الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فلعكو شين!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 09:16 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2013, 06:13 PM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7346

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فلعكو شين!! (Re: طه جعفر)

    المنتقص من الرّجولة في الفترة الاستعماريّة بالسّودان فقطعاً تعود إلى السّلطة التي التي كان يتمتّع بها الفاعل الاستعماري. بهذا ساءت سمعة المدارس النّظاميّة أوّل عهدها بالنّظر إليها على أنّها مفسدة للأولاد.

    فشت ظاهرة التّحرّش الجنسي اللواطي خلال القرن العشرين على وجهٍ أخصّ في المراكز الحضريّة، وارتبطت بالمدارس وطبقة الأفنديّة، واشتُهر أكثر ما اشتُهر بها قطاع من المدرّسين ورؤساء الأقسام بدواوين الحكومة، ثمّ في مجالات حداثويّة أخرى مثل الرّياضة والغناء، ثمّ بين بعض السّاسة والمتنفذّين في جهاز الدّولة. وهكذا انتشرت ظاهرة اللواط بكثرة نسبيّة قبيل منتصف القرن العشرين واضمحلّت في أخرياته، ولا عجب، إذ كانت تتلقّى رعاية استعماريّة بمجرّد غضّ الطّرف عنها. وقد ساعد في انتشارها انتكاسة وضع المرأة في المراكز الحضريّة بخلاف وضعها في الرّيف. وهذا يشي بالوضع المقلوب للحداثة ممّا أفضنا فيه في مكوّنات إنسان أمدرمان. كما ساعد انفتاح المجتمع نوعيّاً في أخريات القرن العشرين، جرّاء تزايد تعليم البنات وانفتاحهنّ، على زوال واضمحلال الظّاهرة. ولا نعني بذلك انتهاء المثليّة، فهذا ممّا لا يمكن الزّعم به؛ ما نعنيه هو اختفاء ظاهرة التّحرّش الجنسي بالصّبيان (أو ثقافة الغلمان) بوصفها من مخايل الرّجولة والفحولة.

    يخرج الصّبيان الذين تعرّضوا للاعتداء الجنسي، في المجتمع السّوداني المحكوم بمعياريّة الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة، وهم يعانون من جملة من المشاكل المرتبطة بالفهم الخاطئ للرّجولة، إذ عادةً ما ينشأون برجولة مجروحة ومشكوك فيها، وهكذا قد يخرجون للنّاس في مقبل أيّامهم بنفسيّة أذَويّة traumatized، مصابة بعدم الثقة في النفس. وبالتّالي قد تعمد هذه الشخصية لأن تكون تصالحية غير مهاجمة. وعلى هذا قد يحدث تماهي، فيقضون بقيّة حياتهم متصالحين مع حقيقة أنهم خُلقوا هكذا. ولكن هذا قد لا يعني رضاءهم فعليّاً وحقيقيّاً بهذا المصير، فقد تتولّد في دواخلهم أحقاد دفينة تجاه المجتمع ككلّ، وبخاصّة إزاء القطاعات التي تزدريهم. ومن بين رماد هذا الحقد الدّفين ربّما تتخلّق جرثومة نزعات لعنف كامن عميقاً في تلافيف النّفس وخفاياها اللاشعوريّة. وبالطّبع ليس أيسر من توظيف هذا العنف الكامن من قبل العديد من الجهات المستغلّة manipulative، التي لا يوجد "أشطر" منها في اكتشافه والانتباه لوجوده رغم كمونه. ولكن لا بدّ من توفّر التّهيّؤ النّفسي حتّى تقوم هذه الجهات بتحريك تكتيكاتها التي تأتي بأحد حالتين، الأولى إعلائيّة sublimative والثّانية انحطاطيّة degenerative.

