حكايات مع حبوبة "آمنة بت حماد": للروائي محمد جمال الدين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 06:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-18-2014, 00:42 AM

الشيخ أبوجديري
<aالشيخ أبوجديري
تاريخ التسجيل: 08-21-2012
مجموع المشاركات: 525

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين (Re: الشيخ أبوجديري)

    تعليق على خلفية "مجزرة العنج ومرثية بنونة بت المك نمر"

    التاريخ للحقيقة والمصالحة!.

    ما تزال بعض المقالات التي كتبتها في الآونة الآخيرة مستنداً على ذاكرة جدتي "آمنة بت حماد" تلهمني الكثير المثير من الرؤى المتلبسة ردود أفعال شديدة القيمة وثمينة المحتوى من أصدقاء ومعارف ومهتمين وأصحاب وجعة وآخرين مغرضين (وهل هناك كتابة بلا غرض؟!).
    كل كتابة عندها غرضها وأنا ذاتي عندي غرض أو قل هدف أرجوه وهو: محاولة إعادة قراءة التاريخ من الناحيتين الاًنثروبولوجية (الثقافية) كما الآركيولوجية. مع تنبيه ضروري هو أنني عندما عزمت فتوكلت بكتابة تلك المذكرات لم يكن هدفي التوثيق التاريخي البحت (ذاك شأن آخر) بل كما ذكرت للتو "آنثروبولوجي" غير أن البعض سار بالتوثيق التاريخي أظنه إضطراراً بجانب الهدف المعلن للمذكرات المعنية.

    وتأصيلاً لهدفي في خواطر البعض منكم فإنني أفكر الآن في تحويل هذه المذكرات في نهاية المطاف إلى رواية أحلم بها أن تكون مثل رواية إيزابيلا الليندي المساة "باولا" وهو إسم إبنتها التي توفيت بالبورفيريا 1993 وهي عبارة عن أوراق خاصة كتبتها المؤلفة الكبيرة في البدء خصيصاً لإبنتها وهي على فراش المرض. غير أن تلك المذكرات توسعت لاحقاً لتروي السمت الآنثربولوجي والحضاري والسياسي الدموي ببلادها "تشيلي" في كتاب أصبح من مآثر البشرية جمعا من حيث القيمة الأدبية. ونحن نملك المادة الخام ولن يعوقنا شيء غير قلة الحيلة إن لم نهزمها!. وإني كأحدكم يا صحابي لعازم على الأمر الجلل.

    مرثية بنونة:

    أعترف أنني تهاونت وتعاملت مع النسخة التاريخية للمرثية الصاخبة بمنتهى الكسل وأعتمدت على نسخة واحدة من صناعة الفنان الكبير الكابلي وآخرين بدورهم لم يأتوا بمصادر حاسمة. وأذكر أن حبوبة كانت تبدأ إنشادها للمرثية ب " ماهو الفافنوس ماهو الغليد البوص" بما يتفق مع الرأي الغالب وليس "دا إن أداك وكتر ما بقول أديت".
    وعلى كل حال البحث جار بواسطة الأستاذ الطاهر جمال الدين (أستاذ نحو وبلاغة) لتسجيل صوتي فعله هو مع جدتنا في حدود العام 1977 وقد حصلنا بالفعل على حوارات خاصة سجلها معها الأستاذ الطاهر في ذاك الزمان وأستمعنا إليها عدة مرات في أزمان لاحقة لكن ليس من ضمنها القصيدة. أتمنى أن يعثر الطاهر على التسجيل. هذا التسجيل أهميته تتأتى من أن جدتي غير قارئة وقد تلقت النسخة التي تحفظها عن ظهر قلب عن أمها التي نقلتها بدورها عن أمها والتي نقلتها من جدتها بنونة بشكل حرفي ومباشر أو كما قالت "حبوبة".

    ووجب هنا التنبيه أن جل المصادر الكتابية على قلتها فيما يتعلق بهذا الضرب من التراث مسجلة من مصادر شفاهية بالضبط مثل حال جدتي. بعد كل هذا لا أستطيع الآن إلا أن أتخلى عن زعمي بأن صدر المرثية بنسختها الواردة في مقالي "حلقة رقم 10" من أصل القصيدة وأنصاع كما يجب للرأي الغالب الذي يرد الأبيات لشاعر البطانة الفذ "الحردلو" وإلى حين إشعار آخر. وشاكراً كل الصحاب والمهتمين الذين تبرعوا بتصحيحي على صفحتي بالفيسبوك وفي موقع الراكوبة الموقر. ومثل هذا الفضل في الحقيقة هو هدفي المعلن من النشر على أكبر نطاق ممكن إذ أنني عكفت أكتب في السابق كل الحلقات المعنية فقط على صفحتي بالفيسبوك ولمدة عدة شهور.

    فكفكة شفرات التراث الشعبي والفلكلوري:

    مرثية بنونة كما أبيات الحردلو وما يشابهها تنطوي على قيم محددة ذكرناها من قبل من أهمها "الشجاعة والكرم". وقد قلنا أن تلك القيم التاريخية تقف في تضاد مع قيمة "الإنسانية" وهي قيم العشيرة والقبيلة وعلى وجه الإطلاق قيم وشائج الدم وتقف في الضد من حقوق المرأة بالمعنى العالمي لحقوق الإنسان.. راجع لطفاً المقال المعني "حلقة 10".

    التعرف على الشفرات التراثية عبر فكفكتها وفرز سبكها سيؤدي بنا إلى شيئين مهمين: التعرف على الخلفية النفسية لذواتنا بخيرها وشرها كما تشخيص الحالة المرضية الجمعية التي تتلبس مخيلة معظمنا وتسقط بالتالي في أفعالنا بصور عديدة في الإجتماعي والسياسي واليومي. من ضمن عناصر هذا التراث الشعبي التي يجب أن تبقى مستهدفة بالبحث هو "التاريخ" التاريخ الفاعل الذي يشكل وعينا وهو ما دعاني إلى نبش موضوع مجزرة العنج المفترضة في منطقة أم أرضة. أي أزعم أنني لا آخذ التراث الشعبي "بنونة مثالاً" للفخر والحماس الآني الزائف وكأنها حفلة ظار أو إستخدام التراث في التعبئة السياسبة أو التهرب من المحاسبة والمسئولية العامة كما يحدث من الكثيرين. الهدف هو الوعي بالذات والآخر:
    التاريخ للحقيقة والمصالحة!.

    في ختام هذه العجالة أجدد شكري وفائض إمتناني لجميع من شاركني الرأي وفق وسائله ووفق وعيه وفهمه ولغته الخاصة وقد وصلتني عدة رسائل مجتهدة عبر البريد الإكتروني منها رسالة هامة لشاب يسمى شعبان محمد شعبان من أبناء قرية القراصة بالنيل الأبيض يؤكد عبرها حكايات تاريخية تقول بآثار مرئية للعيان يرجع أصلها للعنج منها جرار مليئة بالذهب مدفونة تحت الأرض في مواقع مختلفة وهذا الأمر تحدثت عنه جدتي بصورة مكثفة وطوال حياتها وهي ذاتها قالت أنها في صباها الباكر وجدت برمة صغيرة مليئة بالذهب أيام طفولتها!. سأقوم بنشر رسالة شعبان في سانحة أخرى.

