|
Re: الثّورة و العُنف (Re: mwahib idriss)
|
الكاتب التونسى محمد ادريس فى مقال يقول
العنف وانتهاك المقدس لكسب السّلطة:
ذكرت كتب التاريخ[45] أخباراً عديدة سُفكت فيها دماء المسلمين بسبب اختلاف الرؤى السياسية، ففي القلاقل والفتن التي عاشها المسلمون في القرن الأول للهجرة وُظّفت أساليب متنوّعة لقمع الخصوم، وفي خضم تلك الأحداث تمّ انتهاك المقدّسات، فتمّ رجم البيت العتيق وقطعت رؤوس أبناء الصحابة والتابعين (عبد الله بن الزبير،...)، ونُكب آل البيت يوم الطفّ (61 هـ) في الحسين حفيد الرسول محمّد .إنّ الممارسات السياسية بدءاً من العقد الرابع (مهلك عثمان بن عفّان) وصولاً إلى العقد السّابع من القرن الأوّل للهجرة (واقعة الطّفّ/مهلك الحسين بن علي بن أبي طالب)اتّخذت أبعاداً مغايرة، إذ تمّ اعتماد العنف المسلّط على الأجساد للتّخلّص من الخصوم، وهي ممارسات كشفت عن عمق التّحولات الّتي عرفها الفكر السّياسي العربي الإسلامي، فلم يعد الدّين الجامع بين المسلمين باعتبارهم "أمّة" يشترك أفرادها في جملة من المبادئ الرّوحية، وإنّما أصبح الدين أداة يوظّفها المُنتصب على سدّة الحكم، لمنح نفسه شرعية إلهية تبرّر العنف الّذي يمارسه على الخصوم.[46] وفي هذا السياق ننزّل توظيف السياسيين للمتكلِّمَين، باعتبار علم الكلام علماً "يتضمّن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلّة العقليّة والردّ على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات من مذاهب السلف وأهل السنّة."[47] حدّد ابن خلدون (ت808هـ) في هذا التعريف ماهية علم الكلام بالنظر في آلياته (الحجاج) ومجالاته (العقائد الإيمانية) ومقوّماته (الأدلّة العقليّة) وغاياته (الرّدّ على المبتدعة المنحرفين)، على أنّ العقائد الإيمانية في الثقافة العربية الإسلامية مبحث مترامي الأطراف، تختلف حدوده من مذهب كلامي إلى آخر، فمن العقائد الإيمانية لدى الشّيعة وأهل السّنة "الإمامة" الّتي يجب إقامتها شرعاً،[48] في حين رأى الأصمّ[49] غير ذلك، فالإمامة عنده ليست من العقائد الإيمانية الّتي أوجبها الشّرع أو العقل.[50] من هذا المنظور فإنّ "العقائد الإيمانية" تطول لدى أغلب المسلمين الإشكاليات السياسية (الإمامة/الخلافة)، يضاف إلى ذلك أنّ مفهوم "البدعة" الّذي تحدّث عنه ابن خلدون مفهوم غامض بالنظر إلى اختلاف المسلمين في تحديد "العقائد الإيمانية"، فالبدعة والضلالة والفتنة....، في تقديرنا، مفاهيم دينية وظّفها السياسي للمحافظة على السلطة، وفي المقابل كان القول بـ "الجبر" وبأنّ الإرادة الإلهية هي التي تسيّر البشر صكّ براءة أصحاب السلطان. إنّ توظيف السّياسي للدّين اتّخذ أشكالاً مختلفة، تمّ في بعضها استدعاء الدين بعد ممارسة العنف على الخصوم، وفي بعضها الآخر تمّ الجمع بين ممارسة العنف على الخصوم واعتماد حججهم الدّينية للردّ عليهم، من ذلك أنّ عبد الله بن محمّد (95هـ/158 هـ) ثاني الخلفاء العباسيين سمّى نفسه بـ "المنصور".[51] أمّا ابنه أبو عبد الله محمّد (127هـ/ 169هـ) ثالث الخلفاء فسمّى نفسه "المهدي"،[52]اقتداءً بمحمّد ذي النّفس الزكية الّذي سمّاه الشيعة بالمهدي. محا المهدي العباسي ذكر المهدي الشيعي، وقطع الطريق على المهدي المنتظر، ذلك أنّ الأوّل موجود معلوم فاعل في حيوات المسلمين، في حين كان الثاني غائباً مجهولاً عاجزاً عن الفعل.
لقد قامت علاقة أصحاب السّلطة بالخصوم خلال فترات القوّة على ممارسة العنف على الأجساد للقضاء على كل معاند طامع في السلطة من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ هذا العنف اتّخذ بعداً مقدّساً عندما تمّ الزّج بالدين في الصراعات السياسية، فإذا بالعنف ضرورة فرضها الله حماية للأمة ونصرة للدّين القويم، وبهذا المعنى فإنّ الإرادة الإلهية هي الّتي سيّرت السيوف على الرقاب، وما كان بالإمكان ردّ حكم الله. ولا يفوتنا في هذا المقام الإشارة إلى أنّ اعتماد الخطاب الدّيني (الفقه، علم الكلام) لتبرير عنف المؤسسة السياسية القائمة لم يقتصر على فترة دون غيرها، بيد أنّ ما تغيّر هو طرق توظيف الخطاب الدّيني، ولعلّ أهم اللحظات التي عرفت تحوّلاً واضحاً في هذا المجال القرن الخامس للهجرة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|