النبى الانسان المؤلف: نور الدين أبو لحية .. عرفان و وجد لا جدال

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 11:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-26-2014, 07:19 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
النبى الانسان المؤلف: نور الدين أبو لحية .. عرفان و وجد لا جدال

    كانت أول بلدة حدثتني نفسي بالنزول فيها هي (القدس).. وذلك قبل أن تتدنس بالصراع وبالمصارعين الذين قدموا لها من جميع أطراف العالم، ليقتلوا السلام الذي فاح عطره في جنباتها منذ امتلأت بأهل الله من ورثة الأنبياء.
    في تلك البلدة الطيبة، وبجوار المسجد الأقصى، التقيت بأول الورثة.. وهو الوارث الذي تعلمت منه.. بل أيقنت أن محمدا r هو أعظم العارفين[1]، وأكملهم.. وأنه اكتمل له من المعرفة ما لا يكتمل إلا للإنسان الكامل الذي أنيطت به أعظم وظيفة في الأرض..
    كان اسمه جعفر، ولكن الناس لم يكونوا ينادونه إلا الصادق[2].. وقد كان له من السمت والوقار والهيبة ما امتلأت به جوانح نفسي وعقلي وقلبي.. فلذلك ما إن رأيته حتى قلت: إن لهذا الرجل لشأنا.. ولعل حاجتي عنده.
    فاقتربت منه، وأصغيت إليه، وهو يحدث رجلا لا يكاد يقل عنه هيبة، ولكنه كان يخاطبه كما يخاطب الشيخ مريده، أو كما يخاطب الأستاذ تلميذه، سمعته يقول له [3]:( يا سفيان.. إذا أنعم الله عليك بنعمة، فأحببت بقاءها ودوامها، فأكثر من الحمد والشكر عليها، فإن الله عز وجل قال في كتابه:﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )(ابراهيم: من الآية7)
    وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله تعالى قال في كتابه:﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)﴾(نوح)
    يا سفيان إذا حزبك أمر من سلطان أو غيره، فأكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة)
    انصرف الرجل الذي كان يقف بجانبه كالمريد شاكرا..
    فتبعته، فإذا برجل آخر لا يقل عنهما هيبة، يقدم عليه، ويقف بين يديه.. ومما حفظت من حديثهما أن صاحبي جعفرا سأل هذا الرجل[4] قائلا له: يا حاتم.. منذ كم صحبتني؟
    قال حاتم: منذ ثلاث وثلاثين سنة.
    قال جعفر: فما تعلمت مني في هذه المدة؟
    قال حاتم: ثمان مسائل.
    تعجبت كثيرا من قوله هذا، وقلت في نفسي: ما أعظم بلادة هذا الرجل.. يمكث متعلما طول هذه المدة، ثم لا يتعلم إلا ثماني مسائل..

    كدت أنصرف عنه زهدا فيه.. لكن فضولي دفعني لأن أسمع هذه المسائل الثمانية التي استغرق تعلمها طول هذه المدة[5].

    قال جعفر: فما المسألة الأولى؟

    قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد يحب محبوباً فهو مع محبوبه إلى القبر، فإذا وصل إلى القبر فارقه، فجعلت الحسنات محبوبي، فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي.

    قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما الثانية؟

    قال حاتم: نظرت في قول الله عز وجل:﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾(النازعات)، فعلمت أن قوله سبحانه وتعالى هو الحق، فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى.
    قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما الثالثة؟
    قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه ثم نظرت إلى قول الله عز وجل:﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ )(النحل: من الآية96)، فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الله ليبقى عنده محفوظاً.
    قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما الرابعة؟
    قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب، فنظرت فيها فإذا هي لا شيء ثم نظرت إلى قول الله تعالى:﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(الحجرات: من الآية13)، فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريماً.
    قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما الخامسة؟
    قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق وهم يطعن بعضهم في بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، وأصل هذا كله الحسد، ثم نظرت إلى قول الله عز وجل:﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )(الزخرف: من الآية32)، فتركت الحسد، وعلمت أن القسمة من عند الله سبحانه وتعالى فتركت عداوة الخلق عني.
    قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما السادسة؟
    قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضاً فرجعت إلى قول الله عز وجل:﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً )(فاطر: من الآية6)، فعاديته وحده، واجتهدت في أخذ حذري منه لأن الله تعالى شهد عليه أنه عدو لي، فتركت عداوة الخلق غيره.
    قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما السابعة؟
    قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة، فيذل فيها نفسه، ويدخل فيما لا يحل له، ثم نظرت إلى قوله تعالى:﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )(هود: من الآية6)، فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله رزقها، فاشتغلت بما لله تعالى علي وتركت ما لي عنده.
    قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما الثامنة؟
    قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم متوكلين على مخلوق.. هذا على ضيعته.. وهذا على صحة بدنه.. وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله، فرجعت إلى قوله تعالى:﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )(الطلاق: من الآية3)، فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبي.
    قال جعفر: وفقك الله يا حاتم.. لقد عرفت فالزم..
    أعجبتني أحاديث هذا الرجل.. فسرت خلفه، فرأيت رجلا شابا يقطع طريقه، كان يشبهني تماما.. وكأنه كان نسخة مني.. ومن العجب أنه كان يستعمل نفس أسلوب جدالي وحديثي.. بل كان فوق ذلك يورد ما في نفسي من الشبهات والجدل.. وكأنه أنا قد خرج من جلبابي ليمتطي جلبابه.
    قال الشاب: أراك تفرق بين المعرفة والعلم.. وتفرق بين العارف والعالم.. ولكني لا أرى الناس إلا يخلطون بين العارف والعالم، فلا يرون العالم إلا عارفا، ولا العارف إلا عالما.
    فأجابه: العلم ما استعمل عقلك، والمعرفة ما استعمل كيانك.
    قال الشاب: لم أفهم.
    قال جعفر: لاشك أنك تعلم أن النار تحرق..

    قال الشاب: لا أشك في ذلك.. ولا أظن أن أحدا من الناس يشك فيه.

    قال جعفر: فذلك علم.. وهو مجموعة حقائق تستوطن عقلك بما فيه من أجهزة التذكر والتحليل والتركيب والعبور.

    قال الشاب: والمعرفة؟

    قال جعفر: عندما تضع يدك على النار، ويصيبك من لهيبها ما يصيبك.. حينها تصير عارفا بأن النار تحرق.

    قال الشاب: تقصد أن المعرفة معايشة للمعلوم؟

    قال جعفر: هي معايشة تنطلق من يقين..

    قال الشاب: فلم كانت المعرفة أكمل من العلم؟

    قال جعفر: لأن العلم قد لا يترك أي أثر فيك إلا الأثر الذي يتركه في ذلك الحيز الضيق من عقلك، بينما المعرفة تستعمرك استعمارا، وتحتل كل لطائفك، فلا تتصرف أي تصرف إلا تحت إشارتها.

    ألا ترى أن السكير المدمن على سكره قد يكون في عقله من العلوم المرتبطة بمضار الخمر ما ليس عند من عفي من السكر؟
    قال الشاب: ذلك صحيح.. ولكن المسكين حبيس شهوته ونفسه الأمارة بالسوء، فلذلك لم تستطع معارفه المرتبطة بمضار السكر أن تحدث أثرها فيه.
    قال جعفر: لأن معلوماته لم تصر معارف.. ولو صارت معارف لتحكمت في كل كيانه.
    قال الشاب: فكيف تصير علومه معارف؟
    قال جعفر: إذا اندمجت مع كيانه، أو صارت لها السلطة على كيانه.. فحينذاك تتوحد نفسه وعقله وقلبه وروحه وكل لطائفه على مقتضيات معرفته.
    قال الشاب: لقد أشار القرآن إلى هذا، فذكر أن الكفار لم يقف بينهم وبين الإيمان برسول الله r حجب من الشبهات، بل وقف بينهم وبينها حجب من الشهوات، فقال تعالى:﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33)
    قال جعفر: وهكذا الكثير ممن تراهم يشنون الغارات على النبوة وما جاءت به النبوة.. إن أكثرهم لا يصدر في ذلك عن شبهة محترمة قد تناقش.. وإنما يصدرون عن شهوات جامحة لا يمكن السيطرة عليها.. لقد أتيح لي أن ألتقي الكثير من هؤلاء.. ورأيت منهم ما رأيت..
    قال ذلك بألم يكاد يعتصره اعتصارا، فأرادت الشاب أن يغير مجرى الحديث، فقال: فالمعرفة إذن يقين، تنطلق منه معايشة!؟
    قال جعفر: أجل.. فلا يمكن لليقين الذي ملأ كيانك إلا أن يملأ جوارحك، فلا تتحرك إلا بصحبته، ولا تسير إلا على هديه.
                  