    ملاحظة:أدناه مقالة لي كتبتها عام 2009 كبداية لتفكري الخاص في إمكانية سبر غور التراث الشعبي بطريقة غير هيابة من أجل معرفة ذواتنا وغسل ما بها من غبار التاريخ السحيق من أجل مستقبل أكثير أمناً وسلاماً وتصالحاً مع الذات والآخر. وفي وقت لاحق حاولت القيام بدراسة (عملت عليها لمدة خمس سنوات) أسميتها "سايكلوجية الزول السوداني" منشورة بمنبر سودانفوروول إضافة إلى أخرى تحت عنوان: "الإنسان والمجتمع والدولة في السودان نحو أفق جديد". أرفق المقالة المعنية "أدناه" لظن مني أن بها ما يتعلق بشأننا هنا.

    تحياتي

    محمد جمال

    حلقة (1) الانسان و المجتمع المدني في السودان

    اكاد اجزم ان لا احدا يتسطيع ان يكتب عن المجتمع المدني في اي مكان على وجه الارض دون ان يبدأ بتعريف القارئ المفترض عن ماذا يعني "هو" بعبارة " المجتمع المدني"!.
    والسبب بسيط، لا يوجد تعريف مانع جامع للمجتمع المدني. وانا لن اكون هنا الا احدهم، ما دمت ساكتب شيئا ما عن المجتمع المدني. اعني انني ساحاول تعريف المجتمع المدني. بل اكثر من ذلك ان محاولتي هذه قائمة على اساسين الاول هو تعريف المجتمع المدني في السودان والثاني هو التعرف عليه عمليا عبر تجلياته (تمظهراته) المختلفة ومكانة الفرد من هذه التمظهرات، وفق افتراضاتي الذاتية التالية:

    كلمة "مدني" مقابلة لكلمة "رسمي". المدني هو كل ما دون الدولة، والرسمي هو كل ما دون المدني. فالمجتمع مدني في مقابل الدولة ( المجتمع الرسمي). وعليه فان كلمة مدني في عبارة "المجتمع المدني" لا تكون مرجعيتها في كلمة "مدينة" كما هو شائع وانما تكون بمعنى "أهلي أو شعبى". وعلى هذا النحو يكون المجتمع مدني في الريف وفي المدينة على حد سواء. ويسمى المجتمع المدني في المدينة: "المجتمع المدني المديني". ويسمى المجتمع المدني في الريف: "المجتمع المدني القروي أو الريفي". و يتمظهر المجتمع المدني عمليا بشكل هيكلي (منظمات) مرة وبشكل لا هيكلي مرة أخرى (أحداث متكررة) في مقابل الدولة المتمظهرة على وجه العموم في خمس اشكال رئيسية هي الجهاز التنفيذي (الحكومة)، الجهاز التشريعي، الجهاز القضائي، المؤسسة العسكرية (الجيش والبوليس والامن)، والخدمية المدنية. وتستطيع الدولة بدورها ان تتمظهر بشكل غير هيكلي لكن ليس بنفس قدرة المجتمع المدني. كما انه لا يوجد شكل واحد وثابت للمجتمع المدني (لا في الريف ولا في المدينة) بنفس القدر الذي لا يوجد فيه شكل واحد وثابت من أشكال الدولة. وفرضيتي الاخيرة هي ان السمة الغالبة للمجتمع المدني هي التضحية بجهد الجماعة لمصلحة الفرد ("كشف المأتم" مثالا) و السمة الغالبة للدولة هي التضحية بجهد الفرد لمصلحة الجماعة (الضرائب مثالا).

    نظرة في المصطلح:

    لماذا لا يوجد تعريف متفق عليه للمجتمع المدني، ليس في هذا الزمان فحسب بل في كل الازمنه وليس في السودان فحسب بل في كل الامكنة. الجواب عندي لانه لا يوجد مجتمع مدني واحد يحمل نفس الصفات والمواصفات ويتمظهر بنفس النسق والمنوال، ثم ان المصطلح "في سياقه الاكاديمي" حديث نسبيا" ظهر اول ما ظهر عقب نشوء الدولة الوطنية في أوروبا الغربية وهي الشكل الحديث للدولة (الوحدة الجغرافية/السياسية/الاقتصادية المحددة والمعترف بها) والتي من المفترض ان قاطنيها الاصليين امتلكوا حق البقاء بها على اساس واحد هو المواطنة لا غير. وعلى اساس ذاك المبدأ الراسخ، يتمتعون بحقوقهم ويؤدون واجباتهم. الدولة الوطنية لم تكن معروفة في التاريخ وبالتالي ما كان ممكنا الحديث عن المجتمع المدني قبل ذلك، على الاقل بالوضوح الذي نفعله في زماننا هذا.

    قولي بانه لا يوجد مجتمع مدني واحد، افتراض يؤيده الواقع. كيف؟.

    لا سبيل الى معرفة تلك الحقيقة الا بملاحظة تجليات "تمظهرات" المجتمع المدني "المفترض" في دول مختلفة وامكنة مختلفة وفي الريف والمدينة داخل الدولة الواحدة ومقارنة تلك التمظهرات ببعضها البعض. عندها سنجد ان المجتمع المدني مثل بصمات الاصابع لا يتكرر مرتين ولا يتطابق ابدا في اللحظة التاريخية المحددة. وبهكذا زعم سأنأ بنفسي قدر الامكان عن الاستعانة بالتعريفات المعلبة والجاهزة. ولهذا وضعت (اعلاه) محددات او خطوط عريضة مسبقا لمحاولتي التعرف على المجتمع المدني (المجتمعات المدنية في السودان) في مقابل الدولة. استطيع ان أقول بشكل مبدئي، ان المجتمع المدني في السودان ينقسم في كتلتين تتوازيان مرة وتتقاطعان في بعض المرات، تختصمان في لحظة ما وتتصالاحان في لحظة اخري، في نفس الوقت الذي يعتمل في داخل كل منهما مجموعة من التناقضات الذاتية بفعل اختلاف اواختلال منظومة القيم الواقفة وراء تمظهرهما( أي ان كل كتلة في ذاتها تتراكب من جزيئات تتشابه حينآ و تتمايز تراكيبها بعضا عن بعض أحيانآ آخرى). هذان المجتمعان يتمثلان بشكل مجمل في المجتمع المدني "المديني" والمجتمع المدني " القروي" او الريفي. ولكل منهما تمظهراته المختلفة عن الاخر، ومنظمومة قيمه الخاصة. سأحاول في هذه العجالة ان اعطي مساحة خاصة نهاية هذا المقال لشرح ما اقصده بمنظومة القيم هذه.