    يكمن التّكتيك الإعلائي في أن يقوم هذا الشّخص المأزوم (أو أن يُدفع ليقوم) بالانتماء إلى حركة فكريّة سياسيّة، أو أيّ تنظيم آخر، من المفترض أنّه يعمل في سبيل صالح المجتمع والإنسانيّة (كيفما اتّفق فكرُه)، وذلك إمّا تكفيراً أو تجاوزاً لجراحات النّفس الغائرة من ذلك الماضي الأذوي؛ وتأتي الحركات الإسلاميّة بخاصّةٍ والدّينيّة بعامّة كأحد أقوى المرشّحين لاستيعاب هذه الشّخصيّات المأزومة، وذلك كون الدّين يكفّر ويجُبّ ما قبله، على عكس الحركات اليساريّة الكلاسيكيّة، إذ ترفض هؤلاء وتعتبر ذلك الماضي نقيصة لا تُكملُها منجزات مقتبل العمر ومآلاته. وفي الحقيقة ظلّت تهمة التباس ماضي بعض منسوبي حركة الإخوان المسلمين بالمثليّة في مطلع شبابهم تطاردهم إلى الكهولة، بالحقّ أو بالباطل. من ذلك ما أورده شوقي ملاّسي (2004: 31) بخصوص أهداب التّهمة التي لاحقت زعيم حركة الإخوان المسلمين، شيخ حسن التّرابي، طيلة عمره منذ أيّام الطّلب بمدرسة حنتوب الثّانويّة، أوائل الخمسينات، والرّجل لا يعبأ بها في صمدانيّةٍ نضاليّة تستوجب الإعجاب. يقول ملاّسي: "مضى العام الدّراسي الثّالث هادئاً قبل أن تنفجر قنبلتان. كانت الأولى اجتماعيّة وغير هامّة، لكنّها شغلت المدرسة ومجتمعاتها زماناً. وقعت الحادثة في داخليّة أبو عنجة، التي كان يرأسها جعفر نميري، وعرفت بقصّة (كشكوش ـ التّرابي) عندما انتشر خبر عن اعتداء، أو محاولة اعتداء من الطالب كشكوش على الطّالب حسن التّرابي. وراجت قصص وسط الطّلاّب حول هذا الأمر، ونتج عن ذلك الحادث طرد الطّالب كشكوش من المدرسة، ثمّ طلب المستر براون [ناظر المدرسة] من الطّالب حسن التّرابي أن يستعدّ لامتحان الشّهادة من الصّفّ الثّالث. وبالفعل امتحن التّرابي ونجح في إحراز شهادة كيمبردج، متفوّقاً حتّى على زملائه الذين امتحنوا معه بعد إكمالهم للصّفّ الرّابع". بعد هذا يورد ملاّسي أنّ القنبلة الثّانية ذلك العام كانت تتعلّق بقرار وزير المعارف، عبد الرّحمن علي طه، بطرد مائة طالب من مدرسة خور طقّت الثّانويّة بالقرب من الأبيّض. ونقدّم هنا عدّة ملاحظات، أوّلها أنّ الحادثة غير مؤكّدة لشاهد عصر إذا ما كانت اعتداءً قد وقع أم محاولة اعتداء؛ ثانياً، لم يأبه ذلك المجتمع، ولا يزال غير آبهٍ، بهذه التّفصيلة المهمّة، فهو في تعطّشه الفضائحي يساوي بين وقوع الحدث وبين المحاول فيه؛ والمجتمع في هذا إنّما يتصرّف مثل مدمن المحدّرات الذي يتمنّى لو أنّ المجتمع كلّه قد أصبح مدمناً. فانتهاك أعراض الصّبية أصبحت منتشرة لدرجة انّ هناك تيّاراً غالباً يريد لأيّ صبي صغير أن يقع ضحيّة لهذه الظاهرة الغاشمة، أكان ذلك بالحقّ أم بالباطل؛ ثمّ فلنلاحظ كيف طوى النّسيان الجاني، بينما لم يتحرّر الضّحيّة من تبعة تهمة لم تثبت عليه بالدّليل القاطع.