10-26-2014, 07:24 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النبى الانسان المؤلف: نور الدين أبو لحية .. عرفان و وجد لا جدال (Re: mwahib idriss)

    1 ـ اليقين
    قال الشاب: فحدثني عن الركن الأول من أركان المعرفة.
    قال جعفر: لقد قال الشاعر الصالح معبرا عنه:
    قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يرى للناظرين
    قال الشاب: لا أرى الناس إلا يشتركون في أبصارهم، ولا أرى الأبصار إلا تشترك فيما تراه، بل إن من الجاحدين من اخترع من الأجهزة ما استطاع به أن يبصر ما لا يراه الموقنون.
    قال جعفر: ليس الشأن في أن ترى ببصرك.. ولكن الشأن في أن ترى ببصيرتك ﴿ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج: من الآية46)
    قال الشاب: أيمكن أن تعمى البصيرة؟
    قال جعفر: أجل.. حين تضع الحجب بينها وبين الحقائق الجلية، أو حين تصرف وجهها عنها.
    قال الشاب: العامة من الناس يدركون ذلك.. ويوقنون به.
    قال جعفر: عين البصيرة لها درجات ومراتب كدرجات البصر ومراتبه[6].. وليس للعارف منها إلا أكملها.
    قال الشاب: فما أكملها؟
    قال جعفر: أن ترى ما تعرفه..
    قال الشاب: كيف ذلك.. وأكمل المعارف وغايتها معرفة الله.. وقد حيل بينها وبين تحولها إلى رؤية، كما قال تعالى:﴿ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103)
    قال جعفر: وقد قال النبي r عندما سئل عن الإحسان:( أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[7]، وقال لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ:( اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كل حجر وكل شجر، وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية )[8]
    قال الشاب: ألا ترى أن هناك تناقضا بين الآية، وهذين الحديثين؟
    قال جعفر: يستحيل أن يحصل التناقض بين الوحيين.. فمحمد r ﴿ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ (النجم)
    قال الشاب: فكيف تفسر إمكانية الرؤية التي نص عليها الحديث مع عدم إمكانيتها التي نصت عليها الآية؟
    قال جعفر: الرؤية رؤيتان: رؤية مقيدة، تضع المرئي في حيز محدود تضيق عليه بها الخناق، وهي الرؤية التي طلبها بنو إسرائيل حين قالوا لموسى u:﴿ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً )(النساء: من الآية153)[9].. وطالب هذه الرؤية لا يعرف الله.. لأن الله لا يعرفه إلا من ينزهه.. ولا ينزهه من يطلب مثل هذه الرؤية.. وإلى هذه الرؤية الإشارة بقوله تعالى:﴿ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103)
    ورؤية مطلقة.. لا محدودة.. وهي رؤية يصاحبها التنزيه والتعظيم.. ولكن الحقائق ـ مع ذلك ـ تنكشف عندها انكشافا أعظم من انكشاف البصر، وإلى هذه الرؤية الإشارة بالأحاديث التي نصت على ذلك.
    قال الشاب: أهناك انكشاف أعظم من انكشاف البصر؟
    قال جعفر: البصر قد يخطئ.. وقد يشوه المرئي.. وقد يتوهم الخيال حقيقة.. ولكن البصيرة لا يصيبها كل ذلك.. فأنوار الحقائق تحول بينها وبين ذلك.
    قال الشاب: فالموقن لا يرى إلا الأنوار إذن؟
    قال جعفر: أنوار الحقائق.. لا أنوار الخيال، فالخيال قد يصور لك من الأنوار ما يكون حجابا بينك وبين الحقائق.. فتنشغل بالحس عن المعنى[10].
    قال الشاب: أهكذا كان يقين رسول الله r؟
    قال جعفر: لا يمكن أن يعبر عن أحوال رسول الله إلا رسول الله.. فلا يعرف النبي إلا نبي[11].. وما نحن إلا ظلال باهتة تحاول أن تقتفي آثار رسول الله.
    قال الشاب: فكيف عرفت أن لرسول الله من اليقين ما ذكرت؟
    قال جعفر: لكل حقيقة أثرها.. والآثار كلها تدل على أن اليقين الذي كان عليه رسول الله r لم يجتمع لأحد كاجتماعه له.
    قال الشاب: فحدثني عن الآثار لأعرف من خلالها الحقائق.
    قال جعفر: سأذكر لك موطنين تتزلزل فيهما أقدام الرجال، لا يمكن أن يثبت فيهما إلا من أوتي من اليقين ما تندك له الجبال.