    التعرف عمليا على المجتمع المدني:
    كيف يتمظهر المجتمع المدني ويتمايز في الريف وفي المدينة؟.

    أي كيف نستطيع ان نمسك به، نراه بأعيننا ونلمسه بأيدينا في بلد مثل السودان. ثم نقول بعد ذلك هذا هو مجتمنا المدني السوداني المشابه او المتمايز والمختلف عن بعضه البعض وعن المجتمعات المدنية الاخرى في الدول الاخرى (مثلا انغولا، الفلبين، الهند، البرازيل، البرتغال والمانيا).
    من المفترض ان السودان دولة حديثة "دولة مواطنة" يقطنها حوالي اربعين مليون نسمة يتوزعون في المناطق الجغرافية والمناخية المختلفة بحسب تقسيم اداري محدد من صنيعة الدولة (ولايات) ويسكن الناس كما في كل ارجاء العالم في قرى (الريف) ومدن (الحضر) ويقومون بانشطة اقتصادية واجتماعية محددة تختلف قليلا او كثيرا من قرية الى قرية ومن مدينة الى مدينة، غير ان الطابع الاساسي لانشطة القرية الاقتصادية في السودان عادة لا يخرج عن ثلاث احتمالات (احدهما اوجميعهما في ان واحد): الزراعة، الرعي والصيد. وانشطة المدينة الاقتصادية غالبا ما لا تخرج عن ثلاث احتمالات: التجارة والصناعة والخدمات.
    تلك صورة مختزلة وعريضة جدا، لا تفيد كثيرا في الاجابة على السؤال الذي حددناه اعلاه: كيف يتمظهر المجتمع المدني ويتمايز في الريف وفي المدينة. لكننا بالطبع نستطيع ان نأخد عينات للفحص المخبري!.
    سأختار ابتداءا بطريقة عشوائية قرية محددة وحي محدد في مدينة محددة ثم نتصور لحظة زمنية محددة لنرى كيف تنتظم الحياة تلكم القرية وذاك الحي المديني. (اود ان انبه من جديد بان المجتمع المدني يتمظهر هيكليا من ناحية في شكل منظمات (نقابات، اتحادات، اندية، عشائر، طوائف الخ) عندها نظم وقيم ولوائح ويتمظهر لا هيكليا في شكل احداث من وراءها اعراف وقيم وسوابق مثلا في الاعراس والمآتم والنفير. لننظر في المثال الاول التالي.
    شبشة الشيخ برير (قرية سودانية تقع على الضفة الغربية للنيل الابيض بالقرب من مدينة الدويم)
    كيف تكون الحياة هناك؟. قد يكون لاحدكم فكرة احسن مني، وبالطبع لاهل شبشة الشيخ برير فكرة عن حياتهم احسن منا جميعا. لكنني أستطيع ان اتصور بالاحالة الى الصورة النمطية للقرية السودانية في الوسط النيلي كيف تكون الخطوط العامة لحياة الناس اليومية. وفي نهاية المطاف سأحاول عقد مقارنة بين شبشة الشيخ برير وحي العمارات المعروف في العاصمة الخرطوم. كيف يتمظهر المجتمع المدني هيكليا ولا هيكليا في شبشبة الشيخ برير؟.

    في احد ايام الاسبوع جرت في شبشبة الشيخ برير الاحداث التالية:

    رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى القرية ثم اجتمع بعضهم في دار احد شيوخ القرية فتحدثوا عن زرعهم ورعيهم وصيدهم، سقط جدار احد بيوت سكان القرية بفعل السيول والفيضانات فقرر بعض فتيان وفتيات القرية بناءه تطوعا، شب حريق كبير في مدرسة القرية الابتدائية فهرع جمع من الناس لإطفاءه تطوعا، لعب فتيان القرية كرة القدم، ، اجتمع رجال عشيرة بني دويح في دار شيخهم للتفاكر حول نزاع نشب على قطعة ارض بين اثنين من رجال العشيرة ، نظمت نساء القرية "ختة" (ادخار لبعض المال)، ذهب البعض للصلاة في المسجد، وحلقة مديح نبوي في "المسيد" ، لعب بعض الشبان الورق " كتشينة"، بعض الفتيات عملن على تدريب احد العروسات على الرقص "رقصة العروس"، اقام بعض الشبان حفلة "حنة" لاحد فتيان القرية، كانت هناك مناسبة زواج، لعب الاطفال شليل، وكان هناك مجموعة من الشبان يتعاطون الخمر (قعدة) ، تعقب بعض الشبان سارق فاوسعوه طربا حتى الموت تطوعا، داهم احدهم مرض عضال فسارع بعض الناس الى حمله الى المستشفي التخصصي في اقرب المدن (تطوعا) لكنه مات فتجمع كثير من الناس لدفن الجنازة (تطوعا) واقاموا له مأتما للعزاء (تطوعا).

    هل تجري نفس الاحداث بذات النسق والمنوال في حي العمارات في مدينة الخرطوم (العاصمة)، فنقول كما قلنا اعلاه: في احد ايام الاسبوع جرت في حي العمارات الاحداث التالية:
    رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى حي العمارات ثم اجتمع بعضهم في دار احد شيوخ الحي فتحدثوا عن زرعهم ورعيهم وصيدهم، سقط جدار احد بيوت سكان حي العمارات بفعل السيول والفيضانات فقرر بعض فتيان وفتيات الحي بناءه تطوعا، شب حريق... الى آخر الاحداث المتصورة (اعلاه) والتي جرت في شبشة الشيخ برير. هل نتصور انها جرت بالكامل في يوم من الايام في حي العمارات؟.

