دفتر احوال ضابط الشرطة المناوب{2011}

Quote: واسطة العقدأهدي هذا البوست لكل رجال الشرطة الوطنيين الذين قامت على أك########م هذه المؤسسة القوية الضاربة في الأخلاق والقدوة السودانية وهي منارات نبثها هنا لأجيالنا ليعرفوا من بنوا هذا الوطن ومن سكبوا فيه خيرة خبراتهم وعرقهم ودماءهم فالفضل لمثل هؤلاء الرجال وليس لمن سطوا عليها بليل """أقف هنا إجلالاً وإكراماً لعمنا ونسيبنا فهو رجل كان له الفضل في عدم انتسابي لتلك المؤسسة لأننا أتينا في الزمن الردئ منها فكانت نعم النصائح من رجل قامة مثله وأب ناصح كريم ومربي فاضل أسأل الله أن يسكنه الفردوس الأعلى بما قدم لوطنه من خدمات جليلة ولا زال أبناءه على الدرب يسيرون في شتى المجالات والدنا سعادة اللواء عليه الرحمة بابكر أحمد عبيد فللرجل سيرة طويلة أحب أن يسردها أبناء تلك الدفع التي تخرجت على يديه ،،، كما أقف إجلالاً للواء شرطة الشايقي هاشم حسن فهم خيار من خيار وأسأل الله له الرحمة والمغفرة"" بقلم / محي الدين محمد عليكان الإلتحاق بكلية الشرطة.. والكلية الحربية قبل الإستقلال.. وحتى سقوط حكومة الفريق عبود.. محكوماً بإعتبارات خاصة.. وخاضعاً لتزكيات عديدة.. لا نسميها «وساطات» .. وكانت فرصة .. أبناء الفقراء والبسطاء الذين لا ظهر لهم.. في الإلتحاق بهذه الكليات أضيق من سَم الخياط.. ومع كل ذلك... ولما أعلن عن قبول دفعة جديدة لكلية الشرطة.. تقدمنا بطلباتنا .. آملين في ضربة حظ تصيبنا وتعيننا على إقتحام العقبة.. وتحقق ذلك بفضل الله.. مع رياح التغيير العاتية التي أحدثتها ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر 1964م وكان من بين قراراتها.. إعادة العميد بابكر أحمد عبيد الذي فصلته حكومة 17 نوفمبر الى الخدمة.. وتكليفه بالإشراف على إجراءات القبول لكلية الشرطة.. فألتزم التزاماً صارماً بضوابط القبول.. والشرط الأكاديمي بخاصة.. مع إجتياز إمتحان القبول.. والمعاينات وإجراءات الكشف الطبي.. والتي يتقرر بموجبها صلاح الضابط .. لتقبل التأهيل الأكاديمي وتحمل التدريب الميداني.. والتخرج كضابط شرطي.. يؤدي العمل بكفاءة..ولم يمضِ وقت طويل حتى أُذيعت أسماء المقبولين وعددهم خمسة وثلاثين طالباً فقط.. إجتمعوا جميعاً في ساحة كلية الشرطة ببري.. صباح الثلاثاء الموافق العاشر من مايو 1965م وأخذوا يتبادلون التحايا.. يعرفون أنفسهم ويتعرفون على زملائهم تحفهم البساطة والسماحة من كل جانب.. وكان ذلك أيذاناً بمولد دفعة خالصة لأبناء الفقراء والبُسطاء هي الدفعة المتميزة.. تأهيلاً وأداء.. والمعروفة بـ«22» أو دبل تو كما يحلو لنا أن نسميها.إصطف طابورنا «الملكي» لأول مرة وقد إرتدينا «لباس الطُلبة» قميص وسروال من الدبلان مع الجزمة «الباتا» وأطل علينا ضابط الميدان المرعب.. تاج السر حامد الباترا بوجهه الذي يموج بالخلجات كالفهد الأفريقي وبعينيه الجاحظتين المتقدتين وصوته الصاخب كزئير الأسد وأخذ يجوس بين الصفوف كمن يختبر فرائسه.. ولا يكف عن التعليق ناس زي حملان الخريف.. وناس زي جراد العشر.. وناس زي قرود الطلح.. وناس أظنها جاية من بلاد الفاشسكا.. ثم يبدأ من أول الصف