    (عدل بواسطة mwahib idriss on 10-26-2014, 07:28 PM)

                  

10-26-2014, 07:34 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النبى الانسان المؤلف: نور الدين أبو لحية .. عرفان و وجد لا جدال (Re: mwahib idriss)

    الخوف:

    قال الشاب: فما أولهما؟

    قال جعفر: الخوف.. فأول امتحان لليقين هو الخوف.. فالخائف الذي زلزل الخوف قلبه ينسى الحقائق التي لا تعمر إلا عقله.

    قال الشاب: فاضرب لي مثالا على ذلك من حياة رسول الله r.

    قال جعفر: لاشك أنك تعلم أن من أخطر المواقف التي مر بها رسول الله r موقف هجرته من مكة إلى المدينة.. حيث تعقبه المشركون يريدون قتله، وأرصدوا لذلك الجوائز الجزيلة.. لكن رسول الله r في ذلك الموقف الشديد لم يهتز له عرق، ولم تصبه أي مخافة.. لقد ذكر الله تعالى حال رسول الله r عند ذلك، فقال:﴿ إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40)
    وقد حدث أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبي r في الغار، فرفعت رأسى فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: ( اسكت يا أبا بكر، اثنان، الله ثالثهما )، وفي لفظ:( ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)[12]
    إن هذا الموقف الشديد لا يمكن أن يقفه إلا إنسان عمر الشعور بحضور الله كيانه كله، فلذلك لم يعد في صدره أي خوف من أي شيء.
    قال الشاب: صحيح هذا.. ففي المخاوف قد ينسى أحدنا ما تعلمه من علوم، وما عرفه من معارف.
    قال جعفر: وهكذا كان رسول الله r في كل حياته.. ففي الطائف التي ذهب إليها رسول الله غريبا بين قوم قساة لا يعملون عقلا، ولا يعرفون رحمة.. ومكث معهم عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، حتى قالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء.
    في ذلك الموقف الشديد لم يلتجئ محمد r إلا إلى الله.. وعند لجوئه إلى الله لم يتعوذ إلا من غضب الله عليه.. لقد راح يقول بخشوع لا يمكن تصوره: (اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتى، وهوإني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُنى؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِى؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)
    وهكذا حينما أراد بعضهم أن يغتال رسول الله r.. في ذلك الموقف الشديد لم تصب رسول الله r أي رعدة خوف.. بل أيقن بأن الله الذي وعده أن يعصمه سيعصمه لا محالة.
    عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أنه غزا مع النبي r قبل نجد، فلما قفل رسول الله r قفل معهم فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله r وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله r تحت سمرة، فعلق بها سيفه، ونمنا نومة فإذا رسول الله r يدعونا، وإذا عنده أعرابي، قال: إن هذا اخترط علي سيفي، وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله الله الله.. ولم يعاقبه وجلس[13].
    وهكذا في غزوة الأحزاب.. تلك الغزوة التي أخبر الله تعالى عن شدتها على المؤمنين، فقال:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)﴾ (الأحزاب)
    في ذلك الحين لم يزلزل رسول الله r.. بل بقي في ثباته كالطود الأشم، بل في ذلك الموقف الشديد كان يبشر أمته بما يفتح الله عليها من فتوح..
    وهذا موقفه r حين شكا إليه الصحابة ما أصابهم من اضطهاد في مكة المكرمة.. فعن خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ قال: شكونا إلى رسول الله r وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال:( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه)
    ثم قال بعدها مطمئنا له:( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)[14]
    وهكذا في غزوة حنين حينما انهزم الناس.. في ذلك الحين ثبت رسول الله r، وأخذ يصيح في الناس:
    أنا النبي لا كذب = أنا ابن عبدالمطلب
    ثم أخذ يقول:( اللهم نزل نصرك )، قال البراء: ولقد كنا إذا حمى البأس نتقى برسول الله r، وإن الشجاع الذى يحاذي به[15].
    الفاقة:
    قال الشاب: فما الموطن الثاني الذي يتجلى فيه اليقين؟
    قال جعفر: الفاقة والحاجة.. ألا ترى الذي أصابته الفاقة والحاجة كيف يحرص على أي شيء لديه ليدخره وقت حاجته؟
    قال الشاب: ذلك صحيح..