    تلك احداث طبيعية في قرية ما (مثل شبشة الشيخ برير وغيرها من القرى النائية البعيدة). لكن ربما شعر المرء ان الوقائع المتصورة اعلاه لا يمكن ان تجري جميعها في شبشة الشيخ برير وحي العمارات بنفس النسق والمنوال. كونها جرت جميعا في شبشة الشيخ برير قد يبدو منطقيا، لكن بعضها لا يمكن ان يحدث في حي العمارات، بمعنى ان حدوثها جميعا في حي العمارات ليس منطقيا. شي طبيعي جدا ان يقول قائل رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى القرية ثم اجتمعوا في دار احد شيوخ القرية فتحدثوا عن زرعهم ورعيهم وصيدهم، لكن ليس من المتوقع ان يقول رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى حي العمارات في قلب العاصمة السودانية الخرطوم. الاكثر منطقية هو ان يقول القائل رجع التجار والصناع والافندية الي منازلهم في حي العمارات نهاية اليوم ثم ذهب بعضهم الى نواديهم (دورهم) المتخصصة فتحدثوا عن تجارتهم وصناعتهم وخدماتهم ويكون الانتماء الى احد هذه الدور قرارا فرديا وطوعيا. كما انه اذا سرق السارق في حي العمارات ففي الغالب الاعم ان صاحب الشي المسروق وحده يتصل ببوليس النجدة وليس من المحتمل في الاحوال العادية ان يجد من يطارد له السارق ويقتله، والمريض يتصل هو او اهله بعربة الاسعاف واذا شب حريق يتم استدعاء المطافيء. واذا سقط جدار بيت باي طريقة فان صاحبه وحده هو الذي يعيد بناءه او شركة التأمين ففي عداد المستحيل ان يتجمع شبان الحي لمساعدته تطوعا، نساء الحي مثل رجاله يدخرن (او يستثمرن) ما فاض من اموالهمن في البنوك، وغالبا ما يلعب الشبان الورق في النادي الرياضي الثقافي وهو من المتوقع ان يكون نفس النادي الذي ينظم تمارين كرة القدم في الحي ويكون الانتماء الى هذا النادي قرارا فرديا وطوعيا، كما انه من في حساب المستحيل ان يجتمع رجال عشيرة بني دويح او جعل في دار شيخهم في حي العمارات اذ ان سكان العمارات لا يتقسمون في شكل كتل عشائرية واضحة كما هو حادث في شبشة الشيخ برير واذا حدث نزاع ما بين شخصين حول قطعة ارض فالغالب ان تكون تلك مهمة المساح الشرعي ثم القضاء (البوليس و المحكمة)، وليس من المتوقع ان يلعب اطفال حي العمارات لعبة شليل التي تحتاج الى ضوء القمر (لا لمبات النيون) بالاضافة الى فسحة مكانية بواصفات محددة قد لا تتيحها طبيعة حي العمارات مسفلت الطرقات كما ان لاطفال حي العمارات العاب اخرى تعودوا عليها.

    قد تكون هناك احداث تجري بنفس النسق والمنوال، لكنها قليلة، وهناك احداث تجري بذات النسق لكن ليس بذات المنوال والعكس صحيح. لماذا؟. سنجاوب على هذا السؤال لاحقا. لا اود ان ادخل في مقارنات الان. لنؤجل هذا السؤال برغم الحاحه مؤقتا، فالنغيب حي العمارات كلية من ذاكرتنا الان، ونركز اولا في شبشة الشيخ برير ثم نرجع الى حي العمارات لاحقا. كيف تنتظم هذه الاحداث القرية "هنا المثال قرية شبشة الشيخ برير". ما هي القوة الدافعة والاسباب. لنأخد سبع امثلة بشكل انتقائي، او قل لنعمل التفكير والخيال في سبعة احداث، جرت على الوجه التالي: بناء الجدار طوعا، اجتماع عشيرة بني دويح، كرة القدم، "الختة"، الحنة، شليل ومراسم الجنازة. ولنأخذ من هذه الامثلة حدث واحد لتحليله ما امكن، وليكن في هذه العجالة " مراسم الجنازة". عندما تحدث وفاة احد البالغين في شبشة الشيخ برير، صغيرا كان او كبيرا، وبغض النظر عن موقعه الاجتماعي ونشاطه الاقتصادي، تحدث نفس الاشياء على الدوام. يجتمع الرجال حول الجثة يمارسون الشعائر المجمع عليها و يغسلون الميت ويكفنونه وفق الاعتقاد المسلم به، وبالجانب الاخر يبكين النسوة بحرقة على اثر الوداع. ثم يحمل الرجال الجسد على سرير من اربع ارجل وعلى كل رجل من ارجل السرير رجل من الرجال يتبادل مع الاخرين المهمة في طريقهم الى المقبرة فيحفرون حفرة عميقة تسمى القبر يوضع فيها الجسد ثم يدفن، ثم يرجع الناس الى بيت المتوفي فيضربون خيمة للعزاء "صيوان" لمدة ثلاث ايام او يزيد، يمارسون الشعائر المتعارف عليها ويواسون افراد اسرة المتوفي، ومن اهم الاشياء يتبرعون بالاموال حسب الاستطاعة. وذلك مجرد حدث واحد من كل تلك الوقائع العديدة والمتكررة بنفس النسق والمنوال. ففي رقصة العروس مثلا لا بد ان تكون هناك آلة موسيقية "غالبا دلوكة"، الدلوكة مفترض ان تكون محفوظة في مكان محدد، مسئولية بنت او امراة محددة (طوعا) تخرجها فقط عن اللزوم والحوجة، تأتي المبادرة من احداهن والعمل جماعي (والمقصود هو العروس) التضامن مع العروس من اجل تدريبها على فعل محبذ عند الجماعة (رقصة العروس) ثم سعادتها واشاعة البهجة والفرحة في نفسها. نفس الشي مع اختلاف طفيف في الشكل الخارجي يحدث في حالة الجنازة. أدوات الحفر غالبا ما تكون مسئولية شخص محدد (طوعا) والكفن وغسل الميت (مبادرات فردية) لكن في النهاية العملية كلها تتم بشكل جماعي (حيث يتوافد الناس من كل الفجاج بشكل يبدو تلقائيا جدا) يفعلون كل تلك الاشياء بانسجام تام ويدفعون مساهمات مادية " كشف الفراش". والمقصود هم ابن المتوفى او بنته (على سبيل المثال) والحي ابقى من الميت في المثل الشائع. وكذا واقعة الحنة تختتم بمساهمات مادية والمقصود هو العريس المرتقب (امنه وسعادته ورفاهيته). و في كل الاحوال هناك شكل تنظيمي ما (سلس ومحكم)، كما ان هناك قواعد جماعية متفق عليها (مسلمات غير قابلة للنقاش) نجدها عند النظر (الملاحظة) بتمعن في جميع الاحداث والوقائع التي حدثت وتحدث وستحدث في شبشة الشيخ برير.

    الملاحظة الاولى ان كل هذه الاحداث من وراءها جماعة لا فرد. قد يكون من خلفها مبادرات فردية لكن كل هذه الاحداث صغيرها وكبيرها تقيمها في نهاية المطاف جماعة من الناس كما هو واضح وفق نسق محدد.

    الملاحظة الثانية ان كل هذه الافعال الجماعية الهدف الاساس (الغاية) منها هو الفرد المفرد (عيشه، امنه ورفاهيته) عبر وسيلة محددة هي التضامن (توحيد الجهود).

    الملاحظة الثالثة ان كل او معظم هذه الاحداث تجرى بشكل تلقائي وفق قواعد مسلم بها في معظم الاحوال.

    الملاحظة الرابعة ان كل هذه الاحداث تجري في فضاء طوعي، غير الزامي (بلا سلطة مادية ملزمة تستطيع ان توقع العقاب " العذاب" بادوات مادية أو تجزل الثواب) ولو ان هناك منظمومة قيم ومعتقدات ومسلمات تدفع الفرد دفعا الى الفعل (طوعا) في اطار نسق محدد مرسوم سلفا في المخيلة الجمعية.

    والملاحظة الخامسة والاخيرة ان هذه الاحداث تحدث في حل عن الدولة. كما نلاحظ بوضوح غياب كلي او جزئي لعربة النجدة، عربة الاسعاف، عربة المطافيء، البنك، شركة التأمين، القضاء، والبوليس. فالجماعة تقوم بكل الواجبات.

