسيا إضافةً إلى الصمت والسرحان الطويل،الانحناءة الخفيفة للظهر.
    ما خلا كلام "حبب" الظريفة،فإنَّني كنتُ أعتقد أنَّني قطعتُ كلَّ صلاتي بالرياضة،لكنَّ المدراء الجهلاء في تلك الجحور العربية,كانوا يذكِّرونني دوماً بأنَّني لاعبٌ ماهرٌ،وأُشبه لاعبي كرة القدم بالتحديد.فهم كانوا يصرّون على أنَّني لاعب ممتاز،يلعب على كل الحبال.والحقيقة تقول أنَّني كنتُ غير مبالٍ بما يدور بينهم من خلافات،بسبب استحالة العثور على أي منطق عقلاني ولو بسيط لخلافاتهم.ففي غمرة انشغالهم بالتناطح حول الكراسي الإدارية "الملخْلخة"،كنتُ لا أُبدي مواقف واضحة لأنَّني لا أفهم ما يدور،كما أنَّهم حين يحاولون استمالتي إلى جانبهم،كانت مواقفي الجاهلة واللامبالية،تُوحي لكلِّ الأطراف المتناطحة أنَّني أتّخذ سرَّاً ًمواقف مناهضة لهم،ولذلك كنتُ أبدو أحياناً (لاعباً على الحبلين)،وأحياناً على الحبال الثلاثة،و مرَّات أبدو لاعباً على كلِّ الحبال.
    وما عزَّز من قناعتي بتحوُّلي إلى لاعبٍ،ما يدور في بداية كل عام دراسي من إجراءات إداريَّة عقيمة،وكان عاطف الساخر يسمِّيها "فكّ التسجيلات".وهو تشبيه صائب،فمثل لاعبي كرة القدم كنَّا نصطفُّ ونهرول في دهاليز مكاتب التعليم،بحثاً عن مدرسة جديدة،بآمالٍ مبعثرة،وعرق غزير ،وتعب واضح من أثر الهرولة والنقاش العقيم مع المسؤولين الجهلة.
    مرةً تمَّ تسجيلي في وقتٍ واحدٍ في ناديين،أقصد مدرستين,ولم أكنْ أدري بذلك,وعندما أتيتُ لاستلام راتبي،تمَّ توقيفي لأنَّني أصرف راتبين في وقتٍ واحدٍ.حين قرَّروا تقديمي إلى المحاكمة بتهمة الاختلاس وتزوير أوراق رسمية،تدخَّل فجأةً أحد الكائنات اللامرئيَّة،والتي تظهر أوان "الزنقة" في ممرَّات مكاتب وزارة التعليم.تحدَّث إليَّ بصوتٍ خفيضٍ،لكي يؤكِّد تأثُّره ،وتعاطفه مع قضيتي.وبرَّر تعاطفه معي،بأنَّه يحب السودانيين,لأنَّهم "أحسن ناس"،لذا فهو متأكِّد من براءتي،وأنَّه سيخلّصني من تلك الورطة،بأنْ يسجِّلني في مدرسته،على أنْ أتنازل له عن رُبْع راتبي،نظير الرشاوى التي دفعها .وافقتُ فوراً ,وهرولتُ خلفه.

    *عندما بدا المدرس مالكا للجنّ أو مفرق الكتب:

    لم أكنْ أدري أنَّ هنالك علاقة وثيقة بين الجنّ والكتب،إلّا عندما هبطتت "النجيبة" تلك القرية النائية في سهول تهامة,أحمل أكياساً من الكتب.كنتُ آمل أن تفيدني الكتب بعض الشيئ في مشروعي الجديد لتلطيف بؤس الحياة.فقد توصَّلتُ إلى أنَّ الحياة ذات نسق واحدٍ له طابع تراجيدي .لا أدري أين قرأتُ هذه الفكرة ,لكنَّني كنتُ أجدها مناسبة تماماً لوصف حياتي المهرولة.وقد اكتشفتُ أنّ الكتب في علاقتها بالوقت ،تجعل الحياة أقلَّ مللاً وبؤساً.لم يزعزع من تلك القناعة ما قاله صديقي "السفوري" معلِّقا على علاقتي بالكتب"إنّ مواجهة الريف العربي الكئيب ،لا تتحقَّق بالكتب وحدها،فتلك المواجهة تحتاج إضافة إلى الكتب،الساتلايت،وزوجة ،ومجموعة من قحاب القرية،وخمراً،وأشرطة موسيقية وسينمائية" ثم أردف قائلا-وكانت عيناه تلمعان بوميضٍ ما- "و.....خيالاً روائياً".

    مصداقية كلام "السفوري" وإيماني بجدوى الكتب ،لم يصمدا حين سمعتُ تهامس القرويين أوان وصولي إلى ذلك الجُحْر العربي,وأنا أحمل أكياساً من الكتب.كان التهامس يزداد كل يوم،وأنا لا أجد له سبباً مقنعًاً،إلى أنْ التقاني أحد القرويين ،وطلب مني في توسُّل وإلحاح بأن أُكلِّم ملك الجنِّ والتمس إليه لحل مشكلة تخصّه،وحين سألته"و ما علاقتي أنا بالجنِّ؟"،فقال لي متعجِّباً "وهل يملك الجنَّ إلا أصحاب الكتب؟؟إنَّ آخر مالك للجنِّ كان يملك عشرة كتب،وأنتَ تملك أكثر من مائة كتاب!!!..أزعجتني الفكرة،فانسحبتُ بهدوءٍ دون كلام ،ومضيت مترنِّحاً،لكنَّه لاحقني قائلاً في ثقةٍ "انَّ مشيتك المترنِّحة، و أنحناءتك الواضحة تدلُّ أنَّ الجنّ أيضاً "راكبك".

    *عندما تمترس المدرس بالخيال الروائي أو مفرق السرديات الجُحْريفية:

    لم تكن الكتب مفيدة فقط في تخفيف قسوة الحياة في الجحور العربية الكئيبة،بل ساعدتني في قبول حياتي,و في تخطِّي كثير من الحرج الاجتماعي.كلُّ الكتب ليست مفيدة في تلك الأجواء العربية الخانقة.لذا صرتُ أقلِّل من قراءة الكتب ذات الطابع الحداثوي,حتى لا أشحن لاشعوري بذلك. وفي المقابل أكثرتُ من قراءة الروايات.فالخيال الروائي قد أفادني كثيرا في تقبُّل حياتي المبعثرة بين الجحور الريفية العربية،كما أنَّه أفادني في خلق صورة لنفسي تجعلني مقبولا كفأر محترم في تلك الجحور العربية.وفي كلا الحالين ، كنتُ أتحوَّل إلى سارد.
    وللتدليل على قوَّة الخيال الروائي،سأذكر كيف ساعدني ذلك الخيال الروائي في قبول حياتي الجُحْريَّة.كنتُ أنام على سرير بالٍ "مهتوك"،يكاد يصل عجيزتي بالأرض,لذلك صرتُ أقنع نفسي بأنَّني أنام على أرجوحة تشبه تلك الأراجيح المبثوثات في روايات أمريكا اللاتينية، إلا أنَّ أرجوحتي لا تُمنِّي نفسها بعطر حسناء,أو ملمس عجيزة ممتلئة،إنَّها فقط تحتفي فقط بعجائز المدراء الجهلة ،وهو ما يعطيني شعورا بالمساواة،إذْ أنَّ مستقبل عجيزتي مشابه لمستقبل عجيزة مديري،لذلك فاحتمال أنْ تلدغ عقربةعجيزتي ، مساوٍ تماماً لمصير عجيزة المدير.
    الخيال الروائي خلق وظيفة أُخرى لحبال البلاستيك التي أُعلِّق عليها ملابسي.فتلك الحبال البلاستيكية أصبحتْ تفوح برائحة التراث،وترتدي طابعا ًفولكلورياً،وأحياناًً طابعاً إستشراقياً معجبياً، يرجع بها الى مرحلة ما قبل اكتشاف "الحمار".

    أمَّا على صعيد تجنُّب الحرج الاجتماعي،في مواجهة السؤال الأساس للفئران العربية التي تقابلني:متزوج؟؟؟",وهذا هو سؤال الفئة الواعية المهذَّبة،أمَّا الأغلبية فتُعمل خيالها في صلفٍ:
    إمتي حتجيب العائلة؟؟

    ساعدني "الخيال الروائي"،على إصلاح خطأ إجابتي للجماهير الجُحْريَّة.
    كنتُ في البدء أُوكِّد على عزوبيتي،وأُدافع عنها بأثر العوامل الاقتصادية ،والاجتماعية في عدم دخولي القفص الذهبي.مثل ذلك الرد كان قاتلاً ،بل وفتَّاكاً،إذْ لم يُلقِ الفضوليون القرويّون أي اهتمام لإجاباتي المتحذلقة،بل أنَّهم لم يفهموا سوى أنَّني خطر على نسائهم،في تفسير،وفي تفسير آخر ،وخطر على أطفالهم،خاصة انَّ نسبة التحرُّش والإعتداء الجنسي على الأطفال ،نسبة كبيرة جدا.
    بعد إدراكي لخطأي ذاك،قمتُ بشحذ خيالي الروائي،والاستفادة ممَّا قرأته من روايات لخلق عائلة وهميَّة بأسماء أطفال ،وأُحاول خلق علاقة بين أسمائهم ومدلولاتها،كي لا أنساها.وبعد تأمُّل مرتبك،توصّلتُ إلى "عبلة وعنتر"،فالارتباط بين الإسمين يسهْل حفظهما،كما أنَّ تقليل عدد أطفالي يقود إلى تمييز عن ثقافة القطيع الجُحْري،ويتيح لي فرصة الكفِّ عن الكذب،والتعبير عن نفسي،إذ أنَّني كنتُ متضايقاً من سردي الكاذب.

    وللاحتفاظ بصورة نفسي في نفسي،اخترعتُ شخصيات وهميَّة تروي ما أفكِّر به وأعتقده،للتحايل على العقل الجمعي الجُحْري،وما يتبقَّى من أكاذيب أُدخلها في باب التدريب على السرد عبر إعادة تركيب ما قرأته من قصص وروايات وكتب أخرى وما شاهدته من سرد مصوَّر عبر الأفلام والمسلسلات التلفزيونية. كلُّ تلك المَنْتجة والكولاجات ،كانت تعطي حياتي الرتيبة نكهة السرد الفوّاحة.كان ذلك الاحتفاء العصابي بالسرد،يعطي لحياتي الرتيبة إكسيرا يومياً أُواجه به أشباح الموت في شكلها الجُحْري العربي.كما يوفِّر لي فرصة أُخرى،أُقنع بها نفسي –خفيةً-بتبريراتٍ ما لإحجامي عن الزواج.كنتُ أخترع شخصيات من "المجتمع الصفوري"،تعكس نيَّتي الطيّبة في عدم جرِّ آدمية أخرى وآدميين آخرين للعيش في هذا البؤس الملطَّف ب"القسمة والنصيب".كنتُ لا أُركِّز على فوضى العازب،وإنما على فوضى الحياة المهرولة بلا معنى.لكن في المقابل عليَّ أن أعترف أنَّ وضعية المتزوِّج التي أتصنَّعها،تعطيني مكانةً تبعد عنّي كثيراً من الشكوك والظنون،كما تتيح لي فرصة التحدُّث مع مدرِّسين آخرين لا يملكون هموما معرفية،كما غيرهم من "الفلاشا".فهم ،أولئك النفر من "الفلاشا"،يعتبرون الهموم المعرفية أقرب المسالك إلى الجنون،وفي درجة أقل من ذلك،أنها مُفْسدة للحياة.

    قادتني أعتراضات "الفلاشا" اللامعرفيين،إلى إعادة النظر في ما أحمله من تركيب عقلاني،نتج عن تأثُّري بالثقافة "المروقية" مثل كثيرين من جيلي المتطلِّع إلى حياة تليق ب###### أمريكي.فقد اكتشفت من مآزقي المتتابعة،أنَّني كلَّما ازددت عقلانية،كلما قذفت بي الأيام إلى هامش ضيق من المكان والزمان.فابتدأتُ أعتقد أنَّ قليلا من "العرقلانية"مفيد للصحة العامة ل"مروقي" مبتدئ.وما شجَّعني على ذلك أنَّني لستُ وحدي في هذا المنحى الجديد وسط أبناء جيلي.فقد كتب لي "مروقيٌّ" عريق في "المروقيَّة":
    "إنَّني أبحث منذ زمن طويل نسبيا،عن كتاب "علم الجفر" ولكن بخط اليد،وسأسافر إلى سواحل البحر الأحمر –كما قيل لي-لشرائه لأهدي به الشباب الضالين من أبناء جيلنا".

    أمَّا أنا فكنتُ أبحث عن شيئين:المال والصفاء النفسي لأُبعد عن نفسي هاجس الانتحار الذي يراودني من حين لآخر.فعدتُ أقرأ "مجرَّبات الديربي الصغير والكبير" و "أبو معشر الفلكي" و “The miracle power of believing” ،حتّى أتواءم مع أُصولي الريفية و فكرة "الطابع التراجيدي للحياة " .

    *مفرق الأبراج: أو عندما أضحى المدرس دلواً:

    أنا من مواليد برج الجدي،وأعرفُ من قراءاتي في علم الكفّ والتنجيم أنَّ مواليد هذا البرج ينسجمون مع مواليد برج الدلو.لم أحاول قط في حياتي ،أنْ أتأكَّد من صدْق هذه المقولة،لكنَّني جرَّبتُ-بدلاً عن ذلك –محاولة الانسجام مع الدلو نفسه.فقد قُدّر لي أنْ أهرول في جبال نائية مليئة بالصمت والقمل والجهل والنسيان.كنتُ أصعد إلى جبلي بدلو،ولا أهبط من الجبل إلا في نهاية العام الدراسي.كان الأمر في البدء مزعجاً،لكنَّني كعادتي الجُحْريَّة،جعلتُ من تلك الرحلة فرصة لسرد تفاصيل حياتي إلى نفسي المسكينة.والأغرب من ذلك ،أنَّ علاقة الالتصاق بالدلو،تحوَّلتْ إلى تقمُّص كامل لصديقي الدلو.فقد عملتُ في منطقة تسمى "الآبار السبع" والتي يقطنها بدو شرسون.

    كنتُ ضحية عادتهم الكريهة في تضييع الأختام والأوراق الرسمية.فتارة أُنقل إلى "بئر الغنم" ،وتارة أخرى إلى "بئر مُعمّر"،ثمَّ بعد أسابيع إلى "بئر عز الدين".استفزني هذا الرحيل العشوائي بين الآبار البدوية،فقلتُ للمسؤول البدويّ"أنا إنسان،ولست دلوا تلقون به كيفما اتفق في آباركم المالحة".لم يفهم كلامي ولا سبب احتجاجي،لكنَّه أحسَّ بإهانة كبرى،فقال لي وهو يتحدَّث كشريط مسجّل"إن في هذا إهانة كبرى لأوَّل جماهيرية في التاريخ،حرَّرت الإنسان ،وبدأتْ مشروع بناء المدينة الفاضلة،وهي على أعتاب بناء الإنسان النموذجي السعيد،يا أستاذ "سعيد"....."ثمَّ أخذ ورقة،كتب عليها بعض الكلمات بخط قبيح ولغة لم أفهمها،وأرانيها كي أوقع.اعتذرتُ عن التوقيع لأنني لم أستطع قراءة المكتوب لنسياني للنظَّارة.فَهِم كلامي،وعلى الفور نهرني وهو يأمرني بالذهاب إلى "البئر الأعوج"،وهدَّدني بتشديد المراقبة علي،ثُمَّ أعطاني نسخة من "الكتاب البنفسجي".حملتُ الكتاب،قلَّبته كثيرا،ولم أفهم لماذا سُمِّيتْ هذه الصفحات المليئة بالبديهيات "كتابا".حاولت أن أُفهم مدير المدرسة البدوي،وهو من الثوريين الذين يؤمنون بمقولات "الكتاب البنفسجي"،انني أجد صعوبة كبيرة في فهم الكتاب،فأرشدني الى شروحات "الكتاب البنفسجي" التي ستجعل منك إنسانا بعد أن كنت دلوا،وأعقب كلامه الأخير بابتسامة عديمة المعنى،لكنني بادلته الابتسامة،لأنَّ نكات المدراء دائماً مضحكة.

    كانت "الشروحات" تتألَّف من عشرة مجلدات ضخمة.وكانت المجلدات ذات ورق صقيل وأغلفة فاخرة مذهَّبة.من أول وهلة أدركتُ أنَّني لن أستطيع قراءة تلك الشروحات،ومن ثمَّ لن أفلح في التحوُّل من دلو الى إنسان.قنعتُ بهويتي الدلوية الجديدة،وراهنتُُ على إيجاد فهم خاص للكتاب البنفسجي الذي لا تزيد صفحاته عن مائة صفحة من القطع الصغير ،ومكتوبة ببنط كبير يصلح لضعاف النظر.وغمرني فجأة شعور طاغ ٍبأنني سأجتاز التفتيش بنجاح.