    قال جعفر: ولكن النبي r الذي أصابته جميع أنواع الحاجات.. بل كانت تمر الأهلة متواترة، ولا يوقد في بيته نار[16].. ومع ذلك كان كالريح المرسلة لا يمسك دينارا ولا درهما، ولا طعاما ولا ثوبا.. وكل ذلك يقينا منه بما عند الله.

    عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: ما عندي شئ أعطيك، ولكن استقرض، حتى يأتينا شئ فنعطيك، فقال عمر: ما كلفك الله هذا، أعطيت ما عندك، فإذا لم يكن عندك فلا تكلف، قال: فكره رسول الله r قول عمر، حتى عرف في وجهه، فقال الرجل: يا رسول الله، بأبي وأمي أنت، فأعط، ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم وجه رسول الله r وقال: (بهذا أمرت)[17]

    وفي حديث آخر عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: دخل رسول الله r على بلال، فوجد عنده صبرة من تمر، فقال: (ما هذا يا بلال؟) فقال: تمر أدخره، فقال: (ويحك يا بلال، أو ما تخاف أن يكون له بخار في النار؟ انفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا)[18]

    فهذه النصوص تبين أن الرسول r لم يكن يلاحظ قلة الرزق التي في يده، أو في يد المؤمنين، ولكنه كان ينظر إلى أن صاحب العرش العظيم الذي لا تساوي كل أموال الدنيا أمامه شيئا لا يعجز أن يسد فاقته إن هو احتاج.

    وهو في ذلك يشبه صاحب بنك ضخم ممتلئ بجميع أصناف الأموال، فهو لا يخشى على جيبه إن فرغ ما فيه من مال، لأنه يعلم أن لديه من العوض ما يملأ جيبه وجيوب غيره جميعا.
    قال الشاب: وعيت هذا، ولا أحسبني أحتاج إلى أدلة عليه، فكل حياة رسول الله r تشير إليه.
    قال جعفر: فاعبر من ظاهر الأدلة إلى بواطنها، ومن صورها إلى خبرها.. فلا ينتفع بمعرفة الحقائق إلا من عبر منها ولها، كما لا يدخل الجنة إلا من جاوز السراط.
    سكت الشاب قليلا، ثم قال: أرى من الناس من لا يعتبرون العارف إلا من تحدث عن الفناء في الذات.. ويعتبرون كل ما ذكرته فناء في الأفعال أو فناء في الصفات.. وكل ذلك حظ السالكين، لا حظ العارفين.
    ظهر الغضب على وجه جعفر، وقال بقوة: كذب من حدثك عن الذات.. كذب من حدثك عن الذات.. لا يعرف الله إلا الله.. لا يعرف الله إلا الله.. ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )(الزمر: من الآية67)
    ليس حظنا من معرفة الله إلا معرفة الأسماء.. ألم يسمعوا الله وهو يقول:﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1)، ألم يسمعوه، وهو يقول:﴿ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى:15)، ألم يسمعوه، وهو يقول:﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (لأعراف:180)، ألم يسمعوه، وهو يقول:﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (طـه:8)
    قال الشاب: ولكنهم تحدثوا في ذلك.. وأشبعوا كتب المعارف حديثا.
    قال جعفر: تلك شطحات الأحوال.. لا حقائق المعارف.. وأولئك سالكون وقف بهم سلوكهم في تلك الأحوال، فانحجبوا بها عن حقيقة الحال.
    قال الشاب: إن القائلين بها عارفون لهم حظهم في المعرفة.
    قال جعفر: لقد مررت بتلك الأحوال.. وعرفت مصادر ما قالوا.. إنهم خلطوا أحوالهم بمعارف اكتسبوها من أهواء الفلسفات، فلذلك حجبوا بها عن الحقائق الجليات[19].
                  