يسألنا فرداً فرداً أنت من وين.. الجنس شنو.. المدرسة القريت فيها.. وكنا نجيب بإنضباط .. ثم ينتقل من طالب إلى آخر.. حتى وقف أمام طالب يبدو هادئاً ورزيناً ومتزناً.. كما يبدو أوفر عافية وصحة عن الآخرين.. وقد تساقطت بعض الشعيرات من مقدمة رأسه.. توقف الباترا طويلاً.. يتأمله ويحادثه بحديث أكثر.. قلت لي من الكاملين؟! ناس منو في الكاملين؟! وقريت في مدرسة حنتوب.. أظنك كنت ناظر المدرسة!! وضج الجميع بالضحك .. وتجمعوا.. حول الطالب هاشم حسن الشايقي يتعرفون عليه ويداعبونه.. بمسماه الجديد.. «الناظر» الذي عرف به بين أبناء «دبل تو» على وجه الخصوص.. وكان يتقبله ولا يتضايق منه أبداً.. وأنتظمت الدراسة في الكلية .. وتوزعت الدفعة بتلقائية على عدة مجموعات.. تربط كل واحدة منها.. علاقات خاصة وأهتمامات متقاربة.. وكان الناظر وحده.. يتمازح مع كل المجموعات يشيع بينها الإلفة والمودة والإبتسامة يحب الجميع ويودهم .. والجميع يحبونه.. ويودونه.. وكنت الأوفر حظاً.. بالجلوس إلى جواره في قاعة المحاضرات.. والإستمتاع بتعليقاته الهامسة .. الساخرة .. وأقاصيصه اللطيفة التي لا يتيحها للجميع..أخذتنا الكلية ذات مرة إلى سوبا ومن هناك أمرنا بالعودة ركضاً إلى كلية الشرطة في بري.. لإدراك شاي الصباح ومن ثم تناول الإفطار.. فأنتحى بي الناظر جانباً.... وقال لي .. لوما جرينا شديد.. الجماعة حيفوتونا وما نلم.. لا في الشاي ولا الفطور فأنطلقنا نجري في المقدمة.. بسرعة هائلة حتى إختفينا عن أنظار الدفعة .. ولكن التعب والإرهاق .. أصابنا فتقاصرت خطواتنا.. ولحق بنا الجميع وتخطونا .. وأصبحنا في المؤخرة .. وعند مداخل بري تمدد «الناظر» على الأرض .. وقال لي أمش ودي الخبر.. قول ليهم هاشم رقد سَلَطة .. فقلت له.. أمشي ليك بي كرعين منو؟ فأخذ يضحك من أعماقه.. فجاء أحد المواطنين وأخذنا بعربته قريباً من الكلية وكلما توقف.. قال له هاشم: كمان شوية.. شوية كمان.. شوية كمان.. ومع شوياته وكماناته داهمنا الحكمدار وقتها إبراهيم أحمد عبد الكريم .. وكان من كبار ضباط الكلية فزج بنا محبوسين في الكركون وضاع .. علينا الشاي والفطور.. والخميس..!.وبعد التخرج .. و«التشتت» في أنحاء الوطن.. ظلت العلاقات بين أبناء «دبل تو» وطيدة.. وكان هاشم أكثر حرصاً عليها.. ولا زالت في خاطري.. رسائله التي كان يكتبها بالشفرة ويرسلها لنا من قوقريال عبر جهاز الراديو فون.. وأنا في يامبيو البعيدة.. فأستمتع بفك رموزها وقراءتها.. كأغلى تسلية وترويح للنفس في ظل تلك الظروف القاسية التي كنا نعيشها منقطعين عن أخبار الأهل والأصدقاء .. ولما عدنا من الجنوب الى الشمال تفرقنا مرة أخرى أيدي سبا.. ولكننا ظللنا على إتصال.. نتسقط أخبار بعضنا البعض بكل الوسائل المتاحة .. وكنا نسعد وقتها ونغبط ونحن نسمع عن ود الدفعة هاشم.. الذي ذاع صيته في مجال العمل الجنائي .. وتفوقه في الكثير من القضايا المهمة.. حتى صارت الأقسام ـ تسعى إليه ليتولى إدارة العمل الجنائي فيها.. عمل هاشم.. في شرطة السكة الحديد .. وولاية الخرطوم .. وفي مواقع كثيرة.. من بينها الولاية الشمالية.. والتي كان مدير شرطتها ولازالت بصماته باقية فيها.. وقد أكرمني إبان عمله هناك بتفقد أهلي وأُسرتي والتعرف عليها.. ومعالجة العديد من مشاكلها التي كنت أكلفه بها.. ويؤديها عن طيب خاطر..