    ضحى يوم غائم،حضر المفتِّش.كان يرتدي سروالا طويلا أزرق وقميصا بنفس اللون،وهو زيّ لشيوعه لا يجعلك تفرِّق بين الخفير وبين المدير.رحَّبتُ به أمام الطلاب وأشدتُ بقدراته التي لا أعرف عنها شيئا.نهض في تثاقل وجلافة،وشكرني في حياء مختلط بغلظة واضحة على وجهه المتهدِّل،مثل وضوح رائحة فمه الكريهة التي تشكو من هجر المسواك ،لأن أولئك القوم يعتقدون أن السواك عادة نسائية.تحدَّث عن مفهوم المساواة في "الكتاب البنفسجي"،وأمرني بتوضيحه للطلاب.
    تنحنحتُ قليلا،وأمَّنتُ على أهمية مفهوم المساواة وأهمية "الكتاب البنفسجي" كمرجع واحد أحد في هذا العصر الجماهيري الذهبي،وخطر ببالي فجأة أن أُحلِّي كلامي باستغلال موهبتي المدفونة في السرد،وابتدرتُ حديثي إلى الطلاب هكذا بصوت مؤثِّر:
    في يوم من أيَّام الصيف المطيرة،ذهب الأسد ملك الغابة..."هبَّ المفتِّش من مقعده ثائراً و هو يقول مرتجفاً من الغضب"نحن يا أبنائي الأعزاء في عصر الجماهير،ولا يوجد لدينا ملوك في نظريتنا العالمية".
    قلت مصحِّحا في مسْكنة متلعثمة" ولكنَّني ...."،
    فقاطعني هائجاً:
    "أبنائي الأعزاء،إنَّ الجماهير هي صانعة الثورات وقاطرة التغيير،وإنَّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها،وكذلك الأسود اذا دخلت الغابات."
    ثم أنهى الحصة و اقتادني إلى مكتب ناءٍ،وقال لي في رثاء واضح"أدرك حداثة عهدك ووجودك في هذه البلاد،ومثل ذلك الكلام الذي قلته للطلاب سيقطع رزقك.سأنقلك إلى "بئر العسل"،فالمدير هنالك طيِّب ومتفهِّم للبرَّانيين من شاكلتك,وسيغفر لك مثل هذه الأخطاء".
    شكرته في مذلَّة،وأنا أفكِّر في طريقة ما للتخلُّص من هذا المأزق الدلوي.

    بعد أسابيع من حديثي مع المفتش،تخلصت من ذلك المأزق،لكن لعنة الدلو انتقلت معي عندما غادرت المجتمع النموذجي السعيد متوجِّهاً إلى البلاد السعيدة.

    تمَّ قذفي إلى إحدى المدارس في قرية جبليَّة وعرة.كنتُ أعرف من الكتب المدهشة ذلك الارتباط سابق الذكر بين مواليد برج الجدي والدلو,لكننَّي لم أكنْ أتصوَّر أنَّ تلك العلاقة ستتطوَّر إلى علاقة شخصيَّة مع الدلو نفسه.ففي تلك القرية الجبليَّة كان الدلو هو الوسيلة الوحيدة للمواصلات،وبواسطته كُنَّا نعرف كثيراً من الأحداث المهمَّة لحياتنا الجُحْريَّة الجبليَّة،وكنَّا لا ننزل من الجبل إلّا لمهام جليلة مثل صرف المرتَّب.ولذلك كانت مناداتنا لركوب الدلو أمراً يسرّ البال.وبحسب لغة لاعبي "الكُنْكان"،فإنَّ نزلات صرف المرتّب أثناء العام الدراسي هي تعريجة،أمّا النزْلة الأخيرة فتسمَّى نزْلة مصحوبة بفكَّة تيكتين والقفول انتظارا للخمسين أي صرف الدولار.

    *مفرق المعاهد أو "الحلومر" في خيبته :

    طيلة عملي في البلاد السعيدة،كنت أعمل في مدارس وزارة التربية،وهي تختلف عن "المعاهد العلمية"،وانْ كان أنَّ المرتب واحد.والمعاهد العلمية كما يرى المدافعون عنها لا تختلف عن مدارس الوزارة إلا في تكثيف منهج اللغة العربية و التربية الإسلامية لزيادة الاهتمام بأهمّ مكوِّنات الثقافة العربية الإسلامية.ويرى آخرون أنها أُنشئتْ لمواجهة المدِّ اليساري في الجزء الجنوبي من البلاد السعيدة.و تمزج تلك المعاهد بين دور المدرس و الفقيه،و هو ما وطّد عند العامة من سكان البلاد السعيدة،أن "الأستاذ" قادر على الإفتاء.و قد أربكتني هذه الصورة الفقهية للمدرس ،حين سألني راكب جلس بجواري في حافلة ،في حماس غير الواثق من نفسه "مش صحيح يا أستاذ في حديث بقول "ساعة لربك،و ساعة لقلبك،و ساعة لز...ك"؟فما كان منى إلا أن لعبت دور أعجمي من الأفارقة الذين يتسللون خلسة إلى البلاد السعيدة تتبعهم رائحة أعشاب البحر.

    وقد جعلتني خلفيتي "المروقيَّة" نافرا من تلك المعاهد.وظلَّ هذا النفور قائما إلى أنْ تعرَّضنا ذات مَرَّة مُرّة إلى "التفنيش" ،وهي كلمة محوَّرة عن الانجليزية والمقصود بها تلطيف عملية الاستغناء،والذي هو بدوره حسب خبرة الفلاشا وخاصة المعارين منهم،ليس نهائيا،وهو ناتج عن الربكة الإدارية المريعة في البلاد السعيدة.ولذلك كثيرا ما كان يتمُّ إرجاع "المفنَّشين" إلى أعمالهم باسمين،ومثل هذا الإجراء كان يُسمَّى بالحلو مر،لاجتماع قطرات السعادة مع حبيبات الأسى على ورقة الهباء المتدلية من شجرة الروح الذابلة.
    لكنّ الأمر في تلك المَرّة المُرَّة لم يكن "حلومراً".ولم يكن من بد سوى التقديم للعمل في "المعاهد".لم يكن اتخاذي لقرار التقديم سهلا،خاصة بعد التهكُّمات التي صدرتْ من بعض زملائي عن جدوى الكتب.وهو سؤالٌ أربكني كثيراً،إذ كنتُ دائماً أكتشف الفارق الضخم والخرافي بين حياتي والحياة التي تحكي عنها الكتب المدهشة.وكانت روحي "المروقية" تتأزَّم ،كلّما اكتشفتُ أنّ العالم المحيط بي لا يشبه أبداً الحياة الموجودة في الكتب المدهشة.كما أنَّ التحليلات "المروقية" التي تتحدّثُ عن دخولنا مرحلة جديدة واقترابنا من الحياة المبثوثة في الكتب،لم ترقْ لي،بل واكتشفت أنها كاذبة.فكلما سِرنا في المظاهرات الاحتجاجية،و هنْدسنا الانتفاضات على حياتنا غير المتَّفقة مع الحياة التي في الكتب،وكُلَّما كثر عدد الكورالات والأغاني التي تعدنا بنوافير وبناتٍ كالحدائق،كُلَّما دهستنا الوحشة والكآبة.وقد توصّلتُ إلى أنّ الحياة التي نعيشها الآن،هي دليل دامغ على أنّ الشرط الوحيد لبقائنا الآن هو الابتعاد عن الحياة التي تعدنا بها الكورالات، والأغاني، والكتب المدهشة، و"الأولاد أبَّانْ خُرْتايات".

    وقد قادني اكتشاف وجود حياتين، إلى أنَّ هنالك حياة ما بين الحياتين،و أنَّ الحياة الوحيدة الممكنة هي التي يتحقَّق فيها "الضرب العادي من السعادة".كان توصُّلى إلى تلك الحياة بين الحياتين مقروناً بنشوةٍ مفكَّكةٍ ، وتشبه نشوة القفز من المقلاة إلى النار مباشرةً.وبناءً على وعيي الجديد قرَّرت التقديم للمعاهد.كان قراري ذلك قرارا تاريخيا في سيرة حياتي المترجرجة،فهو يشكِّل بداية دخولي مرحلة جديدة أسميتها "الاستعداد للخيبة".لكنَّني اكتشفتُ بعد ذلك ،أنَّني لم أكنْ مستعداً بما فيه الكفاية لمعانقة الخيبة.فقد رُفض طلبي بحجَّة أنّني صاحب شخصية غامضة لا يمكن تحديد سماتها بدقّة،كما أنّني أُكثر من اقتناء الكتب التي تحتوي على علمٍ لا ينفع.
    *************
    اكتشف الكاتب بعد انتهائه من تدوين هذيانات سعيد الطيِّب،أنَّ هنالك كثيرا من الكلمات غير المفهومة للقارئ العادي،مما يساهم في استغلاق النص.فقام ببحثٍ مُضْنٍ عبْر المقابلات الشخصيَّة، والرسائل البريدية، و المحادثات التليفونية، والإيميلات،و "مذكرات"سعيد الطيب التي تم ترميمها بعد أن غمرت خلايا مخه المتناثرة أجزاء منها.وكان أنْ توصّل الكاتب –من منفاه الكاليفورني-إلى القاموس التالي:

    1-الفلاشا:

    تسمية أطلقها في الثمانينيّات من القرن العشرين موظَّفو مطار الخرطوم على المدرسين السودانيين المعارين القادمين من دولة عربية سعيدة،لأنّهم أي أولئك المعارين يأتون ويذهبون أفواجاً في رحلات "التفويج"،مرتدين ملابس رثة.وقُصِد بهذه التسمية عزل وفرْز أولئك المدرسين عن مغتربي البلدان العربية الناعمة،مثلما حدث لأقرانهم و أبناء أعمامهم من "السلْكاويَّة".و لا تتم معاملة المعارين من قبل أولئك الموظفين على قدم المساواة.و من العوامل المركونة في لا وعيهم "أغاني البنات".
    في البداية صعد نجم الهاربين، جميعا بدون فرز،فارتفع النشيد النسوي:
    "أنحنا ما دايرينْ
    يا العزَّابة
    إلأ مغتربين
    يا العزَّابة"
    ترمترم ترم ترمترم ترم ترمترم ترم
    و بالغن في الإطلاق حتى أنهن أنشدن:
    مغترب كان كديس كان ك ل ب
    مممامما ممما ممما ممما مممما
    ثم انكشفت الغشاوة البترودولارية،فتوصلنَّ إلى طبقات المغتربين:
    بقوا نوعين:
    نوع أصلي:
    "يا أبو ظبي
    يا بلد النبي
    يا أقعد كدي"
    توتوتوتو تاتاتاتا تي تي تي تي تي تي
    و نوع تايواني ،ضعضعه الدهر،فتضعضع مثل "الفلاشا"،في مقارنة مع النوع الأصلي:
    "ليبيا و اليمنْ ضياع زمنْ
    الكويتْ
    عربية و بيتْ"
    توتوتوترارا توتوتوترارا توتوتوترارا
    ثم ذهب "الهاربون" جميعا إلى مهاوي النسيان،و على مسرح الأماني النسوية ظهر الصاعدون الجدد من البرابرة الملتحين إلى سماء الأهازيج السرية:
    أتحجَّبْ و ألبسْ طويلْ
    عشان أعرِّسْ عمر البشيرْ
    تررررم ترررررم ترررررم
    "الكوز مريِّشْ
    الكوز بعيِّشْ"
    لالالا لالالالا لالالالالا
    حبيبي ظريفْ
    يا ناسْ
    الكوز لطيفْ
    يا ناسْ"
    هشِّكْ بشِّكْ هشِّكْ بشِّكْ هشِّكْ بشِّكْ
    و حين بحَّتْ أصوات النداء الأنثوي، لم تجد غضاضة في لعب دور الضرَّة:
    "جاياك يا أبشرا
    و جاية أفتو معاك و بالضره
    يا أبشرا
    إن شاء الله راجل مره"
    تللا لالا تللا لالا تللا لالا لالالا
    و جاوبها صدى حبشي جبلي:
    الليل
    مغرزة
    راجل المرة حلو حلا
    تنتنا تنتنا تنتن تنتنا تنتنا تنتن
    وبمرور الأيام تمَّ توسيع ماعون "الفلاشا" كتسمية، لتشمل أيضاً الباحثين عن عملٍ كمدرِّسين في دواوين الوزارة بتلك الدولة السعيدة.وربّما للإيحاء للمسؤولين عن توظيف المدرسين الأجانب بثقل الوجود،أو لسبب آخر،يصرّ الفلاشا على تأكيد هويتهم السودانية بلبس العراريق المكرفسة والجلاليب المتَّسخة والسراويل ذات "التكك" المزركشة ويكوِّرون فوق رؤوسهم عمامات لُفَّتْ على النمط الأنصاري في أحايين قليلة.وكانوا يفضِّلون ،لأسباب عملية في الغالب،النمط الهلامي،وهو نمط حر ،لا يحكمه قانون،وفيه تلفُّ العمامة كيفما اتّفق.ذلك أنّ عجلتهم الدائمة لا تتيح لهم تدوير العمامة على الطريقة "الترباسية" أو الأقل تعقيدا منها :"الحسينخوجلية" .
    وينتعل الفلاشا السفنجات للشعور بخفَّة الوجود،ف"البرطعة" بالسفنجات،كما يرى أحدهم من المثقفين،هي مؤشِّر على تفضيل الحياة في الهواء الطلق.وهذا السلوك "المُنْطَلِق"-كما يرى "السفوري"-هو من التأثيرات الخفيَّة لثقافة المومسات على الحياة السودانية المعاصرة.فأوّل من "برطعن" بالسفنجات،كُنَّ من مومسات "أبو صليب"،و بعد ذلك انتقل هذا التقليد إلى مومسات "المزاد" و "سبعة بيوت".
    لكنَّ ذلك السلوك "المُنْطلق"،من جانب الفلاشا، يختلط بإصرارهم على العيش والسير والسفر في جماعات كثيرة العدد.وساهم ذلك في اكتسابهم عادة التحدُّث بصوت عال.وترتفع أصواتهم أكثر عندما يركبون سيَّارات النقل العام.وهم عادةً يتحدّثون بذلك الصوتٍ المرتفع عن النجاحات التي حقّقوها في سبيل التوظيف،ويتحدّثون في اقتضابٍ وبصوتٍ خجولٍ عمّا يسمّونها "المضايقات" التي قابلتهم في شبَّاك الوزارة حيث يتزاحم طالبو الوظائف، والمدرسون في آخر العام في طوابير طويلة لصرف مرتباتهم.وهذه الطوابير عادةً ما تتمخّض عن سيلان آلاف الليترات من العرق،وقليل من الليترات من الدم الآدمي إذا ما نجحتْ سياط الشرطة السعيدة،في الوصول الى أُنوف وأرجل و ظهور المتدافعين المتنافسين في شراسة المُعْدم، للوصول إلى شبّاك "التصفية" أي صرف الدولارات.
    وأحياناً كثيرةً تتمخَّض عن سقوط مئات الزراير،وتمزيق أنواع مختلفةٍ من الملابس،وسقوط عشرات الضحايا في حالة إغماء.
    يقول الراصدون لتسمية "الفلاشا"،أنّ المعارين يصرِّون على إخراج أنفسهم من دائرة "الفلاشا".و حسب رأيهم ،فإنّ "الفلاشا"،تضمُّ فضْلا عن "الدخلاء على المهنة" من المتعاقدين،فئات "الخضرجية" والعتّالة" و "مدرِّسي الابتدائيّات"،الذين "تبكْبَكوا" في "عام البكْبَكَة".

    2-العرقلانيّة:

    خلاصة ما توصَّل إليه "سعيد الطيب"، حين فشل في تبنِّي إستراتيجية "الضرب العادي من السعادة".وسكنتْ تلك الخلاصة في نفسه،ذات "طشمةٍ"،حين كان يفكِّر في المصائر المستريبة التي سكنتْ تفاصيل هرولته العربية"التراجيكوميدية". فالحياة لا تبدو-كما توهَّم- سلسلة من المحاولات الناجحة والفاشلة معا لإعمال العقل-كما أوحتْ له بذلك الكتب المدهشة.إنّ الحياة-على النقيض من ذلك تماماً-هي سلسلة من العراقيل.إنَّها مسيرٌ ممضّ من عرقلة إلى أخرى أكثر تعقيداً.وهي –أي العراقيل-تروح وتجيئ –وِفْقاً لمنطقٍ يجهله،ولم تسعفه الكتب المدهشة في اكتشاف ذلك المنطق،كلما تعرقلت مقاود إبل رغباته .وقرّ في نفسه بعد تأمُّلٍ عميقٍ،أنّ قليلاً من العرقلانية هو السعادة نفسها،لكنّها السعادة الموسْوسة المتوجِّسة دوماً من "هادمة المسرات ":
    "العرقلانية الغامضة".

    3-المعارون:

    هم كما يرى "السفوري"،فئة من المعلِّمين السودانيين كبار السن،ظهرتْ في السبعينيات من القرن العشرين في عدّة دول عربية. وقد تكاثرتْ تلك الفئة عندما لم يكنْ بإمكان "فقرا السودان" اقتسام النبقة.ولذلك صاروا من عَبَدة المال. وهم أوّل من قدّس "الدولار" في التاريخ السوداني المعاصر.ولذلك كانوا يتفنّنون في حفظ الدولار،وتفتَّقتْ عبقرياتهم عن طرقٍ شتَّى للحفظ أهمَّها "بنك بجنب الخصيتين".
    وقد أخرجوا الدولار من دائرة النقود.ويروون في ذلك أنّ أحد المعارين المرضى ادعى أنّه مفلس،ولذلك كان أصدقاؤه يتولّون الصرف عليه في أثناء إقامته في مستشفى ما .وذات يوم سقطت منه صُرَّة اتَّضح بعد فحصها أنّها مليئة بالدولارات..وحين نظر إليه الحضور نظرة استنكار واحتقار،قال محتجّاً،والدموع تترقْرق في عينيه:
    "دي ما قروش،دي دولارات"، وبالغ في تفخيم "الراء" في كلمة "دولارات"،حتّى سقط مغشيَّاً عليه.

