|
الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
|
حكاية الانسان معروفة، فالانسان يولد نتيجة لالتقاء خليتين جنسيتين واحدة واردة من أنثى و أخرى واردة من ذكر و يتم هذا اللقاء بداخل رَحِم المرأة .. ونعرف حكاية اطفال الانابيب فهم أيضا بحاجة لرَحِم لأن ما يتم في الانبوب هو الإخصاب فقط. ليتحول الانسان من حالة الاعتماد الكلي علي الناضجين حوله إلي حالة الاعتماد علي الذات يحتاج كدحاً يستمر لعدد من السنين كافية لاستنفاد اغراض يفاعته و هي كثيرة جدا مقارنة بما يحتاجه حيوان آخر من الثديات لانجازمهمة الاستقلال التام عن الابوين. يتفاوت عدد السنين تلك للانسان بين حالة اجتماعية و أخري فهنالك "ناس دَرْدَمَا زَقَلا و ناس دَرْدَما ملّسَا خَتّا". يثابر بعضنا بجدٍ للتعبير عن أسفهم لموت قريب أو صديق أو جار فيكون هذا التعبير عن الحزن متفاوتا أيضا بإختلاف الامور المتعلقة من ناحية بالميت ومن ناحية أخري بمن هم حوله من الاقارب و الاصدقاء و الجيران. لا أريد الخوض في فكرة مراسم الجنازة و ما يستتبعها من صلاة علي الميت او للميت و غيره لأن لاهل السودان المختلفون في الدين و الثقافة طرائق مختلفة في اكرام موتاهم. عادة ما يتكلم السودانيون من أهل الثقافة العربية و الدين الاسلامي عن موتاهم بنوعِ من المبالغة في التعظيم. فتراهم يتذكرون محاسن موتاهم من بين دموع الفقد و الحزن فيتحول الموتي في العقل الجمعي لصالحين و أولياء من اصحاب الكرامات أحياناً. و قديما قيل "ربنا ما يجيب يوم شكرك" و المقصود ربنا يطول عمرك!. ذكر المحاسن و تفنيدها و تصنيفها يسمي نَدْب الميت ارجو شاكرا مراجعة المعني من القاموس ادناه. ونَدَبَ الميتَ أَي بكى عليه، وعَدَّدَ مَحاسِنَه، يَنْدُبه نَدْباً؛ والاسم النُّدْبةُ، بالضم. ابن سيده: ونَدَبَ الميت بعد موته من غير أَن يُقَيِّد ببكاء، وهو من النَّدَب للجراح، لأَنه احْتِراقٌ ولَذْعٌ من الـحُزْن. والنَّدْبُ أَن تَدْعُوَ النادِبةُ الميتَ بحُسْنِ الثناءِ في قولها: وافُلاناهْ !واهَناه! واسم ذلك الفعل: النُّدْبةُ، وهو من أَبواب النحو؛ كلُّ شيءٍ في نِدائه وا! فهو من باب النُّدْبة. عرفنا من معني الكلمة في القاموس أن هذه العادة عادة عربية لأن كلمة النَدْب في العامية السودانية مازالت تحتفظ بعروبتها القاموسية الواضحة. و احيانا يقال " الوِصَيف" و هو بنفس معني النَدْب أي التوصيف. و مثلا فأدناه شعر قالته الشاعرة شهاوي بت المك عجيل ترثي الامين ود النو كم شدو له فوق مربيت المقوي الثابي ما انهديت ابوي التام ضراع الليث إلي ان تقول: الداخرنه للحوبات كم جالس وِلاد خيمات قولي القلته ما في غُلات مين قبله المكرم مات. و عند بعضنا ليس هنالك سبيل للاختلاف حول بطولة الميت و صلاحه و حسن خاتمته. و كما قالت الشاعرة "ما في غُلات". صادف النَدْب العربي ميراثا ماكثا في تعظيم الأسلاف معروف عند اهل حضارة النوبا القديمة فلقد عبد اهلنا التمساح ليس لضرواته و قوته بل لأن ارواح الاسلاف تسكن جسده. و إلي زمان قريب كنا نشاهد التمساح معلقا علي ابواب المتاجر و البيوت في اشارة لعظمة الاسلاف كأنك تقول لولا عظمة اسلافي لما صرت إلي ما صرت إليه أو ربما فقط بقية من طلب قديم للمعونة من رب عبده أهلنا لازمان طويلة و مجيدة. و في تعظيم الموتي ابتني اهلنا إهرامات و بَنِيّات باذخة العلو و محتشدة بالمجد المرصوص كأحجار البناء نفسه. و لقد استلف الصوفيون ذلك الميراث ( ميراث الهرم او المدفن الملكي المضلع) فجعلوا لمشايخهم العظام قباباً مستديرة و مخروطية و نعلم أن بالسودان قباب مضلعة هرمية لمشايخ صوفيين. بذلك تكون الثقافة ماكثة و حاضرة و كذلك ما يستتبعها من شعور برغم تغيّر الدين. يستمر هذا الميراث في تعظيم الموتي إلي يومنا هذا فنري البعض يسارع في اظهار حبهم و تقديرهم للميت دون أن يتذكروا إن كانوا قد شكروه و هو حيّ بينهم فقط للتعبير عن امتنان لشخص سيجيء يوم نبكيه و نؤلف الأشعار لنندبه. و يجب ألا ننسي أن في ثقافتنا المحكية كلمات و عبارات تذم الشكر و المدح للأحياء كقولهم "الشكروه قدامو نبزوهو" "و أبليس شكار نفسو" فهل نحن من أمة تمارس الشكر لأهل الفضل بعد الموت. معروفة تلك المشاعر الطيبة التي تتركها كلمة " شكراً" و نعرف أن الشكر و الثناء يسندان دوافع أخري متوفرة في النفس السوية؛ دوافع نحو النجاح و المثابرة و فعل الخير. فلماذا لا نقل شكراً. هل هو عبء الثقافة و حمولة الموروث؟ أم هو قبحٌ تسبب فيه سوء هضم للموروث.
طه جعفر
|
|
|
|
|
|
|
|
|