    ومن أكثر الإفادات جسارةً في هذا الشّأن ما نسبته بعض أعمدة الصّحف الموالية للحركة الإسلاميّة على لسان أحد الولاة (كرم الله عبّاس، والي القضارف) باتّهام بعض منسوبي الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) بممارسة اللواط وإمكانيّة فتح بيوت مخصّصة لهذا، مع التّهديد بإغلاقهاً. فقد جاء عن الوالي أنّه "... مضي في جنونه ليقول بالصّوت العالي إنّ هناك ممارسات لا أخلاقيّة، حتّى داخل حزب المؤتمر الوطني، متّهماً بعض أعضائه بممارسة أفعال قوم لوط، وحدّد أماكن بعينها لترك فتح [كذا] أبوابها لهؤلاء المنحرفين، مهدِّداً إيّاهم بإغلاقها خلال مدّة زمنيّة لا تنقص ولا تزيد" (عبد الماجد عبد الحميد، عمود صدى الخبر، "كرم الله عبّاس: سقوط القناع والعمامة"، جريدة الانتباهة، 8/5/2010، العدد رقم 1597). ولكن، الحقيقة التي لا يمكن أن يماري فيها النّاس أنّه لا يمكن حصر هذه الممارسة في فئة بعينها، ذلك أنّ المثليّة الذّكوريّة ليست سوى ثقافة استشرت بين طبقة الأفنديّة، وترسّخت منذ عقود سبقت قيام تنظيم الإخوان المسلمين بكثير. أللهمّ إلاّ أن يكون ذلك لغرض، مثلما هو الحال في الكيد لشيخ التّرابي.

    أمّا التّكتيك الثّاني الانحطاطي، فهو أن يتمكّن الحقد من الشّخص المأزوم إلى درجة أن يصبح مستعدّاً للانتقام الذي لا يلحق بمن آذوه بالضّرورة، بل بالمجتمع الذي قد يبدو غير مبالٍ به ولا بما يعانيه. وأكثر التّنظيمات الملائمة لاستيعاب هؤلاء هي الأجهزة الأمنيّة في الأنظمة الديكتاتوريّة، حيث يضطلعون بمهام التّعذيب الوحشي الذي يشبع فيهم نهمَهم المرضي للانتقام. هناك أدلّة كثيرة تشير إلى أنّ أجهزة الأمن خلال نظام مايو قد لجأت إلى استخدام بعض ضحايا التّحرّش الجنسي الأطفالي، ممّن انتهى بهم الأمر على المثليّة، في غرف تعذيبها. كما هناك إفادات عديدة عن العنف المبالغ فيه الذي بدأ به نظام الإنقاذ الإسلامي، حيث يرى بعض المراقبين إمكانيّة أن يكون لهذا العامل دور كبير في صرعة التّعذيب الوحشي فيما عُرف ببيوت الأشباح. وحسب فهم ميشيل فوكو في مسألة الانضباط والعقاب، قد تكون هذه النّقلة العقابيّة التي لم يألفها المجتمع قد جاءت كتطوّر لتراكمات الحقد والكراهيّة الذّاتيّة والأخرويّة، مدّشنةً بذلك عهد انتهائها (راجع الفصل الثّامن أعلاه). ولكن مع هذا لا تخلو المسألة من محاولة لمقايسة الوضع في بعض الدّول المجاورة، العربيّة منها والأفريقيّة، بوضع السّودان.

    هذا ما كان بخصوص التّحرّش الجنسي الذّكوري، وهو شيء ذو خطر في مجتمع تقليدي يربط المثليّة الجنسيّة بالأنوثة، وهذا ما استدعى التّعرّض له لتبيين أنّه شيء يختلف تماماً، الأمر الذي يوجب آليّة مختلفة للتّعامل معه، ومنذ الصّغر. أمّا النّوع الثّاني من التّحرّش الجنسي فهو ذلك الموجّه ضدّ المرأة وصغار الفتيات في العمل والمدارس والجامعات تباعاً، وهو ما سنتعرّض له أدناه، لكن ليس قبل التّعرّض للمثليّة بين النّساء.