    4-المجتمع الصفوري:

    من تخريجات "عاطف الساخر" ويقصد بها المجتمع المنعزل الموحش الذي لا يتواصل فيه الأفراد ،ولا يتأكَّدون من وجود ذواتهم إلا عن طريق المضاجعة.
    وقد جاءت تخريجة "عاطف الساخر" على وزن المجتمع الذكوري،وإنْ كان في الأصل أنّه اقتبسها من حديث إحدى المغتربات القادمات من دولة عربية ثريّة،وهي تروي ما قالته إحدى المغتربات من سكّان الجبال العربية،وهي تحاول تلخيص حياتها الجبليَّة:
    "............وهكذا يتكرَّر هذا المشهد يوميا:
    يأتي زوجي المدرِّس ظهرا،فنتغدَّى سويَّاً،ثم نغطُّ في نوم متقطِّعٍ حتّى أذان العصر...حينذاك يخرج زوجي ليجلس على صخرةٍ وحيدةٍ،ثم يطلق صُفّارة طويلة،بعدها ينحدر آيباً لنرقد سويَّاً،ثم ينهض،ويغتسل،ويخرج ليجلس على صخرته الوحيدة ثم يطلق صُفّارته المعتادة ثم يؤوب لمجامعتي.وهكذا يتكرَّر يومياً ما يحدث حين يعود زوجي المدرِّس ظهراً.......
    وهكذا توصَّل "عاطف الساخر" إلى تخريجته تلك ،قارناً لقاء السرير والصفير بالبحث عن التواصل،وأكثر من ذلك التأكُّد من وجود "الأنا".
    وهذه التفصيلة الأخيرة أي "التأكُّد من وجود الأنا"،ليست مفهوما فلسفيا أضافه "عاطف الساخر" من خياله،وإنَّما هي الجزء الثاني ممّا سمعه من حديث المغتربة القادمة من دولة عربية ثريّة ،وهي تروي ما قالته تلك المغتربة القادمة من سكّان الجبال ردّاً على سؤال المغتربة الثريّة :
    "ألا تسأمان من الصفير والجماع؟؟"،وكان أن ردّتْ :
    "يحدث ذلك أحيانا،وعلاجه كان سهلا أول الأمر:
    تناولنا بالتشريح والتحليل كلّ الذين عرفناهم حتى أنّني صرت ألقبه بأبي نمّام،وصار يلقبني بأم نمّام.وحين فرغتْ جعبتانا من الأسماء،كنّا نكسر الصمت بالتسابق على فعل ما. ابتدأنا بالبكاء،وحين جفّتْ مآقينا،تسابقنا على الضراط.وحين جفّت مصاريننا كنّا نرجع مرة أخرى حين يعود زوجي المدرِّس ظهرا إلى.........".
    وما قال به "عاطف الساخر" ،ينسجم تماما مع ما قالته مغتربة في المجتمع النموذجي السعيد،حين سألتها مغتربة من دولة عربية ناعمة،عن حياتها هنالك، فقالت لها:
    "الأكل بطاطس، والز..................غاطس".و الإجابة الأخيرة للمغتربة ،اختلف حولها مثقفو الخرطوم-و خاصة مقتفي آثار "الأولاد أبَّان خُرْتايات"،في ما إذا كانت تندرج ضمن مصطلح "الشطْح الجُحْري".

    5-الضرب العادي من السعادة:

    إستراتيجية تبنّاها "سعيد الطيب"،من تعبير لبطل "البحر والسم"،لشوساكواندوا حين قال:
    "انّ ما هو عادي ،يمكن أنْ يمنح المرء أعظم سعادة" ص 34.
    وقد توصّل إلى مغزى الإستراتيجية ومحتواها و حدودها من كلام بطل الرواية،حين قال:
    كم هو جميل أنْ يكون له ولد بعد فترة، وأن يستقرّ مع زوجته في ضاحية محدودة التكاليف،في مكان ما ،ليستمتع بضرب عادي من السعادة".
    أراحه هذا الاكتشاف قليلا،لكنّه لاحظ أنّ العاديين لا ينزعجون عندما تواجههم تساؤلات أو شكوك ،بل يكتفون بأقوال مثل:
    "هذا شيئ طبيعي" أو "من الطبيعي أنْ ..." أو " ليس من العادة....". أو... . وهكذا تخلّى "سعيد الطيب" عن تلك الإستراتيجية عندما عرف أن ذلك الضرب العادي من السعادة لا يهتمّ كثيرا ولا قليلا بما تقوله الكتب المدهشة.

    6-موسِّخ\وصيف\عِبَيد\عَبْدو:

    ألفاظ لم تردْ في سرد سعيد الطيب البرزخي،ولكنّها من الألفاظ التي استقرَّتْ و توطَّدتْ في لاوعيه البدوي الجُحْري.
    الألفاظ الثلاثة الأولى يطلقها الدهماء في أول جماهيرية في التاريخ على العاملين فيها من أهل السودان. ف"موسِّخ" تعني الأسود ذا البشرة المتَّسخة من كثرة السواد،وهي نقيض كلمة نظيف ،وتعني في خطاب الرجرجة من افراد المجتمع النموذجي السعيد:ذا البشرة البيضاء.
    و "وصيف" عندهم هي إشارة لطيفة إلى العبد.
    أمّا "عَبْدو" فهو اسم الدلع ل"ِعِبيد" ،و الذي حين نطق به أحد المعارين، كإجابة عن سؤال ضابط جوازات جماهيري "شن سمَّوك"؟ ردَّ الضابط الجماهيري متأفِّفاً و متضايقاً "أدري انك عِبيد،شنو اسمك"؟
    وقد تفتّق خيال الأطفال الجماهيريين عن ذلك الاسم ،عندما أكثر السودان الموسِّخون من امتشاق أسلحتهم البيضاء لدى سماعهم ألفاظ التعيير باللون الكلاسيكية.

    7-المُرُوقِيّون:

    هم جماعة عالمية ذات نوايا طيِّبة و طوباويَّة،مخلوطة بنزعةٍ علميةٍ صارمةٍ.
    وهم كما يرى "عاطف الساخر"، أوّل من حاول ضبط المواعيد في السودان بعد رحيل الإنجليز،ساخرين من "الصباحات الحميمة".
    واشتطّوا في ذلك ،حتى وصل بهم الحال إلى تقديس الاجتماعات والتكاليف الحزبية.
    واستند "عاطف الساخر" في ذلك التخريج على ما ذكرته إحدى "المروقيَّات" في نقاش عاصف -ذات صحو- حينما صاحت في تشنُّج "نحن الذين يقودهم وهج الشمس نحو صعود لا يرث الهبوط،نحن الذين على كتوفنا "مِرِق" الحياة إذا تراخينا،انكسر المِرِق و اتشتتْ الرصاص،و خسرنا كل شيئ".
    وقد أجرى "عاطف الساخر" النسبة من الجمع أي "المروق"،بدلا من المفرد "المِرِق" للأسباب التالية:
    أ‌-إن النسبة من المفرد "المِِرِق" أي مِرٍقي قد تختلط بالمرَق أي الحساء أو المَرْقُ أي إِكْثارُ مَرَقَةِ القِدْرِ.وهؤلاء القوم تطهّريون في علاقتهم بالمَرق ،وإنْ كان أنّهم يطالبون بأنْ يكون المََرَق للجميع.ويُعْتَبر المَرَق عنصرا أساسيا في التحليلات الاجتصادية لنفر كثير منهم، و كرهابنة راديكاليين يسْخرون من المثل الدارج "أهل العِرِس مِشْتهين المَرَقة".
    ب‌-إنّ الجمع يشير إلى أنّهم لا يحملون مِرقا واحدا.وهذا يثبت أنّهم أيضا موعودون بحمل "مروق" أخرى لا يعلمونها،وهي تظهر فجأة عندما يتّضح لهم في مسيرهم الصاعد نحو وهج الشمس،أنّ الحياة لا تجري حسب المخطط ذي المروق الثلاثة.
    ج- وقد اختار المروق لان القواميس تقول أن المارِقةُ: الذين مرقوا من الدِّين لغُلُوّهم فيه.
    والمُرُوق سرعة الخروج من الشيء، مَرَق الرجلُ من دِينه ومَرَقَ من بيته.
    و مما عزّز كلام القواميس، أن مخيال السوقة من السودان و البيضان، يحوك و ينسج أساطير عن المروقيين من بينها أنهم يتزوجون أمهاتهم و أخواتهم،و لا يؤدون الشعائر المفروضة .و إن قاموا بغشيان المعابد،كما يقول علماء الحيض و النفاس من السودان و البيضان،أطلقوا زفرة المُضطهَد،و غرقوا –في رواية لعلماء السوء و السلطان - في سرحان متصل عن المخطوطات الفلسفية و الاقتصادية لذلك الفيلسوف الألماني الشاب،وبيانهم التأسيسي الأكثر انتشارا في التاريخ الإنساني قاطبةً بعد كتب شرقأوسطية مقدسة، و قبل مختارات ماوتسي تونغ و كيم إل سونق الزعيم المحبوب من أربعين مليون كوري.

    8-الحمار:

    هو حمار الملابس.وسمِّي بذلك لظهره المستوي الذي يحمل أثقالا كثيرة من الملابس.وقيل للسكْسكة الصادرة عنه،وهي تبدو متقطِّعة الصوت كما النهيق.
    وقد دخل الحمار قرية "سعيد الطيب" بعد طقم الشاي،وقبل "التانج" والآيسكريم.لكنّه لم يحظ بالاستقبال الذي حظى به "طقم الشاي"،الذي أحضره لأوّل مرة،جد صديق "سعيد الطيب" أحمد أفندي "أب شبّال" الذي كان يعمل بالسكة الحديد في عطبرة قبل عقود من "السودنة". آنذاك توافدت الجماعات من شرق النيل وغربه من القرى المجاورة لترى الأكواب المزخرفة ذات الأحجام المختلفة ،ويتوسّطها برَّاد كبير،يشبه ديكا فيّوميَّاً،وكلّها جاثمة على صينيّة برّاقة البياض.بدا المشهد كله للقرويين جذَّاباً ومثيراً،وشبيهاً بدجاج يمرح في حقل أبيض ،فأسموا الطقم "حقل الدجاج الأبيض".
    وقد جُوبه "الحمار" باعتراضات كثيرة، مثل شَغْله لحيِّز كبير و ارتفاع سعره.لكنَّ أهم تلك الاعتراضات كانت من جانب فقيه القرية الذي اعترض على عرض الملابس ،خاصة تلك التي تذكِّر بعورة الانسان أو تثير الفتنة،كما اعتبره وسيلة لل"فخفخة " و "البوبار" واستفزاز مشاعر الفقراء المساكين.وقال أيضا أنّ الحمار يغيِّر من خِلْقة الملابس التي أرادها الله إما ملبوسة أو متوسَّدة تحت الأذرع. ولذلك-قال الفقيه خاتما كلامه- فإنّ الله قد مسخ الحمار فجعله "يسكْسك" مثل الشباب "المخنّثين" في حفلات خرطوم سبعينيات القرن العشرين.
    لم تفتّ تلك الاعتراضات من عضد الحمار،بل تطوَّر من الخشب إلى الحديد بأنواعه، إلى أنْ جاءه ملك الموت"الشمَّاعة"،فقبضتْ روحه التي صعدتْ إلى سماء بارئها: "النسيان. "

    9-السلكاويَّة:

    هم النسخة المصرية للفلاشا السودانية،و كلهم إما عديمو المهارات،أو أن مهاراتهم تجعلهم في أحسن الأحوال من ذوي الدخل المحدود و الجيب المقدود و العُسْر المشهود.و قد دأبوا على الدخول خلسةً إلى المجتمع النموذجي السعيد عبر اجتيازهم للأسلاك الشائكة التي أقيمت عبر الحدود بين البلدين الشقيقين.
    و من مذكرات "سعيد الطيب"،نجده قد ميَّز نفسه من "الفلاشا" ،و ما استُنْسخ منها مثل "السلكاوية"،في إطار محاولة "الفلاشا" السودانية لعولمة نفسها.و قد حدس الكاتب أن "سعيد الطيب" أشار إلى ذلك مواربةً-عبر مقطع أثير لديه- كتبه في وريقة مهملة وُجِدتْ مطوية برفْق داخل مذكراته- يقول:
    "بري بري بري
    بري بري بري
    بري بري بري
    حبيبي لا جنجويد لا عسكري
    دا زول "فاهِمْ" و رضي"
    و يبدو أنه أوّل "فاهِمْ" تأويلا في صالحه،من خلال ربط "الفهم" بالكتب المدهشة.

    مُلْحق تفسيري للقاموس:

    نتيجةً لهياج وهرج و مرج بعض القرّاء غير النموذجيين من أشباه المتعلمين، لاستغلاق "هذيانات سعيد الطيب" على أفهامهم،حتى بعد قراءتهم للقاموس،اتصل المدوِّن أسامة الخوَّاض بالكاتب التقليدي أسامة الخوَّاض للمساهمة في تهدئة الجماهير الاسفيرية الهائجة. وعد الخوَّاض التقليديُ المدوِّنَ خيرا،و قام بأخذ كورسات في اليوغا و التقنيات الروحيَّة الشرقية بهدف التواصل مع روح "سعيد الطيب".
    بعد انتظار قلِق،بدأتْ إشارات تصل الكاتب التقليدي من "سعيد الطيب" في شكل دمدمات و همهمات مصحوبة بصليل أجراس و دوي نحل ،و ذبذبات صوتية معطونة في عسل فتنة الوجود الأثيري. أوحتْ روح "سعيد الطيب" كلامه علي قلب الكاتب التقليدي.و قام الكاتب التقليدي بنقله من قلبه إلى لسانه بكلام متلو مسموع بالأذان، ثم خطّه بالمداد في القرطاس،وكان اليراع يتفصَّد عرقا،فكان الملحق التفسيري التالي:

    أ-بنك بجنب الخصيتين:

    هو مقابل شعري لجيب سروال المعار.ويرى "عاطف الساخر" أنّ سروال المعار هو من اكتشافات المعارين في تلك الدولة العربية السعيدة،حيث كان الترزية السعداء يصمّمون سروالا ذا جيب سري،في داخل السروال ،وقريب من الخصيتين، يدسُّ فيه المعارون دولاراتهم في آخر العام الدراسي حين يصرفونها دفعة واحدة.
    وقد قال أحد المدرسين المعادين لذهنية المعارين بيت الشعر التالي في صديق له من لابسي ذلك النوع الجديد من السراويل "مادحا" له:
    ولأنْتَ أوّلُ مُنْشئٍ بنْكاً بجنْب الخصْيتينِ فذاكَ فَضْلُ اللهِ للبخلاءِ
    و في أحيان قليلة لم يكن "بنك بجنب الخصيتين" حرْزا حريزا للدولارات.فقد تمقْلب معارون كثيرون قلوبهم معلقة بالمساجد،و كانوا يعلِّقون سراويلهم خارج المسجد على عادة السكان الأصليين الذين يعلِّقون سراويلهم في الخارج لعدم طهارتها الناجمة عن السوائل التي تُفْرز نتيجة تعاطيهم لعشبة مخدرِّة.و حين يخرج المعارون كانوا يلبسون سروايل السكّان الأصليين عن طريق الخطأ.و قِيْل ان أحد الفلاشا أصيب بإغماءة في طائرة "التفويج"،حين اكتشف انه نسى سرواله في حمام عمومي.

    ب-الصباحات الحميمة:

    هي الصباحات التي استدعاها متحسِّرا "السفوري" المحاضر في علم التأريخ في إحدى الجامعات العربية غير ذائعة الصيت،حين اشتمّ –ذات مفاجأة- رائحة صباح خائب ،ظلَّت تزوره بعد ذلك كل يوم،عبر ستائر غرفته المزوقة بأشعار من "العودة إلى سنار" و "أمتي" و "صحو الكلمات المنسية".
    فالصباحات الحميمة كما يرى السفوري هي سلاح عامة السودانيين ذوي الأصول العربية الاسلامية ،حين تربكهم الحياة بفعل "العرقلانية"، فيهمسون إلى بعضهم "صباحات الله بيض" و\ أو "صباحات الله بي خيرا".
    ويرى هو المتخصِّص في علم تاريخ العرقلانية، أنَّ الصباحات الحميمة هي في نفس الوقت عامل من عوامل إرباك الحياة،في موجة "ألفن توفلر" الثانية.
    فهي صباحات قديمة قِدم الموجة الاولى،عليها هالة من قبس الألوهة ،ورذاذ من جمال الطبيعة العذراء،و فيوض من خيال القروي الساذج، وتفاؤله الغامض.

    ج-عام البَكْبَكَة:

    بحسب رواية المعارين ،هو العام الذي تبكْبَك فيه الخضرجية و"العتَّالة" ومدرسو الابتدائيات في تلك الدولة السعيدة .
    والبكْبَكة تعني الحصول على درجة البكالوريوس فجأة .
    و المفاجأة -في هذا السياق- هي التلطيف الذي قام به بعض الفلاشا لكلمة "التزوير". واللطيف في الأمر أنه لم يتم اكتشاف ذلك التزوير الجماعي،من قِبل المُرْتشين الهبنَّقات المشرفين على "التعليم" في القطر السعيد.و أدّى ذلك الجهل البيروقراطي الجماعي إلى ضياع فرصة العمر الماسيّة:مئات الآلاف من دولارات "المُتبكْبِكين".

    د-الاستعداد للخيبة:

    استقى "سعيد الطيب" فكرة "الاستعداد للخيبة"، من كلام عن المنفى للبولندي "جيسواف مييووش" في حديث ،يناسب طموحات "سعيد الطيب" عن طلب السعادة في الجحور الريفيَّة العربية.
    قال مييووش في ذلك:
    "والمرجَّح هو هذا الوعي المتزايد ونحن نبحث عن السعادة في البلدان النائية،بأنَّ علينا الاستعداد للخيبة،بل حتى لنشوة مفكَّكة،نشوة القفز من المقلاة إلى النار مباشرة".
    وبالرغم من الصدمة التي أصابتْ "سعيد الطيِّب" -ذات غشوةٍ ل"معهدٍ علمي"- في البلد السعيد،فإنَّه قد رأى أنّ الاستعداد للخيبة ميكانزم مهمٌّ لمواجهة "العرقلانية الغامضة".

