تغريبة دار الريح.. رواية جديدة...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-20-2024, 08:51 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-07-2014, 11:08 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تغريبة دار الريح.. رواية جديدة... (Re: احمد ضحية)

    2
    كان المطر يهمي.. حملوه بسواعدهم السمراء النحيلة، التي أطلت منها آلاف العروق النافرة.. مزيج من رائحة الليمون والنعناع والرّيحان البّري، كانت تفوح من جسمه العاري.. المعفر برماد ثيابه المحترقة. بدى كأن لم تمسسه نار! كأن لم يحترق!.. وعينيه اللتين كانتا ككرتين من زجاج شفاف، تتحرك خلفه آلاف الحكايا، كانتا حيتان.. تحدقان في اللانهاية. لم يغسلوه فقد غسلته النّار. قال ود التويم:
    "لم يحترق. كان بإمكانه أن لا يموت إذن!"
    فرد عليه حمد الأعرج:
    "لقد قرر.. إختار خاتمته!"
    وهم يهيلون عليه التراب اللزج، ويسوون قبره بالكوريك، بهوادة وحرص.. كانوا كأنهم يخشون إستيقاظه من سباته العميق، إذ بدى كالمستغرق في النوم، فيما بدت ريح غريبة تشتد وتضعف، تهب متهالكة حينا، وحينا قوِّية، تعبث بأزهار الجهنمية وأشجار دقن الباشا والنيم، وتطيح بزهرة عباد الشمس وعشبة صباح الخير، فتذبل كل النباتات.. وتتقشر جدر البيوت في الحال!
    مثل مقتله عبئا جديدا لهم.. هم الذين لم يفهموا البلاد الكبيرة جيدا، إذ يفهمونها الآن، كأنهم يقفون على حافة هاوية مخيفة، يطلون منها، فلا يرون سوى أنفسهم!
    لسوف يحملون هذا العبء إلى الأبد.. مات صانع الفخار الحفيد.. مات.. تركهم وحدهم وراح.. لم يترك لهم سوى ولولتهم على أنفسهم، وحزنهم الذي تحمله كل الوجوه الملتفة حول قبره،كوجه واحد!
    سلالة صانع الفخار عريقة موغلة القدم. وجدت على هذه الأرض، ولم تأت من خارجها. كان صانع الفخار الحفيد هو الوحيد من بين أفراد هذه السلالة العريقة، الذي لم يكن له خلف، يحمل إسمه من بعده، لذا كان الأهالي مدفوعين، بإحساس ما تعرضوا له من ظلم وجور، قد أشاعوا أنه سيبعث حيا فهو (المختار) و(المهدي المنتظر) و (المنقذ من الضلال).. الذي سيملأ الأرض عدلا، بعد أن ملئت جورا. وأن بعثه لا محالة قائما، وستكون عودته كالرِّيح السموم.. قوِّية.. كاسحة.. لا يمكن (للثلاثة الكبار والحاكم العام).. هؤلاء الذين يمثلون (المسيخ الدجال) ردها أو الوقوف بوجهها. وبالفعل في الشهور التالية، أكد الكثيرون رؤيته، يتجول ليلا في دروب البلدة وطرقاتها!
    كان آل صانعي الفخار، قد إنزرعوا عبر تاريخ البلدة القديمة، كالنباتات الجذرية. ظلوا يتنازعهم قلق الترحال وحنينه، إلى أماكن غير معلومة! يغيبون سنينا عددا، حتى يظن الناس أنهم ماتوا، أو قتلوا ولم يعد لهم وجود.. بل يتناساهم أو ينساهم حتى الأصدقاء والأحباب، بينما هم في الأماكن، التي يترحلون فيها، يظل يتنازعهم حنين العودة إلى البلدة القديمة، لإنجاز قضيتهم الغامضة! التي حملوها على عاتقهم، عبر آلاف الأجيال. وكان أهالي البلدة القديمة، يحكون عنهم وعن بطولاتهم، وكيف ظلوا يقاومون الغزاة والمحتلين والمستوطنين، والكيفية البشعة، التي قتل بها بعضهم، في عهود الإستعمار الأجنبي والمحلي.
    وكانوا لا يزالون يتذكرون تلك اللحظة، التي إمتلأ فيها وجه صانع الفخار الأب بالفرح والقابلة تبشره بالمولود الوحيد: (صانع الفخار الإبن)! الذي حبلت به أمه في ظروف غاية في السرِّية! فلم يتسرب أمر حملها خارج الدار على الإطلاق، خصوصا أنها ككل نساء صانعي الفخار، لم تنتفخ بطنها منذ حبلت، إلى أن وضعت حملها!..
    وفيما هي تشيد الأسوار تلو الأسوار لحماية حملها! كان صانع الفخار الأب، يتلفت حوله وقد أضناه إنتظار هذه اللحظة، بعد الإجهاضات المتكررة، التي كانت تحدث لزوجته. فهي وككل آل صانعي الفخار، عبر القرون، تجهض نساؤهم الأجنة في الشهر الثالث للحمل، لأسباب ظلت مجهولة، فلا ينجو سوى جنين واحد، يصبح هو صانع الفخار (المختار) الذي على عاتقه، مواصلة مسيرة الأسلاف!
    قبل أن يتلقى صانع الفخار الأب، خبر ميلاد الطفل بنجاح، كان يجلس وحيدا في قلب الدار، تحت ضوء القمر، وأمام عينيه تمر حياته وحياة كل أسلافه، الذين شكلت طيوفهم حضورا كثيفا في الدار، في تلك الليلة!.. جميعهم كانوا ينتظرون معه بشارة القابلة..