    التّحرّش الجنسي بالمرأة وظاهرة المثليّة النّسائيّة

    فيما يتعلّق بالمثليّة النّسائيّة هناك مؤشّرات عديدة، ولكن مسكوت عنها بطبيعة الحال، تُشير إلى أنّها كانت قد استشرت إبّان العهد المايوي عندما كان تنظيم الاتّحاد الاشتراكي يدير شئون البلاد. وقد دخلت هذه الظّاهرة إلى غِيابة المسكوت عنه، وذلك بزوال نظام مايو الذي لم يكن سوى قائمة عرض طارئة لظاهرة ربّما كانت أرسخ قدماً منه. فالمؤكّد أنّ هذه الممارسة كظاهرة بدأت في منتصف القرن العشرين، وذلك تحديداً بامرأة من أصول شاميّة، وُلدت بالسّودان، ثمّ درست بالخارج وعادت إليه وهي ناضجة. وقد استهدفت نساء الأسر من الطّبقة المتميّزة اجتماعيّاً. بعد ذلك انتشرت هذه الظّاهرة بين النّساء والفتيات العاملات، أي اللائي خرجن للعمل. وربّما كان ذلك معاوضةً لتشدّدهنّ في التّعفّف من حيث علاقاتهنّ بالرّجال، وهو ما جعل المجتمع يقبل أن يخرجن للعمل. في منتصف ستّينات القرن العشرين استشرت هذه الظّاهرة بين العديد من النّساء العاملات في الخدمة العامّة، وتحديداً المهن التي ترخّص المجتمع للنّساء بمزاولتها كالتّعليم والتّمريض وخلافه، وبوجهٍ أخصّ انتشرت بين العاملات اللائي عشن حياة الدّاخليّات. وهكذا ما إن جاء نظام مايو حتّى خرجت هذه الظّاهرة إلى الضّوء، مستقوية بالوضع المائز الذي نالته المرأة أوّل سنيّ مايو. وقد تردّد حينها أن بلغ الأمر درجة قام معها الرّئيس نميري باستدعاء بعضهنّ، محذّراً لهنّ ممّا يفعلن. واليوم لا تزال المثليّة النّسائيّة تمارس، وبخاصّةٍ بين فتيات الجامعات، دون أن يبلغ المجتمع درجة ولو دنيا من الرّشاد والنّضج لمواجهة هذه الظّاهرة. وكيف يمكن لنا أن نحلم بهذا في مجتمع ازورّ عن مواجهة قضيّة دوليّة مثل مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)!

    ولعلّ ممّا يجعل المثليّة النّسويّة كامنة في تلافيف قطاعات المجتمع وغير ملحوظة ذكوريّة المجتمع الطّاغية نفسها. إذ حكمت أيديولوجيا هذه الذّكوريّة على المرأة أن تتقلّص حركتُها في أضيق مجال ممكن. في هذا جاز استفراد النّساء بعضهنّ ببعض دون أن يُثير هذا شكوك الرّجل. ولهذا قد لا يلاحظ مجتمع الذّكور وجود هذه الظّاهرة بين نسائه، بينما تعجز النّساء عن تداول هذه القضايا بغية تعيير من يقعن تحت طائلة المثليّة منهنّ لذات التّابوهات المتعلّقة بالجنس إلاّ خلسةً. كما ساعدت ذكوريّة المجتمع الطّاغية في تجاهل هذه الظّاهرة من منطلق أنّ المثليّة النّسائيّة لا ضرر منها ولا خوف طالما أنّ المرأة لا تملك عضواً ذكريّاً، ذلك كون هذا العضو شرطاً لازماً لتشكّل التّابو الجنسي، هذا حتّى لو اصطنعت المرأة لها واحداً ممّا رفدت به التّكنولوجيا الحديثة. فذكوريّة المجتمع جعلته عاجزاً عن تصوّر أيّ مواضعة جنسيّة مكتملة بغير وجود الذّكر مع عضوٍ قادر على الانتصاب. وهذا هو السّبب وراء التّرخّص في مخالطة المخصيّين للنّساء في هذه المجتمعات؛ وهي ثقافة انتشرت وتمدّدت حتّى شملت جميع الخدم الذّكور، إذ ربّما تتصرّف نسوة البيت المتسيّدات أمامهنّ بغير احتشام وذلك باعتبار أنّه من غير الوارد أن تبلغ به رجولتُه المجروحة بالاستخدام المنزلي مبلغ أن يُستثار بسيّدته. فهذا الاستخدام، ولو كان بأجر مدفوع، ليس سوى ابن ثقافة الرّقّ كونه لا يُحبّذ الاستخدام المنزلي إلاّ من المجموعات التي كانت مؤسّسة الرّقّ تستهدفها تقليديّاً، مثل جبال النّوبة، الجنوب، وما شابه. في المقابل، قد يتماهى الخادم في طهرانيّة ظاهريّة مع مسكنة متغابية، من خلالها يكرّس لمكانته في الأسرة كخادم أمين (ولد بيت).