    هاء-الأولاد أبَّانْ خُرْتايات:

    مصطلح نحته و صكّه علي المك،لوصف بعض شباب كُتاب خرطوم الثمانينيات من القرن العشرين.و أورده بولا في مقدمته لكتاب صلاح الزين "عنهما و الإكليل و الانتظار"،و الذي كان آخر كتاب أعاد سعيد الطيب قراءته لكي ينفتح له ما استغلق عليه من نصوص صلاح الزين المعقَّدات،حتى يحظى بمنزلة القارئ النموذجي عند أمبرتو أيكو.
    و سيتحوَّل المصطلح لاحقا على يد "رسَّام على ضفاف السين" إلى "مُتبنْيويِّ الخرطوم".
    و مثلما أنَّ بولا أبدى رضاه عن "الأولاد أبَّانْ خرتايات"،إلّا من عُجْمةٍ ميَّزتْ خطاب أحد من أولئك المساخيط المطموسين المسنوحين في عُرْف جدّة سعيد الطيب حسبما ورد في مذكراته،فإنَّ "سعيد الطيب" كان مهتما بالمصير المأساوي الدياسبوري الذي آل إليه "أبَّانْ خُرْتايات" الذين أقاموا شمال الأطلسي.فجوهر الإقامة في الجحور العربية الريفية،معادل لجوهر الإقامة شمال الأطلسي،مما عزَّز عنده فكرة "الطابع التراجيدي للحياة".و قد توصَّل إلى ذلك من عنوان رواية لم تُكْتب بعد:
    "السعادة لا تعبر الأطلسي شمالا".

    و- الشطْح الجُحْري:

    من اجتراحات مثقفي الداخل الخرطوميين،لتوصيف خطاب ما بعد عودة الطيور المهاجرة من سلالة "الفلاشا" الموشكة على الانقراض بعد مؤشرات التقرير الدولي للسعادة عن الوضع المتدهور للسعادة في البلاد السعيدة.فقد دأب المدرسون السودانيون العائدون من الجحور الريفية العربية حين تداهمهم وقائع سابقة من حياتهم الجُحْرية العربية في شكل هلوسات و كوابيس كالتي تداهم ضحايا التراوما،دأبوا على حوك سرديات شاطحات .و هي مثل نهر ضيق الضفتين ينطلق فيه الماء بسرعة،فيفيض على جانبيه أو مثل نخل الطحين و طفحه على الجانبين.و لا يفهم كلام العائدين من الجحور العربية الريفية، إلا أصحاب القدرة على التأويل من مدرسة السُّكْر (1).و في أحايين نادرة يُنْكر "الفلاشا" شطحاتهم الجُحْرية متذبذبين كما العبارة الزئبقية الأشهر في الخطاب الحزبي السوداني المعاصر"تهمة لا ننكرها ،و شرف لا ندَّعيه".
    و من أشهر الشطحات الجُحْرية أن المشرفين على التعليم و إدارات المدارس و المدرسين و الطلاب و أولياء الأمور و الرأي العام السعيد و الجماهيري يسمّون الغش في الامتحانات "مساعدة" للطلاب، و تندرج في باب البِرِّ و الإحسان و الصدقات.و من أشهر أنواع "المساعدة" ،أن "كونترول" الامتحانات يذيع في الدقائق الأخيرة من المباراة،أقصد الامتحانات،ما تيسر من الإجابات النموذجية للطلاب،مستخدمين أحدث ما أنتجته التكنولوجيا اليابانية من مكبرات صوت في مراكز الامتحانات.و يستخدمون الهواتف المحمولة من بعد،"لمساعدة" أبناء شيوخ القبائل من الطلاب أثناء الامتحانات.و يقيمون بعد ذلك الولائم و الاحتفالات و ينشرون التهاني في وسائل الإعلام الجماهيرية بمناسبة نجاح طلابهم و تفوق مدارسهم. و لم يقصِّر أبدا المدرسون العرب الآتون من سبعة آلاف سنة من الحضارة، في تلخيص تجاوبهم الحار مع أعمال البِرِّ و الإحسان البيداغوغية من خلال استراتيجية مركزية هي "علِّم الجحش يطلع حمار".و حين سمع ذلك الشطح والد فلاشي تخرَّج من "كلية غردون التذكارية" و درّس في " معهد التربية بخت الرضا"، أُصيبَ بنوبة قلبية.
    و من شطحات الفلاشا القادمين من البلاد السعيدة أنّ المدير يمكن أن يكون تلميذا في نفس المدرسة و قد بلغ الحلم توا.و استحقاق الإدارة المدرسية قد يكون لان والده المتوفى كان مدير المدرسة،و هو الوارث الشرعي الوحيد له،أو أن التلميذ ابن شيخ قبيلة.
    لا يقتصر الشطح الجُحْري على أرض السودان،بل يمد سردياته إلى البلاد السعيدة مثلما حدث في تشابه بديع مع ما يجري في مسرح العبث،حين سأل مثقف سعيد أحد المخضرمين من الفلاشا ممن قضوا ردحا من الزمن بين الجحور العربية الريفية طالبا منه زبدة "خبرته"،فتردَّد الفلاشي المخضرم قائلا "ما فينا زعل"؟فطمْأنه المثقف السعيد عبر لغة الجسد الصامتة لإثبات رحابة صدره،فقال الفلاشي المخضرم "ربع قرن لا انتوا اتعلمتوا و لا نحن غِنِيْنَا".و البحث عن الذهب في البلاد السعيدة، يقود الفلاشا إلى سياسة تقشفية تعتمد على العيش فوق فوهة بركان،كما الفلاشي الذي اكترى شقة فخمة بثمن بخس ريالات معدودات،فسئل عن سرِّ "شطارته" في الحصول على ذلك الكنز، فقال"هي رخيصة لأنها تقع فوق مخزن للأسلحة الثقيلة و المتفجرات".و مثله فلاشي آخر تحت شعار "أكْل العيش صَعَب"،احتملت ركبه السائبة تجربة العيش على شفا حفرة من النار،إذ كانت ركبتاه تطآن شوالا يشفُّ عن أشكال مدوَّرة صلبة،و سأل عنها الراكب السعيد الذي أجاب قائلا في برود "هي شوية قنابل يدوية".و حين اصطكَّتْ ركبتا الفلاشي ،و أصدرتا ارتعاشات و ارتجافات و كركبة متصاعدة الذبذبات،طمْأنه الراكب السعيد "ما تخاف يا أستاذ،هي مؤمَّنة". فتدلَّى لسان الفلاشي ،و ارتختْ رقبته، و ظنَّ الراكب السعيد أنه قد غطَّ في نوم عميق،بينما هو كان في غيبوبة لم يفقْ منها إلا لحظة إيقاظه أوان وصول التاكسي بعد عشر ساعات إلى الجُحْر الذي يعمل فيه.
    و مرات قليلة يترافق الشطح الجُحْري مع الإرباكات التي تحدث نتيجة لاختلاف الثقافات،مثلما حدث حين أرْبك التثاقف مع لهجة البلاد السعيدة ،الحياة عند "فقرا السودان" الذين لم يستطيعوا اقتسام "نبقة" الثروة و السلطة و السلاح.فقد أرسل "فلاشي" عتيق في الحياة الجُحْريَّة شريطا مسجَّلا لأهله يعدهم فيه بإرسال "عربية" و "ثلاجة" جديدتين لنج..فعمّ السرور عائلة "الفلاشي" العتيق،و باعت الثلاجة و السيارة القديمة بل و هدمتْ السور الخارجي،و بَنَتْ بالدَّيْن قرَاشا للعربية المنتظرة. و حين وفى الابن الفلاشي بوعده،أسقط في أيدي العائلة المتشوِّقة، ف"العربية" عند سعداء شبه الجزيرة هي "الدرداقة"(2) ،بينما أنَّ "الثلاجة" هي حفّاظة الثلج و المشروبات. و ما حلّ بالأسرة من كارثة انضاف إلى ضيق والد "الفلاشي" العتيق حين كان ابنه البار،يسرد بعضا من تفاصيل حياته الجُحْريِّة:
    "" تعرفْ يا حاج نحنا بنطلع القرية بي دلو،و ما بننزل إلا آخر السنة لاستلام "التصفية".و إنت راكب في الدلو مرات بتشوف السحاب تحتك،و مرّات في الفصل تكتب في السبورة،تجي سحابة داخلة بي الشباك تمسحا ليك"،فما كان لوالد الفلاشي العتيق سوى أن ينفجر في ولده قائلا"يا ولدي قِلّ القروش عرفناهو،الكضب ليك شنو"؟

    *****************
    *****************
    -انتهى النص بحمد الله تعالى و توفيقه،
    مع تحيَّات سعيد الطيب من برزخه،والكاتب التقليدي أسامة الخوَّاض،من منفاه الكائن في شقته الكائنة في الطابق الثاني ، في شارع مونرو، في مدينة مونتري،على المحيط الهادي، في ولاية كاليفورنيا .
    *******************************************************************
    (1)بتصرف من "أبو يزيد البسطامي-المجموعة الصوفية الكاملة-و يليها كتاب تأويل الشطح-تحقيق و تقديم:قاسم محمد عباس،دار المدى للثقافة،الطبعة الأولى،2004
    :(2)يكتب وليد التلب في موقع أبناء منطقة الهدى بوستا معرِّفا فيه "الدرداقة" ، ومبيِّنا توسُّع استخداماتها العملية وحقلها الدلالي معا
    عربة يدوية صغيرة بمقبضين وعجل ووعاء حديدى يسع لحمل خفيف ..
    تمتاز بسهولة استخدامها وانسيابها خصوصا فى اماكن الزحام والتى يصعب دخول العربة او الكارو اليها
    وفى الآونة الآخيرة اخذت رواجا وشهرة .. !! وذلك للخدمة التى تقدمها حيث توجد فى كل بيت
    تساعد فى نقل الطوب التراب الغاز الدقيق وكثير من مستلزمات البيت!!
    وايضا تدر دخلا معتبرا لصاحبها فى الاسواق وذلك بتأجيرها لنقل بضائع المسافرين والمتسوقين
    حيث اصبحت تباع توكيلات عطاءات( تشغيل درداقات) وذلك فى كبريات الاسواق .. والذى يفوز بالعطاء
    له حق الامتياز فى تشغيل ما يقارب من ال500 درداقة فى السوق ويقوم بتأجيرالواحدة مقابل 3 جنيه لليوم الواحد
    اذن هى تدر دخلا معتبرا وهى مفيدة .......
    وكذلك المعلمة .. لى بلدنا مفيدة .. المعلمة .. ربنا يزيدا .. المعلمة !!
    وفى الاونة الاخيرة ومع ظهور هذه الآلة العجيبة تمت تسمية معلمة الاساس بالدرداقة نظرا لما ذكر سابقا
    حيث المقارنة تمت فى وجود الدخل المشترك من كليهما ..!!
    واحيانا تسمع من اراد الزواج يقول : ( داير لى درداقة ) يعنى انه يسعى للزواج من معلمة !!
    وكل ما كبر حجم الآلة كبر دخلها ولذلك سموا معلمة الثانوى الاكثر دخلا من معلمة الاساس بالركشة
    بالله شـووووووف !!!

    و التوسيع الدلالي ل"دردق" كفعل من اختراع السودان من الناطقين بالعربية الذي أشار إليه "وليد التلب" ينضاف إلى "دردقني في النجيلة" كتسريحة شعر اشتهر بها المطرب الذرِّي إبراهيم عوض في رواية لاسفيري،و مذيعة شهيرة في التلفزيون السوداني في رواية لزوجة الكاتب التقليدي أسامة الخواض.كما يشمل الحقل الدلالي "الدردقة"* كسعي حثيث ماكر لإغواء بنات الناس في لغة الذكور السودان،محيلة إلى "جكسا في خط ستة" ك "euphemism لل"ميني جيب"، و "جعبة سكينة" كتسمية لحلوى من باب المقاومة السلبية و النكاية الجماهيرية بديكتاتور صغير.
    *تعرّف رواية "نكبة الجضعلاب" لصلاح حامد هبّاش "الدردقة" هكذا :

    " الاستدراج رويداً رويدا حتى تقع الفريسة في الشباك المنصوبة"،ص 41.

    (عدل بواسطة osama elkhawad on 07-13-2014, 10:11 AM)

                  

05-26-2014, 03:41 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)

    مقدمة "الكلمة":
    للكمثرى وظيفة أخرى

    أسـامة الخواض

    يغور القاص السوداني في أعماق طالب سوداني يدرس في بلغاريا وهو يسقط في حب بنت مكن بلده تقلب حباته رأساً على عقب، فيصبح للعلاقة بالمرأة بعدا لم يكتشفه رغم علاقاته النسائية المتعددة مع النساء الأجنبيات في بنية قصصية اعتمدت على اليوميات المؤرخة لكنها الدالة على تطورات الحدث وأبعاده النفسية على الشخصية المحورية – السارد

    *النص:


    9/12/1987
    الحديقة يكسوها الثلج وبقايا صمت متناثر. العشاق يلتصقون ببعضهم بحثا عن الدفء الهارب من شوارع "صوفيا".. محطة الباص خالية إلا من العشّاق والسكارى والتائهين مثلي.. قبل قليل كانت هنا.. تلبس معطفا عادياً يخلو من ذوق الأنثى. لكنه دافئ ومزدحم ببصمات أصابعنا العشرين.. شعرها مبعثراً كان. ومندى ببقايا ثلج وعطر خفيف.. كانت هنا للمرة الأخيرة.. وجهها كان مليئا بحزن غامض وبعض قسوة غير معلنة.. قالت لي "أنت غير جاد.. سأعاني من ماضيَّ معك.. ليست مشكلة"، لم تترك لي مجالا للتعليق، أخذتْ حقيبتها الأفريقية وهرولتْ حتى غابت بين أشجار "منتزه الحرية".. وكانت تمارس بوجع هوايتها المفضلة "البكاء" .لم أكن حزينا، لكنني سرت صامتا .. وخلافا لعادتي القديمة، لم أغني على الطريق إلى محطة الباص.

    10/12/1987م
    صحوت من النوم متأخراً.. تحسَّستُ سريري المترجرج، تذكَّرتها بعمق وشهوة.. أخرجني من ذلك العمق الجميل صوت زميلي في الغرفة مصبِّحا على، وداعيا إلى شرب كأس من الشاي.. شكرته معتذرا بأنني لم أنظّف فمي جيداً من قبلات قديمة.. بتعجل شديد ارتديت ملابسي، وقذفتُ بنفسي في الطريق.. شعرتُ بآلام حادة في كل أجزاء جسمي مع قلق لطيف.. دخلتُ المطعم الطلابي، وخرجتُ منه مثقلا برائحة الخسِّ والتفاح.. عددتُ "الفكَّة" التي في جيبي، فاكتشفتُ إنها لن تسمح لي باحتساء كوب من القهوة، والتمتع بمنظر النساء الجالسات، -وأيضا- النساء الواقفات في الصف.. أدرتُ النظر بحثا عن السودانيين، فلم أجد أحداً، فانحشرتُ في أول باص.
    مزدحما بالارتباك دخلت مبنى الكلية، ألُغيتْ المحاضرة، فجلستُ على مقعد في الحديقة المجاورة.. منذ عام كان هذا هو اليوم الوحيد الذي لم تحضر فيه خفية مندسة من عيون الفضوليين، بي اشتياق لسماع جملها المرتبكة.. كان يزعجني عدم قدرتها في اختيار المفردات.. قلت لها ذات صفاء (ولماذا لم يسمّوك "ارتباك")؟.. بكتْ..

    17/11/1986
    كنت أقيم في السكن الطلابي المجاور لسكنها.. ولهذا السبب – فقط – كان عليَّ تدريسها اللغة البلغارية ضمن مجموعة طلاب جدد.. منذ خمس سنوات أقوم بهذا العمل.. لا أنكر إنني أجد متعة في ذلك العمل رغم التكرار والرتابة، ففي هؤلاء العصافير تحسّ طعم البكارة، وتشم رائحة السودان الذي لم أطأ ثراه منذ ست سنوات.. بدأتُ بالحديث عن قواعد اللغة البلغارية.. شارك كل الحاضرين بالنقاش والأسئلة والتعليقات المرحة.. كانت صامتة، بين الحين والآخر كانت تلتفت ناحيتي.. لم تجذب انتباهي، عادية الجمال كانت، ومن وجهها يطفح نشيد حزين وأليف.. ترتدي بنطلون جينز قديم، وبلوزة اجتهدت – إلى حد كبير – أن تبدو أنيقة.. رغم ذلك كانت تذكِّرني بالمُقدمين على الجنون.. لم أعرها انتباها، وواصلتُ الشرح بين أكواب الشاي والعصير ورائحة السجائر.. انتقلتُ إلى الحديث عن المذكَّر والمؤنَّث والمحايد..فجأة انفجرتْ محتجة على ما أسمته التقسيم العشوائي (العلم مذكر أو مؤنث.. المحايد كذبة في ثوب اللغة) .حاولتُ إقناعها بكل ما أعرف عن اللغات التي أجيدها، وتلك التي لا أجيدها.. احتدَّ النقاش بيننا، ففضَّل البقية فضّ الجلسة إلى موعد آخر .هرول البقية إلى مساكنهم، وبقينا "أنا وهي".كان الثلج قد بدأ في السقوط خفيفا واعتدل الطقس قليلا.. كان الطريق فارغا إلا من مظلات تهرول في اتزان لزج.. قلت لها (لماذا خرجت في هذه الساعة)؟.. لم تعرْ سؤالي اهتماما.. وبعد صمت قصير، حدَّقتْ في وجهي طويلا وعميقا. طأطأتْ رأسها، ثم نظرتْ إليَّ في تودُّد مشوب بالصرامة الأنثوية، وقالت (هل لديك رغبة في مواصلة النقاش) ؟ لم تنتظر إجابتي.. فردَتْ مظلتها، وأشارت إليّ بعينيها، فدخلتُ تحت المظلة.. كنا نسير صامتين وراء السكن الطلابي.. سألتني فجأة "أنت مذكَّر"؟ وأردفتْ " وأنا مؤنث"؟.. هل يعقل أن تكون هذه المظلة محايدة"؟.. هبَّتْ الريح عاصفة.. أمسكنا بعود المظلة ،صرنا نغالب الريح، كنت صامتا، وكعادتها كانت تثرثر عن أشياء كثيرة في ترابط غير منطقي.. وبعد قليل أفلتت المظلة من أيدينا، وسقطنا على الأرض.. من غصن عالٍ في شجرة كمثرى كانت المظلة ترقب كائنين يتحدثان بلغة المتاهات..