    في حي العمارات الصورة مختلفه جدا. اول ملاحظة تظهر بحدة تتمثل في أن الفرد (الانسان الواحد) هو الذي يطغى على المشهد. الفعل الجماعي (بصورته الشبشية) شبه غائب. دور الجماعة وواجبها تم استبداله بدور عربة النجدة، عربة الاسعاف ، عربة المطافيء، البنك، شركة التأمين، القضاء، والبوليس، نادي الفتنس، نادي المهندس، نادي الكذا ودار الكذا. لا حوجة لدور الجماعة، لا توجد ثقافة الجماعة. الفرد لا يغضب من الجماعة، لا يرجو شيئا من الجماعة كما انه لا يفخر ابدا بالجماعة اذ ان الجماعة غائبة من ذاكرته كليا. انه هو لا غيره، هو هو وهو كل شيء، انه الفرد الصمد. وبالتالى عندما يتحدث ذلك الانسان "الانا" لا يبدأ حديثه الا ب "أنا".

    في شبشة الشيخ برير، عندما يتحدث احدهم عن نفسه ففي الغالب لا يتحدث عن نفسه مستخدما الكلمة "أنا"، بل يقول نحن (نحنا او احنا)!. نحن اولاد رجال، اولاد قبائل، اولاد بلد، اولاد عز، انا ود ناس فلان (مش ود فلان). وعندما ينشد الواحد منهم الاشعار ربما انشد: ( نحن اولاد بلد نقعد نقوم علي كيفنا في لقا في عدم دايمآ مخدر صيفنا نحن أب خرز بنملاهو و بنكرم ضيفنا. و نحن الفوق رقاب الناس مجرب سيفنا). وهذا شي منطقي. اذ ان الجماعة في شبشة الشيخ برير في خدمة الفرد (منذ لحظه ميلاده، طفولته، صباه، شبابه، كهولته، الى لحظة مماته)، بالمقابل فان الفرد يقدس الجماعة وهو بدوره يستطيع التضحية من اجلها ما دعت الضرورة كأن يذبح الرجل بنته العزيزة بالسكين جراء خطأ أقترفته سهوآ غسلا للعار الذي قد يلحق بالجماعة. في شبشة الشيخ برير "الانا" تأخذ عظمتها من عظمة الجماعة، فهي "أنا" ضخمة ضخامة الجماعة لكنها غائبة في رمزيتها، غائبة في ال "نحن".

    في شبشة الشيخ برير احساس الفرد بالفرد الاخر عالي جدا، فعلى سبيل المثال فان الناس يتبادلون التحيايا بحرارة وصدق فائق، ويبكون بحرقة عندما يسافر احدهم بعيدا ويبكون من جديد فرحا بعوده. فالفرد عنصرا مقدسا لا لذاته بل لكونه ينتمي الى الجماعة المقدسة، هو جزءا لا يتجزء من الجماعة، تلك الجماعة النازعة في كل لحظة للتضحية من اجل الفرد. وفي حي العمارات لا أحد يحي الاخر في الشوارع الا لماما وحسب مقتضيات الضرورة فيقول له ما يشبه "هالو" الانجليزية وهو ماض في حال سبيله. فالاخر في العمارات شي قائم بذاته ولذاته. فالفرد كائن متحرر كلية عن قبضة الجماعة. فان فعل فعلا مع الجماعة يفعله طوعا وبوعي موضوعي ومن اجل هدف واضح وآني. كأن ينضم مثلا الى عضوية نادي المهندس او اتحاد التنس، يتصرف وفق لوائح مكتوبة، يدفع اشتراك شهري او سنوي او لا يدفع حسب النظم واللوائح ويستطيع في اي لحظة ان يوقف عضويته والعكس صحيح فالنادي او الاتحاد المحدد يستطيع حسب النظم واللوائح ان يلغي عضوية الفرد من سجله في اي لحظة. لكن ليس من المنظور ان يحدث نفس الشي بالنسبة لعشيرة بني دويح في شبشة الشيخ برير. اذ ان العضوية بالميلاد والدم، قدرية لا فكاك منها الا بالدم. وكذا اشكال التنظيم (الاخرى) الطبيعية (كالقبيلة) والتقليدية (كالطائفة الدينية) مع اختلافات طفيفة في حدة المواجهة مع الجماعة في حالة نشوذ الفرد. ف "الأنا" في شبشة الشيخ برير "أنا" سالبة، وخاضعة ل "نحن" و "الأنا" في حي العمارات "أنا" موجبة وفاعلة لا تكترث بال "نحن".

    تلك الاحداث التي جرت وتجري في شبشة الشيخ برير تحدث بنفس النسق والمنوال في جميع القرى الاخرى المشابهة في الارياف القريبة والبعيدة. وما ننقله من صورة هنا ما هو الا محاولة تقريبية للصورة النمطية للقرية او توقعنا لها. مع علمنا التام ان التفاصيل قد تختلف بشكل او اخر من قرية الى قرية في ارياف السودان النيلي، ناهيك اذا ما ذهبنا بخواطرنا ابعد من ذلك وتحدثنا عن الريف في جنوب السودان وفي شرقه وفي غربه البعيد، في تلك اللحظه ربما نواجه باقدار واحداث اخرى مختلفة جدا. بمعنى ان المجتمع المدني في تلك الارجاء يتمظهر هيكليا ولا هيكليا بطرق قد تكون مختلفة جدا عن تمظهره في شبشبة الشيخ برير. كما ان المجتمع المدني قد يتمظهر بطريقة مختلفة من مدينة الى مدينة (مثلا الخرطوم، امدرمان، كوستي، مدني، الابيض، جوبا، ونيالا)، بل فان المجتمع المدني قد يتمظهر هيكليا ولا هيكليا بطرق مختلفة من حي الى حي في المدينة الواحدة. وربما اسعى الى شحذ خواطركم في هذه اللحظة لتتمعنو معي في امكانية تمظهر المجتمع المدني في حي الديوم الواقع على مرمى حجر من حي العمارات الذي تحدثنا عنه هنا، لاجل عقد مقارنه عاجلة بين المجتمع المدني في الديوم والعمارات كحيين متجاورين في نفس المدينة. فالاحتمال وارد ان نجد اختلاف بائن في شكل تمظهر المجتمع المدني في الحيين. ناهيك عن تمظهرات المجتمع المدني في افاق اخرى بعيدة مثل انغولا، الفلبين، الهند، البرازيل، البرتغال والمانيا.
    كما حاولت ان اشرح في اللحظات الفائتة كيف ولماذا تكون "الأنا = الفردانية" أعلى من ال "نحن = الجماعة" في العمارات والعكس صحيح بالنسبة لشبشة الشيخ برير نسبة للعوامل المحددة التي حاولت استبيانها في سياق المقارنة سالفة الذكر وسأقوم بالقاء مزيد من الضوء عليها في ختام هذا المقال. ساقوم هنا ايضا بذكر "قفشة" منتشرة على نطاق واسع. تقول القفشة "الشعبية": ان اولاد حي العمارات عندما يحدث وان يزورا حي الديوم وبعد انتهاء زيارتهم تقوم بنات الديوم بمهمة وداعهم (تقديمهم) اي الذهاب معهم في طريق عودتهم الى منازلهم بحي العمارات خوفا عليهم من عارض الطريق ولطفا بهم. انتهت المقولة. هذه المقولة التي انتجها عقل "ديامي بحت" وجدت صدى واسع واصبح يرددها كثير من الناس من باب التندر والخ. اذا نظرت الى فحوى هذه المقولة ستجد انها تنطوي على عدة مفاجئات واسرار ولا تخلوا من المآزق.

