وداعآ دكتور عبدالعظيم الحسن اخصائي طب العيون فى السودان

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا والصلاة والسلام علي اشرف خلق الله محمد بن عبد الله و آله وصحبه وبعد: إن هذه الدنيا في حقيقتها دار ابتلاء واختبار ، هي ممر ومعبر لدار مقر ، إن الموت سنة الحياة قال تعالى: ( كل نفس ذائقة الموت) وقال تعالى: ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله { وقال تعالى: لنبيه صلي الله عليه وسلم} انك ميت وإنهم ميتون)

الموت باب وكل إنسان داخله فيا ليت شعري ما الدار بعد الدار


وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع


وما الموت إلا سارق دق شخصه يصول بلا كف ويسعي بلا رجل

وكانت الفاجعة كان موته .... لقد ترك موته لوعة في القلوب وأسي في النفوس. لقد كنا نحن وهو نؤمل والأقدار قدرت شيئا آخر!! لقد قال لي في مطار سانفرانسسكو ، يرحمه الله ، أنه سيعود لأحبابه ولكن تقدرون فتضحك الأقدار.
إن الموت كالصيرفي نقاد يختار الجياد من الناس واختار هذه المرة طوداً شامخاً وشمساً ساطعة. كان الفقيد ركناً بل كان بنيان قوم. كان شعلة وكان علما من أعلام السماحة والندى.

إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت علي ابن "الحسن"

كان فقيدنا حكيماً وذا رأي سديد ، وكان فارساً مقداماً وقائداً فذاً لذا نستعير له من شعر الآخرين مع التصرف لأنه كان كريماً جواداً :

الما على (عبد العظيم) وقولا لقبره سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا
ويا قبر (عبد العظيم) كيف واريت جوده وقد كان منه البر و البحر مترعا
بلي قد وسعت الجود والجود ميت ولو كان حيا ضقت تصدعا
ولما مضى (عبد العظيم) مضى الجود وانقضى وأصبح عرنين المكارم اجدعا

يقال أربع خصال يسود بها الفتى: العلم ، والأدب ، والعفة ، والأمانة. ولا ريب أن فقيدنا قد حاز علي هذه الصفات الأربع.
كان عالماً في مجاله متفوقاً تشرب بالعلم منذ صغره على أيدي الشيوخ الفقهاء الأجلاء فنهل من بحارهم واكتسى حلة من بهائهم. كان رجل طبٍ ضليع متمكن من علمه يشار إليه بالبنان ، شهد له بذلك الجهابذة من الأطباء وعلمائهم فقد مزج علمه الطبي بالثقافة والأدب شعراً ونثراً وتوجهما بالعفة والأمانة.
كان خطيباً مفوها يرتجل الخطابة ويجيدها. كلامه مرتب ومنسق يتخير الكلمات والألفاظ ويوقعها في مواقعها فلا هي تكون قلقة ولا نابية ولا مخلة بالمعنى. كان فقيدنا
عبد العظيم عفيفاً طاهر الثوب نظيفاً أنيقاً وأميناً دمث الأخلاق طيب المعشر لا يمله جليسه ، ولا يشبع منه أنيسه نقي السريرة عطر السيرة.

إذا ما رأه الرجال تحفظوا فلا تنطق العوراء وهو قريب
حبيب إلى الزوار غشيان بيته جميل المحيا شب وهو أديب
حليم إذا ما الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدو مهيب

كان الفقيد طلعة ، وكان متفوقاً على عمره مسابقا له ولذا كانت أعماله أضعاف سني عمره ولم ير إلا مع علية القوم وعلمائهم.
كان صديقاً للكبير والصغير وكانت له مع الجلة من الناس علاقات وصلات. كان رجلاً قومياً وكان رجل سلام. كان رجل الخير يفعل الخير ويدعو للخير ويحث علي الخير ويكثر من الخير قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)