    22/12/1987
    بعد انتظار طويل في صفوف بقالات "صوفيا". نجحتُ في الحصول على زجاجة كونياك، ودجاجة ورغيف.. دلفتُ إلى السكن الطلابي رقم 100 حيث يسكن صديقي بارودي.. كانت صوفيا تعبق برائحة البيروسترويكا، وبعض ارتباك يلف شوارعها وأحياءها، وأنا أعبق ببقايا كمثرى.. شاردا كنتُ.. في منتصف القعدة قال لي "بارودي" (أفهم أنها قد حرَّكتْ في نفسك شيئا لا أستطيع فهمه.. ولكن حسنا فعلتَ، فهي لا تليق بك).. صمتُّ، وواصلتُ الشرب في نهم وسرحان.. صرت أعبّ الكؤوس عبَّا حتى ثملت.. لم أتناول عشائي.. نزقا هرولتُ في الممر.. حطّمتُ كل المرايا وزجاج النوافذ والأبواب.. غازلتُ العابرات في وقاحة.. حضرتْ الشرطة واقتادتني.. أمام مركز الشرطة، طلبتُ تدخين سيجارة.. أُطلق سراحي لبعض الوقت.. لم أضع الفرصة، قمت بالتبوُّل في حوض للزهور.. قام الشرطي بضربي من الأمام حتى سقطت مغمى عليَّ.. صبّوا عليّ ماء بارداً.. وحينما أفقتُ، سألوني "لماذا خرقتَ القانون"؟.. قرأوا على مسامعي كمية من المواد التي تدينني، وسألوني (هل ترغب في قول كلمة أخيرة)؟.. قلت لهم" اكتبوا.. أجنبي يبحث عن كمثرى في سماء صوفيا".. اتهمني الشرطي بالثمالة والبله، وقام بضربي.

    23/12/1987
    في العاشرة صباحا، قام الشرطي بإطلاق سراحي بعد تغريمي خمس ليفات، عقابا على تبوُّلي على الزهور، ووعد بإبلاغ الأمر إلى المسئولين عن السكن الطلابي ليقوموا بمعاقبتي مرة أخرى.. خرجتُ مرتبكا أفكِّر.. لمَ كان ما كان؟.. دلفتُ إلى حانة مهملة، وطلبت زجاجة بيرة.. أشعلتُ سيجارة "بالتأكيد سيقوم مسئول السكن الطلابي بتعليق صورتي في مدخل السكن متَّهما أياي بسوء السلوك، لن يدور بخلده كيف عشتُ هنا ست سنوات، قضيت ثلاثا منها بدون امرأة.. بعد ذلك عثرتُ على غجرية تائهة ،قمتُ بتنظيفها قبل التهامها.. طلبتُ زجاجة أخرى وصحناً من الكباب والبطاطس. من الحانة تنبعث موسيقى شعبية ذكَّرتني بالقرويات اللواتي كنتُ اصطادهن من الشوارع الصامتة.. كنَّ يعانين من أزواجهن المدمنين ووطأة الطلاق.. كنَّ يفهمن إنني عابر.. كما كنتُ - في الجانب الآخر – متأكدا من هذا جيدا.. رغم ذلك، كان هنالك شيء يروقني جدا في علاقتي بهنّ.. كنّ يستقبلن بترحيب رائع طريقتي الخاصة في التعبير عن شعوري نحوهن.. كنت أفكِّر مع النساء بصوت عال.. سبّبتْ لي هذه الطريقة متاعب كثيرة مع النساء "المهذّبات". قالت لي أحداهن يوما "أنت مهذب وطيب، وتبدو مثقفا.. معظم النساء يعجبن بك من البداية، ولكن ينقصك شيء واحد".. قاطعتها "أفهم ذلك.." ولكن هؤلاء العابرات يفهمن إنني أفهم ذلك، ولذلك لبرهة من الزمان يطرن من الابتهاج على إيقاع طريقتي المبتكرة، ربما لأننا جميعا غرباء نبحث عن دور خاص يليق بحالتنا.. ورغم ذلك لم تكسر تلك العلاقات روتين حياتي.. كبقية الطلاب السودانيين الضائعين مثلي. كنتُ أدخل زجاجة خمر لأخرج منها إلى أخرى أكثر قوة وأعنف سريانا.. بصوت عال ونشاز نغنّي أغانينا المكرّرة، نتشاجر، نشتم بعضنا البعض ثم ننام بالعشرات في غرفة واحدة.. نصحو لننتعش، نضحك، ننسى شجارات البارحة، نخرج، نفترق لنلتقي بدون سابق إنذار في غرفة أخرى.. نطرق أبواب الطلاب الذين يبيعون الخمر سرا. نهرق أموالنا ونحن جياع. قال صديقي "عبد الصمد" (نحن كالغجر).. "نعم" أم "لا" لا أدري.. لكنني أعرف جيداً شكل هذا الفضاء السلافي.. ست سنوات عصافير وعصافير عبرتْ، وشهادات هرولتْ، وجنازات هاجرتْ، والرتابة سيدة هذا الفضاء.. ولذلك نفرح بالطلاب الجدد لأنهم يكشفون لنا خواء هذا العالم، ويغيِّرون شكل القعدات /النقاش/الأغاني/ طريقة إدارة الشجارات الليلية – و.. إلى أن يدخلوا الحلقة الجهنمية، فيكشفون لنا ضرورة هذا الخواء.

    1/1/1988
    ممرَّات السكن الطلابي ممتلئة ببقايا احتفال رأس السنة. و أنا محنَّط في سريري، أشمُّ رائحة كمثرى.. كيف تسلّقتني هذه الكمثرى؟ ربما لسذاجتها الطفولية.. كانت صرامتي تجاه الأشياء والحوادث تزعجها، وأيضا تعجبها هي الشاردة في ثلج الغربة.. كعادة البنات القادمات من السودان ممتلئة – كانت – بالوحشة، ومن حديثها يفوح إحساس قاتل بالوحدة والعزلة.. كانت تبكي من سخريتي على العالم، وكانت تبكي – كذلك – من النشوة على سرير مترجرج تفوح منه رائحة السجائر و "الصعوط" والكتب القديمة وبقايا الخمر والقيء والبول.. لِمَ تسلّقتني؟ سرب أسئلة يحلق في فضاء غرفتي.. أسئلة هنا، وأخرى هناك.. مرة سألتني "ما هو شعورك حين خرجنا متعانقين ذلك المساء"؟.. في ذلك الزمان صمتُّ، وبكتْ هي بحرقة لم أفهم معناها، ولكنني – الآن – أذكر بلذة ووجع خفيف كيف خرجنا – تلك الليلة – متعانقين متشابكي الأيدي في صمت و اطمئنان و وجل.. كنا نسقط على الثلج وننهض متعانقين مرة أخرى دون أن ننفض عن ملابسنا بقايا الثلج والطين وأوراق الشجر المتساقطة في مفترق الطرق بين سكنينا . افترقنا كل إلى طريقه دون أن ننطق بحرف أو نلتفت إلى بعضنا.. إلى الآن لم أسألها عن شعورها ذلك المساء.. كنت لا أعطيها الفرصة كي تعبِّر عن نفسها.. ربما لاستيائي من طريقتها في التعبير عن ذلك، وربما لأنني كنت اعتقد أن ذلك غير مُجْدٍ لإنسان مثلي يعتبر نفسه عابرا دوماً في هذا العالم.. ولكن هل كانت عابرة؟ ربما من نوع خاص – كما فهمتُ الآن – كانت تَعْبر أسلاك الخوف وتندسُّ – كلما هزمها الحنين- في انكسارات عقلانيتي وشراهتي للنساء الخائفات.. مرة قالت لي (أخاف عقلانيتك مثلما أخاف حاجبيك الجميلين).. كنت – أيضا – أخافها، ولكن بدرجة أقل.. أخافني سريان الحنين الخفي الذي بدأ يتملكني، أنا الذي اعتقدتُ أنني قد تخلّصتُ من العاطفة الهشة.. ست سنوات تعلّمتُ أن أهزم مثل هذه المشاعر، أنا "منصور السنّا ري" المعزول عن هواء وطنه ورائحته.. انقطعتْ عني الخطابات، وساهمتُ في ذلك بكسلي. سرتْ إشاعة عن زواجي بأجنبية، فقاطعني أهلي.. لم أكترث، وعوّدتُ نفسي على هذا.. لكني أشك - الآن – في كل ذلك.. فمع هذه القطّة الساذجة بدأتُ أكترث.. شيئا فشيئا صارت تمتلكني طريقتها الفريدة في نطق الكلمات "أجي ، بري ، كُر عليّ" ،بحسٍّ استشراقيٍ، أعجبتُ برد فعلها تجاه ما يدور حولها.. تعبِّر عن شعورها وانفعالها بكل جسدها و..دموعها.. لكم امتلأتْ قمصاني وملاءات و وسائد سريري بفيضان بكائها.. كنت أرقب هذا الكائن العجيب بلذة بدأتْ باردة، ثم اشتعلتْ كما أنا مشتعل الآن.. فهمتُ – الآن – لِمَ لمْ استطع أن أردّ على سؤال مدير السكن الطلابي عقب تلك العاصفة. قال لي (لقد سكنتَ معنا هنا ست سنوات.. وكنت شابا وديعا ولطيفا.. ما الذي حوَّلك هكذا؟ هل تعاني من مشاكل أسرية؟ هل في حياتك امرأة؟ هل؟.. هل"؟.. في هذه اللحظة فقط، أدركُ أنّ في حياتي عبَرتْ امرأة ذات طعم خاص، أشعلتْ حياتي الخابية. واختفتْ ليظهر لي سؤال غريب "كيف سأرجع إلى وطني"؟

    15/12/1988
    مطار صوفيا مزدحم بالمودعين.. أصدقائي يحشون حقائبي بالخطابات والهدايا، ويحشون ذاكرتي بالوصايا للأهل والعشاق. حانتْ ساعة الدخول إلى صالة المطار ،و ودّعتهم واحدا واحدا في شرود أصيل وأسى مصطنع.. شعرتُ بوخز عميق في قلبي.." كيف سأواجه وطني"؟ كانت هي تقف منزوية، لم تودّعني، وكانت ترمقني بطرف عينها الثالثة.. كانت حزينة في إباء أنثوي مهزوم، وكنت مرتبكا قليلا.. رمقتها باشتهاء كسير.. "ماذا ستكون في حياتي"؟.. داهمني هذا السؤال عند بوابة الدخول.. كنت أفكر فيه وأنا أتابع إجراءات السفر في تبلد.. فاحت رائحة كمثرى فسعلتُ.. تذكّرتُ قولا لصاحبي بارودي "ليس من الضرورة أن تؤكل الكمثرى، ولكن لها وظيفة أخرى.."... "الطائرة المغادرة إلى الخرطوم ستحلِّق بعد خمس دقائق".. حملتُ حقائبي وهرولتُ تجاه لغز قادم ،وسؤال يطاردني "ماذا ستكون في حياتي"؟



    *كاتب سوداني يقيم في الولايات المتحدة.



                  

05-27-2014, 07:54 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)

    الصديق العزيز محمد الشيخ

    سلامات يا زول يا رائع

    قلت عزيزي:

    Quote: الرواية عشتها وكاني احد ابطالها وهي تتحدث عن المغتربين المدرسين في ليبيا واليمن
    المسخرة وضياع زمن


    تقديم مجلة "الكلمة" تحدث ان الرواية ،و أتحفظ على هذا التصنيف،مكانها ليبيا فقط، و هذا كما أثبت سيدي لا يمثل تماما "مكان" السرد.

    حينما كنا نهرول بين أروقة مكاتب التعليم في "البلاد السعيدة"،كنت أقول ساخراً لرفقتي من المدرسين القادمين من ليبيا:

    هذه هي المرحلة الثانية من "ضياع الزمن".

    كن بخير.
                  

05-31-2014, 00:05 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)

    قصتي مع "بنك بجنب الخصيتين":

    نشرت النسخة الثانية من هذا النص في سودانيزاونلاين مسلسلا ابتداء من الرابع عشر من مايو 2006.

    و كتبت في ذلك البوست الآتي عن "تطور" كتابة النص السردي:


    Quote: وقصتي طويلة مع هذا النص.فقد حوّرته ليصبح قصة قصيرة ،فزت بها بالجائزة الاولى للقصة القصيرة في مسابقة في اليمن.ولم استلم المكافأة حتى رحيلي منه.وقد صادفت الروائي اليمنى وجدي الاهدل الذي فر الى هولندا بعد ان ابيح دمه بعد نشره نصا سرديا.وقد عاد الى اليمن بعد تدخل الالماني جونتر جراس.عندما صادفته، ابدى الاهدل اعجابه الشديد باستخدامي للغة وتفجيري لها.

    نشر النص في صيغته تلك في السفير الثقافي في بيروت،ثم نشر في القاهرة,واظن في صفحة كانت تشرف عليها سلمى الشيخ.
    ليس بحوزتي ذلك النص.

    وقمت هنا في مونتري في كاليفورنيا، بالاشتغال عليه مرة أخرى، بشكل كلي،استنادا الى آخر مخطوطة احتفظت بها لمدة تبلغ اكثر من ثماني سنوات.
                  

05-31-2014, 03:02 AM

هاشم احمد ادم
<aهاشم احمد ادم
تاريخ التسجيل: 02-28-2014
مجموع المشاركات: 260

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)



    لست بالناقد او صاحب قلم ، بل انا من
    قبيلة القُرَّاء، معلم سابق ، وسائق تكاسى حاليا ،
    "وبرلوم " فى فى وطن افتراضى.



    واكتفى بقول : لا جف قلمك يا (
    ودالخواض ) .




    بين جيل الشتات ما فى ملامة.
                  

05-31-2014, 01:18 AM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: osama elkhawad)

    الأستاذ المشــاء،
    سلام، وقبل يومين انا ختيت عنوان بنفس (القطعتين) ديل، ووجدت معارضـة قوية حتى غيرت العبارة.. ولكن انت وضعت ذات الكلمة في اطار (علمى) فصارت مقبولة..

    نحن العنقالة ديل الله لينــا
                  

06-01-2014, 07:25 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;بنك بجنب الخصيتينandquot; و andquot;الكمثرىandquot; في andquot;الكلمةandquot; (Re: Abureesh)

    الاستاذ هاشم أحمد آدم

    تحية و احتراما

    قلت سيدي:
    Quote: ست بالناقد او صاحب قلم ، بل انا من
    قبيلة القُرَّاء، معلم سابق ، وسائق تكاسى حاليا ،
    "وبرلوم " فى فى وطن افتراضى.

    واكتفى بقول : لا جف قلمك يا (
    ودالخواض ) .


    شكرا على الكلمات الطيبات.

    و جاييك يا استاذ ابو الريش برواقة فالوقت متأخر.

    لكن عجبت من قولك بانك "عنقالي"،
    و أنت شاعرك المفضل من قال:
    "أطوف على ذاتي بكاسات خمري"
    و
    "إن قلت يا روحي لسبوحي"

    "هبّت سحرا فينا
    أنفاس ربا نجد
    فالمهجة قد ذابت
    بالشوق و بالوجد"؟

    كيف لمن يكون "عبد الغني النابلسي"،شاعره المفضل،
    أن يصف نفسه بأنه "عنقالي"؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
                  

06-02-2014, 00:56 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سراويل "جينز" خاصة للمصلين تثير جدلا واسعا في باكستان (Re: osama elkhawad)

    عزيزي ابو الريش
    سلامات
    اعود مرة أخرى لمداخلتك التي قلت فيها الآتي:

    Quote: أستاذ المشــاء،
    سلام، وقبل يومين انا ختيت عنوان بنفس (القطعتين) ديل، ووجدت معارضـة قوية حتى غيرت العبارة.. ولكن انت وضعت ذات الكلمة في اطار (علمى) فصارت مقبولة..

    نحن العنقالة ديل الله لينــا


    اظن انك تقصد بوستك الذي كان معنونا ب "قالو الشقي تعترولو بيوضو".

    يمكن مراجعة رابط بوست محسن خالد "الامثال السرية":

    أمثالنا السرية ومفاتيح ثانية (بوست حذفته إدارة فور أوول)

    السرد يستفيد من "العلم" و لكن لا يضعه في اطار علمي.فالسارد يتلاعب بالمكان و الزمان و اللغة و حتى العلم نفسه.

    إليك خبر عن لباس آخر،يختلف عن لباس "المعارين".


    و أدناه تغطية الجزيرة لخبر السروال الجديد:


    أثارت سراويل جينز صممت خصيصا للمصلين المسلمين ردود فعل مختلفة في باكستان.

    وقد صممت شركة ايطالية السراويل التي أطلق عليها اسم "القدس جينز" لتكون واسعة وبخصر عال لتوفر للمصلي حرية الحركة أثناء ركوعه وسجوده.

    وقد زود الجينز بجيوب إضافية لوضع النظارات والمسبحة وغيرها، كما خيطت حوافه باللون الأخضر.

    وقالت الشركة الايطالية المصممة إنها اختارت مدينة كراتشي جنوب باكستان كموقع لمصنع إنتاج الجينز البالغة كلفة إقامته مليون يورو، حتى يشارك المسلمون بعملية إنتاج السروال الذي سيرتدونه.

    ولم تطرح السراويل بعد في أسواق باكستان. ويبلغ ثمن الواحد منها 25 يورو أي ما يعادل نصف الراتب الشهري للمواطن الباكستاني.

    وكان حزب الجماعة الإسلامية أعلن في الثمانينيات أن الجينز لباس غير مقبول. ولكن في كراتشي التي تعتبر أكثر المدن الباكستانية تنوعا، قال بعض المتدينين إن الطراز الجديد من الجينز ربما يلقى قبولا.