    وهذا نفسه السر من وراء انتشارها برغم ما يبدو عليها من بساطة وتبسيط. للوهلة الاولى تتبدأ هذه المقولة بشكل زائف كمظهر من مظاهر الصراع الطبقي في عرف الماركسيين، خصوصا انها صادرة من اضابير الديوم وما اشتهروا به من مؤازرة الحزب الشيوعي السوداني. غير ان الامر عندي ليس كذلك. خصوصا اذا اتفق حدسي وكان الهدف من وراء المقولة الطعن في رجولة اولاد حي العمارات كونهم منعمين (نعومة ودعة) من قبل سهولة العيش في مقابل رجولة اولاد الديوم من قبل شظف العيش الذي يقتضي بالضروري "الخشونة" بحسب المضمر من المقولة. ولو ان حتى هذه اللحظة هناك شبهة صراع طبقي، غير انه بقليل من الخطوات للامام ستنبهم حقيقة الصراع الطبقي وتتعرى حقيقة جديدة تكمن في ثقافة القرية ونستطيع ان نقول القبيلة. ولا يمكن للمرء ان يتصور بسهولة ان في الادب الماركسي مجالا لوصف البرجوازي بالنعومة فهو في كل الاحوال مصور كوحش في الروح وفي الجسد.
    اول الملاحظات في اتجاه هذه المقولة هي غياب "الانا" فيها مع حضور طاغي لل "نحن". نحن اولاد الديوم، نحن بنات الديوم. تلك ال "نحن" من صناعة شبشة الشيخ برير. فالديوم بحسب المقولة كتلة صماء غير قابلة للتقسيم (جماعة ذات قيم وعزة وكرامة وكمان ماركسية) لدرجة ان اولادها يستقبلون اولاد العمارات لكنهم يتأففون من وداعهم لعلة فيهم هي النعومة بحسب المقولة، مما يخرجهم من مصاف الرجال كاملي الرجولة وفق الفهم الديامي للرجولة، فمن صفات الرجال "الخشونة" كما تفترض الاسطورة الريفية "الضكرنة"، ولهذا السبب فان بنات الديوم يقمن بالمهة نيابة عن رجال الديوم باعتبار ان رجال العمارات لا فرق بينهم والنساء، فاولاد الديوم على سبيل المثال يستقبلون ويودعون في نفس الوقت اولاد حي الامتداد، لكن اولا العمارات "لا. هناك وخز ما!.

    وبالطبع ليس المقصود المعنى الحرفي للعبارة بان اولا العمارات غير اسوياء ولكن المقصود هو الحرب النفسية من ناحية ومحاولة تعلية قيمة الذات من ناحية أخرى باضافة وزن قيمي جديد متخيل للجماعة (من قبيل اولادنا رجال يأكلوا النار بمعنى انهم "ضكور"). هذه الثقافة لا تقوم بدون سند محدد، هذا السند هو الجماعة ( الاحساس العالى بروح الجامعة ال "نحن")، منظمومة قيم قديمة شديدة الرسوخ جيء بها من القرية فعاشت في ضمير الجماعة كل الوقت وظلت تتحكم في سلوك الفرد المفترض فيه المدينية كونه ولد ويعيش في المدينة. فبالاحالة الى الاحداث التي جرت في شبشة الشيخ برير نجد ان كثير من تلك الاحداث تستطيع ان تجد مكانها بسلاسة في الديوم، ولن يصيب الكثيرون الاستغراب اذا ما قال احدهم: رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى حي الديوم ثم اجتمع بعضهم في دار احد شيوخ الحي فتحدثوا عن زرعهم ورعيهم وصيدهم، سقط جدار احد بيوت سكان الديوم بفعل السيول والفيضانات فقرر بعض فتيان وفتيات الحي بناءه تطوعا، شب حريق... الى آخر الاحداث المتصورة (اعلاه) والتي جرت في شبشة الشيخ برير. فالنتصور انها جرت بالكامل في يوم من الايام في الديوم.

    قد تكون هناك اشياء قليلة لا تبدو ممكنة او منطقية، لكن معظم تلك الاحداث تحدث في الديوم بشكل يومي. وبأي حال من الاحوال لن تكون دهشة المرء كبيرة بذاك القدر الذي يحدث عند عقد المقارنة بين شبشة الشيخ برير وحي العمارات. كل ما اود ان اقوله ان الديوم ترقد في الخرطوم وقلبها في شبشة. اذ ان تمظهرات المجتمع المدني في حي الديوم الذي يبعد بضع امتار عن حي العمارات مختلفة جذريا عن الاخير. كما بالطبع فان تمظهرات المجتمع المدني في حي الديوم ليس بالضرورة مشابهة تماما لتلك التي لشبشة الشيخ برير. وهذا هو سر المفارقة بين العمارات والديوم لا الصراع الطبقي (او قل لا الفوارق الطبقية وحدها). هذه المقارنة ايضا صالحة لاحياء كثيرة في امدرمان ولهذا السبب تجد كثير من الامدرمانيين يحيلون ذواتهم الى مدينتهم، ويجدون فخرا وعزا وكرامة في انتماءهم الى امدرمان (احساس عالى بالجماعة) و"نحن" تطغى على "الأنا".

    تمظهرات المجتمع المدني الهيكلية وغير الهيكلية و ماهية القيم الدافعة والجاذبة من من وراءها وكيف تتشكل القيم الاجتماعية ثم تعمل عملها؟.

    تمظهر هيكلي:

    كما اسلفت الذكر فان المجتمع المدني يتمظهر هيكليا في شكل منظمات عندها اعضاء مسجلون على الورق بغرض انجاز اهداف محدده وفق نظم وقيم ولوائح محددة غالبا ما تكون مكتوبة ومثال هذا التمظهر الهيكلي نجده في شكل منظمات "حديثة هشة، لكنها صاعدة" مثل منظمات حقوق الانسان، الاتحادات، الاندية الرياضية والثقافية و النقابات و يتمظهر المجتمع المدني هيكليا في شكل منظمات "طبيعية راسخة" مثل القبائل والعشائر وعندها نظم وقيم ولوائح غير مكتوبة مثال قبيلة الشلك في جنوب السودان والعشائر المختلفة والاسر الممتدة في المدن والارياف المختلفة. كما يتمظهر المجتمع المدني هيكليا في شكل منظمات "تقليدية سائدة" مثل الطوائف الدينية ( السجادة العركية مثالا) عندها نظم وقيم ولوائح مكتوبة مرة وغير مكتوبة في بعض الحالات.