10-26-2014, 07:43 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النبى الانسان المؤلف: نور الدين أبو لحية .. عرفان و وجد لا جدال (Re: mwahib idriss)

    2 ـ الصحبة
    قال الشاب: عرفت الركن الأول من أركان العرفان.. وهو تجلي الحقائق في البصائر، كتجلي المبصرات للأبصار.. فما الصحبة؟
    قال جعفر: لا يمكنك أن تصاحب من لا ترى.. ولا يمكنك أن تصاحب من لا يسمعه ولا يسمعك..
    قال الشاب: تقصد أن ثمرة اليقين الصحبة؟
    قال جعفر: أجل.. فمن عرف الله لم يحد إلا أن يصحبه ويلجأ إليه ويستعيذ به ويدعوه ويناجيه.. ويشعر أنه أقرب إليه من كل شيء.
    لقد رأى النبي r بعض أصحابه يرفعون أصواتهم بالتكبير، فقال:( أيها الناس أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا قريبا.. إن الذى تدعونه أقرب الى أحدكم من عنق راحلته)[20]
    قال الشاب: لقد رأيت بعض من هجم بهم اليقين على حقيقة العلم يصيحون ويزعقون.. بل إن بعضهم قد يتفوه بكلام يستعيذ منه إن هو عاد إلى حاله.. وبعضهم يزعم أن هذا من مظاهر العرفان.. ومن لم يحصل له هذا لا حظ له من اسم العارف.
    قال جعفر: ذلك الشطح، وتلك الطامات.. وأحسن ما يقال فيها إن كان أصحابها من الصادقين أنها دليل على نقص حالهم، فهم كبدوي لم ير في حياته إلا الخيام دخل مدينة صغيرة.. فهاله ما فيها.. وصاح معبرا عن ذلك..
    أما الكمل.. فهم أرفع من أن يصيحوا بمثل ذلك، وقد روي أن الجنيد قال لمن سأله عن سر سكونه وقلة اضطراب جوارحه عند السماع:﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ (النمل:88)
    وأما الكامل الأعظم رسول الله r.. فقد ذكر الله حاله بعد أن عاين ما عاين في رحلة المعراج، فقال:﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (لنجم:17)
    قال الشاب: إن من ذاق شيئا لابد أن يعبر عن تأثيره فيه.. ومن صاحب أحدا لابد أن يحفظ حديثه معه.. فحدثني عن صحبة رسول الله لله.
    قال جعفر: لقد عبر رسول الله r عن ذلك، فقال:( اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل)[21]
    قال الشاب: لقد خص رسول الله r بالصحبة السفر؟
    قال جعفر: والدنيا كلها سفر.. ألم تسمع قوله r:( ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)[22]
    قال الشاب: فحدثني عن صحبة رسول الله r لله.
    قال جعفر: إنك لن تطيق ذلك.. ولن يطيق أحد في الدنيا ذلك..
    قال الشاب: فاختصر لي ما ييسر علي فهم ذلك.
    قال جعفر: سأحدثك من ذلك ما يمكن أن ترثه، وينفعك الله به.. ولكنك لن ترثه حتى تندمج فيه بكل كيانك.. فقد ذم رسول الله r قوما بأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم.. فإياك أن يكون حظك من سنة نبيك لسانك.
    قال الشاب: فستحدثني عن ذلك الآن؟
    قال جعفر: إن مثل هذه الأحاديث لا يمكن أن تلقى في الأسواق.. ولذلك تعال معي إلى الزاوية.. وهناك سأعلمك علوم ما سألته.
    خشيت أن يفلت مني، فأسرعت إليه، وقلت: أنا غريب بهذه الديار.. ولدي من الحرص على المعرفة ما لدى هذا الشاب.. ولدي من الأسئلة ما لديه.. لكأنه كان ينطق بلساني عما يكن ضميري.. فهل تأذن لي في صحبتك وصحبته إلى الزاوية؟
    قال جعفر: أجل.. يسرني ذلك.. أنت وصاحبك تذكراني بشبابي حين كان البحث عن الإنسان الكامل هو غاية غاياتي، ومقصد مقاصدي.
    قلت: عجبا ما تقول.. أأنت أيضا قد لاح لك ما لاح لي البحث عنه؟
    قال جعفر: إن كل من عرف حقيقة هذا الوجود.. لابد أن يخطر على باله ما خطر على بالك.. إن الأرواح تتآلف على مثل هذا.. لأن الذي يهديها ليس إلا واحد.
    قلت: فهل وجدته؟
    قال جعفر: أجل.. إنه محمد.. الإنسان الذي اجتمعت فيه حقائق الإنسان التي أردها الله من الإنسان.
    قلت: فستعرفني بمحمد إذن؟
    قال: لا يعرف محمدا إلا محمد.. ولكني سأعلمك ـ مع صاحبك ـ بعض ما وصلت إليه عن محمد.. وهو صحبة محمد لله، تلك الصحبة المنطلقة من معرفة محمد بالله.
                  