    من جهته أشاد المفتي الأعلى رافي عثماني بفكرة الجينز الجديدة، إلا أنه قال إن اسم الجينز "القدس جينز" ليس مناسبا.*

    http://www.aljazeera.net/news/pages/90929bce-1e11-4c29-8ed7-30845c4f3f0f
    ____________________________________________________________________________________________________
    ‘ مزيد من التفاصيل تجدونها في تغطية "العربية" لخبر سروايل الجينز الخاصة للمسلمين:

    سراويل جينز خاصة للمصلين المسلمين تثير جدلا واسعا في باكستان
    ما بين مؤيد لارتدائه ومعارض له
    السبت 22 ربيع الثاني 1427هـ - 20 مايو 2006م

    كراتشي- اف ب
    أحدثت سراويل جينز صممت خصيصا للمصلين المسلمين لتوفير الراحة لهم أثناء أدائهم الصلاة، ردود فعل مختلفة بين المتشددين في باكستان حيث تنتج هذه السراويل.
    وقد صممت شركة إيطالية السراويل التي أطلق عليها اسم "القدس جينز" لتكون واسعة وبخصر عال لتوفر للمصلي حرية الحركة أثناء ركوعه وسجوده. وزود الجينز بجيوب إضافية لوضع النظارات والمسبحة وغيرها كما خيطت حوافه باللون الأخضر.
    وقالت سوزانا كافالي المسؤولة عن إنتاج "جينز القدس" إن "الفكرة وراء الجينز ليست سياسية أو ايديولوجية أو دينية، بل أنها تتعلق بالثقافة".
    وقالت الشركة الإيطالية المصممة للجينز إنها اختارت مدينة كراتشي جنوب باكستان كموقع لمصنع إنتاج الجينز البالغة كلفة إقامته مليون يورو حتى يشارك المسلمون في عملية إنتاج الجينز الذي سيرتدونه.
    وصرحت كافالي خلال زيارتها أخيرا للمصنع "رغبنا في أن يتم إنتاج الجينز بايد إسلامية مع الأخذ في الاعتبار الجوانب التجارية وتلك المتعلقة بالتكلفة".
    ولم تطرح السراويل بعد في أسواق باكستان المحافظة. ويبلغ ثمن السروال الواحد 25 يورو أي ما يعادل نصف الراتب الشهري للمواطن الباكستاني.
    وقد أثارت تلك السراويل ردود فعل مختلفة. فقد قال مونار حسن الأمين العام لحزب الجماعة الإسلامية أكبر حزب إسلامي في باكستان "إن الشباب المسلم لا يهتمون بالقضايا ال########ة مثل الملابس عندما يؤدون الصلاة. هم مترفعون عن أمور كهذه".
    وأضاف "أن الشباب المسلم يحب ارتداء الجينز، إلا أن من صمم هذه السراويل الجديدة قام بذلك لأسباب تجارية".
    إلا أن منتجي السراويل قالوا إن الفكرة من طرحها ليست فقط محاولة الاستفادة من سوق غير مطروق في عالم يعيش فيه أكثر من مليار مسلم، بل كذلك الايفاء باحد احتياجات السوق مع مراعاة الحساسيات.
    وكان جورجيو لوتا الملياردير من شمال شرق إيطاليا وراء فكرة "جينز القدس". وقالت كافالي "عندما شاهد لوتا صورة في مجلة إيطالية لمسلمين يؤدون الصلاة وكانوا جميعا يرتدون الجينز، نقل فكرته إلى صديقه مصمم الازياء لوكا كورادي أحد أبرز الاسماء في صناعة الموضة في إيطاليا".
    وأضافت أن 10 آلاف جينز من هذا النوع بيعت في إيطاليا عندما تم طرح مجموعة تجريبية منها في متاجر كارفور الفرنسية".
    وقالت كافالي إنها تتوقع أن يكون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أهم الأسواق كما ستستهدف الشركة أسواق آسيا وإفريقيا. وأكدت "لقد تسلمنا طلبا من الولايات المتحدة بمليون بنطلون جينز ونتوقع عددا أكبر من الطلبات من ذلك السوق".
    ويتوقع أن ينتج مصنع كراتشي 15 الف بنطلون في الشهر ليعزز قطاع الاقمشة المهم في باكستان ويوظف نحو عشرة آلاف عامل. وقال العامل عبد الرؤوف (28 عاما) "لقد منحنا المصنع شروطا جيدة جدا ورواتب جيدة وغير ذلك من المزايا"، مضيفا أن المصنع يوظف الرجال والنساء.
    ولم يسمح مدير المصنع والشريك المحلي فيه زبير جيلاني للمراسلين الصحفيين بدخول المصنع، موضحا أنه لا يرغب في الدعاية للمصنع لأسباب أمنية. وكان حزب الجماعة الإسلامية أعلن في الثمانينات أن الجينز لباس غير مقبول، ولكن في كراتشي التي تعتبر أكثر المدن الباكستانية تنوعا، قال بعض المتدينين إن الطراز الجديد من الجينز ربما يلقى قبولا.

    وقال امير وجاهات الناشط السابق في الجناح الطلابي من الحزب "أنا لا ارتدي الجينز تطبيقا لنصيحة الحزب، ولكن يبدو أن الجينز لم يعد مرفوضا كما في السابق، حيث أرى نشطاؤنا يرتدون الجينز ويحبونه".
    وأشاد المفتي الأعلى رافي عثماني بفكرة الجينز الجديدة إلا أنه قال إن اسم الجينز "القدس جينز" ليس مناسبا.

    وأوضح عثماني الذي يدير واحدة من أكبر المدارس الإسلامية في باكستان "اعتقد أن تسمية الجينز باسم هذا المكان المقدس عمل مسيء، واعتقد أنه اسم غير مناسب".
    وقال "إن إنتاج الجينز جهد مشكور، إلا أن هذه السراويل يمكن أن تكون أكثر قبولا لدى المسلمين اذا تم تغيير اسمها مع التركيز على مزاياها".

    وأشارت كافالي إلى أن "الاسم اختير كرمز للسلام لأن المدينة مهمة بالنسبة للاديان السماوية الثلاث". وأضافت "أن القدس مدينة مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود وهي أساس لتحالف الأديان والثقافات الثلاث".
    http://www.alarabiya.net/articles/2006/05/20/23906.html

                  

06-08-2014, 00:33 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سراويل andquot;جينزandquot; خاصة للمصلين تثير جدلا واسعا في باكستان (Re: osama elkhawad)

    النسخة الثانية من "بنك بجنب الخصيتين" التي نشرت هنا في سودانيزاونلاين مسلسلةً ابتداء من 14 مايو 2006.

    المفارق الفكهة

    موت مدرس متجول
    *******
    "يا للأسف!ماذا يفيد هذا الرواح والمجيئ,وماذا ينفع هذا التعب؟وهذه المغامرة،عند أقوام غريبة,ما ذا تنفع هذه اللغات التي تغص الذاكرة بها,وهذه الهموم التي لا تعرف أسمالا،اذا لن يكون بمقدوري،ذات يوم،بعد عدة سنوات،أن أستريح في مكان يعجبني ولو قليلا،وأن أجد عائلة،وأن يكون لي طفل على الأقل،أقضي بقية حياته في تربيته حسب أفكاري،وفي تربيته وتسليحه بالمعرفة الكاملة التي يعرفها عصره،و أن أراه يصير مهندسا مشهورا، ورجلا نافذا وغنيا بواسطة العلم؟ولكن من يعرف عدد الأيام التي سأقضيها في الجبال هذه؟يمكنني أن أختفي وسط هذه الأقوام دون أن يبلغ خبري".
    من رسالة لرامبو الى أهله,كتبها في هرر في اثيوبيا بتأريخ السادس من مايو 1883 م
    ********
    لم يدر بخلد "سعيد الطيب" ، أنه سيستحضر في لحظة من لحظات حياته المهرولة بين القرى والبلاد النائية،وباختصار "الجحور العربية النائية",كل تفاصيل سنوات حياته الأربعين.ها هي اللحظة قد دنت،وهو مسجى الآن بمفرق(س) الذي تتفرع منه طرق وشعاب كثيرة تؤدي الى هذيان طويل طويل طويل. ها هو الآن مغطى بشوال سكر قديم،وحوله كتبه التي تناثرت في تضاريس المفرق الذي اكتظ بأشخاص يلقون عليه نظرة اشفاق بعد أن دهسته سيارة مسرعة.
    ...وهكذا تلونت المفارق أمام روحه,وهي تسرع الخطو على رصيف شهيقه الأخير.وبالفعل كان "سعيد الطيب" سعيدا معلقاً في برزخ ما بين الحياة والموت. كان مولعا بالسرد.لكن بعد فشله في أن يصبح قاصا أو روائيا غير مشهور،كان يتمنى أن يمتهن عملا يوفر له فيوضا من السرد,والاستماع الى سرد الآخرين والرد عليهم,كأن يكون محللا نفسيا أو أختصاصيا اجتماعيا.وقد صرف النظر عن ذلك لأنه لا يستطيع أن يوفر قوته الضروري من الاستماع الى والرد على تداعيات البشر.
    و ها هي الفرصة أخيرا قد واتته ليحقق أمنيته في ذلك البرزخ الضيق الذي يأمل أن يملأ به ما فاض من مفارقه الفكهة.

    -1-مفرق الهرولة العربية:

    كغيري من زملائي الذين أكملوا دراساتهم الجامعية,تلبستني رغبة الهرولة بين المفارق العربية بحثا عن المال.لم أجد هنالك ما أفعله سوى أن أعمل مدرسا,وهي أي التدريس مهنة ,لم أكن أتصور أن أرتبط بها بهذا الدفء الدخيل الذي أحسه،وأنا انتقل من من مكان الى آخر حاملا طبشوري وأوتار صوتي بين أقوام لا يدرون لماذا يتعلمون,وكيف يتعلمون،ولذلك كنت مجبرا على تدريس مواد لا أفهم عنها ما يميزني عن تلاميذي,لكنني كنت مجبرا على الانصياع الى القاعدة العربية الجحرية الذهبية التي تقول أن المدرس الناجح جدا هو من يستطيع أن يتواءم حسب النقص الموجود في المدرسين.بسرعة اكتشفت أنهم يريدون فصولا مليئة بمعلمين و طلاب,والمهم في كل ذلك هو سد النقص لا غير.فهم يعرفون ان النتائج مضمونة بحسب ما يقول به أصحاب الشأن.لم يكن بامكاني التهرب من ذلك،ففي ذلك خيانة وطنية –حسب ظني البائس ذات مساء غير ممطر-فكل المسؤولين العرب في تلك الجحور العربية-كانوا يسردون لي قائمة طويلة من أسماء المدرسين السودانيين الذين كان بامكانهم تدريس جميع المواد باقتدار وتمكن.
    وهكذا، حفاظا على تلك السمعة الطيبة،كنت "أباصر" الأمر ،اعتمادا على معلوماتي السابقة و اطلاعي،و اعتمادا على أن هؤلاء القوم لا يدرون لماذا يجب أن يتعلموا,وكيف.و انطلاقا من ذلك الفهم العربي الجحري للتعليم,صرت معلما شاملا يهرول بين مختلف فروع المعرفة،في خمول خفي،ونشاط دعي, يرضي طموح المدراء الجهلة في ملء الفصول وفراغ التلميذ.
    عندما غدا المدرس لاعبا أو مفرق الرياضة:

    كان مفرقا عابثا أن أتحول من شخص خامل الى لاعب قدير,و أنا الذي لا تربطني بالرياضة أدنى صلة,ذلك أن تقوس ظهري الواضح للعيان,ينفي أية علاقة لي بالرياضة و الرياضيين,وما أزال أكن بغضا عميقا لذلك المقعد الذي أورثني ذلك التقوس حين ضاع كرسي في المرحلة الابتدائية,فاضطررت الى الجلوس على مقعد يشبه مقاعد البارات والتي هي بلا مسند للظهر.كنت أكره ذلك التقوس,اذ أنه دائما ما يجعلني أبدو أكبر كثيرامن عمري.ذلك التقوس لم يعجب إلا "حبب" التي باحت لي –وهي متلاحقة اللهاث-أن إنحناءة ظهري هي أول ما جذبني اليها,فهي قد توصلت من خلال ملاحظاتها وقراءتها العميقة،الى اكتشاف مذهل.فهي قد توصلت الى أن من العلامات المميزة للانتلجنسيا إضافة الى الصمت والسرحان الطويل,الانحناءة الخفيفة للظهر.
    ما خلا كلام "حبب" الظريفة,فانني كنت أعتقد أنني قطعت كل صلاتي بالرياضة,لكن المدراء الجهلاء في تلك الجحور العربية,كانوا يذكرونني دوما بأنني لاعب ماهر ,وأشبه لاعبي كرة القدم بالتحديد.فهم كانوا يصرون على أنني لاعب ممتاز,يلعب على كل الحبال.والحقيقة تقول أنني كنت لا مبالٍ بما يدور بينهم من خلافات،واستحالة العثور على أي منطق عقلاني ولو بسيط,ففي غمرة انشغالهم بالتناطح حول الكراسي الادارية "الملخلخة"،كنت لا أبدي مواقف واضحة لأنني لا أفهم ما يدور ,كما أنهم حين يحاولون استمالتي الى جانبهم،كانت مواقفي الجاهلة واللامبالية،توحي لكل الأطراف المتناطحة أنني أتخذ سرا مواقف مناهضة لهم،ولذلك كنت أبدو أحيانا (لاعبا على الحبلين),وأحيانا على الحبال الثلاثة,و مرات أبدو لاعبا على كل الحبال.
    وما عزز من قناعتي بتحولي الى لاعب،ما يدور في بداية كل عام دراسي من اجراءات عقيمة,وكان عاطف الساخر يسميها "فك التسجيلات".وهو تشبيه صائب,فمثل لاعبي كرة القدم كنا نصطف ونهرول في دهاليز مكاتب التعليم،بحثا عن مدرسة جديدة،بآمال مبعثرة،وعرق غزير ،وتعب واضح من أثر الهرولة والنقاش العقيم مع المسؤولين الجهلة.
    مرةً تم تسجيلي في وقت واحد في ناديين،أقصد مدرستين,ولم أكن أدري بذلك,وعندما أتيت لاستلام راتبي،تم توقيفي لأنني أصرف راتبين في وقت واحد.حين قرروا تقديمي الى المحاكمة بتهمة الاختلاس وتزوير أوراق رسمية,تدخل فجأة احد الكائنات اللامرئية،والتي تظهر أوان الزنقة في ممرات مكاتب وزارة التعليم.تحدث الى بصوت خفيض،لكي يؤكد تأثره ،وتعاطفه مع قضيتي.وبرر تعاطفه معي,بأنه يحب السودانيين,لأنهم "أحسن ناس"،لذا فهو متأكد من براءتي،وأنه سيخلصني من تلك الورطة،بأن يسجلني في مدرسته،على أن أتنازل له عن ربع راتبي،نظير الرشاوى التي دفعها .وافقت فورا ,وهرولت خلفه.
    *عندما بدا المدرس مالكا للجن أو مفرق الكتب:

    لم أكن أدري أن هنالك علاقة وثيقة بين الجن والكتب،الا عندما هبطت "النجيبة" تلك القرية النائية في سهول تهامة,احم أكياسا من الكتب.كنت آمل أن تفيدني الكتب بعض الشيئ في مشروعي الجديد لتلطيف بؤس الحياة.فقد توصلت الى ان الحياة ذات نسق واحد له طابع تراجيدي .لا أدري أين قرأت هذه الفكرة ,لكنني كنت أجدها مناسبة تماما لوصف حياتي المهرولة.وقد اكتشفت ان الكتب في علاقتها بالوقت ،تجعل الحياة اقل مللا وبؤسا.لم يزعزع من تلك القناعة ما قاله صديقي السفوري معلقا على علاقتي بالكتب"ان مواجهة الريف العربي الكئيب ،لا تتحقق بالكتب وحدها،فتلك المواجهة تحتاج اضافة الى الكتب،الساتلايت،وزوجة ،ومجموعة من قحاب القرية،وخمرا،وأشرطة موسيقية وسينمائية" ثم أردف قائلا-وكانت عيناه تلمعان بوميض ما- " ..وخيالا روائيا...".

    مصداقية كلام السفوري وايماني بجدوى الكتب ،لم يصمدا حين سمعت تهامس القرويين أوان وصولي الى ذلك الجحر العربي,وأنا أحمل أكياسا من الكتب.كان التهامس يزداد كل يوم،وأنا لا أجد له سببا مقنعا،الى أن التقاني أحد القرويين ،وطلب مني في توسل والحاح بأن أكلم ملك الجن والتمسه لحل مشكلة تخصه،وحين سألته"و ما علاقتي أنا بالجن؟"،فقال لي متعجبا "وهل يملك الجن إلا أصحاب الكتب؟؟إن آخر مالك للجن كان يملك عشرة كتب،وأنت تملك أكثر من مائة كتاب!!!..أزعجتني الفكرة،فانسحبت بهدوء دون كلام ،ومضيت مترنحا،لكنه لاحقني قائلا في ثقة "ان مشيتك المترنحة، و أنحناءتك الواضحة تدل أن الجن أيضا راكبك"....