وقال الشاعر :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس

كأن الشاعر عناه بقوله:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

لم تفقده أسرته فقد فقده كثيرون صغار ومسنون ولذا نحسبه من الذين قال الله فيهم: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فقده السودان ولم تفقده أسرته وحدها. فقده السلاح الطبي ، فقده الأدب شعراً ونثراً عندما ارتفع فوق الصغائر والإحن لأنها لم تكن في قاموسه.
لقد كان الفقيد بحق صديق الإنسانية لذا أحبه الناس وحزنوا وزرفوا الدمع عليه زرافات ووحدانا عند سماعهم للنبأ الصاعق الذي أذهل الجميع بعد أن نعي لهم صديقهم وحبيبهم. وأجدني مضطرا - والنفس قد استولى عليها الحزن وملأ جوانحها الأسى وفاضت العيون بالدموع - للاستعارة من شعر الكتيابي في رثاء صديق له مع التصرف.

أمسافر فأعد كم سنة يطيق مسافر؟
وأقول بعد غد يؤوب كعهده ويسامر
وأقول أسمع صوته وتجيء منه خواطر
لم يقل لي في الوداع هو الوداع الاخر؟!
بك لا يقال عن المقا بر يا (عظيم) مقابر
فإذا حللت بموضع فمقام حلك عامر
لهفي على قبر ثوى فثوت قرى وحواضر

ثم نقول:

أيتها النفس أجملي جزعا إن الذي تحذرين منه قد وقعا
إن الذي جمع السماحة والنجدة والحزم والقوى جمعا
الألمعي الذي يظن لك الظن كأن قد رأى وقد سمعا

كان فقيدنا الله يرحمه ويحسن إليه فلتة من فلتات الدهر سريعاً ما توارت وومضة لاحت في أفقنا ثم تلاشت.

يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذاك كواكب الأسحار

قال سيدنا علي رضي الله عنه. إنما الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا ونهب للمصائب ومع كل جرعة شرق ومع كل أكله غصص ولا ينال العبد فيها نعمة إلا بفراق أخرى ولا يستقبل يوماً من عمره إلا بهدم آخر من أجله ، فنحن أعوان الحتوف وأنفسنا تسوقنا إلى الفناء فمن أين نرجو البقاء! وهذا الليل والنهار لم يرفعا من شيء شرفاً إلا أسرعا الكرة في هدم ما بنيا وتفريق ما جمعا.
ثم ما بعد؟! لم يكن أمامنا إلا الصبر والدعاء للفقيد بان يتغمده الله بواسع رحمته. قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ......) (ربنا افرغ علينا صبرا) ، (وبشر الصابرين.......) وقال تعالىإنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب).

اصبر لكل مصيبة وتجلد وأعلم بان الدهر غير مخلد
أو ما ترى الحوادث جمة وترى المنية للعباد بمرصد
وإذا أتتك مصيبة تشجي بها فاذكر مصابك بالنبي محمد(صلي الله عليه وسلم)
يقول الشاعر:
حلفَ الزمان أن يأتي بمثلك حنثت يداك يا زمان فكفِّر

ولكن الحمد لله الذي أمات وأحيا ، والحمد لله الذي يحي الموتى له العظمة والكبرياء والثناء وهو علي كل شي قدير. اللهم إن فقيدنا عبد العظيم عبدك أنت خلقته وأنت رزقته وأنت أمته وأنت تحييه ، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته. اللهم اجعله مع الذين قلت أنهم: (على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ... )، اللهم اجعله مع الذين قلت أنهم (في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.......) .
اللهم اجعله مع الذين قلت (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال علي الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولاً من رب رحيم) ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم. وسلام علي جميع الأنبياء والمرسلين.ثم سلام علي عبد العظيم في الخالدين

(عدل بواسطة yasiko on 02-16-2008, 07:22 AM)
(عدل بواسطة yasiko on 02-16-2008, 07:34 AM)