وعندما .. وقعت ثورة الإنقاذ الوطني عام 1989م تمت ترقية هاشم الى رتبة اللواء .. كعضو فاعل في قيادة الشرطة الجديدة.. والتي كلفته بحكم خبراته.. وقدراته ليتولى أعباء مدير شرطة ولاية الجزيرة.. ولكنه.. إختلف مع والي الولاية.. الذي طلب منه إخلاء المنزل الحكومي لصالح أحد الوزراء.. ورفض هاشم هذه الإهانة .. ورفض إخلاء المنزل الذي إرتبط بالشرطة لعقود خلت.. وفضل الذهاب على أن يفرط في حق من حقوق الشرطة أو يفقد إحترام قواته التي كانت ترى فيه قائدها.. ورئيسها.لقد كان اللواء هاشم حسن الشايقي.. رجلاً سهلاً .. متواضعاً .. ومتعاوناً ومتصالحاً مع الجميع.. ولكنه كان شرطياً حتى النخاع .. يحرص علي كرامتها.. ويحافظ على مكانتها.. ويبدو أن التآمر عليه كان خبيثاً وذكياً فخرج من صفوف القوة كريماً كما دخلها وكان بذلك أول من تقاعد من أبناء الدفعة «دبل تو» وسرعان ما لحق به الآخرون!!.إغترب هاشم وناضل من أجل أُسرته الكريمة.. حتى هدَّه المرض.. ولكنه ظل قوياً.. متمسكاً بحبال الأمل ومتماسكاً لا يشكوا كثيراً.. ولا يطيل الحديث عن مرضه .. ويبدو.. وكأنه معافى تماماً أمام أبنائه وأُسرته .. يسأل زائره عن صحته.. قبل أن يسأله الزائر ويُسرِّي عنه بالضحكة.. والطُرفة وبقدر ما زرته.. وزاره الزملاء .. ظل هاشم عادياً.. ضاحكاً.. يحمدالله على ما أصابه .. ولا يتبرم من شىء.. إلا وجوده في المستشفى.. ويرغب أن يكون في داره.. حتى لايثقل على أهله وأصدقائه.. الذين ظلوا من حوله ليل نهار.. ولكنه وبعد أن تحققت رغبته في العودة إلى داره.. ساقه المرض مرة أُخرى إلى المستشفى .. ليدخل إلى العناية المكثفة.. ثم ينتقل إلى جوار ربه صباح الجمعة المباركة 21/5/2010م حيث شيع في موكب مهيب من الخرطوم.. إلى مدينته الكاملين .. ليواري الثرى هناك .. نزولاً عند رغبته الدائمة في التخفيف عن أهله..لقد فجع الموت من قبل «دبل تو» وأختطف قمرها المنير.. اللواء قمر الدين محمد أحمد.. وها هو يكررها ويفجعنا ثانية بإختطاف واسطة العقد وجوهرة الدفعة.. حبيبنا وناظرنا اللواء شرطة هاشم حسن الشايقي.. عليهما الرحمة ولهما الجنة مع الصديقين والشهداء.أكتب هذه الكلمات في رحيله.. لتبدو كإبتسامة بين الدموع.. لأن هاشم.. كان رجلاً مرحاً .. مؤمناً دائم الإبتسام .. ويكره الحُزن والبكاء.. ولا يتعلق كثيراً بالحياة.. وزخرفها.خالص العزاء للأهل في الكاملين في فقدهم الجلل.. وخالص العزاء لقبيلة الشرطة كلها لأن الراحل كان علماً من أعلامها.. وخالص العزاء لأصدقائه وزملاء الدراسة في حنتوب.. الذين إفتقدوا برحيله.. الذكريات الجميلة الطيبة أما نحن أبناء «دبل تو» الحزانى.. فلا نملك من الأمر شىء.. سوى الانضمام لأسرة الراحل العزيز.. ولنعزي أنفسنا راضين بأمر الله وقدره سائلين الله.. أن يسبع الصبر على الجميع.. الحاجة سامية.. وابنتيه رحاب وأسيل.. وأبنائه خالد وحسن ومحمد.. وسائر أهله وأصهاره وأحفاده.. (إنا لله وأنا إليه راجعون