    *عندما تمترس المدرس بالخيال الروائي:

    لم تكن الكتب مفيدة فقط في تخفيف قسوة الحياة في الجحور العربية الكئيبة،بل ساعدتني في قبول حياتي,و في تخطي كثير من الحرج الاجتماعي.كل الكتب ليست مفيدة في تلك الأجواء العربية الخانقة.لذا صرت أقلل من قراءة الكتب ذات الطابع الحداثوي,حتى لا أشحن لا وعي اللاشعوري بذلك. وفي المقابل أكثرت من قراءة الروايات.فالخيال الروائي قد أفادني كثيرا في تقبل حياتي المبعثرة بين الجحور الريفية العربية،كما أنه أفادني في خلق صورة لنفسي تجعلني مقبولا كفأر محترم في تلك الجحور العربية.وفي كلا الحالين ، كنت أتحول الى سارد.
    وللتدليل على قوة الخيال الروائي،سأذكر كيف ساعدني ذلك الخيال الروائي في قبول حياتي الجحرية.كنت أنام على سرير بال "مهتوك"،يكاد يصل عجيزتك بالأرض,لذلك صرت أقنع نفسي بأنني أنام على أرجوحة تشبه تلك الأراجيح المبثوثات في روايات أمريكا اللاتينية، إلا أن أرجوحتي لا تمني نفسها بعطر حسناء,أو ملمس عجيزة ممتلئة،إنها فقط تحتفي فقط بعجائز المدراء الجهلة ،وهو ما يعطيني شعورا بالمساواة،إذ أن مستقبل عجيزتي مشابه لمستقبل عجيزة مديري،لذلك فاحتمال أن تلدغ عقربةعجيزتي ، مساو تماما لمصير عجيزة المدير.
    الخيال الروائي خلق وظيفة أخرى لحبال البلاستيك التي أعلق عليها ملابسي.فتلك الحبال البلاستيكية أصبحت تفوح برائحة التراث،وترتدي طابعا فولكلوريا,وأحياناً طابعا إستشراقيا معجبيا، يرجع بها الى مرحلة ما قبل اكتشاف "الحمار".

    أما على صعيد تجنب الحرج الاجتماعي،في مواجهة السؤال الأساس للفئران العربية التي تقابلني:متزوج؟؟؟",وهذا هو سؤال الفئة الواعية المهذبة،أما الأغلبية فتعمل خيالها في صلف:
    إمتي حتجيب العائلة؟؟

    ساعدني "الخيال الروائي"،على إصلاح خطأ اجابتي للجماهير الجحرية.
    كنت في البدء أوكد على عزوبيتي،وأدافع عنها بأثر العوامل الاقتصادية ،والاجتماعية في عدم دخولي القفص الذهبي.مثل ذلك الرد كان قاتلا ,بل وفتاكا،إذ لم يلق الفضوليون القرويون أي أهتمام لاجاباتي المتحذقلة،بل أنهم لم يفهموا سوى أنني خطر على نسائهم،في تفسير،وفي تفسير آخر ،وخطر على أطفالهم،خاصة ان نسبة التحرش والإعتداء الجنسي على الأطفال ،نسبة كبيرة جدا.
    بعد ادراك لخطأي ذاك،قمت بشحذ خيالي الروائي,والاستفادة مما قرأته من روايات لخلق عائلة وهمية بأسماء أطفال ،وأحاول خلق علاقة بين أسمائهم ومدلولاتها،كي لا أنساها.وبعد تأمل مرتبك،توصلت الى عبلة وعنتر،فالارتباط بين الاسمين يسهْْل حفظهما،كما أن تقليل عدد أطفالي يقود الى تمييز عن ثقافة القطيع الجحري،ويتيح لي فرصة الكف عن الكذب،والتعبير عن نفسي،اذ انني كنت متضايقا من سردي الكاذب.

    وللاحتفاظ بصورة نفسي في نفسي،اخترعت شخصيات وهمية تروي ما أفكر به واعتقده،للتحايل على العقل الجمعي الجحري،وما يتبقى من أكاذيب أدخلها في باب التدريب على السرد عبر اعادة تركيب ما قرأته من قصص وروايات وكتب أخرى وما شاهدته من سرد مصور عبر الأفلام والمسلسلات التلفزيونية. كل تلك المنتجة والكولاجات ،كانت تعطي حياتي الرتيبة نكهة السرد الفواحة.كان ذلك الاحتفاء العصابي بالسرد،يعطي لحياتي الرتيبة اكسيرا يوميا أواجه به أشباح الموت في شكلها الجحري العربي.كما يوفر لي فرصة أخرى،أقنع بها نفسي –خفية-بتبريرات ما لاحجامي عن الزواج.كنت أخترع شخصيات من "المجتمع الصفوري",تعكس نيتي الطيبة في عدم جر آدمية أخرى وآدميين آخرين للعيش في هذا البؤس الملطف بالقسمة والنصيب.كنت لا أركز على فوضى العازب،وإنما على فوضى الحياة المهرولة بلا معنى.لكن في المقابل على أن أعترف أن وضعية المتزوج التي أتصنعها،تعطيني مكانة تبعد عني كثيرا من الشكوك والظنون،كما تتيح لي فرصة التحدث مع مدرسين آخرين لا يملكون هموما معرفية،كما غيرهم من "الفلاشا".فهم ،أولئك النفر من "الفلاشا"،يعتبرون الهموم المعرفية أقرب المسالك الى الجنون،وفي درجة أقل من ذلك،أنها مفسدة للحياة.

    قادتني أعتراضات "الفلاشا" اللامعرفيين،الى إعادة النظر في ما أحمله من تركيب عقلاني،نتج عن تأثري بالثقافية "المروقية" مثل كثيرين من جيلي المتطلع الى حياة تليق ب###### أمريكي.فقد اكتشفت من مآزقي المتتابعة،أنني كلما ازددت عقلانية،كلما قذفت بي ا لأيام الى هامش ضيق من المكان والزمان.فابتدأت أعتقد أن قليلا من "العرقلانية"،وما شجعني على ذلك أنني لست وحدي في هذا المنحى الجديد وسط أبناء جيلي.فقد كتب لي "مروقي" عريق في "المروقية":
    "انني أبحث منذ زمن طويل نسبيا،عن كتاب "علم الجفر" ولكن بخط اليد،وسأسافر الى سواحل البحر الأحمر –كما قيل لي-لشرائه لأهدي به الشباب الضالين من أبناء جيلنا".

    أما أنا فكنت أبحث عن شيئين:المال والصفاء النفسي لأبعد عن نفسي هاجس الانتحار الذي يراودني من حين لآخر.فعدت أقرأ "مجربات الديربي الصغير والكبير" و "أبو معشر الفلكي" و “The miracle power of believing” ،حتى أتواءم مع أصولي الريفية و فكرة "الطابع التراجيدي للحياة".

    *مفرق الأبراج: أو عندما أضحى المدرس دلواً:

    أنا من مواليد برج الجدي،وأعرف من قراءاتي في علم الكف والتنجيم أن مواليد هذا البرج ينسجمون مع مواليد برج الدلو.لم أحاول قط في حياتي ،أن أتأكد من صدق هذه المقولة،لكنني جربت-بدلا عن ذلك –محاولة الانسجام مع الدلو نفسه.فقد قدر لي أن أهرول في جبال نائية مليئة بالصمت والقمل والجهل والنسيان.كنت أصعد إلى جبلي بدلو،ولا أهبط من الجبل الا في نهاية العام الدراسي.كان الأمر في البدء مزعجا،لكنني كعادتي الجحرية،جعلت من تلك الرحلة فرصة لسرد تفاصيل حياتي الى نفسي المسكينة.والأغرب من ذلك ،أن علاقة الالتصاق بالدلو،تحولت الى تقمص كامل لصديقي الدلو.فقد عملت في منطقة تسمى "الآبار السبعة" والتي يقطنها بدو شرسون.

    كنت ضحية عادتهم الكريهة في تضييع الأختام والأوراق الرسمية.فتارة أنقل الى "بئر الغنم" ،وتارة أخرى الى "بئر معمّر"،ثم بعد اسابيع الى "بئر عز الدين".استفزني هذا الرحيل العشوائي بين الآبار البدوية،فقلت للمسؤول البدوي"أنا انسان،ولست دلوا تلقون به كيفما اتفق في آباركم المالحة".لم يفهم كلامي ولا سبب احتجاجي،لكنه أحس باهانة كبرى،فقال لي وهو يتحدث كشريط مسجّل"آن في هذا إهانة كبرى لأول جماهيرية في التاريخ،حررت الانسان ،وبدأت مشروع بناء المدينة الفاضلة،وهي على أعتاب بناء الانسان النموذجي السعيد،يا أستاذ "سعيد"....."ثم أخذ ورقة،كتب عليها بعض الكلمات بخط قبيح ولغة لم أفهمها،وأرانيها كي أوقع.اعتذرت عن التوقيع لأنني لم أستطع قراءة المكتوب لنسياني للنظارة.فهم كلامي،وعلى الفور نهرني وهو يأمرني بالذهاب الى "البئر الأعوج"،وهددني بتشديد المراقبة على،ثم أعطاني نسخة من "الكتاب البنفسجي".حملت الكتاب،قلبته كثيرا،ولم أفهم لماذا سميت هذه الصفحات المليئة بالبديهيات "كتابا".حاولت أن أفهم مدير المدرسة البدوي،وهو من الثوريين الذين يؤمنون بمقولات "الكتاب البنفسجي"،انني أجد صعوبة كبيرة في فهم الكتاب،فأرشدني الى شروحات "الكتاب البنفسجي" التي ستجعل منك إنسانا بعد أن كنت دلوا،وأعقب كلامه الأخير بابتسامة عديمة المعنى،لكنني بادلته الابتسامة،لأن نكات المدراء دائما مضحكة.

    كانت "الشروحات" تتألف من عشرة مجلدات ضخمة.وكانت المجلدات ذات ورق صقيل وأغلفة فاخرة مذهبة.من أول وهلة أدركت أنني لن أستطيع قراءة تلك الشروحات،ومن ثم لن أفلح في التحول من دلو الى انسان.قنعت بهويتي الدلوية الجديدة،وراهنت على ايجاد فهم خاص للكتاب البنفسجي الذي لا تزيد صفحاته عن مائة صفحة من القطع الصغير ،ومكتوبة ببنط كبير يصلح لضعاف النظر.وغمرني فجأة شعور طاغ بأنني سأجتاز التفتيش بنجاح.

    ضحى يوم غائم،حضر المفتش.كان يرتدي سروالا طويلا أزرقا وقميص بنفس اللون،وهو زي لشيوعه لا يجعلك تفرق بين الخفير وبين المدير.رحبت به أمام الطلاب واشدت بقدراته التي لا أعرف عنها شيئا.نهض في تثاقل وجلافة،وشكرني في حياء مختلط بغلظة واضحة على وجهه المتهدل،مثل وضوح رائحة فمه الكريهة.تحدث عن مفهوم المساواة في "الكتاب البنفسجي"،وأمرني بتوضيحه للطلاب.
    تنحنحت قليلا،وأمنت على أهمية مفهوم المساواة وأهمية "الكتاب البنفسجي" كمرجع واحد أحد في هذا العصر الجماهيري الذهبي،وخطر ببالي فجأة أن أحلي كلامي باستغلال موهبتي المدفونة في السرد،وابتدرت حديثي الى الطلاب هكذا بصوت مؤثر:
    في يوم من أيام الصيف المطيرة،ذهب الأسد ملك الغابة..."هب المفتش من مقعده ثائرا و هو يقول مرتجفا من الغضب"نحن يا أبنائي الأعزاء في عصر الجماهير،ولا يوجد لدينا ملوك في نظريتنا العالمية".
    قلت مصححا في مسكنة متلعثمة" ولكنني ...."،
    فقاطعني هائجا:
    "أبنائي الأعزاء،ان الجماهير هي صانعة الثورات وقاطرة التغيير،وان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها،وكذلك الأسود اذا دخلت الغابات."
    ثم أنهى الحصة واقتادني الى مكتب ناء،وقال لي في رثاء واضح"أدرك حداثة عهدك ووجودك في هذه البلاد،ومثل ذلك الكلام الذي قلته للطلاب سيقطع رزقك.سأنقلك الى "بئر العسل،فالمدير هنالك طيب ومتفهم للبرانيين من شاكلتك,وسيغفر لك مثل هذه الاخطاء".
    شكرته في مذلة،وأنا أفكر في طريقة ما للتخلص من هذا المأزق الدلوي.

    بعد أسابيع من حديثي مع المفتش،تخلصت من ذلك المأزق،لكن لعنة الدلو انتقلت معي عندما غادرت المجتمع النموذجي السعيد متوجها الى البلاد السعيدة.

    تم قذفي الى إحدى المدارس في قرية جبلية وعرة.كنت أعرف من الكتب المدهشة ذلك الارتباط سابق الذكر بين مواليد برج الجدي والدلو,لكنني لم أكن أتصور أن تلك العلاقة ستتطور الى علاقة شخصية مع الدلو نفسه.ففي تلك القرية الجبلية كان الدلو هو الوسيلة الوحيدة للمواصلات،وبواسطته كنا نعرف كثيرا من الأحداث المهمة لحياتنا الجحرية الجبلية،وكنا لا ننزل من الجبل الا لمهام جليلة مثل صرف المرتب.ولذلك كانت مناداتنا لركوب الدلو أمرا يسر البال.وبحسب لغة لاعبي الكنكان،فان نزلات صرف المرتب أثناء العام الدراسي هي تعريجة،اما النزلة الأخيرة فتسمى نزلة مصحوبة بفكة تيكتين والقفول انتظارا للخمسين أي صرف الدولار.

    *مفرق المعاهد أو "الحلومر" في خيبته :

    طيلة عملي في البلاد السعيدة،كنت أعمل في مدارس وزارة التربية،وهي تختلف عن "المعاهد العلمية"،وان كان أن المرتب واحد.والمعاهد العلمية كما يرى المدافعون عنها لا تختلف عن مدارس الوزارة إلا في تكثيف منهج اللغة العربية و التربية الإسلامية لزيادة الاهتمام باهم مكونات الثقافة الاسلامية.ويرى آخرون أنها انشئت لمواجهة المد اليساري في الجزء الجنوبي من البلاد السعيدة.

    وقد جعلتني خلفيتي "المروقية" نافرا من تلك المعاهد.وظل هذا النفور قائما الى أن تعرضنا ذات مرة مُرة الى التفنيش ،وهي كلمة محورة عن الانجليزية والمقصود بها تلطيف عملية الاستغناء،والذي هو بدوره حسب خبرة الفلاشا وخاصة المعارين منهم،ليس نهائيا،وهو ناتج عن الربكة الادارية المريعة في البلاد السعيدة.ولذلك كثيرا ما كان يتم ارجاع المفنشين الى أعمالهم باسمين،ومثل هذا الاجراء كان يسمى بالحلو مر.

    لكن الأمر في تلك المرة المُرة لم يكن "حلومرا".ولم يكن من بد سوى التقديم للعمل في المعاهد.لم يكن اتخادي لقرار التقديم سهلا،خاصة بعد التهكمات التي صدرت من بعض زملائي عن جدوى الكتب.وهو سؤال أربكني كثيرا،إذ كنت دائما أكتشف الفارق الضخم والخرافي بين حياتي والحياة التي تحكي عنها الكتب المدهشة.وكانت روحي "المروقية" تتأزم ،كلما اكتشفت أن العالم المحيط بي لا يشبه أبدا الحياة الموجودة في الكتب المدهشة.كما أن التحليلات "المروقية" التي تتحدث عن دخولنا مرحلة جديدة واقترابنا من الحياة المبثوثة في الكتب،لم ترقني،بل واكتشفت انها كاذبة.فكلما سرنا في المظاهرات الاحتجاجية على حياتنا الغير متفقة مع الحياة التي في الكتب،وكلما كثر عدد الكورالات والأغاني التي تعدنا بنوافير وبنات كالحدائق،كلما دهستنا الوحشة والكآبة.وقد توصلت الى أن الحياة التي نعيشها الآن،هي دليل دامغ على أن الشرط الوحيد لبقائنا الآن هو الابتعاد عن الحياة التي تعدنا بها الكورالات والأغاني والكتب المدهشة.

    وقد قادني اكتشاف وجود حياتين، الى أن هنالك حياة ما بين الحياتين،و أن الحياة الوحيدة الممكنة هي التي يتحقق فيها الضرب العادي من السعادة.كان توصلى الى تلك الحياة بين الحياتين مقرونا بنشوة مفككة ، وتشبه نشوة القفز من المقلاة الى النار مباشرة.وبناء على وعيي الجديد قررت التقديم للمعاهد.كان قراري ذلك قرارا تاريخيا في سيرة حياتي المترجرجة،فهو يشكل بداية دخولي مرحلة جديدة أسميتها "الاستعداد للخيبة".لكنني اكتشفت بعد ذلك ،أنني لم أكن مستعدا بما فيه الكفاية لمعانقة الخيبة.فقد رفض طلبي بحجة أنني صاحب شخصية غامضة لا يمكن تحديد سماتها بدقة،كما أنني أُكثر من اقتناء الكتب التي تحتوي على علم لا ينفع.


    اكتشف الكاتب بعد انتهائه من تدوين هذيانات سعيد الطيب،أن هنالك كثيرا من الكلمات غير المفهومة للقارئ العادي،فقام ببحث مضن عبر المقابلات الشخصية، والرسائل, والايميلات،وكان أن توصل الى القاموس التالي:

    1-الفلاشا:
    تسمية أطلقها في الثمانيننات من القرن العشرين موظفو مطار الخرطوم على المعارين القادمين من دولة عربية سعيدة،لأنهم أي أولئك المعارين يأتون ويذهبون أفواجا مرتدين ملابس رثة.وقصد بهذه التسمية عزل أولئك المدرسين عن مغتربي البلدان العربية الناعمة.
    وبمرور الأيام تم توسيع ماعون التسمية لتشمل أيضا الباحثين عن عمل كمدرسين في دواوين الوزارة بتلك الدولة السعيدة.وربما للايحاء للمسؤولين عن توظيف المدرسين الأجانب،أو لسبب آخر،يصر الفلاشا على تأكيد هويتهم السودانية بلبس العراريق المكرفسة والجلاليب المتسخة والسراويل ذات التكك المزركشة ويزينون رؤوسهم بعمم لُفت على النمط الأنصاري في أحايين قليلة.وكانوا يفضلون ،لأسباب عملية في الغالب،النمط الهلامي،وهو نمط حر ،لا يحكمه قانون،وفيه تلف العمة كيفما اتفق.
    وينتعل الفلاشا السفنجات للشعور بخفة الوجود،فالبرطعة بالسفنجات،كما يرى أحدهم من المثقفين،هي مؤشر على تفضيل الحياة في الهواء الطلق.وهذا السلوك "المنطلق"-كما يرى السفوري-هو من التأثيرات الخفية لثقافة المومسات على الحياة السودانية.فأول من برطعن بالسفنجات،كن من مومسات "ابو صليب"،و بعد ذلك انتقل هذا التقليد الى مومسات "المزاد" و "سبعة بيوت".
    لكن ذلك السلوك المنطلق،من جانب الفلاشا، يختلط باصرارهم على العيش والسير والسفر في جماعات كثيرة العدد.وساهم ذلك في اكتسابهم عادة التحدث بصوت عال.وترتفع أصواتهم أكثر عندما يركبون سيارات النقل العام.وهم عادة يتحدثون بصوت عال عن النجاحات التي حققوها في سبيل التوظيف،ويتحدثون في اقتضاب وبصوت خجول عن المضايقات التي قابلتهم في شباك الوزارة حيث يتزاحم طالبو الوظائف والمدرسون في آخر العام في طوابير طويلة لصرف مرتباتهم.وهذه الطوابير عادة ما تتمخض عن سيلان آلاف الليترات من العرق،وقليل من الليترات من الدم الآدمي إذا ما نجحت سياط الشرطة في الوصول الى أنوف وأرجل و ظهور المتدافعين.وأحيانا كثيرة تتمخض عن سقوط مئات الزراير،وتمزيق أنواع مختلفة من الملابس،وسقوط عشرات الضحايا في حالة إغماء.
    يقول الراصدون لتسمية "الفلاشا"،أن المعارين يصرون على إخراج أنفسهم من دائرة "الفلاشا".و حسب رأيهم ،فإن "الفلاشا"،تضم فضلا عن "الدخلاء على المهنة" من المتعاقدين،فئات "الخضرجية" والعتالة" و "مدرسي الابتدائيات"،الذين "تبكبكوا" في "عام البكبكة".

