|
قصص من الحرب - منيرة الشيخ، عائشة إسماعيل، مواهب بشير سليمان
|
هذه هي القصص الحقيقية لثلاث لنساء ذقن ويلات الحرب وشاركن في الورشة، وهن: منيرة الشيخ، عائشة إسماعيل، مواهب بشير سليمان. لقد قمن الثلاثة بكتابة قصصهن بأنفسهن، وافقن على صياغتها للنشر في هذا الكتاب. وقد ساعدت هذه العملية على تطوير تعبيرهم عن تجاربهم في الشكل الكتابي. كانت غالبية النساء في الورشة على درجة عالية من التعليم، وكن قادرات على التعبير عن أنفسهم بالغة العربية الفصحى، بل وبطريقة أدبية. كان شيئا مذهلا. كانت نية الكتابة والنشر تعني لديهن مفهوما واضحا للمسئولية الاجتماعية تجاه كل النساء السودانيات. لقد كانت كل المشاركات في الورشة منخرطات بإخلاص في تنمية مجتمعاتهن الصغيرة بشكل عام، وفي تحسين أوضاع النساء بشكل خاص. لقد كان لديهن أيمان بالحياة لا يمكن قهره. كان لديهم أمل لا يمكن لشيء أن يقتله. من اجل هذا الأمل في مستقيل أفضل ، ننشر هذه القصص الحقيقية. إن قصصنا هي شهادتنا الوحيدة، هي جزء منا . هي وجعنا وهي حريتنا. سوف تظل قصصنا ملكنا دوما لكنها بهذا الكتاب سوف تنتمي أيضا لكل من يقراها. منيرة حدثت قصتي في12 يناير عام 1997 . في الكرمك، عندما اندلعت الحرب مرة أخرى بين الحركة الشعبية ( الجيش الشعبي لتحرير السودان) وجيش الحكومة. كنت اعمل معلمة في إحدى مدارس الكرمك. مدرسة خديجة بنت خويلد للتعليم الأساسي للفتيات. في صباح يوم الحادث، وصلتنا أخبار عن قرب دخول الجيش الشعبي مدينة الكرمك. وفجأة سمعت انفجارا ، جريت إلى خارج المنزل مباشرة لم أكن أفكر ألا في كيفية حماية التلميذات، البنات الصغيرات لم يكن يفهمن شيا مما يجري، لكنهم كن ممتلئات بالخوف. كانت مسئوليتي أن أساعدهن مع إنني لم أكن اعرف كيف أساعد نفسي. كان الموقف كله غريبا للغاية. حدث كل شيء بسرعة لدرجة أن بعض التفاصيل قد تسربت مني. قررت الهرب مع تلميذاتي وناس آخرين كثيرين. كنا نجري هربا في مجموعة كبيرة، كان نوعا من الهروب الجماعي، والفزع الجماعي، لم تكن لدينا أدنى فكرة عما يحدث لأسرنا وأصدقائنا، مما جعلنا نستاء أكثر.لم يكن بيدنا سوى أن نهرب ونظل نهرب حتى يختفي الخطر من ورائنا. وصلنا إلى منطقة البركة، بجوار الكرمك. وهناك سقطنا في أسر الجيش الشعبي. ومكثنا في الأسر. كان ذلك قدرنا، فبالرغم من أننا ظننا أننا نهرب من الخطر، ألا أننا كنا نقترب منه أكثر و أكثر. في الساعة السابعة مساء من اليوم نفسه، وصل إلينا ضابط من الجيش السوداني بعد أن تم الاستيلاء على الكرمك. كان يريد الاطمئنان علينا، وسأل الجنود الذين أسرونا عن هويتهم، وما إذا كانوا ينتمون إلى الجبهة الشعبية أم لا، إلا أنهم لم يعطوه أية فرصة، وفي ثواني كان الرصاص بنهال عليه من كل جانب. كنت اجلس مع زميلاتي في الأسر، وصلت عدة رصاصات إلينا، وأصابتني واحدة منهم في ساقي اليمنى. على الفور سال الدم من فخذي الأيمن، كانت العظمى قد كسرت. كنت خائفة ومتألمة وحزينة. بقيت في مكاني ثلاثة أيام دون حراك، ودون أي علاج. كنت اصرخ باستمرار، لم تلمسني يد سوى الأعشاب لوقف النزيف، بعد ذلك نقلني أحباش إلى مستشفى في الحبشة، مكثت فيه أربعة أيام، ثم نقلوني إلى مستشفى آخر في اصوصة بقيت فيه اثنين وعشرين يوما. كنت المريضة الوحيدة وسط رجال كثيرين ولم يكن معي احد سوى صديقتي، منال التي رافقتني طوال هذه الرحلة. ظلت منال جواري طوال الوقت، كانت هي رفيقتي وملاكي الحارس، وأكبر دليل على أن القلوب الطيبة مازالت طيبة حتى في أحلك الأوقات. كانت الممرضات رفيقات للغاية معي، كن ببكين وهن يضمدن جراحي من هول الإصابة. أحسست بالرعاية والحنان منهن. مع أنهن لم يملكن أن يعطينني سوى الأقراص والحقن، ومع أني لم أكن افهم لغتهن. لم تكن المستشفى مجهزة بتاتا، ولم تكن معدة للجراحة. فكرت في السفر للسعودية لكن طلبي لتأشيرة رفض في ذلك الوقت. رجعت إلى السودان عن طريق نيروبي. تحسنت معنوياتي بمجرد الرجوع إلى الوطن. اجتمعت مع أسرتي وأصدقائي وشعرت كم قربتنا تلك الحادثة الموجعة من بعضنا البعض. بدأت علاجي في الخرطوم، في مستشفى القوات المسلحة وكلي أمل في الشفاء، أجريت لي عمليتان، العملية الأولى فشلت، فأجريت العملية الثانية بعد شهر لكنها لن تسفر عن أي تحسن. كان ذلك يعني كيف أن نقص العلاج والرعاية الطبية الجيدة يمكنهما أن يمدا في فظائع الحرب بدلا من أن يهوناها. لكن ذلك كان يعني لي أيضا أنني لابد أن استمر في الكفاح من اجل، الأمل، ومن اجل حقي في أن أحيا حياة طبيعية. سافرت إلى سوريا من أجل علاج أفضل. تكفلت الحكومة السودانية بمصاريف سفري وعلاجي في مستشفى سوري. وأجريت لي جراحتان هناك أيضا لكن بنجاح هذه المرة، وتم زرع دعامة معدنية في فخذي. وعدت مرة أخرى إلى السودان. استكملت دراستي الجماعية في قسم دراسات اللغة العربية والشرعية، ولم ادع شيئا يقف في طريقي. قررت أن استمروا لا يعوقني شيء. في يوم 25 نوفمبر عام 2006، تم نزع الدعامة في مستشفى الخرطوم التعليمي. أنا في حالة جيدة ألان أحيا حياتي بطريقة طبيعية. أشعر أن ما حدث لي كان اختبارا من الله لإيماني وأعتقد أنني نجحت فيه، الحمد لله.
.....//2
|
|
|
|
|
|
|
|
|