    وعبر طيوفهم تمر الأيام والليالي الغائرة في التاريخ، وكل الذكريات التي خلفتها العصور.. و.. وبشرته القابلة، ثم دخل على زوجته.. كانت خائفة، متعبة، تبكي فرحا، وهي تتطلع إلى صغيرها الوليد، الذي غاب عن الوعي لثلاث أيام بلياليها، حتى ظن الجميع أنه سيلتحق بأشقاءه، الذين لم يروا النور! لكن ظلت قدماه تحفران على الفراش بقوة، ليست قوة طفل في عمره، حتى أن القابلة، لم تتمكن من تحديد نوعه ذكرا كان أم أنثى!..
    وفي الليلة الثالثة إضطرت القابلة، إلى ضربه على مؤخرته عدة مرات، حتى صرخ، وأخذ يتمتم بكلمات غامضة، تبين فيها صانع الفخار الأب فيما بعد، لغة البلاد الكبيرة الضائعة المجهولة، التي ظلت مفقودة منذ آلاف السنوات! والتي لا يمكن لأحد تقليدها، وكما تقول النبؤة المتوارثة: أن صانع الفخار الحفيد، بعد عشرات السنوات، سيتعلمها من صانع الفخار الإبن، وينشرها في كل البلاد الكبيرة، فتوحدها وتزرع فيها المحبة والسلام!
    ولد صانع الفخار الإبن ككل صانعي الفخار، بعد ستة أشهر وستة أيام من حبل أمه به، في يوم ككل أيام أواخر الخريف في البلاد الكبيرة، ذات أمسية باردة، أطفأت حرارة شمس ذلك اليوم الغائظ، الذي كان بخاره لا يزال يتسرب مع رطوبة الجو.. كان يوما غائظا، دفع بأهالي البلدة، للإنتشار بعناقريب القِّد والهباب، تحت ظلال النيم. في تلك الأمسية، التي إنسلخ فيها القمر من وراء السحب الداكنة، في اللحظة نفسها، التي قالت فيها القابلة، بعد ثلاثة أيام وهي تقهقه بفرح طفولي:
    "عفريت صغير.. ولد"
    حمل صانع الفخار الأب الوليد بين زراعيه، وأخذ يقبله، وهو يهمهم بكلمات يفهمانها وحدهما. وقتها كان الحاكم العام، الذي جاء إلى السلطة بإنقلاب على حكومة الإستقلال من الإستعمار الأجنبي، إستجابة لنبؤة (عراب حزب الحقيقة المطلقة -العرّاف) الذي أقنعه:
    "أنه الزمان، الذي سيولد فيه من ينازعك حكم البلاد الكبيرة"
    وبناء على هذه النبؤة، اطلق الحاكم العام عسسه بحثا عن المواليد الذكور الجدد، الذين كان العسس ينتزعونهم من أهلهم، ليقتلهم الحاكم العام بنفسه،بدم بارد. ثم يدفن جثثهم في الباحة الخلفية لقصره، حيث يزرع نبتة البنقو الشقية، التي تتغذى على تحلل أجسادهم الصغيرة!
    إستمر الجميع على إختلافهم، حول السنة التي ولد فيها صانع الفخار الإبن. فبينما يزعم البعض، أن ذلك حدث في السنة السابعة للمجاعة، التي باع فيها الحاكم العام، بني شنقول وأرضهم للنجاشي، والتي تلتها سبع سنوات من الخير الوفير، بدأت بميلاد صانع الفخار الإبن -ولأن آل صانعي الفخار، لا يتقدمون في العمر، إذ يتوقف بهم الزمن عند سن الأربعين، بينما يكون أقرانهم قد أكلت السنون أجسادهم، وقد نهشتهم الهموم وأمراض الكبر! لهذا السبب كان البعض، ينسب هذا التاريخ لصانع الفخار الأب نفسه، وليس الإبن- بينما يشتط آخرون، فينسبونه لصانع الفخار الحفيد!
    صانع الفخار الأكبر، الذي قطن هذا الجزء من البلاد الكبيرة، لم يرد بتأسيس البلدة القديمة هنا، في هذا المكان بالذات.. عند ملتقى النيلين.. أن يربط بين أجزاء البلاد الكبيرة، بل أن يجعل من البلاد الكبيرة، عاصمة للقارات حولها. غير أن الغزاة المتعاقبون، قضوا على هذا الحلم، الذي اعتبروه ساذجا! وهكذا بفضل مجهوداتهم الجبارة، أصبحت البلاد الكبيرة، مجرد رقعة متآكلة الأطراف! وجسرا متهالكا، يعبر عليه الآخرون، وهم يصبون عليها اللعنات بسخاء!
    نواصل
                  

العنوان الكاتب Date
تغريبة دار الريح.. رواية جديدة... احمد ضحية01-07-14, 10:17 PM
  Re: تغريبة دار الريح.. رواية جديدة... احمد ضحية01-07-14, 11:08 PM
    Re: تغريبة دار الريح.. رواية جديدة... Abuzar Omer01-07-14, 11:58 PM
      Re: تغريبة دار الريح.. رواية جديدة... احمد ضحية01-08-14, 00:50 AM
        Re: تغريبة دار الريح.. رواية جديدة... احمد ضحية01-08-14, 02:42 AM
          Re: تغريبة دار الريح.. رواية جديدة... احمد ضحية01-08-14, 03:03 AM
            Re: تغريبة دار الريح.. رواية جديدة... احمد ضحية01-08-14, 06:00 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de