    التّحرّش الجنسي بالمرأة واستعراض المرأة للرّجال في الشّارع

    يعود التّحرّش الجنسي بالفتيات والنّساء في شمال السّودان والمراكز الحضريّة بعموم إلى الوضع المقلوب للمدينة من حيث الانفتاح النّوعي بين الجنسين. فقد حكمت المدينة في بدايات تشكّلها على المرأة أن تقرّ في بيتها فلا تخرج منه إلاّ لضرورة؛ هذا بينما رفيقتُها في الرّيف، بصورة عامّة، تشارك الرّجل العمل في الحقل وفي السّوق وفي كلّ مناحي الحياة. تمخّض عن هذا قانون اجتماعي مؤدّاه أنّ على المرأة أو الفتاة التي تخرج من منزلها أن تتحمّل مسئوليّة ما يحدث لها، وما يحدث لها هو بالطّبع التّحرش الجنسي الذي يبدو كما لو كانت قبيلة الرّجال قد توحّد رأيُها بخصوصه. فالرّجال، يتبعهُم الغاوون من الفتية والصّبيان، كما لو انعقدت مخايلُ الرّجولة عندهم على عدم تفويت أيّ فرصة للتّحرّش الجنسي بالمرأة متى ما كان ذلك متاحاً ولو بصورة عابرة؛ فمجرّد اقتراب المرأة أو الفتاة من الرّجل أو الفتى كفيل بأن يجعل الأخيرَين يسعيان للاحتكاك بها وملامسة جسدها كيفما اتّفق؛ فإمّا لكزاً بالكوع في خاصرتها إذا ما جلست بجانبه في المركبات العامّة، أو احتكاكاً بالأقدام تحت ستار المقاعد، أو غمزاً بخائنة الأعين، أو حتّى همزاً بالأصابع. هذا فضلاً عن التّحرّش اللفظي المفتوح في مشارع الطّرقات العامّة والذي عادةً ما يستهدف التّلميح إلى جسدها بأسلوب أقلّ ما يمكن وصفُه أنّه بذيء. هذا هو واقع الحال في المراكز الحضريّة من السّودان التي تطرح نفسها كنماذج لإعادة إنتاج الهوامش الرّيفيّة. والغرض النّهائي من هذا النّوع من التّحرّش الجنسي تكريس دونيّة المرأة وليس استدراجها بغية مواقعتها جنسيّاً بالضّرورة، مع إمكانيّة حدوث هذا في أيّ حالة مواتية.

    تدهورت العلاقة النّوعيّة في السّودان خلال العقود الأخيرة إلى درجة أن أصبح التّحرّش الجنسي أساسها في الغالب الأعمّ. ومكمن التّدهور يعود إلى أنّ التّحرّش الجنسي قد حقّق طفرة، إذ لم يعد الغرض منه تكريس إحساس الرّجل بتفوّقه الذّكوري إزاء إحساس المرأة بدونيّتها الأنثويّة، بل تعدّاه ليصبح سلوكاً مؤسّسيّاً الغرض منه قهر المرأة من خلال التّعامل المباشر معها، بمعاكستها في عملها وإعاقتها في دراستها أو حرمانها من الخدمات الأساسيّة. كلّ هذا لحملها على الخضوع الجنسي إشباعاً لنهم الرّجل الذي عادةً ما يكون في موقع يمكّنه من إلحاق الأذى أو الضّرر الدّراسي أو الوظيفي أو الخدمي بها. وبلغ الأمر غايتَه الدّنيا من حيث الانحطاط عندما تحوّل إلى ابتزاز يقوم به العديد من الرّجال في أمكنة العمل أو في الجامعات، فإمّا أن تسمح لهم المرأة أو الفتاة بأن يضاجعوها، وإلاّ فاتتها التّرقية، أو حتّى الوظيفة نفسها، أو درجة النجاح مهما جدّ منها العزم وتجلّت فيها النّباهة.