    2-العرقلانية:
    خلاصة ما توصل اليه "سعيد الطيب"، حين فشل في تبني استراتيجية "الضرب العادي من السعادة".وسكنت تلك الخلاصة في نفسه،ذات "طشمة"،حين كان يفكر في المصائر المستريبة التي سكنت تفاصيل هرولته العربية"التراجيكوميدية". فالحياة لا تبدو-كما توهم- سلسلة من المحاولات ا لناجحة والفاشلة معا لإعمال العقل-كما أوحت له بذلك الكتب المدهشة.إن الحياة-على النقيض من ذلك تماما-هي سلسلة من العراقيل.أنها مسير ممض من عرقلة إلى أخرى أكثر تعقيدا.وهي –أي العراقيل-تروح وتجيئ –وفقا لمنطق يجهله،ولم تسعفه الكتب المدهشة في اكتشاف ذلك المنطق.وقرّ في نفسه بعد تأمل عميق،أن قليلا من العرقلانية هو السعادة نفسها،لكنها السعادة الموسوسة المتوجسة دوما من "هادمة المسرات" :
    العرقلانية الغامضة.

    3-المعارون:
    هم كما يرى السفوري،فئة من المعلمين السودانيين كبار السن،ظهرت في السبعينيات من القرن العشرين في عدة دول عربية. وقد تكاثرت تلك الفئة عندما لم يكن بامكان "فقرا السودان" اقتسام النبقة.ولذلك صاروا من عبدة المال. وهم أول من قدّس "الدولار" في التاريخ السوداني المعاصر.ولذلك كانوا يتفنّنون في حفظ الدولار،وتفتقت عبقرياتهم عن طرق شتى للحفظ أهمها "بنك بجنب الخصيتين".
    وقد أخرجوا الدولار من دائرة النقود.ويروون في ذلك أن أحد المعارين المرضى إدعى أنه مفلس،ولذلك كان أصدقاؤه يتولون الصرف عليه في أثناء اقامته في مستشفى ما .وذات يوم سقطت منه صرة اتضح بعد فحصها إنها مليئة بالدولارات..وحين نظر اليه الحضور نظرة استنكار واحتقار،قال محتجا،والدموع تترقرق في عينيه:
    "دي ما قروش،دي دولارات"، وبالغ في تفخيم "الراء" في كلمة "دولارات"،حتى سقط مغشيا عليه.

    4-المجتمع الصفوري:
    من تخريجات "عاطف الساخر" ويقصد بها المجتمع المنعزل الموحش الذي لا يتواصل فيه الأفراد ،ولا يتأكدون من وجود ذواتهم إلا عن طريق المضاجعة.
    وقد جاءت تخريجة عاطف على وزن المجتمع الذكوري،وان كان في الأصل أنه اقتبسها من حديث إحدى المغتربات القادمات من دولة عربية ثرية،وهي تروي ما قالته احدى المغتربات من سكان الجبال العربية،وهي تحاول تلخيص حياتها الجبلية:
    "...وهكذا يتكرر هذا المشهد يوميا:
    يأتي زوجي المدرس ظهرا،فنتغدى سويا،ثم نغط في نوم متقطع حتى اذان العصر...حينذاك يخرج زوجي ليجلس على صخرة وحيدة،ثم يطلق صفارة طويلة،بعدها ينحدر آيبا لنرقد سويا،ثم ينهض،ويغتسل،ويخرج ليجلس على صخرته الوحيدة ثم يطلق صفارته المعتادة ثم يؤوب لمجامعتي.وهكذا يتكرر يوميا ما يحدث حين يعود زوجي المدرس ظهرا ....وهكذا توصل عاطف الساخر الى تخريجته تلك ،قارنا لقاء السرير والصفير بالبحث عن التواصل،وأكثر من ذلك التأكد من وجود "الأنا".
    وهذه التفصيلة الأخيرة أي "التأكد من وجود الأنا"،ليست مفهوما فلسفيا أضافه عاطف الساخر من خياله،وانما هي الجزء الثاني مما سمعه عاطف الساخر من حديث المغتربة القادمة من دولة عربية ثرية ،وهي تروي ما قالته تلك المغتربة القادمة من سكان الجبال ردا على سؤال المغتربة الثرية :
    "ألا تسأمان من الصفير والجماع؟؟"،وكان أن ردت :
    "يحدث ذلك أحيانا،وعلاجه كان سهلا أول الأمر:
    تناولنا بالتشريح والتحليل كل الذين عرفناهم حتى أنني صرت ألقبه بأبي نمام،وصار يلقبني بأم نمّام.وحين فرغت جعبتانا من الأسماء،كنا نكسر الصمت بالتسابق على فعل ما. ابتدأنا بالبكاء،وحين جفت مآقينا،تسابقنا على الضراط.وحين جفت مصاريننا كنا نرجع مرة أخرى حين يعود زوجي المدرس ظهرا الى..........."
    وما قال به عاطف الساخر ،ينسجم تماما مع ما قالته مغتربة في المجتمع النموذجي السعيد،حين سألتها مغتربة من دولة عربية ناعمة،عن حياتها هنالك, فقالت لها:
    "الأكل بطاطس، والز..................غاطس".

    5-الضرب العادي من السعادة:
    استراتيجية تبناها "سعيد الطيب"،من تعبير لبطل "البحر والسم"،لشوساكواندوا حين قال:
    "ان ما هو عادي ،يمكن أن يمنح المرء أعظم سعادة" ص 34.وقد توصل الى مغزى الاستراتيجية ومحتواها و حدودها من كلام بطل الرواية،حين قال:
    كم هو جميل أن يكون له ولد بعد فترة، وأن يستقر مع زوجته في ضاحية محدودة التكاليف،في مكان ما ،ليستمتع بضرب عادي من السعادة". أراحه هذا الاكتشاف قليلا،لكنه لاحظ أن العاديين لا ينزعجون عندما تواجههم تساؤلات أو شكوك ،بل يكتفون بأقوال مثل:
    هذا شيئ طبيعي أو "من الطبيعي أن ..." أو " ليس من العادة....". أو... . وهكذا تخلى "سعيد الطيب" عن تلك الاستراتيجية عندما عرف أن ذلك الضرب العادي من السعادة لا يهتم كثيرا ولا قليلا بما تقوله الكتب المدهشة.

    6- موسِّخ\وصيف\عبيد\عبدو:
    ألفاظ لم ترد في سرد سعيد الطيب البرزخي،ولكنها من الألفاظ التي استقرت و توطدت في لاشعوره البدوي الجحري.
    الألفاظ الثلاثة الأولى يطلقها العامة في أول جماهيرية في التاريخ على العاملين فيها من أهل السودان. فم###### تعني الأسود ذا البشرة المتسخة من كثرة السواد،وهي نقيض كلمة نظيف ،وتعني في خطاب العامة من افراد المجتمع النموذجي السعيد:ذا البشرة البيضاء.
    أما عبدو فهو اسم الدلع ل"ِعبيد".وقد تفتق خيال الأطفال الجماهيريين عن ذلك الاسم ،عندما أكثر السود الم######ون من امتشاق اسلحتهم البيضاء لدى سماعهم تلك الالفاط الكلاسيكية.

    7-المروقيون:
    هم جماعة عالمية ذات نوايا طيبة مخلوطة بنرعة علمية صارمة.وهم كما يرى السفوري أول من حاول ضبط المواعيد في السودان بعد رحيل الانجليز،ساخرين من "الصباحات الحميمة".واشتطوا في ذلك ،حتى وصل بهم الحال الى تقديس الاجتماعات والتكاليف الحزبية.واستند السفوري في ذلك التخريج على ما ذكرته إحدى "المروقيات" في نقاش عاصف ذات صحو حينما صاحت في تشنج"نحن الذين يقودهم وهج الشمس نحو صعود لا يرث الهبوط،نحن الذين على كتوفنا "مرق" الحياة إذا تراخينا خسرنا كل شيئ".
    وقد أجرى عاطف الساخر النسبة من الجمع أي "المروق"،بدلا من المفرد "المرق" للأسباب التالية:
    أ‌-ان النسبة من المفرد "المرق" أي مرقي قد تختلط بالمرق أي الحساء.وهؤلاء القوم تطهريون في علاقتهم بالمرق ،وإن كان أنهم يطالبون بأن يكون المرق للجميع،ويعتبر المرَق عنصرا أساسيا في تحليلات نفر كثير منهم.
    ب‌-أن الجمع يشير إلى أنهم لا يحملون مِِرقا واحدا.وهذا يثبت أنهم أيضا موعودون بحمل مروق أخرى لا يعلمونها،وهي تظهر فجأة عندما يتضح لهم في مسيرهم الصاعد نحو وهج الشمس،أن الحياة لا تجري حسب المخطط ذي المروق الثلاثة.

    8- الحمار:
    هو حمار الملابس.وسمي بذلك لظهره المستوي الذي يحمل أثقالا كثيرة من الملابس.وقيل للسكسكة الصادرة عنه،وهي تبدو متقطعة الصوت كما النهيق.
    وقد دخل الحمار قرية "سعيد الطيب" بعد طقم الشاي،وقبل التانج والآيسكريم.لكنه لم يحظ بالاستقبال الذي حظى به "طقم الشاي"،الذي أحضره لاول مرة،جد "سعيد الطيب" أحمد أفندي أب شبال الذي كان يعمل بالسكة الحديد في عطبرة. آنذاك توافدت الجماعات من شرق النيل وغربه من القرى المجاورة لترى الأكواب المزخرفة ذات الأحجام المختلفة ،ويتوسطها براد كبير،يشبه ديكا فيوميا،وكلها جاثمة على صينية برّاقة البياض.بدا المشهد كله للعامة جذابا ومثيرا،وشبيها بدجاج يمرح في حقل أبيض ،فأسموا الطقم "حقل الدجاج الأبيض".
    وقد جوبه الحمار باعتراضات كثيرة مثل شغله لحيز كبيروارتفاع سعره.لكن أهم تلك الاعتراضات كانت من جانب فقيه القرية الذي اعترض على عرض الملابس ،خاصة تلك التي تذكر بعورة الانسان أو تثير الفتنة،كما اعتبره وسيلة للفخفخة و البوبار واستفزاز مشاعر الفقراء المساكين.وقال أيضا أن الحمار يغير من خلقة الملابس التي أرادها الله إما ملبوسة أو متوسدة تحت الأذرع. ولذلك-قال الفقيه خاتما كلامه- فان الله قد مسخ الحمار فجعله يسكسك مثل الشباب ال########ين في الحفلات.
    لم تفت تلك الاعتراضات من عضد الحمار،بل تطور من الخشب الى الحديد بأنواعه إلى أن جاءه ملك الموت"الشماعة"،فقبضت روحه التي صعدت الى سماء النسيان.

    ملحق تفسيري للقاموس:
    زار طيف سعيد الطيب الكاتب في منامه,وأملى عليه الملحق التفسيري التالي:

    أ-بنك بجنب الخصيتين:

    هو مقابل شعري لجيب سروال المعار.ويرى "عاطف الساخر" أن سروال المعار هو من اكتشافات المعارين في تلك الدولة العربية السعيدة،حيث كان الترزية السعداء يصممون سروالا ذا جيب سري،في داخل السروال ،وقريب من الخصيتين، يدس فيه المعارون دولاراتهم في آخر العام الدراسي حين يصرفونها دفعة واحدة. وقد قال أحد المدرسين المعادين لذهنية المعارين بيت الشعر التالي في صديق له من لابسي ذلك النوع الجديد من السراويل:
    ولأنت أول منشئٍ بنكا بجنب الخصيتين فذاك فضل الله للبخلاء

    ب-الصباحات الحميمة:

    هي الصباحات التي استدعاها متحسرا السفوري المحاضر في علم التأريخ في احدى الجامعات العربية غير ذائعة الصيت،حين اشتمّ –ذات مفاجأة- رائحة صباح خائب ،ظلت تزوره بعد ذلك كل يوم،عبر ستائر غرفته المزوقة بأشعار من "العودة الى سنار" و "أمتي" و "صحو الكلمات المنسية".
    فالصباحات الحميمة كما يرى السفوري هي سلاح عامة السودانيين ذوي الأصول العربية الاسلامية ،حين تربكهم الحياة بفعل "العرقلانية"، فيهمسون الى بعضهم "صباحات الله بيض" و\ أو "صباحات الله بي خيرا".
    ويرى هو المتخصص في علم تاريخ العرقلانية، ان الصباحات الحميمة هي في نفس الوقت عامل من عوامل ارباك الحياة،في الموجة الثانية.فهي صباحات قديمة قدم الموجة الاولى،عليها هالة من قبس الألوهة ،ورذاذ من جمال الطبيعة العذراء،و فيوض من خيال القروي الساذج، وتفاؤله الغامض.

    ج-عام البكبكة:

    بحسب رواية المعارين فانه العام الذي تبكبك فيه الخضرجية و"العتالة" ومدرسو الابتدائيات في تلك الدولة السعيدة .والبكبكة تعني الحصول على درجة البكالوريوس فجأة .
    و المفاجاة في هذا السياق هي تلطيف قام به بعض الفلاشا لكلمة "التزوير". واللطيف في الأمر أنه لم يتم اكتشاف ذلك التزوير الجماعي،من قبل المشرفين على "التعليم" في القطر السعيد.

    د-الاستعداد للخيبة:

    استقى "سعيد الطيب" فكرة الاستعداد للخيبة من كلام عن المنفى للبولندي "جيسواف مييووش" في حديث ،يناسب طموحات "سعيد الطيب" عن طلب السعادة في الجحور الريفية العربية. قال مييوش في ذلك:
    "والمرجح هو هذا الوعي المتزايد ونحن نبحث عن السعادة في البلدان النائية،بأن علينا الاستعداد للخيبة،بل حتى لنشوة مفككة،نشوة القفز من المقلاة الى النار مباشرة".وبالرغم من الصدمة التي أصابته ذات معهد في البلد السعيد،فانه قد رأي أن الاستعداد للخيبة ميكانزم مهم لمواجهة العرقلانية الغامضة.
    *****************
    *****************
    -إنتهى النص بحمد الله,
    مع تحيات سعيد الطيب من برزخه, والكاتب.
                  

06-11-2014, 03:31 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المؤلف الحقيقي و المؤلف الضمني (Re: osama elkhawad)

    كتب الاستاذ محمد عباس على موقعي الفرعي في "الحوار المتمدن" التعليق التالي خالطاً بين "المؤلف الحقيقي" و "المؤلف الضمني":

    Quote:
    ( يمكنني أنْ أختفي وسط هذه الأقوام دون أن يبلغ خبري ) ... للأسف قد إختفينا بينهم دهوراً ولم يبلغ خبرنا أحد ... ربع قرن لاهم تعلموا ولا نحن غنينا ... غايتو سوينا ليهم طرق وكبارى (( يشلشوا )) فيها السيارات ... بس ما نكون مشاركين في حادث سعيد الطيب ، لو خليناهم فى طرق (( البيستا )) كان أحسن ...
    الدرداقة !! وماذا عن (( البرويطة )) ؟...كده حاول أدخلها في المعجم ... أكيد حتفتح لك باباً جديداً ..أخى أسامة هذه القطعة تحتاج لقرآة مرة أخرى حتى نلحق ببعض ما ترمي إليه ... عارف لماذا ظنوك رياضياً في البلاد السعيدة ؟ أو حتى ربما ظنوك مالكاً للجن ؟ أظن أن شعرك ما زال (( مفلفلاً )) كعهدى به أيام الجامعة ... مع السماح هذه للمشاغلة فقط ... وبعدين الحمد لله إنك كنت مظبوط على موجة الأبيار السبعة ( طبعاً ما ذكرت بئر عياد و بئر ترفاس) ، إذ كيف كان سيكون الحال إذ كنت على موجة الرؤوس مثل رأس حسن و رأس الأفعى و راس ( ما ندريش على دين أمه ) ... سلامات ... محمد عباس


    كثير من الوقائع الواردة في النص إما انها حدثت لآخرين أو سمعت قصصا عنهم أو انها من ابتكار المؤلف الضمني.
                  

07-13-2014, 10:15 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تعديل (Re: osama elkhawad)

    تعديل:

    قمتُ بتعديل "رسّام من ضفاف "السين"،

    إلى:

    "رسّام على ضفاف "السين"،

    حتى تتوافق مع مصدرها الأصلي.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de