|
Re: من قصص وحكاوي كتاب محمود عبد العزيز مع سبقِ الإصرارِ والترصّد . (Re: حبيب نورة)
|
أصبح محمود هو الفنان الذي يؤدي أغاني الغير، فننسى أسماءهم وطريقتهم وأصواتهم، وننسبها إليه، محمود كان يخضع الأغنية لمشيئته وجبروت حنجرته العظيمة، فتلين له وتصبح تحت أمره وطوعه. مثلما حدث ذلك اليوم وأنا أتشارك بعض أغاني محمود في جزلٍ ونشوة، غنّى محمود فطربنا، وعرج إلى لطيفة الجاغريو " يا قلبي السراري الفيك كاتم أسراري حبيبتك أبعدوها سكنوها البراري ". كان محمود يغنيها بلوعةٍ وكأن تلك الحبيبة السيئة الحظ أبعدوها إلى أقصى براري الصحراء الكبرى، وما بعد سقَط لقَطْ!! فقلت منتشياً: الله عليك يا (جاغريو)! مثلما كان الجاغريو يدهشني بالكلمات القوية التي تنمّ عن الفروسية والرجولة وشدّة البأس، كذلك كان يخفّف عليّ بأغانٍ طريفةٍ وخفيفةِ مثل " سميري الفي ضميري ". تقرأ مع كلمات أغنية (الظايط ما بنقدِر سيل الوادي البنحدِر _ الليلة الظايط جاكُم حايم.. صاحي ما بتلقوهُ نايم.. شادّي الخيل أُمات لجايم.. أسد الخشش أب قوائم.. هاشك فوق أم تمائم) أو (في الميدان مارقين سوا شافهم العدو إنكوى). فقال لي هذا الصديق محتجاً: يا زول هوي دي غنية الحوت. فقلت معاذ الله، لم تكن من صويحباتِ يوسف، ولكن محمود سقاها من نبعِ حنجرتهِ الرّوية، فأهتزت وربت!!، وكذلك خذ معك أغنية " يا رائع جفيتني وأنا ضائع تعال لي " أيضاً غناها محمود مثلما غناها قبله (خلف الله حمد) الفنان الشعبي العظيم الذي غنى (أنا ليهم بقول كلام.. دخلوها وصِقيرا حام)، وكذلك غنى خلف الله حمد أغنية وملحمة النعيم ود حمد التي يقول فيها: (يا الشرّفت القضى.. ويا الحاكيت من مُكوار بدا.. خدامتو القعّدا .. هي بتدْرُشْ وقالت قضى) لكن عددا كبيرا من هذا الجيل لا يعرف من يكون خلف الله حمد ولا النعيم ود حمد الذي كان تماماً كمحمود الذي لا يقلّ عنه جوداً (وقت العيش بقى معدوم.. فوق ضهرو الولية تحوم. إلى أن يمضي شاعرها الذي يقال إن اسمه (بابا) في وصفه قائلاً: أنا غنّيت جِبت وصفو.. مكتوب الشرف على كتفو.. ناطُوا لي الما لِحقوا حرفو.. ديل القِبيل ماكلنوا حرْفو.. يا بابكُر النعيم درّاج المتابكه). اندهش صديقي بعد أن تحدثنا وتناقشنا حول كثير من الأغاني التي كان يظن أنها لمحمود، ولم يغنّها أحدٌ من قبله، وقد نتطرّق إلى بعضها لاحقاً. الجدير بالذكر أن صديقي هذا شبه أُمّي، ولكنه يسمع الأغنية مرة أو مرتين من محمود، فيحفظها، ولو سمع ذات الأغنية من غيره، لن ترسخ في ذهنهِ أبداً. فيا للعجب. وعلى صعيدٍ آخر_ هل كان محمود يقلّ قدراً عن النعيم ود حمد الذي كُتب فيه: (النعيم يا فحل القبايل.. كريم لمّام الهمايل.. شِيتاً براك ما أظنو خايل.. إيدو أم رِويقْ والقبلي شايل). هذه الأغنية العظيمة التي يمتدح شاعرها بابا، العمدة النعيم ود حمد ستختصر لنا فيما بعد كلّ مسيرة الفنان محمود عبدالعزيز الخيرية. محمود كان لا يملك (مطامير) معبئة بالخيرات كتلك التي يملكها النعيم ود حمد، ولكنه كان يجود بأكثر مما يملك، ولدينا الكثير من القصص والمواقف التي تؤكد هذا الأمر.
|
|
|
|
|
|
|
|
|