    حدث هذا التّدهور المريع في سياق بعينه يمكن تلخيصُه في ثلاثة عوامل، أوّلُها هو اتّحاد بنيتي الوعي التّناسلي والوعي البرجوازي، وهو أمر قديم، بيد أنّه تكرّس بغياب أيّ مشروع للحداثة، وهو ما لخّصناه في النّظرة الانحطاطيّة للرّجل إزاء المرأة وشعوره بأنّها ممّا يُشترى بالمال. ويعود هذا إلى سيادة مفهوم الشّرف المادّي الذي يستند على الجسد كمختبر مادّي للعفّة والطّهارة. وهذا يعكس بعد مجتمعاتنا عن مفهوم الشّرف كقيمة أخلاقيّة، جماليّة، يستمدّ محكوميّته من شفافيّة الجمال، لا غلاظة الجسد. أمّا العامل الثّاني فهو موجة الهوس الدّيني التي استحكمت في العقود الأخيرة، والتي لم ترَ في المرأة شيئاً بخلاف مظنّة الرّزيلة. وبما أنّ هذا النّمط من التّديّن عادةً ما يكون مهجوساً بالجنس، لذا نشط في تفويج الزّيجات بطريقة مهووسة تعكس درجة تهجيسه بالجنس وبالمرأة. كما عمل في نفس الوقت، محكوماً بتهجّساته الجنسيّة، إلى تشريع أنماط من الزّواج لم يعرفها المجتمع السّوداني المسلم، مثل زواج المسيار، لا نشداناً لفقهٍ حداثويٍّ ينقذ شبابَنا من تبكيت الضّمير إزاء موجة التّحرّر الجنسي، بل إشباعاً لرغباتهم الجنسيّة في المقام الأوّل بحيث يُتيح لهم مواقعات جنسيّة ميسّرة وبأقلّ تكلفة. أي الانجراف مع موجة التّحرّر الجنسي وبأقلّ التّكاليف، ولكن من منظور فقهي يعفيهم من المساءلة، كما لو كان المسّائل بشراً وليس الله. أمّا العامل الثّالث فكان انصياع مؤسّسة الدّولة، عبر أجهزتها الحزبيّة السّياسيّة للخطاب الدّيني العقابي، الانضباطي نفسه، للدّرجة التي كأن لم يعد للحكومات من مهام غير ضبط النّساء والفتيات خشية أن يأتين بالفاحشة. فلأن تغطّي النّساءُ رؤوسهنّ أصبح أعلى درجة عند الحكّام الملتاثين من النّظر إلى ما إذا كانت النّساء يتمتّعن بصحّة جيّدة، دع عنك أكل مال السُّحت وظلم النّاس وتقتيلهم بغير وجه حقّ، كما دع عنك التّفريط في الأرض.

    وقد كان نتاج هذا كلّه أن زادت الرّزيلة بدرجة أصبحت فيها المرأة تُستعرض من قبل الرّجال في الشّوارع بغية إغوائها ومواقعتها في اجتراءٍ لم يعرفه المجتمع السّوداني من شماله إلى جنوبه، من غربه إلى شرقه في عقوده السّابقة. وظلّت قبيلة الرّجال في غالبها الأعمّ تنظر إلى هذا على أنّه من سيماء الفحولة وممّا لا يُعيب، بل يجلب المفخرة. وهكذا إن هي إلاّ زمن قليل حتّى تماهى قطاع من المرأة في ذات السّلوك، فأصبحت تستعرض الرّجالَ، ليس في زوايا الطّرقات المعتمة ليلاً فحسب، بل في رابعة النّهار والشّمسُ رأْد الضّحى، في انتظار من يقلُّها فيمنحُها بدرةً من مال، فتمنحُه جسدَها. بيد أنّ هذا لا يجلب لها أيّ مفخرة، ولا غرو، إذ تبوء بالعار المرأةُ وحدها. ثمّ بلغ الحال أن برزت النّساءُ العاملاتُ في الدّعارة الشّوارعيّة وهنّ محجّبات، منقّبات، تمويهاً وإغراءً، إذ ليس أشهى للرّجل الملتاث من مواقعة المرأة العصيّة، المحجوبة عن الرّجال ـ مظهراً لا مخبراً.