    تمظهر لا هيكلي:

    يتمظهر المجتمع المدني لا هيكليا في شكل احداث متكررة من وراءها اعراف وقيم وسوابق راسخة في الخاطر الجمعي. وأمثلة تمظهر المجتمع لا هيكليا كثيرة بحيث لا يمكن حصرها ويمكن الرجوع من جديد الى الاحداث التصورية التي جرت في شبشة الشيخ برير (اعلاه) على كل حال فان ابرز هذه التمظهرات غير الهيكلية تتضح في مراسم الزواج وشعائر الجنازة، والحنة والختة والنفير والفزعة بأشكالها المختلفة.

    التمظهرات الهيكلية اكثر وضوحا في المدينة ومثالها النادي، بينما التمظهرات اللا هيكلية اكثر وضوحا في الريف ومثالها النفير والفزعة. ولو ان في كل من الفضائين يتمظهر المجتمع المدني هيكليا ولا هيكليا بنفس القدر ولكن باشكال ولاسباب ودوافع مختلفة.
    قلنا وكررنا ان للتمظهرات الهيكلية نظم وقيم ولوائح وللتمظهرات اللا هيكلية اعراف وقيم وسوابق. انه الحس التنظيمي والقوة الدافعة وراء نشوء وتخلق وبروز هذه التمظهرات الاجتماعية الى السطح الخارجي، فنراها ياعيننا مؤسسات واحداث متكررة في شكل جماعات او تجمعات عندها هدف محدد وتبقى على الدوام او تنزوى ثم تعود الى البروز من جديد في وقت وافق جديدين، مثلها ومثل كثير من الظواهر الطبيعية.

    التمظهرات الهيكلية تبرز وفق نظم (مثل الدساتير) وقيم (اهداف نبيلة او تضامن من اجل مصلحة مؤكدة ومشتركة) ولوائح (مثل تحديد المسائل الفنية) والتمظهرات اللا هيكلية تبرز وفق اعراف (مثل التضامن) وقيم سامية (مثل المروءة والشجاعة والكرم والرجولة) وسوابق (وسائل مجربة وناجعة لانجاز المنفعة الجماعية).

    وفي جميع الاحوال وفي كل الاوقات فان الفعل في سياق المجتمع المدني هيكليا او لا هيكليا يقود الى منفعة محددة تجد تعبيرها في مساهمة مادية نقدية او عينية او بذل الجهد المجاني بهدف جلب الخير او درء الاذى، في فضاء خارج الدولة.

    نظرة سريعة في منظومة القيم:

    من الملاحظ ان في كل من شكلي التمظهر الهيكلي واللا هيكلي لا بد من وجود قيمة اجتماعية او منظومة قيم.

    من اين تأتي هذه القيم؟. وهل تكون لذات المغزى وبنفس القدر في الريف والمدينة؟. وبين الريف والريف الآخر والمدينة والمدينة الأخرى ؟. وكيف تعمل هذه القيم على دفع الظاهرة الاجتماعية المحددة الى العيان؟.

    سابدأ هنا بضرب مثل متخيل. لك ان تتصور معى ان رجلين تبرعا لمعسكر للنازحين بخروفين كل على حدا. احد هذين الرجلين مهندس معماري من حي الصافية بالخرطوم بحري، والآخر راعي اغنام "بطحاني" من منطقة الشوك في شرق السودان. رجع الرجلين الى دارهما في الصافية وفي الشوك بعد أداء هذا العمل النبيل. ماذا سيقول الناس في حي الصافية اذا علموا بالامر؟. الاحتمال الاكبر انهم سيقولون انه رجل "انساني" او "انسان نبيل". بينما اتوقع ان يقول الناس في الشوك عن الرجل الاخر انه رجل كريم. وبنفس القدر فانه اذا حدث وان تبرع ذات الرجلين بمبلغ من المال لمصلحة اطفال المايقوما فان الرجل من الصافية سيبقى انساني، بينما الاحتمال الاكبر ان يوصف الرجل الاخر (في داره بالشوك) بانه رجل شهم وكريم.

    الرجل الذي ساهم في بناء الجدار الذي اسقطته السيول والفيضانات بشبشة الشيخ برير هو رجل شهم وصاحب مروءة. والآخر الذي شارك في اطفاء الحريق فهو رجل "ضكران" و شجاع لكونه واجه الخطر، وذاك الذي دفع مبلغا من المال ل "كشف الفراش" فهو "زول واجب" بمعنى انه صاحب مروءة. وهكذا دواليك فان كل الافعال الجماعية في شبشة الشيخ برير تجعل الفرد موصوفا بواحد او اكثر من القيم الدافعة التالية: الرجولة، الشهامة، الكرامة، الشرف ، الشجاعة، الكرم، المروءة و العزة. كما ان العكس صحيح فقد يوصف الاخر المتقاعس بصفات سالبة ومناقضة من قبيل خائب و########. بينما الرجل من حي العمارات او حي الصافية اذا ساهم في اي عمل جماعي (نقابة المهندسين مثلا) فليس من المتوقع ان تسبغ عليه تلك الصفات بنفس القدر الذي يحدث لذاك الذي في شبشبة الشيخ برير، وغالبا ما يوصف بانه رجل انساني وملتزم ومتحضر، ومن المستبعد جدا ان تصفه احد الفتيات من حي الصافية بانه "ضكران" بمعنى انه رجل ولا كل الرجال!. وذا جلس بعيدا من الجماعة لا يفعل شي فانه لا يوصف بانه رجل خائب او ######## ولكنه ربما يوصف بانه انسان سلبي، لا غير.

    كيف تشتغل منظومة القيم:

    انظر معي في ثلاث امثلة من الواقع. المثال الاول من مدينة هيا في شرق السودان. قيل ان رجلا يقطن قرية حول مدينة هيا في شرق السودان، اثناء ما كان مسترخيا يشرب القهوة في حضور آخرين حدثت فجأة مشادة كلامية صغيرة بينه وآخر من الجماعة، فسبه الاخير قائلا يا إبن القحبة ( قالها باللغة الدارجة!) فما كان من الاول الا ان استل خنجره وغرزه في صدر الثاني فقتله ثائرا لكرامته وكرامة امه. وحكم عليه بالسجن 25 عاما، لكنه طوال هذه المدة لم يندم ولا لحظة، كما ان كثيرا من الناس حوله نظرو ا اليه كبطل. بالنسبة له هو فقد أدى عملا مقدسا، والا ستكون مكانته في الحضيض امام أقرانه ووسط عشيرته كونه سكت على تلويث شرفه!. المثل الثاني شائع جدا وهو غسل العار. حدث ان رجلا من احد القرى حول المتمة و ان حملت بنته الصغيرة سفاحا، فما كان منه غير ان ذبحها بالسكين غسلا للعار، وخرج صائحا وسكينه تقطر دما: "هو نحنا عندنا شنو غير سمعتنا" ويعني شرفنا وكرامتنا. المثل الثالث، يقال ان في احد القرى النائية الواقعة على مقربة من مدينة الدمازين، كان هناك رجل فقير في مقتبل العمر له ابن واحد عمره خمس سنوات، عمل في ليلة دامسة على تخليص فتاة من فم تمساح ذهب بها الى عرض النهر، فاستطاع تخليصها بعد عراك دامي مع الوحش النهري المخيف ودفعها الى البر بحيث رجعت سالمة الى اهلها، الا ان الرجل لاسباب غير معروفة على وجه الدقة ضاع في النهر وحمل تيار الماء جثته بعيدا الى جهة غير معلومة. فاسبغ عليه الناس في غيابه الابدى كل الصفات الحميدة واسمو ابنه ود "الكلس" اسم يدل على منتهى الرجولة و الشجاعة والمروءة والشهامة. وجاء احفاده فكانو "اولاد الكلس" واحفاد احفاده "اولاد الكلس". هذه القصة حكاها احد احفاده وهو شيخ القرية في الوقت الراهن وقال انها حدثت قبل مائة وخمسون عاما خلت.

    في المثالين الاولين نلاحظ ان الفرد ضحى تضحية جسيمة خوفا على تضعضع مكانته وسط الجماعة بفعل الخوف الرهيب من إلتصاق صفة سالبة به "عار" قد يطول نسله وافراد عشيرته ويقلل من فرصه وفرصهم في الحياة وسط الجماعة. وفي المثال الثالث فان الجماعة تكافيء الفرد ذا الولاء الطوعي المطلق للقيم السامية بالاحتفاء به عبر السنين غائبا كجسد وحاضرا في "احفاده" لدرجة انهم اصبحوا زعماء القرية او القبيلة فيما بعد.

    ذاك بالضبط ما يحدث في شبشة الشيخ برير، هناك منظومة قيم دافعة متمثلة في الرجولة، الشهامة، الكرامة، الشرف، الشجاعة، الكرم، المروءة و العزة. هذه المنظومة القيمية تقف خلف تمظهر المجتمع المدني وتبقى مسئولة على الدوام على استمرارية وديمومة تلك التمظهرات سواءا كانت هيكلية او لا هيكلية وهي قيم ال "نحن". بينما في حي العمارات او حي الصافية هناك منظمومة قيم جاذبة نجدها في الايمان بالهدف النبيل والتضامن من اجل تحقيق مصلحة مستركة، وهي قيم "الأنا".
    لاحظ مرة اخيرة كيف تترجم قيم ال "نحن" الى افعال بتتبع مبسط لابيات الشعر " الشعبي" التي ضربنا بها المثل في مكان آخر (اعلاه). هذه هي الابيات والترقيم من عندي : (1- نحن اولاد بلد نقعد نقوم علي كيفنا 2- في لقا في عدم دايمآ مخدر صيفنا 3- نحن أب خرز بنملاهو و بنكرم ضيفنا. 4- و نحن الفوق رقاب الناس مجرب سيفنا)... بقليل من اعمال التفكير سنجد ان القيم السامية الدافعة لتلك الافعال كالتالي:
    1- العزة
    2- المروءة
    3- الكرم، و
    4- الشجاعة .

    وفي كل الاحوال فان كل تلك القيم تصنعها الجماعة وفق عملية تاريخية طويلة ومعقدة تتمدد عبر اجيال بهدف تحقيق مصلحة الجماعة المحددة وضمان معاشها وبقاءها وامنها ورفاهيتها. وتخضع هذه القيم للتبديل والتعديل والتحوير على الدوام بما ينسجم والتغييرات التي تطرى على وسائل تحقيق الهدف بين زمان وآخر ومكان وآخر. لدرجة ان منظومة القيم التي تبدو صارمة ومبدئية ودونها المهج في مكان محدد ولحظة تاريخية محددة (الكرم مثلا) قد تنهار كلية وتختفي بشكل شبه كامل في العمارات والصافية بالخرطوم العاصمة وتحل محلها قيم جديدة اكثر انسجاما مع اجندة الهدف في ثوبه الجديد، فتصبح على سبيل المثال خصلة ذميمة مثل البخل (سالب الكرم) محمدة فيكون ذلك الانسان البخيل في عرف القرية "اقتصادي" في فهم المدينة. كما قد يحدث تحوير للقيمة فيصبح الكرم ذاته (التبرع للنازحين او اطفال المايقوما بالاموال) يسمى انسانية ولا احد يسميه كرما او شهامة في حي الصافية او العمارات بينما في منطقة الشوك هذه الكلمة: ال "انسانية"، قد تبدو غريبة على السامع.

    ويتواصل...

    بقلم: محمد جمال الدين حامد لاهاي/هولندا


                  

العنوان الكاتب Date
حكايات مع حبوبة "آمنة بت حماد": للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 06:14 PM
  Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 06:29 PM
    Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 07:02 PM
      Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 07:35 PM
      Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 07:37 PM
        Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 08:05 PM
          Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 08:08 PM
            Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 08:15 PM
              Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 08:18 PM
              Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 08:20 PM
              Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-08-14, 08:24 PM
                Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين محمد على طه الملك04-08-14, 09:33 PM
                  Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-09-14, 09:18 AM
                    Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-09-14, 01:52 PM
                      Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-09-14, 02:26 PM
                        Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-10-14, 00:51 AM
                          Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-10-14, 03:59 PM
                            Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-12-14, 05:43 PM
                              Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-14-14, 12:12 PM
                                Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-14-14, 06:33 PM
                                  Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين باسط المكي04-14-14, 06:44 PM
                                    Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-15-14, 10:56 AM
                                      Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-16-14, 05:00 PM
                                        Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-18-14, 00:42 AM
                                          Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-19-14, 10:05 PM
                                            Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين مني عمسيب04-19-14, 10:18 PM
                                              Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-20-14, 09:43 AM
                                                Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-20-14, 08:27 PM
                                                  Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-21-14, 01:23 AM
                                                    Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-21-14, 12:57 PM
                                                      Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-23-14, 11:38 PM
                                                        Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-25-14, 02:13 AM
                                                          Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري04-28-14, 02:55 PM
                                                            Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-05-14, 04:40 AM
                                                              Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-05-14, 07:46 PM
                                                                Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-07-14, 07:51 PM
                                                                  Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-07-14, 09:29 PM
                                                                    Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-09-14, 07:52 PM
                                                                      Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-17-14, 03:08 AM
                                                                        Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-21-14, 01:19 AM
                                                                          Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-23-14, 09:21 PM
                                                                            Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-25-14, 03:44 AM
                                                                              Re: حكايات مع حبوبة andquot;آمنة بت حمادandquot;: للروائي محمد جمال الدين الشيخ أبوجديري05-31-14, 03:34 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de