10-26-2014, 07:47 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النبى الانسان المؤلف: نور الدين أبو لحية .. عرفان و وجد لا جدال (Re: mwahib idriss)

    الذكر

    سرت مع جعفر والشاب إلى الزاوية.. لم أكن أتصور أنها بتلك البساطة.. لقد كانت بناء بسيطا، ليس فيه أي تكلف ولا زخرفة، ولا تطاول.. ولكن روائح الإيمان كانت ـ مع ذلك ـ تفوح من جنباتها، لتملأ ما حولها بأنوار دونها كل الأنوار.

    دخلنا الزاوية، فرأينا قوما مجتمعين يرددون بصوت واحد.. وبقلب واحد.. وبهمة واحدة ما ورد عن نبيهم r من أذكار.

    سألت جعفرا، فقلت: من هؤلاء؟

    قال: هؤلاء ورثة من ورثة رسول الله.. انشغلوا بالله عما سواه، فملأ قلوبهم بالأنس الذي لا يمكن أن تجده في أي سوق من أسواق الدنيا، ولا ناد من نواديها.

    قلت: فمن الذي بعث فيهم هذه الهمة؟

    قال: لقد قرأوا قوله تعالى:﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ (البقرة:152)، فعلموا أن ذكر الله لهم معلق على ذكرهم له، فلا ينال ما عند الله إلا من وفر في نفسه الاستعداد لتنزله.. فراحوا يوفرون هذا الاستعداد.

    وقرأوا قوله تعالى:﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )(العنكبوت: من الآية45)، فعلموا أن الله لا يريد من العبادات صورها ولا طقوسها وجسومها، وإنما يريد منها ما تحمله من نفحات ذكره، كما قال تعالى:﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)(الحج: من الآية37)

    وقرأوا قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب:41)، ً وقوله تعالى:﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)(آل عمران: من الآية41)، وقوله تعالى:﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً )(البقرة: من الآية200) فعلموا أن التنزلات المعلقة على ذكر الله لن تنال إلا من أدمن على الذكر وأكثر منه.

    وقرأوا قوله تعالى:﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب:35)، فعلموا أن ذكر الله وامتلاء القلب به هو غاية غايات السالكين، فلهذا انتهت به الآية التي تصف مراتب المؤمنين.