    عند هذا يفقد المجتمع حسَّه العام common sense، وليس أقتل للمجتمعات من هذا. وهكذا لم يعد هناك معيار للطّهر والعفاف عند الرّجال أو النّساء، فانهزمت القيم إذ غابت مُمايِزاتُها. فالفُسق والعهر السّياسي لا محالة سيجلب معه كلّ أنواع الفسق والتّعهّر الأخلاقي. وهذه هي بالضّبط المسئوليّة الجماعيّة للدّولة، كونها آليّة تركيز الإرادة الجمعيّة. حقّاً، لقد أخرجت الإنقاذ أسوأ ما في الشّعب السّوداني!

    صحيفة التغيير الالكترونية
    .......................................

    كتب ما بالمساهمات اعلاه استاذنا الدكتور محمد جلال هاشم
    الذي عرفناه من كتابات سابقة مليئة بالحكمة و نفاذ البصيرة


    طه جعفر

    (عدل بواسطة طه جعفر on 06-11-2013, 03:37 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فلعكو شين!! طه جعفر06-10-13, 06:11 PM
  Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فلعكو شين!! طه جعفر06-10-13, 06:12 PM
    Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فلعكو شين!! طه جعفر06-10-13, 06:13 PM
      Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فلعكو شين!! طه جعفر06-10-13, 06:15 PM
        Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فلعكو شين!! طه جعفر06-10-13, 06:24 PM
          Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-10-13, 07:12 PM
            Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-10-13, 08:41 PM
              Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-10-13, 08:45 PM
                Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! حاتم الياس06-10-13, 11:45 PM
                  Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 01:14 AM
                    Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 01:40 AM
                      Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 02:05 AM
                        Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! باسط المكي06-11-13, 03:32 AM
                          Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! وليد محمد المبارك06-11-13, 06:02 AM
                            Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! عباس الدسيس06-11-13, 06:19 AM
                              Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 12:31 PM
                            Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! د.نجاة محمود06-11-13, 06:27 AM
                              Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! عمار عبدالله عبدالرحمن06-11-13, 08:12 AM
                                Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! عبدالرحمن الحلاوي06-11-13, 10:39 AM
                                  Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! الطيب عثمان يوسف06-11-13, 12:26 PM
                                    Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 12:35 PM
                                      Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 12:41 PM
                          Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 12:30 PM
                            Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 02:44 PM
                            Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! عبدالرحمن الحلاوي06-11-13, 03:03 PM
                              Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! د.نجاة محمود06-11-13, 04:24 PM
                                Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-11-13, 05:24 PM
                                Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! Barakat Alsharif06-11-13, 05:56 PM
                                  Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! عبدالرحمن الحلاوي06-11-13, 07:01 PM
                                    Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-12-13, 02:55 AM
                                      Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! عبدالرحمن الحلاوي06-12-13, 04:57 AM
                                      Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! Barakat Alsharif06-12-13, 07:18 AM
                                      Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! Kabar06-12-13, 08:39 AM
                                        Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! امجد الجميعابى06-12-13, 09:05 AM
                                          Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! سمير شيخ ادريس06-12-13, 09:43 PM
                                            Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-13-13, 02:12 AM
                                              Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! د.نجاة محمود06-13-13, 05:43 AM
                                                Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! Abdalla Abbas06-13-13, 07:19 AM
                                                  Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! MOHAMMED ELSHEIKH06-13-13, 08:20 AM
                                                    Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! عبدالكريم الاحمر06-13-13, 10:55 AM
                                                      Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-13-13, 12:33 PM
                                                        Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! حاتم الياس06-13-13, 01:21 PM
                                                          Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! حاتم الياس06-13-13, 01:38 PM
                                                            Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! عبدالرحمن الحلاوي06-14-13, 00:02 AM
                                                              Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-14-13, 03:13 AM
                                                            Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-14-13, 03:10 AM
                                                          Re: الملاوطية صوتكو سمح بالحيل!.. قولكو زين إلا فعلكو شين!! طه جعفر06-14-13, 03:00 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de