    وقرأوا قوله تعالى:﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (لأعراف:205)، فعلموا أن الذكر لن يؤتي ثماره حتى يصاحبه التضرع.. ولن يصاحبه التضرع حتى يمتلئ به القلب والكيان، فلذلك طولب المؤمنون برفع أصوات قلوبهم وخفض أصوات ألسنتهم، فليس الشأن فيما ينطق به لسان الجوارح، وإنما الشأن فيما ينطق به لسان القلب.

    وقرأوا قوله تعالى:﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:191)، فعلموا أن أكمل الذكر ما صاحبه الفكر، وأن الذاكر الكامل هو من لا يحجبه حال من الأحوال عن ذكر الله.. فهو يذكر الله على كل حالاته.

    وقرأوا قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون:9)، فعلموا أن أعظم الغبن، وأفدح الخسارة أن ينشغل الإنسان عن ذكر الله بأي شاغل حتى لو كان ماله وولده.

    قال ذلك، ثم اقترب بنا من حلقة من الحلقات، أشار إلينا أن نجلس فيها، وجلس معنا، وقد كان المجتمعون في غاية الخشوع والرقة، وكانت الأنوار تحيط بهم من كل جانب، وكانت روائح غريبة تملأ المكان، وكأنها روائح من السماء لا من الأرض.

    قال رجل من الحلقة: لقد نصحنا رسول الله r غاية النصح حين اعتبر حياتنا متوقفة على ذكر الله.. لا على ما نتنفسه من هواء، أو نشربه من ماء.. فالماء والهواء يغذيان الطين، ويمدانها بالحياة، أما ذكر الله، فهو غذاء الروح ومددها، ولا حياة لمن لم تحيا روحه.. لقد قال r يذكر ذلك:( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) [23]

    قال آخر: لقد أخبر رسول الله r الراغبين في جوائز الله عن جوائز الذاكرين، فقال:( لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده) [24]

    قال آخر: وأخبر المتنافسين على السبق أنه لا يسبق إلا الذاكرون.. كان رسول الله r يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له جمدان فقال: (سيروا هذا جمدان، سبق المفردون)، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: (الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) [25]

    قال آخر: وأخبر الفقراء إلى الله من أصحاب الحوائج أنه لا تقضى حاجاتهم بشيء كما تقضى بذكر الله، فقال:( إن لله ملائكة، يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول عز وجل: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا، قال: فيقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: فيقول الله تعالى: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم)[26]

    قال آخر: وأخبر الفقراء إلى الله الذين لا يريدون من الله إلا الله أن الله يذكرهم حالما يذكرونه، وكيفما يذكرونه، فقال:( قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)[27]

    قال آخر: وأرشد من يريد من الأشياء عصارتها، ومن الطرق أخصرها إلى ذكر الله.. لقد جاءه رجل، فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال:( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله)[28]

    قال آخر: وأرشد من يريد أن يظفر بالخير بجميع أصنافه، وبالصلاح بجميع أنواعه، وبالحسنات بجميع أشكالها إلى ذكر الله، فقال:( ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى)[29]

    قال آخر: وأرشد..

    أشار إلينا جعفر أن نقوم، فقمنا، فسألته: من هؤلاء؟.. وما بالهم يجلسون هذه الجلسة، ويتحدثون هذه الأحاديث؟

    قال: هؤلاء أحد اثنين: مريد سالك يخاطب نفسه ويرغبها في ذكر الله، ويعدها بما تطلبه النفوس من أغراض.. وواصل يردد كلام حبيبه r ليشرب منه بحسب طاقته، ثم يروي المريدين.

    قلت: لو أن هؤلاء انضم إليهم ثالث لحسن الحال؟

    قال: ومن الثالث؟

    قلت: العامة البسطاء الذين قست قلوبهم.. فلو أنهم سمعوا مثل هذه الأحاديث للان منهم ما كان قاسيا.

    قال: كل من يجلس هذه الحلقة يسمى عندنا مريدا.. فلولا أن الله أراده ما جلس هذا المجلس، واختاره على ما سواه من المجالس
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de